ما حكم المشاركة في نظام تأميني لتغطية نفقات الدفن عند الوفاة؟ ففي بعض البلدان الأجنبية ترتفع نفقات دفن الميت بشكل كبير، وقد لا تستطيع أسرة الميت تحمل تلك التكاليف، ومن ضمن الحلول لهذه المشكلة، المشاركة في التأمين الخاص بترتيبات الدفن، وهذا التأمين عبارة عن مبلغ شهري يُدفع لمكان الدفن، بحيث إذا توفى شخص ما من أسرة دافع التأمين يتم دفنه مباشرة دون طلب نفقات للدفن، فما حكم الشرع في المشاركة في هذا النوع من التأمين؟ أرجو الإفادة وجزاكم الله خيرًا.
يجوز شرعًا المشاركة في دفع مبلغ التأمين الخاص بترتيبات دفن من مات من المسلمين على العموم، بل إن هذا الأمر مندوب إليه؛ لما فيه من التعاون والتكافل الاجتماعي المطلوبَين شرعًا، على أن يتم ذلك تحت الإطار الرسمي الموافق للتنظيمات القانونية والإجراءات المتبعة في مثل هذا الأمر؛ تحقيقًا للمصلحة، وحفظًا لأموال الناس من الضياع.
المحتويات
من المقرر شرعًا أنَّ دفن جسد المتوفى وموراته التراب حقٌ ثابتٌ لكل مسلم صيانةً لآدميتهِ، ومراعاةً لحرمتهِ، وحفظًا لأمانتهِ؛ قال تعالى: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾ [طه: 55]، وقال سبحانه في مَعرِض الِامتِنان: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا﴾ [المرسلات: 25-26]، والامتنان أمارة المشروعية، قال تعالى: ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ﴾ [المائدة: 31].
قال الإمام الفخر الرازي في "مفاتيح الغيب" (22/ 62، ط. دار إحياء التراث العربي): [لا شُبهة في أن المراد الإعادة إلى القبور حتى تكون الأرض مكانًا وظرفًا لكل من مات، إلا من رفعه الله إلى السماء، ومن هذا حاله يحتمل أن يُعاد إليها أيضًا بعد ذلك] اهـ.
وقد أجمع الفقهاء على أن تجهيز الميت ودفنه فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وإن لم يقم به أحد ممن علم به أثموا جميعًا.
قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب في شرح روض الطالب" (1/ 298، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(غسله وتكفينه والصلاة عليه) وحمله (ودفنه) أي: كل منها (فرض كفاية) للإجماع على ما حكاه الأصل] اهـ.
الأصل في نفقة تجهيز الميت أن تكون في تركته إن ترك مالًا، فإن لم يكن له مال انتقلت نفقة تجهيزه إلى من تلزمه نفقته، فإن عدم أحد ممن تلزمه نفقته انتقلت إلى بيت المال. ينظر: "نور الإيضاح ونجاة الأرواح" للعلامة الشرنبلالي الحنفي (ص: 115، ط. المكتبة العصرية)، و"شرح مختصر خليل" للإمام الخراشي (8/ 197، ط. دار الفكر)، و"المجموع شرح المهذب" للإمام النووي (5/ 189، ط. دار الفكر)، و"المغني" للإمام ابن قدامة (2/ 388، ط. مكتبة القاهرة).
فإن عدم جميع ما سبق انتقلت نفقة تجهيزه فأصبحت على جميع من علم به وقدر على القيام به من المسلمين فرضًا من فروض الكفاية.
قال الإمام ابن نجيم في "النهر الفائق" (1/ 385، ط. دار الكتب العلمية): [وسائر تجهيزه... إن لم يكن له أحد ففي بيت المال فإن لم يعط ظلمًا أو عجزًا فعلى الناس أن يسألوا له ثوبًا] اهـ.
وقال الشيخ الدردير في "الشرح الصغير" (1/ 552، ط. دار المعارف): [إذا لم يكن للميت مال... ولا منفق (فمن بيت المال). فإن لم يكن (فعلى المسلمين) فرض كفاية] اهـ.
وقال الإمام الرافعي في "الشرح الكبير" (12/ 284، ط. دار الفكر): [تجهيز الميت بالتكفين والغسل وحفر القبر وحمل الجنازة والدفن فإن هذه المؤنات تختص بتركة الميت فإن لم تكن فحينئذ يجب على الناس القيام بها] اهـ.
وقال العلامة البهوتي في "الروض المربع" (ص: 181، ط. دار المؤيد-مؤسسة الرسالة): [فإن عدم مال الميت ومن تلزمهم نفقته فمن بيت المال إن كان مسلمًا، فإن لم يكن فعلى المسلمين العالمين بحاله] اهـ.
المشاركة في تجهيز ودفن الميت الذي لا مال له تُعدُّ من الأعمال الفاضلة وتدخل ضمن الصدقات الجارية التي لها أجر عظيم وثواب جزيل عند الله تعالى، وقد بشَّر النبي صلى الله عليه وآله وسَلَّم مَن كفَّن الميت ودفنه بمسكنٍ وثياب من سندس في الجنة، فعن أبي رافع أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسَلَّم قال: «مَن غَسَلَ مُسلِمًا فكَتَمَ عَلَيه غَفَرَ اللهُ له أربَعينَ مَرَّةً، ومَن حَفَرَ له فأَجَنَّه أُجرِىَ عَلَيه كأَجرِ مَسكَنٍ أسكَنَه إيّاه إلَى يَومِ القيامَةِ، ومَن كَفَّنَه كَساه اللَّهُ يَومَ القيامَةِ مِن سُندُسِ وإستَبرَقِ الجَنَّةِ» أخرجه البيهقي.
وقد ورد الأمر الشرعي بالتخلق في التعامل بين الناس بالمودة والرحمة والعفو والصفح والمغفرة والتراحم والتعاون، وحسن المعاملة وعطف الكبير على الصغير والقوي على الضعيف، وتقديم المساعدة للآخر، والعمل على كل ما من شأنه تقوية الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع الواحد. قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: 103]، وقال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: 2]، وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» متفق عليه.
و"فائدة التعاون: تيسير العمل، وتوفير المصالح، وإظهار الاتحاد والتَّنَاصُر حتى يُصبح ذلك خُلُقًا للأُمَّة"، كما قال شيخ الإسلام الطاهر بن عَاشُور في "التحرير والتنوير" (6/ 88، ط. الدار التونسية).
من بين صور التعاون الاجتماعي بين أفراد المجتمع تأتي صورة ما يسمى في العصر الحديث بـ"التأمين"، وهو "عقد يلتزم المؤمِّن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمَّن له أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه مبلغًا من المال، أو إيرادًا مرتبًا، أو أي عِوَضٍ ماليٍّ آخر، في حالة وقوع حادث أو تحقق خطر كما هو مُبَيَّن بالعقد، وجميع ذلك في نظير قسطٍ أو أي دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمَّن له للمؤمِّن"، وهذا كما عَرَّفَتْهُ المادة (747) من القانون المدني المصري رقم 131 لسنة 1948م.
وللتأمين صور متنوعة ومختلفة، ومنها صورة التأمين التعاوني الاجتماعي المسؤول عنها هنا، وهذا النوع من العقود الموافقة لمبادئ الشريعة الإسلامية؛ كونه بابًا من أبواب التعاون، والتكافل الاجتماعي، كما أنَّ هذا النوع من التأمين لم يقصد من إنشائه التربح، ولا تفسده الجهالة، ولا الغرر، ولا تعتبر زيادة مبلغ التأمين فيهما عن الاشتراكات المدفوعة ربًا؛ لأن هذه الأقساط ليست في مقابل الأجل، وإنما هي تبرع لتعويض أضرار الخطر.
وقد تواترت الأدلة الشرعية على جواز التعامل بهذه الصورة لعقد التأمين التعاوني الاجتماعي؛ قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]، وكلمة "العقود" عامةٌ تشمل كلَّ عقد، ومن المقرر أن الأصل في العقود والمعاملات الإباحةُ، ما لم يأتِ دليلٌ شرعيٌّ على التحريم، كما في "المبسوط" لشمس الأئمة السَّرَخْسِي الحنفي (23/ 92، ط. دار المعرفة)، و"حاشية الإمام الدُّسُوقِي المالكي على الشرح الكبير" (2/ 217، ط. دار الفكر)، و"كفاية النبيه" للإمام ابن الرِّفْعَة الشافعي (9/ 311، ط. دار الكتب العلمية)، و"شرح منتهى الإرادات" للإمام أَبِي السعادات البُهُوتِي الحنبلي (2/ 56 ، ط. عالم الكتب).
وهذه الصورة بهذا الوصف مبناها على التبرع ابتداءً وانتهاءً، فالمؤمَّن له يتبرع ابتداءً بالأقساط التي يدفعها، والمؤمِّن يتبرع انتهاءً بما جرى عليه الاتفاق وتم التراضي عليه في العقد، سواء كان الاتفاق على قطعة أرض، أو مدفن، أو غير ذلك، مما يوجب التزام كل من الطرفين بما تم التعاقد عليه، كما تقرر شرعا، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» أخرجه الأئمة: الحاكم في "المستدرك"، والدارقطني والبيهقي في "السنن" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وعن عَمْرِو بْنِ يَثْرِبِيٍّ الضَّمْرِيِّ قال: شهدتُ خُطبة النبي صلى الله عليه وسلم بمِنًى، وكان فيما خَطَب: «وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إِلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ» أخرجه الأئمة: أحمد في "المسند"، والدارقطني والبيهقي في "السنن".
وكما أن القيام بإتمام أمر الدفن من فروض الكفاية المفروضة على المسلم القيام بها عند عدم وجود ما ذكرنا، فلا يخفى أيضًا أن القيام به باب من أبواب الإسهام في سدِّ حوائجِ المحتاجين وتفريجِ كرباتهم مما يستوجب التعاون والتكافل الاجتماعي المأمور به شرعا، فعن أبي موسى رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ» متفق عليه. فقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم الأشعريين لمكارم أخلاقهم ومواساتهم لإخوانهم وحث على التأسي بهم والاقتداء بأفعالهم. ينظر: "فيض القدير" للمناوي 3/ 180، ط. المكتبة التجارية الكبرى).
بناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فيجوز شرعًا المشاركة في دفع مبلغ التأمين الخاص بترتيبات دفن من مات من المسلمين على العموم، بل إن هذا الأمر مندوب إليه؛ لما فيه من التعاون والتكافل الاجتماعي المطلوبَين شرعًا، على أن يتم ذلك تحت الإطار الرسمي الموافق للتنظيمات القانونية والإجراءات المتبعة في مثل هذا الأمر؛ تحقيقًا للمصلحة، وحفظًا لأموال الناس من الضياع.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم التعدي على الأضرحة ونبش قبور الأولياء؟ حيث يوجد عندنا في القرية مسجد قديم في مقدمته ضريح؛ فأراد أهل القرية هدمه وتوسعة المسجد، وأثناء عملية الهدم وجدنا بالضريح عظامًا لصاحبه؛ فقمنا بتكفينها ودفنها في مقبرة ولي آخر؛ فلما تمَّ الانتهاء من بناء وتوسعة المسجد، قال بعضنا: لابدَّ من بناء مقبرة داخل المسجد والنبش عن هذه العظام وإعادتها إلى هذه المقبرة في المسجد مرة أخرى؛ فما حكم ذلك شرعًا؟
مَا حكم تقديم صلاة الجنازة على السنة الراتبة؟
ما حكم من فاته بعض التكبيرات في صلاة الجنازة؟ حيث تأخرتُ عن بداية صلاة الجنازة مع الإمام، وكان الإمام قد كبَّر تكبيرتين فدخلتُ معهم في الصلاة وهو في التكبيرة الثالثة، وبعد أن سلَّم الإمام تحركت الجنازة فأكملتُ ما بقي لي من التكبيرات. فما الحكم الشرعي في ذلك؟
ما حكم صلاة الجنازة على الغريق المفقود؟ فقد سأل أحد الأشخاص عن قريب له كان يهوى السباحة، وفي يوم من الأيام أخذ يسبح حتى جرفه الموج ولم يخرج، وأبلغوا الجهات المختصة ولم يتم العثور عليه حتى الآن، وقد مر على ذلك خمسة عشر يومًا، فهل يصلون عليه صلاة الجنازة أو ماذا؟
ما حكم وضع الجنازات في طوابق عند الصلاة عليها، حيث أني أعمل في مسجد "الرحمن الرحيم" الكائن في طريق صلاح سالم بالعباسية، وفي يوم الجمعة يكون المسجد مكتظًّا بالجنازات التي كثيرًا ما تزيد عن العشرة، ويتعثر علينا كعمال بالمسجد حمل الجنازات إلى الأمام في وقت الجمعة لشدة الازدحام، وعليه: فإننا نرجو من فضيلتكم التكرم بفتوى تبين حكم وضع الجنازات في ركات متعددة الطوابق في شقٍّ صغيرٍ أمام المصلين حتى لا تأخذ الجنازات مساحة كبيرة من المسجد. مع العلم أننا سنضع ساترًا يفصل الجنائز عن المصلين، فهل هناك مانع شرعي من هذا؟
ما حكم اتباع النساء الجنائز؟