ما الحكم الشرعي في تبرُّع البالغين بالخلايا الجذعية المستخرجة من الدم أو النخاع؛ لعلاج المرضى المصابين بأمراضٍ خطيرةٍ كفشل النخاع أو السرطان، أو رجاء إنقاذ حياة إنسانٍ لا يُرجى شفاؤه إلا بها؟
تبرع البالغين بالخلايا الجذعية باختيارهم لعلاج المرضى المصابين بالأمراض المستعصية أمرٌ جائزٌ ومُثابٌ عليه شرعًا، ويُعَدُّ من إحياء النفس المطلوب شرعًا، وسبيلًا إلى تحقيق مقصد الشريعة في حفظها، وهو مَظهَرٌ من أجلِّ مَظاهِر قضاء حوائج الناس، وذلك متى ثبتت الحاجة الطبية المُلِحَّة إلى تلك الخلايا لإنقاذ حياة مريضٍ أو وقايته من الهلاك، وعلى أن يتيقن نفعها بتقرير الأطباء المختصين، وأن يكون المتبرِّع بها بالغًا عاقلًا مختارًا، وألَّا يترتب على تبرعه بها ضررٌ عليه حالًا ولا مآلًا، مع تحقق خلوه من الأمراض المعدية، وأن يتم ذلك وفق ما تقرره القوانين والضوابط الطبية المنظمة لذلك، كما أنه يَحرُم شرعًا بيع تلك الخلايا بأي حالٍ من الأحوال.
المحتويات
الخلايا الجذعية: هي خلايا قادرة على تطوير نفسها لأي نوعٍ من الخلايا الموجودة في جسم الإنسان، وذلك خلال المرحلة المبكرة من العمر والنمو، كما تعمل كجهاز تصليح داخلي في أنسجة الجسم، وهناك عدة طرق للحصول عليها، منها: أخذها من الجنين السقط في أي مرحلة من مراحل الحمل، أو عن طريق المشيمة أو الحبل السري، أو من نخاع عظم الأطفال أو البالغين، وتُستعمل هذه الخلايا في معالجة طائفةٍ من الأمراض المستعصية، كالسكري من النوع الأول، وإصابات الحبل الشوكي، ومرض الزهايمر، والسكتات الدماغية، وبعض أنواع السرطان، والحروق البالغة، ومشكلات القرنية والعيون، وغيرها من الحالات التي يهدف فيها الطب الحديث إلى تجديد الأنسجة المتضررة وإعادة وظائفها الحيوية. ينظر: "طب الخلايا الجذعية" للدكتور ناصر محيي الدين (ص: 50-53، ط. دار الغسق)، و"الخلايا الجذعية: نظرة علمية" للدكتور صالح بن عبد العزيز (ص: 105، ط. المجمع الفقهي الإسلامي).
قد رغَّب الشرع الشريف في صنائع المعروف، ودعا إلى التعاون على البرِّ والتقوى، وجعل الإحسانَ إلى الخلق ومدَّ يدِ العون لهم من أحبِّ القُرُبات وأجلِّ الطاعات، فقال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: ٢]، وجعل سبحانه قضاءَ حاجةِ المحتاج، وتفريجَ كُربة الملهوف، وبذلَ النفع للناس، سبيلًا إلى محبته ورحمته ورضوانه، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ أَنفَعُهُم لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعمَالِ إِلَى اللهِ سُرُورٌ تُدخِلُهُ عَلَى مُسلِمٍ، أَو تَكشِفُ عَنهُ كُربَةً، أَو تَقضِي عَنهُ دِينًا، أَو تُطرَدُ عَنهُ جُوعًا» أخرجه الإمام الطبراني في "المعجم الأوسط".
قال الإمام زين الدين المُنَاوي في "فيض القدير" (3/ 481، ط. المكتبة التجارية): [أي: أشرفهم عنده أكثرهم نفعًا للناس، بنعمةٍ يُسديها، أو نقمةٍ يزويها عنهم، دينًا أو دُنيَا] اهـ.
إذا كانت الشريعة قد رغَّبت في قضاء حوائج الناس، وحثَّت على تفريج كُرَبهم وإغاثة ملهوفهم، فإنَّ حاجة المريض إلى ما يُنقذ حياته هي أشد منازل الحاجة وأكثرها ضعفًا، ومساندته في الحصول على ما يحفظ حياته هو أعظم منازل البذل وأسمى درجات العطاء، بل هو حق للإنسان جعله الله تعالى مقدمًا على حقه في أداء الفرائض والعبادات.
قال الإمام عز الدين بن عبد السلام في "قواعد الأحكام" (1/ 66، ط. الكليات الأزهرية): [تقديم إنقاذ الغرقى المعصومين على أداء الصلوات؛ لأن إنقاذ الغرقى المعصومين عند الله أفضل من أداء الصلاة، والجمع بين المصلحتين ممكن بأن ينقذ الغريق ثم يقضي الصلاة، ومعلوم أن ما فاته من مصلحة أداء الصلاة لا يقارب إنقاذ نفس مسلمة من الهلاك.
وكذلك لو رأى الصائم في رمضان غريقًا لا يتمكن من إنقاذه إلا بالفطر، أو رأى مصولًا عليه لا يمكن تخليصه إلا بالتَّقَوِّي بالفطر، فإنه يفطر وينقذه، وهذا أيضًا من باب الجمع بين المصالح؛ لأن في النفوس حقًّا لله عز وجل وحقًّا لصاحب النفس، فَقَدَّم ذلك على فوات أداء الصوم دون أصله] اهـ.
التبرُّع بالخلايا الجذعية لمداواة أصحاب الأمراض المستعصية يُعَدُّ من إحياء النفس المطلوب شرعًا؛ قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32].
قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (6/ 147، ط. دار الكتب المصرية): [﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾، أي: يجب على الكل شكره.. ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا﴾ تَجَوُّزٌ؛ فإنه عبارةٌ عن الترك والإنقاذ من هَلَكةٍ، وإلَّا فالإحياء حقيقةً -الذي هو الاختراع- إنَّما هو لله تعالى] اهـ.
فالتبرعُ بها يُعدُّ سبيلًا إلى تحقيق مقصدٍ جليلٍ من المقاصد الضرورية التي قامت عليها الشريعةُ الغرَّاء، وهو مقصدُ حفظ النفس، الذي جاءت النصوصُ الشرعيةُ بتعظيم شأنه، والأمرِ بصيانته من أسباب الهلاك والضرر.
قال حجة الإسلام أبو حامد الغَزَالِي في "المستصفى" (ص: 174، ط. دار الكتب العلمية): [ومقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم، ونفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم، فكلُّ ما يتضمَّن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكلُّ ما يفوِّت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة] اهـ.
وقال الإمام الشاطبي في "الموافقات" (1/ 31، ط. دار ابن عفان): [قد اتفقت الأمة -بل سائر الملل- على أنَّ الشريعة وضعت للمحافظة على الضروريات الخمس -وهي: الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل- وعلمها عند الأمَّة كالضروري] اهـ.
وإذا جاز تبرع البالغ بالخلايا الجذعية، فإنَّ هذا الجوازَ مُقيَّدٌ بجملةٍ من القيود والضوابط الشرعية، والتي منها:
1- ثبوتُ الحاجة أو الضرورة الطبية: بأن يكون المريض في حاجةٍ ماسَّةٍ إلى زراعة الخلايا الجذعية لإنقاذ حياته، أو لوقايته من مرضٍ عضالٍ يُخشى معه الهلاك أو تلفُ عضوٍ من أعضائه، على نحوٍ يقرِّره الأطباءُ المختصون العدول.
2- أن يكون التبرعُ بالخلايا الجذعية مُحقِّقًا لمصلحةٍ مؤكَّدةٍ للمريض من الوجهة الطبية، ومُفضيًا إلى وقايته من ضررٍ محقَّقٍ أو هلاكٍ متوقَّع.
3- ألَّا يترتَّب على التبرع بالخلايا الجذعية ضررٌ على المُتَبَرِّع، كلِّيٌّ أو جزئيٌّ، حالًا أو مآلًا، سواءٌ أكان ضررًا بدنيًّا أو نفسيًّا أو معنويًّا، وألَّا يخلَّ بقدرته على مزاولة حياته الطبيعية؛ إذ لا يجوز إلحاقُ الضرر بالنفس لنفع الغير.
4- أن يتحقَّق بالوسائل الطبية الموثوقة خلوُّ المُتَبَرِّع بالخلايا الجذعية من الأمراض المعدية أو المؤذية التي قد تُلحِق ضررًا بالمريض المنقول إليه؛ إذ لا يجوز شرعًا دفع الضرر بالضرر.
5- أن يكون المتبرِّع بالخلايا الجذعية إنسانًا كاملَ الأهلية بالغًا عاقلًا مختارًا، مدركًا لطبيعة التبرع وآثاره، مختارًا غير مُكرَهٍ.
6- أن يُراعى في إجراء التبرع بالخلايا الجذعية ما تقرِّره القوانينُ واللوائحُ الطبية والشرعية المنظمةُ لهذا الشأن، وأن يتمَّ تحت إشراف الجهات المختصَّة المخوَّلة قانونًا وطِبًّا؛ صونًا للأنفس من التلاعب أو الاستغلال، وتحقيقًا لمقاصد الشريعة في حفظ الحقوق والنفوس.
ينبغي التنبيه إلى أنَّه لا يجوز بيع الخلايا الجذعية بأيِّ حالٍ من الأحوال؛ لأنَّ أعضاء الإنسان مكرَّمة مصونة عن الامتهان أو الاتجار، وفي بيعها امتهانٌ لكرامته واتخاذٌ لجسده وسيلةً للتَّكسُّب، وقد قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: 70]، وهذا التكريم يقتضي صيانة جسده عن أن يكون محلًّا للبيع والشراء أو موضعًا للمساومة.
قال الإمام ابن عابدين في "رد المحتار" (5/ 58، ط. دار الفكر): [الآدمي مكرَّمٌ شرعًا ولو كافرًا (قوله: ذكره المصنف) حيث قال: والآدميُّ مكرَّمٌ شرعًا وإن كان كافرًا، فإيراد العقد عليه وابتذاله به وإلحاقه بالجمادات إذلالٌ له. اهـ. أي: وهو غير جائز، وبعضه في حكمه وصرَّح في "فتح القدير" ببطلانه] اهـ.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنَّ تبرع البالغين بالخلايا الجذعية باختيارهم لعلاج المرضى المصابين بالأمراض المستعصية أمرٌ جائزٌ ومُثابٌ عليه شرعًا، ويُعَدُّ من إحياء النفس المطلوب شرعًا، وسبيلًا إلى تحقيق مقصد الشريعة في حفظها، وهو مَظهَرٌ من أجلِّ مَظاهِر قضاء حوائج الناس، وذلك متى ثبتت الحاجة الطبية المُلِحَّة إلى تلك الخلايا لإنقاذ حياة مريضٍ أو وقايته من الهلاك، وعلى أن يتيقن نفعها بتقرير الأطباء المختصين، وأن يكون المتبرِّع بها بالغًا عاقلًا مختارًا، وألَّا يترتب على تبرعه بها ضررٌ عليه حالًا ولا مآلًا، مع تحقق خلوه من الأمراض المعدية، وأن يتم ذلك وفق ما تقرره القوانين والضوابط الطبية المنظمة لذلك، كما أنه يَحرُم شرعًا بيع تلك الخلايا بأي حالٍ من الأحوال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما رأي الشرع في ارتفاع سعر الخدمات العلاجية والأدوية؟ لقد ارتفعت الأسعار بطريقةٍ رهيبةٍ في مصر، حتى أسعار العلاج ارتفعت من أدوية ومستشفيات وأسعار الأطباء، فثمن الكشف عند أحد الأطباء قد يصل إلى 100 جنيه أحيانًا، فما رأي فضيلتكم في هذا؟ وما رأي وحكم الدين في غلاءِ أسعارِ العلاجِ في مصر؟
ما الحكم الشرعي في فصل التوأمين الملتصقين؟
ومَن تكون له سلطة الإذن بإجراء عملية الفصل: هل هي أسرة التوأمين، أو الأطباء، أو القضاء، أو التوأمان إذا بلغا؟ وما العمل إذا كانت هناك فرص كبيرة لنجاح عملية الفصل ورفضت أسرة التوأمين؟
وهل يجوز إجهاض الأم الحامل إذا اكتشف وجود توائم ملتصقة أثناء الحمل؟
وهل التوأمان الملتصقان روح واحدة أو اثنتان، شخص واحد أو شخصان؟
وهل يحق للتوأمين الملتصقين الزواج، وما الحكم والكيفية؟
ما حكم إجراء عملية جراحية للمريض فاقد الوعي بتفويض من أهله؟
ما الحكم الشرعي في قيام بعض الصيادلة بالاتجار غير المشروع في بعض أنواع الأدوية المؤثرة على الحالة النفسية التي تستخدم في العلاج من بعض الأمراض لتحقيق أرباح طائلة؟
رفع إلينا استفتاء من أحد الأشخاص ببيروت؛ جاء فيما تضمنه السؤال: عما إذا كان يجوز شرعًا للأطباء أن يشرحوا ويأخذوا عضوًا من أعضاء الميت سواء أكان رجلًا أم امرأة كقلبه أو معدته أو كبده أو سلسلة ظهره أو غيرها؛ لأجل فحص ذلك طبيًّا لمعرفة سبب موته أو دائه من أجل اختراع دواء لمعالجة المرضى الأحياء بهذا الداء؟
قال السائل: برجاء إفادتنا حول اختيار جنس الجنين عند نقل الأجنة أثناء عمل الحَقن المِجهري، فأحيانًا يطلب المريض نقل الأجنة الذكور فقط مثلًا، فهل هذا جائز شرعًا بناءً على رغبة المريض فقط، أو يكون في حالة الضرورة فقط؛ كأن يكون هناك مرض وراثي ينتقل إلى الإناث دون الذكور مثلًا فيتم نقل الأجنة الذكور فقط وهكذا؟