ما حكم إجراء عملية جراحية للمريض فاقد الوعي بتفويض من أهله؟
يجوز للطبيب شرعًا أن يجري عمليةً جراحيةً بناءً على توكيل وموافقة من أهل المريض غير الواعي، على أن يكون ذلك مبنيًّا على تحقق المصلحة الطبية المقرَّرة من أهل الخبرة الثقات، وعدم اشتمالها على ما ينافي سلامة المريض أو يفضي إلى ضررٍ محضٍ، وبشرط أن تكون العملية من الحالات العاجلة التي لا تحتمل التأخير إلى حين استعادة المريض وعيه وأهليته للإذن، وذلك وفقًا للشروط والأحكام والإجراءات والضمانات التي تنص عليها اللوائح والقوانين الطبية المنظمة لهذا الشأن.
المحتويات
حثَّ الشرع الشريف على التداوي من الأمراض، وأمر باتِّخاذ كافة السبل والإجراءات المؤدية إلى مداواتها والعلاج منها؛ أخذًا بالأسباب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا أَنزَلَ اللهُ دَاءً إِلَّا أَنزَلَ لَهُ شِفَاءً» أخرجه الإمام البخاري.
وعن أسامة بن شريك رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «تَدَاوَوا عِبَادَ اللهِ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَم يُنزِل دَاءً إِلَّا أَنزَلَ مَعَهُ شِفَاءً» أخرجه الإمامان: البخاري في "الأدب المفرد"، والإمام أحمد.
إجراء العمليات الجراحية من جملة الوسائل المشروعة في التداوي؛ إذ "الوسائلُ لها أحكام المقاصد"، كما في "قواعد الأحكام" للإمام العز بن عبد السلام (1/ 53، ط. مكتبة الكليات الأزهرية)، وقد يحتاج بعض المرضى إلى التدخل الجراحي لحفظ حياتهم أو دفع ضرر عنهم، أو لتحقيق مصلحة صحيَّةٍ معتبرة.
والأصلُ أن العمليات الجراحية ونحوها من التصرفات الطبية لا يجوز إجراؤها إلا برضا المريض وإذنه إذا كان كامل الأهلية -بالغًا عاقلًا-، وقادرًا على إبداء الإذن، فلا يَحلُّ لأحدٍ أن يجبره على العلاج، ولا أن يتصرف في بدنه بغير رضاه، فإن أُجبر أو تُصرِّف فيه بغير إذنه، عُدَّ ذلك اعتداءً محرَّمًا داخلًا في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: 190].
ويؤيِّد هذا الأصلَ ما تقرر شرعًا من أنه لا يجوز لأحدٍ أن يتصرَّف في مِلك الغير أو في حقه بلا إذن أو ولاية معتبرين -كما في "الأشباه والنظائر" للإمام ابن نجيم (ص: 243، ط. دار الكتب العلمية)، و"درر الحكام في شرح مجلة الأحكام" للعلامة علي حيدر (1/ 96، ط. دار الجيل)-، ولا شك أن التصرف في أعضاء الإنسان وأجزاء بدنه من حقوقه الخاصة التي لا يجوز لأحد غيرهِ أن يتصرف فيها إلا بإذنه ورضاه، وذلك في حدود ما أذن به الشرع الحنيف من وجوه التداوي ونحوها.
قال الإمام الخطيب الشِّربِينِي في "مغني المحتاج" (3/ 449، ط. دار الكتب العلمية) في شأن المريض الذي استأجر شخصًا لقلع ضرسه أو سنه الوجعة، ثم امتنع عن تمكينه من إجراء الجراحة مع وجود الألم: [فإن لم تبرأ، ومنعه من قلعها: لم يجبر عليه] اهـ.
وقال الإمام ابن قُدَامَة في "المغني" (5/ 401، ط. مكتبة القاهرة) في معرض بيان العلة من عدم إجبار المريض على قلع ضرسه إذا امتنع منه: [وإن لم يبرأ، لكن امتنع المستأجر من قلعه، لم يجبر عليه؛ لأن إتلاف جزء من الآدمي محرم في الأصل، وإنما أبيح إذا صار بقاؤه ضررًا، وذلك مفوض إلى كل إنسان في نفسه إذا كان أهلًا لذلك، وصاحب الضرس أعلم بمضرته ومنفعته وقدر ألمه] اهـ.
إذا كان المريض فاقدًا للوعي أو غير قادر على التعبير عن إرادته، واستدعى الأمر تدخُّلًا جراحيًّا ولم يكن ثمة متسع من الوقت من الانتظار لأخذ إذنه، أو كان غير مؤهَّل لإعطاء الإذن ابتداءً، لصِغَرٍ أو لمرضٍ كالجنون -فإن الحقَّ في الإذن الطبي ينتقل حينئذٍ إلى من يلي أمره من الأولياء كالأب ونحوه، وذلك مراعاةً لمصلحته، وحفظًا لنفسه.
ويستأنس في ذلك بما ورد عن السيدة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لَدَدنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ، وَجَعَلَ يُشِيرُ إِلَينَا: «لَا تَلُدُّونِي»، قَالَ: فَقُلنَا: كَرَاهِيَةُ المَرِيضِ بِالدَّوَاءِ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: «أَلَم أَنهَكُم أَن تَلُدُّونِي»، قَالَ: قُلنَا: كَرَاهِيَةٌ لِلدَّوَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَبقَى مِنكُم أَحَدٌ إِلَّا لُدَّ -وَأَنَا أَنظُرُ- إِلَّا العَبَّاسَ، فَإِنَّهُ لَم يَشهَدكُم» أخرجه الإمامان: البخاري واللفظ له، ومسلم. ومعنى «لَدَدنَا»: "أي: جعلنا في جانب فمه دواءً بغير اختياره"، كما قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (8/ 147، ط. دار المعرفة).
قال الإمام الشافعي في "الأم" (6/ 65، ط. دار المعرفة): [ولو جاء رجلٌ بصبيٍّ ليس بابنهِ ولا مملوكه، وليس له بوليٍّ إلى خَتَّانٍ أو طَبيبٍ فقال: اختن هذا، أو بُطَّ هذا الجرح له، أو اقطع هذا الطرف له من قُرحةٍ به، فتلف كان على عاقلة الطبيب والختَّانَ دِيتهُ، وعليهِ رقبةٌ] اهـ. والبَطُّ: "شقُّ الدُّمل والخُراجِ ونحوهما"، كما في "لسان العرب" لابن منظور (7/ 261، ط. دار صادر)، وهو من قبيل التدخلات الطبية الجراحية التي كانت معروفة آنذاك.
وقال الإمام ابن قُدَامَة في "المغني" (5/ 398): [وإن ختنَ صبيًّا بغير إذن وليه، أو قطع سِلعةً من إنسان بغير إذنه، أو من صبي بغير إذن وليه، فسرت جنايته، ضمن؛ لأنه قطع غير مأذون فيه، وإن فعل ذلك الحاكم، أو من له ولاية عليه، أو فعله من أذنا له، لم يضمن؛ لأنه مأذونٌ فيه شرعًا] اهـ، والسِّلعَةُ بكسر السين هي زيادة أو ورم يظهر في الجسد يشبه الغدة، كما في "لسان العرب" (8/ 160، ط. دار صادر)، و"المصباح المنير" للفيومي (1/ 285، المكتبة العلمية).
ومؤدَّى ذلك أنَّه إذا كان المريض غير أهلٍ للإذن -كالصغير ومن في حكمه-، فإنه لا يحل للطبيب الإقدام على الإجراء الطبي إلا بعد إذن وليه، وأن الولاية في الإذن الطبي شرطٌ معتبر، فلا يعتد بإذن غير الولي، بل يترتب على التصرف حينئذٍ الضمان والكفارة عند التلف؛ لأن التصرف في بدن المريض من غير إذنٍ أو ولايةٍ شرعيةٍ يُعد تعديًا محرَّمًا.
غير أن هذا الحكم يَستثنى منه ما إذا وُجدت ضرورةٌ يُخشى معها على حياة المريض أو سلامة بدنه، فيجوز للطبيب المباشرة حينئذٍ ولو بغير إذنٍ صريحٍ من المريض أو وليه حفظًا لنفسه ودفعًا للضرر عنه: عملًا بالقاعدة الشرعية التي تقرر أن "الضرورات تبيح المحظورات" -كما في "الأشباه والنظائر" للإمام زين الدين بن نُجَيم (ص: 73)-، على أن يكون ذلك في حدود ما تُجيزه القوانين واللوائح الطبية المنظمة لمثل هذه الحالات، والتي تُعد إذنًا عامًّا من وليِّ الأمر، منعًا للتجاوز وضبطًا للاجتهاد الطبي.
أمَّا إذا كان التدخل الجراحي لا يحقق مصلحة معتبرة، أو كان يترتب عليه ضررٌ محض، فإنه لا يصح إذن الولي فيه، ولا يجوز للطبيب مباشرته؛ لأن الولاية إنما شُرعت لحفظ المصالح ودرء المفاسد، فلا يصح أن تُستعمل فيما فيه إهلاك أو إضرار، قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ [الأنعام: 152]، "فهو معزولٌ بظاهر النص عن غير التي هي أحسن"، كما ذكر العلامة القرافي المالكي في "الذخيرة" (8/ 240، ط. دار الغرب الإسلامي)، فإذا كان ذلك في المال فحفظ البدن أَولى وأحرى؛ لأن البدن أعظم حُرمةً وأعلى قدرًا، وبه تقوم حياة الإنسان التي يتحقق بها بقاء التكليف ومصالح الدين والدنيا.
قال الإمام عز الدين بن عبد السلام في "الفوائد في اختصار المقاصد" (ص: 78): [يُقدم حفظ الأرواح على حفظ الأعضاء، وحفظ الأعضاء على حفظ الأبضاع، وحفظ الأبضاع على حفظ الأموال] اهـ.
وقال الإمام ابن أمير حاج في "التقرير والتحبير" (3/ 231، ط. دار الكتب العلمية): [يُقدم حفظُ (النفسِ) على حفظ النسبِ والعقلِ والمالِ؛ لِتضمُّنه المصالَح الدينية؛ لأنها إنما تحصل بالعبادات، وحصولها موقوف على بقاء النفس] اهـ.
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» أخرجه الأئمة: أحمد، وابن ماجه، والطبراني في معجميه "الكبير" و"الأوسط"، وهو أصلٌ جامعٌ في منع كل صور الإضرار.
وقد تقرر عند الفقهاء أن الولاية مقيدة بالمصلحة، وأنها شُرعت على سبيل الحفظ لا على سبيل الإتلاف، والتصرف فيها منوط بتحقيق المقاصد الشرعية في الرعاية والحماية. ينظر: "الذخيرة" للإمام القرافي (8/ 240) و"درر الحكام في شرح مجلة الأحكام" (1/ 57- 58).
وهذا ما أكده المشرع المصري في قانون المسؤولية الطبية وسلامة المريض رقم (13) لسنة 2025م، حيث نص في المادة (۷) منه على أنه: [فيما عدا الحالات التي تستلزم التدخل الجراحي الفوري لإنقاذ حياة متلقي الخدمة، وتجنب المضاعفات الطبية الجسيمة له -لا يجوز لمقدم الخدمة أو المنشأة إجراء أو السماح بإجراء التدخل الجراحي إلا بمراعاة مجموعة من الضوابط، منها:
- أن يتم الحصول على الموافقة المستنيرة، وفي حالة تعذر الحصول عليها يكتفى بتقرير طبي من الطبيب المعالج ومن طبيب آخر في ذات التخصص ومدير المنشأة أو من ينوب عنه يؤكد حاجة متلقي الخدمة للتدخل الجراحي] اهـ.
و"الموافقة المستنيرة" كما عرفتها المادة (1) فقرة (8) هي: [التعبير المكتوب المبني على إرادة حرة وطواعيـة كاملة، الصادر عن متلقي الخدمة إذا كان كامل الأهلية أو من وليه أو الوصي أو القيم عليه إذا كان عديم الأهلية أو ناقصها، فإن تعذر فمن أحد أقاربه حتى الدرجة الثانية، والذي يتضمن الموافقة الصريحة على تلقي الخدمة الطبية أو رفض تلقيها بعـد إعلامه وتبصيره بجميع جوانبها، متضمنًا على الأخص الآثار والأخطار المحتملة التي قد تؤثر على قراره في هذا الشأن، وفقًا للنموذج الذي تعده الوزارة المختصة بشئون الصحة] اهـ.
بناءً على ذلك: فإنه يجوز للطبيب شرعًا أن يجري عمليةً جراحيةً بناءً على توكيل وموافقة من أهل المريض غير الواعي، على أن يكون ذلك مبنيًّا على تحقق المصلحة الطبية المقرَّرة من أهل الخبرة الثقات، وعدم اشتمالها على ما ينافي سلامة المريض أو يفضي إلى ضررٍ محضٍ، وبشرط أن تكون العملية من الحالات العاجلة التي لا تحتمل التأخير إلى حين استعادة المريض وعيه وأهليته للإذن، وذلك وفقًا للشروط والأحكام والإجراءات والضمانات التي تنص عليها اللوائح والقوانين الطبية المنظمة لهذا الشأن.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم الشرع في إنسان يريد أن يتبرع بعضو من أعضاء جسده بعد موته (مثل العين) للمرضى الذين في حاجة إلى هذه الأعضاء، فهل هذا يجوز؟
كيف تكون الطهارة لمن بُترَت بَعْضُ أطرافه وركّب أطرافا صناعية؟ فهناك شخصٌ ابتُلِي بِفَقْدِ أحدِ أطرافه، ورَكَّب أطرافًا تعويضيةً متصلةً بالجسم، ويسأل عن كيفية الطهارة، وضوءًا واغتسالًا.
ما حكم التوائم الملتصقة في الميراث باعتبارهم وارثين أو موروثين؟ وما حكمهم من حيث الحجب وعدمه؟ وما يتعلق بهم من أحكام؟
هل عمل مسحة (PCR) في نهار رمضان لمصاب كورونا أو المشتبه في إصابته، يُعدُّ مُفَطِّرًا، سواء كان عن طريق المسحة الأنفية أو المسحة الحلقية؟
هل هناك إجراءات شرعية للتحكم في سرعة الغضب وعلاجه؟ فنحن نرجو منكم ذكر بعض الإجراءات التي حثت عليها الشريعة الإسلامية للتحكم في سرعة الغضب وعلاجه؛ حيث إنه كثيرًا ما ينتابني غضبٌ شديد؛ فأقوم ببعض التصرفات أو أتخذ بعض القرارات غير الصحيحة وقد تكون مؤثرة ومصيرية؛ وهذا يؤلمني جدًّا؛ خصوصًا وأنا شخص سريع الغضب.