29 أغسطس 2019 م

علم الاحتساب

علم الاحتساب

من إبداعات الحضارة الإسلامية التي نشأت تلبية لنداء الشريعة بضرورة الحفاظ على النظام الاجتماعي وشيوع العدل والفضيلة في كافة مناحي الحياة (علم الاحتساب).
وقد ذكرنا في مقال سابق أن أمر الحسبة خطير، وأنها أحد وجوه التطبيق العملي لمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنها إن لم تنضبط بميزان الشرع فقد تأتي بنتائج سلبية تكر على المقصود منها بالبطلان، وبدلًا من أن تؤدي إلى استقرار المجتمعات تؤدي إلى اضطرابها. وآية ذلك ما نرى من بعض المتشددين الذين لم ينالوا من العلم والدين القدر الكافي، ويسعون في الأرض بغير هدى ولا علم؛ ظانين أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
وعَلِمْنَا أيضًا أنه: باتساع الدولة الإسلامية أصبح للحسبة ولاية خاصة كولاية القضاء وولاية المظالم، ووضعت لها القواعد، وحددت لها الاختصاصات، بحيث صارت الحسبة وظيفة يعين لها ولي الأمر من يقوم بها.
فكانت هذه الأمور وغيرها الدافع الذي استثار أهل العلم لتخصيص مساحة علمية لتناول قضية الحسبة بالدراسة، فأخذت الحسبة من الوجهة التقعيدية النظرية جزءًا من كتب "السياسة الشرعية" وكتب "الأحكام السلطانية" كما فعل العلامة الماوردي الشافعي (ت: 450هـ) والعلامة ابن الفراء الحنبلي (458هـ)، وكذلك اهتم الإمام الغزالي (ت: 505هـ) في الإحياء بالتقعيد لها وذكر ضوابطها وشروط القائم بها.
ومع التركيز على الوجهة العملية التطبيقية وُضِعَ (علم الاحتساب) الذي يمكننا أن نعرفه بأنه علم بأصول يعرف بها شروط المحتسب ومحل الحسبة وقواعد الاحتساب.
ويكفينا في معرفة أهمية هذا العلم وخطورة الحسبة ما صدر به صاحب كتب "نهاية الرتبة" أول أبواب كتابه، حيث قال: "لما كانت الحسبة أمرًا بمعروف، ونهيًا عن منكر، وإصلاحًا بين الناس، وجب أن يكون المحتسب فقيهًا، عارفًا بأحكام الشريعة، ليعلم ما يأمر به، وينهى عنه. ورب جاهل يستحسن بعقله ما قبحه الشرع، فيرتكب المحظور، وهو غير عالم به".
وقد بلغت عناية المسلمين بالتنظيم للحسبة في هذا العلم أن بحثوا عن الأمور الجارية بين أهل البلد في معاملاتهم، وما يجري لأصحاب التجارات والمهن والحرف وللناس في الأسواق من وجوه للغش والتدليس والغبن وأكل الحقوق، مع تخصيص كل مهنة أو حرفة أو عمل أو تجارة بذكر ما يقع فيها من هذه المخالفات.
ولا يتوقف الأمر عند ذكر وجوه المخالفات في الأعمال، وإنما يشفع ذلك –إذا اقتضى الأمر- بذكر المنهج الذي يسلكه المحتسب في مواجهة هذه المخالفات.
كما يقدم للمحتسب تفصيلًا بالأنواع والأشكال المختلفة للسلع المبيعة مع ذكر الجيد والمتوسط والردئ والغالي والرخيص، وكذلك وجوه الحسن والقبح في المصنوعات على اختلافها، وفي ذلك يقدم أحيانًا دقائق الصناعات والأعمال، والطرق التفصيلية التي تخرج بها على الوجه الأتم.
كما يزود هذا العلمُ المحتسبَ بالطرق التي يكتشف بها الغش في الأسواق، وبالوسائل التي تعينه على اختبار السلع مهما خفيت كالأعشاب، وتعينه على كشف الغش في المصنوعات مهما دقت كالعقاقير الطبية.
ومن أبرز الكتب التي صنفت في هذا العلم، كتاب "نهاية الرتبة الظريفة في طلب الحسبة الشريفة" لأبي النجيب جلال الدين العدوي الشيزري الشافعي (ت: 590هـ) وقد جعله في أربعين بابًا، وكتاب "معالم القربة في طلب الحسبة" لابن الأخوة القرشي محمد بن محمد بن أحمد بن أبي زيد المتوفى (ت: 729هـ) وقد جعله في سبعين بابًا.
المراجع:
"الأحكام السلطانية" للماوردي.
"الأحكام السلطانية" لابن الفراء الحنبلي.
"معالم القربة في طلب الحسبة" لابن الأخوة القرشي.
"نهاية الرتبة الظريفة" لجلال الدين الشيزري الشافعي.
 

بالتأمل في الغاية التي خلق الله سبحانه وتعالى من أجلها الإنسان نجد أنه يمكن تلخيصها في أمرين اثنين: -الأمر الأول: العبادة؛ قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]، والعبادة يأتي في المقدمة منها الشعائر التي يؤديها العبد؛ من صلاة وصيام وزكاة وحج وغير ذلك من شعائر العبادات. -أما الأمر الثاني فهو: عمارة الأرض؛ قال تعالى: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود: 61]، فتعمير الأرض من الأمور التي كلفنا الله بها، وهو يشمل كل عمل مفيد يؤدي إلى التعمير،


الإسلام دين الرحمة والنبي صلى الله عليه وسلم هو نبي الرحمة، والرحمة في الإسلام سمة حضارية عامة تشمل الأكوان كلها من إنسان وحيوان وطير وشجر وحجر ومؤمن وغير مؤمن


اهتم الإسلام بأمر العلم والعناية به، وقد كان ذلك من أوائل التوجيهات الإلهية للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والمسلمين أيضًا، فكان أول ما نزل من القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق: 1]، من هذا المنطلق كانت الرؤية واضحةً بالنسبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتوجيهاته للمسلمين، باتخاذ وسيلة ومفتاح تحصيل هذا العلم ونشره عن طريق تعلُّم الكتابة، والتي أوصى الله باستخدامها في موضع آخر، منها مثلًا ما يتعلق بتوثيق الحقوق؛ حيث قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللهُ﴾ [البقرة: 282].


جاء ذكر المعادن وتصنيعها في القرآن الكريم بصورة إيجابية؛ فقد كان العمل بها صناعة بعض الأنبياء مثل سيدنا داود عليه السلام؛ قال تعالى: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ﴾ [الأنبياء: 80]، واللبوس: هو السلاح كله؛ أي السيف والرمح والدرع وغيره، وقال تعالى عنه وعن سيدنا سليمان عليهما السلام، ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ۞ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ۞ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ ۞ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: 10-13]،


من العلوم التي أسهم فيها المسلمون بإسهام وافر وبارز علوم الحكمة أو الفلسفة كما هو شائع، وتهتم علوم الحكمة بالنظر العقلي البحت لتكوين رؤية كلية للكون وللحياة، ومصطلح الفلسفة الإسلامية يوحي بارتباط هذا المفهوم بالقيم القرآنية والنبوية، فهو يكون رؤية شاملة للكون والخلق والحياة والخالق لا تتعارض مع كليات العقيدة في القرآن الكريم والسنة المطهرة، وهو ما يمكن أن نطلق عليه الآن نظرية المعرفة في الحضارة الإسلامية،


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 16 سبتمبر 2025 م
الفجر
5 :12
الشروق
6 :40
الظهر
12 : 50
العصر
4:19
المغرب
6 : 59
العشاء
8 :17