الإثنين 17 نوفمبر 2025م – 26 جُمادى الأولى 1447 هـ

حكم صلاة الجنازة على الغريق المفقود

تاريخ الفتوى: 28 يوليو 2025 م
رقم الفتوى: 8723
من فتاوى: فضيلة أ. د/ نظير محمد عياد - مفتي الجمهورية
التصنيف: الصلاة
حكم صلاة الجنازة على الغريق المفقود

ما حكم صلاة الجنازة على الغريق المفقود؟ فقد سأل أحد الأشخاص عن قريب له كان يهوى السباحة، وفي يوم من الأيام أخذ يسبح حتى جرفه الموج ولم يخرج، وأبلغوا الجهات المختصة ولم يتم العثور عليه حتى الآن، وقد مر على ذلك خمسة عشر يومًا، فهل يصلون عليه صلاة الجنازة أو ماذا؟

إذا عثرتْ فرقُ الإنقاذ وجهاتُ البحث على جثة القريب المذكور الذي مات غريقًا فإنه يعامل معاملة سائر الموتى من الغسل -إذا أمكن تغسيله- والتكفين والصلاة عليه والدفن، أما إذا لم يعثر على جثته ولم يعلم حاله من حياة أو وفاة، فلا يصلى عليه حتى يصدر قرارٌ من الجهة المختصة أو حكمٌ قضائي بموته، فإذا صَدَرَ قرارٌ أو حكمٌ بموته: فإنه يُصَلَّى عليه صلاة الغائب حينئذٍ.

المحتويات

 

ما يجب فعله على المسلم عند نزول البلاء وحدوث المصيبة

يصطفي الله تعالى من عباده مَن يشاءُ زيادةً في حسناتهم ورفعًا لدرجاتهم وتكفيرًا لسيئاتهم، فيبتليهم بمصيبة في المال أو في النفس أو بفَقد عزيزٍ لديهم، فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا مِنْ شَيْءٍ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ حَتَّى الشَّوْكَةِ تُصِيبُهُ، إِلَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً أَوْ حُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ» أخرجه الإمام مسلم.

وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصبر والتسليم لأمر الله تعالى عند نزول البلاء وحدوث المصيبة مع التوجه إلى المولى عزَّ وجلَّ بالدعاء والرجاء بحصول عظيم الأجر ونيل جزيل الثواب، فعن أم المؤمنين السيدة أم سلمة رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللهُ: ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ﴾ [البقرة: 156]، اللهُمَّ أجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَخْلَفَ اللهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا» أخرجه الإمام مسلم.

مدى اعتبار الغريق من الشهداء

قد عَدَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي يموت في الماء غريقًا من الشهداء، حيث قال: «الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ» أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفي لفظ عند مسلم: «وَالْغَرِيقُ شَهِيدٌ».

قال الإمام أبو الوليد الباجي في "المنتقى" (2/ 27، ط. مطبعة السعادة): [وهذه ميتات فيها شدة الأمر فتفضل الله تعالى على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأن جعلها تمحيصًا لذنوبهم، وزيادةً في أجرهم حتى بلَّغهم بها مراتب الشهداء] اهـ.

وقد اتفقت كلمة العلماء وشراح السُّنَّة النبوية المطهرة على أن المراد بـ"الشهادة" الواردة في هذا الحديث الشريف وأمثاله من الأحاديث والآثار ما أطلق على صاحبها "شهيد الآخرة"، بمعنى أن الذي مات بأحد هذه الموتات المذكورات له مثل أجر الشهيد في الآخرة فقط، فهو كالشهيد حقيقةً عند الله تعالى في وُفور الأجر وعظيم الثواب دون أن تجري عليه أحكام الشهيد حقيقةً في الدنيا، ولهذا يُغسَّل ويُكفَّن كسائر الموتى.

قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (13/ 63، ط. دار إحياء التراث العربي): [قال العلماء: المراد بشهادة هؤلاء كلهم غير المقتول في سبيل الله أنهم يكون لهم في الآخرة ثواب الشهداء، وأما في الدنيا فيُغَسَّلون ويُصلَّى عليهم] اهـ.

حكم صلاة الجنازة على الغريق

مَن غَرق في الماء فإن أحكام الجنائز في حقِّه على صورتين:

الصورة الأولى: إذا عُثِر على جثته وتحقق موته؛ فإنه في هذه الحالة يُعامل كسائر الموتى: يُغسَّل -إذا أمكن تغسيله- ويُكفَّن ويُصلى عليه.

قال العلامة أكمل الدين البابرتي الحنفي في "العناية شرح الهداية" (2/ 110، ط. دار الفكر): [لو أُخْرِج الغريقُ وجب غسله] اهـ.

وقال الإمام ابن البراذعي المالكي في "التهذيب في اختصار المدونة" (1/ 341، ط. دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث): [مات بغرق أو هدم، فإنه يُغسل ويُصلى عليه] اهـ.

وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب" (1/ 299، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(ويُغسل الغريق) فلا يكفي غرقه؛ لأنا مأمورون بغسل الميت فلا يسقط الفرض عنا إلا بفعلنا] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 402، ط. مكتبة القاهرة): [والغريق، إذا أمكن غسله غُسِّل، وإن خِيف تقطعه بالغسل صُبَّ عليه الماء صبًّا، ولم يمس، فإن خيف تقطعه بالماء لم يغسل، ويُيَمَّم إن أمكن، كالحي الذي يؤذيه الماء، وإن تعذر غسل الميت لعدم الماء يُيمَّم، وإن تَعَذَّر غُسْلُ بعضه دون بعض، غسل ما أمكن غسله، ويُيمَّم الباقي، كالحي سواء] اهـ.

والصورة الثانية: ألا يعثر على جثته ولا يعلم حاله من حياة أو وفاة: وحينئذٍ لا يعتبر الشخص ميتًا بمجرد فقده أو غيابه، وإنما يجب الرجوع إلى الجهات المختصة المنوط بها مهمة التحري واستظهار القرائن التي يترجح بها موته بجميع الطرق والوسائل الممكنة، ولا يكون المفقود ميتًا بحالٍ من الأحوال إلا بعد صدور قرار من الجهة المختصة أو حكم قضائي بموته، بحسب ما تقتضيه المادتان (21، و22) من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929م، والتعديلات عليهما المضافة بموجب القانون 140 لسنة 2017م، ومن ثمَّ فلا تصلى الجنازة قبل الحكم باعتباره ميتًا؛ إذ من المقرر شرعًا أن صلاة الجنازة لا تكون إلا بعد موت الشخص حقيقة أو حُكْمًا، أما إذا عُلِمَ حياته أو شك فيها فلا يُصلى عليه.

قال العلامة شهاب الدين الرملي في "فتح الرحمن بشرح زبد ابن رسلان" (ص: 412، ط. دار المنهاج) في أحكام صلاة الجنازة: [فإن شُك في موته؛ بأن احتمل عروض سكتة أو ظهرت أمارات فزع أو غيره وجب التأخير إلى العلم بموته] اهـ.

وعلى هذا فإذا صدر قرار من الجهة المختصة بموت المفقود غرقًا، فتجوز صلاة الغائب عليه حينئذٍ، على ما ذهب إليه المالكية في قول والشافعية والحنابلة في أصح الروايتين وعليها المذهب.

قال الإمام اللخمي المالكي في "التبصرة" (2/ 674، ط. أوقاف قطر): [قال عبد العزيز بن أبي سلمة: يُصلى على الغريق... قال الشيخ رضي الله عنه: القول بجواز الصلاة على الغائب أحسن] اهـ.

وقال أبو العباس القرطبي المالكي في "المفهم" (2/ 611، ط. دار ابن كثير): [فيُصلَّى على الغريق وأكيل السَّبُع، وهو قول ابن حبيب من أصحابنا] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "روضة الطالبين" (2/ 130، ط. المكتب الإسلامي): [تجوز الصلاة على الغائب بالنية وإن كان في غير جهة القبلة والمصلي يستقبل القبلة، وسواء كان بينهما مسافة القصر أم لا، بشرط أن يكون خارج البلد] اهـ.

وقال شمس الدين ابن قدامة الحنبلي في "الشرح الكبير" (6/ 185، ط. هجر): [ويُصلى على الغريق، إذا غَرِق قبل الغسل، كالغائب البعيد، لأنَّ الغسل تعذر لمانعٍ] اهـ.

وقال العلامة ابن مفلح الحنبلي في "المبدع في شرح المقنع" (2/ 260، ط. دار الكتب العلمية): [(ويُصلى على الغائب بالنية) كالصلاة على القبر في أصح الروايتين، وظاهره: لا فرق بين الإمام وغيره، ولا مِن مسافة القصر وغيرها، في جهة القبلة أو غيرها] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإذا عثرتْ فرقُ الإنقاذ وجهاتُ البحث على جثة القريب المذكور الذي مات غريقًا فإنه يعامل معاملة سائر الموتى من الغسل -إذا أمكن تغسيله- والتكفين والصلاة عليه والدفن، أما إذا لم يعثر على جثته ولم يعلم حاله من حياة أو وفاة، فلا يصلى عليه حتى يصدر قرارٌ من الجهة المختصة أو حكمٌ قضائي بموته، فإذا صَدَرَ قرارٌ أو حكمٌ بموته: فإنه يُصَلَّى عليه صلاة الغائب حينئذٍ.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

هل يجوز صلاة الغائب على من مات بسبب وباء كورونا المستجد ولم يُصَلَّ عليه؟


ما حكم صلاة الجنازة في الشوارع بالنعال؟ حيث يصلي أهل إحدى القرى صلاة الجنازة بالأحذية والنعال عند المقابر بشارع خارجها، بحجة أن يلحق بهذه الصلاة أكبر عدد من رواد المساجد بالقرية والقرى المجاورة، بالإضافة إلى المشيعين؛ علمًا بأن شوارع هذه القرية لا تخلو من بعض روث البهائم والحمير والقطط والكلاب أو مياه المجاري والطين في الشتاء، بالإضافة إلى أنهم فلاحون بعضهم يدخل إلى حظائر الحيوانات بتلك النعال، وكذلك إلى دورات المياه بالمساجد وغيرها من دورات المياه العمومية، ناهيك عن رائحة الجوارب (الشرابات)، والتي تجاوز رائحة البصل بمراحل كبيرة، بالإضافة إلى إمكان وجود بعض الروث بمكان الصلاة، ورغم ذلك يصر أهل القرية على أداء هذه الفريضة بالنعال، فما حكم شرعنا المقدس الطاهر في هذه الصلاة؟ وهل يجوز أداء باقي الصلوات بهذه الكيفية؟


ما حكم الصلاة بالقراءات الشاذة؟ فقد حكى لي بعض أصدقائي أنَّه شاهد أحد الناس يُصلِّي في الصلوات الجهرية ويقرأ بقراءة غير معتادة، وعندما سأله صديقي عن هذه القراءة أبلغه أنَّها قراءة شاذة، فهل تصح الصلاة بمثل هذه القراءة في الصلاة؟


هل يجوز الاعتماد على الساعات الذكية والتطبيقات الإلكترونية في تحديد أوقات الصلوات، وفي تحديد وقت الفطر خلال شهر رمضان؟ فأنا أسكن وأهلي في منزلٍ أعددته بجوار مزرعتي بعيدًا عن المدينة، وقد لا أسمع الأذان وأنا بداخله، وقد ظهرت ساعات ذكية وكذلك تطبيقات إلكترونية تساعد على معرفة مواقيت الصلاة.


ما كيفية الطهارة عند وقوع النجاسة على شيء ولم يُعرَف موضعها؟ فقد توضأتُ للصلاة، ولما فرَغتُ مِن الوضوءِ وَقَعَ عليَّ ماءٌ نجسٌ، وأصاب ثَوبِي وبَدنِي، وتَطَايرَ على المكان الذي أُرِيدُ الصلاة فيه، لكن لا أعلم موضع تلك النجاسة التي أصابتني، فما حكم الصلاة في هذه الحالة؟


ما حكم تلقين المصلّي التشهد في الصلاة إذا عجز عن حفظه؟ فإنَّ والدي لا يحفظ التشهد وعند صلاته أجلس أمامه ألقنه التشهد ويردّده ورائي؛ فهل هذا يجوز شرعًا؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 17 نوفمبر 2025 م
الفجر
4 :52
الشروق
6 :22
الظهر
11 : 40
العصر
2:37
المغرب
4 : 58
العشاء
6 :18