ما حكم استخدام الوسائل التشخيصية الحديثة للكشف عن عيوب الأجنة، علمًا بأنه قد يكون لها آثار سلبية على الأم أو الجنين؟ وما حكم استخدام الوسائل العلاجية المختلفة لعلاج تشوهات الأجنة مثل إجراء جراحة للجنين داخل الرحم؟ وما حكم الشرع في إجهاض الأجنة المصابة بعيب خِلقي يحول دون اكتمال حياة الجنين بعد الولادة كعدم وجود مخ أو الكليتين؟ وما الحكم لو كان هذا الإجهاض بعد مائة وعشرين يومًا؟
يجُوز شرعًا استعمال الوسائل التشخيصية والعلاجية المختلفة للكشف عن عيوب الأجنة وعلاج تشوهاتها، بشرط أن لا يترتب على ذلك ضرر يلحق بالأم أو الجنين، وبشرط أن يكون ذلك على يد الأطباء المختصين.
أما إجهاض الأجنة المصابة بعيبٍ خِلقي يحول دون اكتمال حياة الجنين بعد الولادة فهو جائزٌ شرعًا إذا كان الحمل لم يتم مائة وعشرين يومًا، فإن كان قد أتمها فلا يجوز الإجهاض إلا إذا قرر الأطباء المختصون أن في استمرار الحمل خطرًا على الأم؛ لأن حياتها المُتَيَقَّنَةَ مقدمةٌ على حياة جنينها المظنونة.
المحتويات
بعض الأطفال يولدون ببعض الأمراض أو العيوب الخِلقية أو التشوهات التي يُمكن أن تصيب أي عضو من أعضاء الجسد، وقد أمكن في ظل المعارف والعلوم والمخترعات الحديثة في مجال الطب والعلاج الكشف عن تلك الأمراض والوقوف على هذه التشوهات والعيوب حال وجود الجنين في بطن أمه أثناء شهور الحمل عن طريق بعض الوسائل الآلية والتحليلات المعملية التي تساعد على التشخيص.
وهذا الكشف المبكر يساعد في بعض الحالات على تداركها بالعلاج سواء أكانت الإصابة من قبيل المتلازمات المرضية التي يمكن علاجُها بالجينات أو بتقنية الخلايا الجذعية ونحو ذلك، أم من قبيل التشوهات والعيوب الخِلقية التي يمكن علاجها وإصلاحها إما بإجراء جراحة جنينية وإما عادية بعد الولادة إن تعذَّرت الجراحة الجنينية.
هذه الوسائل التشخيصية نوعان: وسائل لا اختراقية (Non invasive methods)، ووسائل اختراقية (Invasive methods)؛ أما الوسائل اللااختراقية فهي التي لا تستدعي دخول شيء إلى جسم الحامل؛ كالفحص بالموجات فوق الصوتية الثنائية الأبعاد أو الثلاثية الأبعاد أو الرباعية الأبعاد وكالأشعة التليفزيونية وكذلك الرنين المغناطيسي.
أما الوسائل الاختراقية فهي التي تكون عن طريق غرس أداة دقيقة كالإبرةِ تَنْفُذ داخل الجسد، ويلجأ إليها في أحوال؛ كأن يحتاج إلى أخذ عينة من السائل الأمينوسي، أو من المشيماء أو من دم الحبل السُّرِّي أو يحتاج إلى أخذ خلايا جنينية من دم الأم، أو عينة من جسم الجنين ذاته.
الأخذ بالعلاج والتداوي قد طلبه الشرع وندبه وحثَّ عليه؛ فروى أبو داود والترمذي عن أسامةَ بنِ شَرِيكٍ رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه كأنما على رؤوسهم الطيرُ، فسَلَّمتُ ثم قعدتُ، فجاء الأعرابُ من ها هنا وها هنا، فقالوا: يا رسول الله، أنتداوى؟ فقال: «تَداوَوا؛ فإنَّ اللهَ عز وجل لم يَضَع داءً إلا وَضَعَ له دَواءً غيرَ داءٍ واحِدٍ: الهَرَمُ» (والهَرَمُ: الكِبَر)، وهذا الحديث جاء فيه الحث على التداوي مطلقًا غير مُقَيَّدٍ بقَيد، والقاعدة أن المطلق يجري على إطلاقه حتى يَرِد ما يقيده.
قال الإمام الخَطَّابي في "معالم السنن" (4/ 217، ط. المطبعة العلمية بحلب): [في هذا الحديث إثبات الطبِّ والعلاجِ، وأن التداويَ مباحٌ غيرُ مكروهٍ] اهـ.
وقال الإمام عز الدين ابن عبد السلام في "قواعد الأحكام" (1/ 6، ط. دار الكتب العلمية): [إن الطبَّ كالشرع وُضِع لجلب مصالح السلامة والعافية، ولدرء مفاسد المعاطب والأسقام، ولدرء ما أمكن دَرْؤُهُ من ذلك، ولجلب ما أمكن جلبه من ذلك] اهـ.
استعمال تلك الوسائل التشخيصية هو مما يتوقف العلاج عليه، فإذا كان العلاج مأذونًا فيه كانت وسائله وما يتوقف عليه مأذونًا فيها أيضًا؛ لأن القاعدة أن "الإذن في الشيء إذنٌ في مُكَمِّلات مقصوده". انظر: "إحكام الأحكام" لابن دقيق العيد (2/ 288، ط. مطبعة السنة المحمدية)، فالأصل في استعمال آحاد هذه الوسائل المذكورة أنه مأذون فيه ما دام القائمون بإجرائها من الأطباء المختصين الأَكْفاء، إلا أن يترتب عليه ضررٌ مُحَقَّق أو غالب على الظن يقع على الأم أو على الجنين، فإنه حينئذٍ يكون ممنوعًا؛ لأن القاعدة الشرعية أن "الضرر يزال"، وأصلها ما رواه ابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا ضرر ولا ضرار».
ويقول الإمام البَغَوي في "شرح السُّنَّة" (12/ 147، ط. المكتب الإسلامي): [والعلاج إذا كان فيه الخطر العظيم كان محظورًا] اهـ.
أما عن الوسائل العلاجية التي تُستعمل لعلاج تشوهات الأجنة كالعلاج الدوائي أو التدخُّل الجراحي فهي داخلة في أصل مطلوبية العلاج الذي سبق تقريره، ولا يُمنَع منها إلا ما كان ضرره راجحًا، بحيث تكون مفسدة استعمالهِ تفوق مفسدة تركه يقينًا أو بغلبة الظن؛ ومن القواعد الشرعية المقررة أنه "إذا تعارضت مفسدتان رُوعي أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما"، وأن "الضرر لا يُزال بالضرر المساوي أو الأشد". انظر: "الأشباه والنظائر" للسيوطي (ص: 86، 87، ط. دار الكتب العلمية).
أما عن إجهاض الأجنة المصابة بعيب خِلقي يحول دون اكتمال حياة الجنين بعد الولادة كعدم وجود المخ أو الكليتين، فقد روى البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إنَّ أَحَدَكُم يُجمَع خَلقُه في بَطن أُمِّه أربعين يَومًا، ثُمَّ يَكون عَلَقَة مِثلَ ذلك، ثم يَكون مضغة مِثلَ ذلك، ثُمَّ يَبعَثُ الله مَلَكًا فيُؤمَر بأَربَع كَلِمات، ويُقالُ له: اكتُب عَمَلَه ورِزقَه وأَجَلَه وشَقِيٌّ أو سَعيد، ثُمَّ يُنفَخ فيه الرُّوح»، فهذا الحديث الشريف دالٌّ على أن نفخ الروح في الجنين يكون بعد مُضِيِّ مائةٍ وعشرينَ يومًا على الحمل.
وعليه: فإن الجنين الذي تتحقق إصابتُه بعيبٍ خِلقي يحول دون اكتمال حياته بعد الولادة عادةً إذا مَرَّ على حمله ما دون المائة والعشرين يومًا فإن القواعد الشرعية لا تَمنع الأم من القيام بعملية إسقاطه والحالة هذه، ما دام لا يوجد ضررٌ محقَّقٌ أو راجحٌ على الأم من جراء الإجهاض؛ وذلك لرفع متاعب الحمل ومشاق الولادة ومخاطرها عنها وتجنيبًا لها ما يكون من آلام الفقد بعد الأمل والتعلُّق، مع ما يصاحب ذلك من كُلْفَةٍ مادية نظير المتابعات الطبية وإجراء عملية الولادة، ويكون هذا من باب رفع الضرر.
قد ذهب طائفة من الفقهاء إلى جوازِ إسقاط الحمل قبل نفخ الروح فيه إذا كان ثَمَّ عذر معتبر؛ كأن ينقطع لبنها بعد ظهور الحمل وليس لأبي الصبي ما يستأجر به الظِّئر -وهي مَن ترضع غير ولدها- ويخاف هلاكه، كما نقله ابن عابدين في "حاشيته" عن ابن وهبان من فقهاء الحنفية. انظر: "رد المحتار" (3/ 176، ط. دار الكتب العلمية). ولا شك أن ما ذكرناه أقوى في الإعذار مما ذكره ابن وهبان.
وجاءت عبارات فقهية أخرى تفيد الجواز مطلقًا حتى ولو لم يكن ثَمَّ عذر؛ فقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "شرح البهجة الوردية" (5/ 331، ط. الميمنية): [إسقاط الحمل إن كان قبل نفخ الروح جاز، أو بعدها حَرُم] اهـ.
وجاء في متن "الإقناع" للحجَّاوي من كتب الحنابلة مع شرحه "كشاف القناع" (1/ 220، ط. دار الكتب العلمية): [ويجوز شربُ دواء لإلقاء نطفة] اهـ.
وفي "الفروع" لابن مُفلح (1/ 282، ط. عالم الكتب) أنه يؤخذ من كلام أبي الوفاء ابن عَقيل في "الفنون": (أنه لا يحرم الإسقاط قبل نفخ الروح). قال ابن مفلح: [وله وجه] اهـ.
أما إذا مضى على الحمل مائة وعشرون يومًا في بطن أمه فلا يجوز إسقاطه بحالٍ؛ لأنَّه حينئذٍ يكون قد نُفخت فيه الروح، والاعتداء عليها غير جائز، ويكون الإسقاط حينئذٍ قتلًا للنفس التي حرَّم الله تعالى قتلها إلا بالحق. إلا أن يكون في استمراره خطرٌ محققٌ على حياة الأم ويقرر ذلك الأطباء المتخصصون، فلا مانع حينئذٍ من الإجهاض؛ لأن الحياة المتَيَقَّنة مقدمةٌ على الحياة المظنونة، ولكنَّ جواز الإجهاض هنا إنما كان لأجل هذا المعنى لا لأجل خصوص التشوه. وعلى هذا جاء قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته الثانية عشرة، المنعقدة بمكة المكرمة عام 1410هـ الموافق 1990م انظر: "قرارات المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة" (ص 277).
والله سبحانه وتعالى أعلم.
هل إزالة الشعر بالليزر للمرأة الصائمة يؤثر على صحة صيامها؟
ما مدى مشروعية التداوي بالحجامة؟ فنظرًا للَّغطِ الشديد الذي نحن فيه فيما يتعلق بالتداوي بالحجامة، ونظرًا لأن هذا النوع من التداوي شاع في الفترة الأخيرة في العالم الغربي والشرقي على السواء، مما يجعلنا نفخر بأن نبينا وحبيبنا وطبيبنا محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم قد أوصى بهذا النوع من التداوي من 1400 سنة، والذي ينظر إليه العالم الآن ليس فقط بواقع طبي ولكن أيضًا نظرة مستقبلية.
وعليه: فإننا نود أن تفيدنا سيادتكم بالرؤية الإسلامية في موضوع الحجامة.
أولًا: مشروعية التداوي بها، وهل هو تداوٍ أفناه الدهر رغم استخدام الأوروبيين والأمريكان له، أم ما زال قائمًا؟
ثانيًا: هل يفضل أن يجريه العامة أم الأطباء بما لهم من مقدرة على التشخيص وإصابة الداء بالدواء المناسب ومراعاة ظروف التعقيم المناسبة؟
ثالثًا: إذا كان العالم الغربي اهتم بهذا النوع من التداوي وأصبح له مدارسه، وإذا كانت السُّنَّة واضحة فيه، فما هو حكم قيام السلطة في دولة إسلامية باستهجان هذا الأسلوب العلاجي الراقي الذي أوصى به نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وله قوانينه الحديثة المنظمة لهذا النوع من العلاج؟
ما حكم الشرع في عمل ترقيع القرنية للمرضى الذين يعانون من سحابات للقرنية، علمًا بأنّهم في أمسِّ الحاجة لهذه العملية، وأنَّ هذا النسيج يُؤْخَذ من مُتَوفًّى حديث الوفاة في خلال ساعتين أو ثلاثة من الوفاة، وأن هذا العمل يقوم به أطباء متخصصون؟
ما حكم وضع الصائم دهان كريم على السُّرَّة؟
ما حكم حقن الجلوكوز للصائم في نهار رمضان دون الحاجة إليها؟ فأحد زملائي في الشركة التي أعمل بها عنده مرض مزمن، وكثيرًا ما يشعر بدوار يفقده تركيزه أثناء وقت العمل، مما يضطره أحيانًا أن يذهب إلى المستشفى، حيث يقوم الأطباء بتعليق محلول الجلوكوز وحقنه به في الوريد ليسترد حالته الصحية وتركيزه بشكل جيد، وقد دخل علينا شهر رمضان الكريم، والصيام قد يؤثر عليه بشكل كبير، مما دفعه إلى أخذ حقن الجلوكوز صباحًا أثناء الصيام دون حاجة إلى ذلك، لكنه يفعل ذلك من باب الاحتياط وتجنبًا لحصول مضاعفات له بسبب الصيام تمنعه من إتمام عمله، فهل تلك الحقن في نهار رمضان تفطر أو لا؟
ما حكم الدين فيما يسمى بالإخصاب الصناعي، وطفل الأنابيب، وما حكم تأجير الأرحام؟