يقول السائل: يقوم بعض التجار الجشعين ببيع المواد بأسعار مرتفعة فادحة تزيد على الأسعار المقررة، وبعضهم يختزنون أقوات الناس وأهم ما يلزمهم من احتياجات معاشهم ويحتكرونها من ذوي الأطماع ومنتهزي الفرص؛ فما حكم إبلاغ الجهات المسؤولة عن هؤلاء؟
يجب على كل مَن يعلم أنَّ من التجار مَن يبيع بأسعار مرتفعة تزيد عن الأسعار المقررة أن يبلغ الجهات المسؤولة ذلك، كما يجب عليه أن يبلغها مَن يقوم بتخزين أقوات الناس وما يلزمهم في معاشهم؛ فإن هذا من باب التعاون على البر والتقوى، وإذا امتنع المسلم عن ذلك يكون آثمًا شرعًا.
المحتويات
إذا قررت الحكومة أسعارًا لما يحتاجه الناس في معيشتهم من طعام ولباس وغيرهما دفعًا لظلم أربابها ومنعًا للضرر العام عن الناس وجب شرعًا البيع بهذه الأسعار، وكان البيع بأزيد منها من الظلم المحرم شرعًا، وإذا نهت عن اختزان ما يحتاجه الناس كان الاختزان أيضًا محرمًا شرعًا ومنكرًا يجب إزالته، ويجب على كل مَن يعلم أنَّ من التجار مَن يبيع بأسعار زائدة عن الأسعار المقررة أو يُخزّن ما يحتاجه الناس ممَّا نُهُوا عن اختزانه أن يبلغ الحكومة؛ لتعمل على إزالة هذا المنكر وتغييره، فإنها لا تستطيع إزالته إلا إذا علمت به، فإذا توقف منع الظالمين عن ظلمهم وإزالة المنكر على تبليغ وإعلام الحكومة به وجب شرعًا على مَن يعلم أن يبلغها ويعلمها بذلك؛ لأن ذلك سعي في إزالة الظلم، والسعي في إزالة الظلم من أعظم وجوه البر؛ وقد قال الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2]، وكيف لا يكون هذا ظلمًا وقد وردت أحاديث كثيرة تدلّ على تحريم الاحتكار وهو احتباس الشيء انتظارًا لغلائه؛ فقد روى مسلم في "صحيحه" عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لاَ يَحْتَكِرُ إِلاَّ خَاطِئٌ». - الخاطئ المذنب العاصي-، وروى أحمد بن حنبل رحمه الله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مَنْ دَخَلَ في شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ لِيُغْلِيَهُ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ حَقًّا عَلَى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُقْعِدَهُ بِعُظْمٍ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» -أي بمكان عظيم من النار-، ورَوَي أيضًا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مَنِ احْتَكَرَ حُكْرَةً يُرِيدُ أَنْ يُغْلِىَ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ خَاطِئٌ»، وقد روى هذا الحديث الإمام البيهقي بما نصه: «مَنِ احْتَكَرَ يُرِيدُ أَنْ يُغَالِيَ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ خَاطِئٌ، وَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللهِ»، وروى ابن ماجه عن عمر رضي الله عنه أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنِ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَعَامَهُمْ ضَرَبَهُ اللهُ بِالْجُذَامِ وَالإِفْلاَسِ» إلى غير ذلك من الأحاديث.
وهذه الأحاديث تدل بمجموعها بطريق العبارة أو بطريق دلالة النصّ على تحريم اختزان أقوات الناس وسائر ما يحتاجون إليه في معايشهم من غير فرق بين قوت الآدمي والدواب وبين غيره، وقصر حظر الاحتكار على قوت الآدمي والدواب قصر لا يقوم عليه دليل، كيف وظاهر أن العلة هي الإضرار بالناس، وهي متحققة في كل ما يحتاجون إليه ولا تقوم معيشتهم إلا به.
لوليّ الأمر أن يُسَعّر ما يحتاج إليه الناس إذا كان في هذا التسعير إكراه التجار على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل ومنعهم ممَّا يحرم عليهم من أخذ الزيادة عليه، وذلك إذا امتنع أرباب السلع عن بيعها مع حاجة الناس إليها إلا بزيادة على القيمة المعروفة كما هو حال التجار الآن؛ ففي هذه الحالة يجب عليهم بيعها بقيمة المثل، ولا معنى للتسعير إلا إلزامهم بالبيع بهذه القيمة، والتسعير هاهنا كما قال الشيخ ابن القيم في كتابه -"الطرق الحكمية في السياسة الشرعية"- إلزامهم بالعدل الذي ألزمهم الله به، وما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من تركه التسعير ومن قوله: «إِنَّ اللهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ» -رواه أبو داود- هو من قبيل واقعة الحال التي لا تعمّ؛ إذ ليس في هذه الواقعة كما قال الشيخ ابن تيمية أن أحدًا امتنع من بيع ما الناس يحتاجون إليه. وحينئذٍ فالتسعير كما قال ابن القيم في هذه الحالة جائز بل واجب. فإذا سعَّرت الحكومة وجب العمل بما سعّرت به وحرُم تعدّي السعر الذي حددته؛ لأن طاعة ولي الأمر واجبة بالكتاب العزيز وبالسنة الصحيحة وبإجماع علماء المسلمين إذا أمر بما ليس بمعصية.
هذا، وقد قال الشيخ ابن تيمية في كتابه "الجوامع في السياسة الإلهية" (ص: 41، ط. نخبة الأخبار) ما خلاصته: [ولو كان رجل يعلم مكان المال المطلوب بحق أو الرجل المطلوب بحق وجب عليه الإعلام به والدلالة عليه ولا يجوز كتمانه؛ فإن هذا من باب التعاون على البر والتقوى وذلك واجب.. إلى أن قال: فإذا امتنع هذا العالم من الإعلام بمكان المال المطلوب بحق أو الرجل المطلوب بحق جاز عقوبته بالحبس وغيره حتى يخبر به؛ لأنه امتنع من حق واجب عليه، وهذا مطرد فيما يتولاه الولاة والقضاة وغيرهم في كل مَن امتنع عن حق واجب عليه من قول أو فعل، وليس هذا من قبيل عقوبة الرجل بإثم غيره حتى يدخل في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: 159]؛ بل هذا يعاقب على ذنب نفسه، وهو أن يكون قد علم بمكان الظالم الذي يطلب حضوره لاستيفاء الحق منه، أو يعلم بمكان المال الذي قد تعلق به حقوق المستحقين فامتنع من الإعانة ومن النصرة الواجبة عليه بالكتاب والسنة والإجماع؛ إما محاباة وحمية لذلك الظالم، وإما إعراضًا عن القيام لله بالقسط الذي أوجبه الله تعالى وجُبنًا وفشلًا وخذلانًا.. إلى آخر ما قال] اهـ، وما معنا من قبيل أو نظير ما قاله الشيخ ابن تيمية.
يجب على كل مَن يعلم أنَّ من التجار مَن يبيع بأسعار مرتفعة تزيد عن الأسعار المقررة أن يبلغ الحكومة ذلك، كما يجب عليه أن يبلغها مَن يختزن أقوات المسلمين وما يلزمهم في معاشهم، وإذا كان مَن يعلم ذلك شخصًا واحدًا وجب عليه وحده التبليغ؛ فإن لم يبلغ كان آثمًا، وإذا كان مَن يعلم أكثر من واحد وجب على كلّ منهم أن يبلغ، فإذا قام به بعضهم لم يأثم أحد منهم لحصول المقصود بتبليغ بعضهم وإذا تركوا كلهم التبليغ كانوا جميعًا آثمين كما هو حكم الواجب الكفائي. وبما ذكرنا يُعلَم الجواب عن السؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما موقف العلماء من زخرفة المسجد النبوي في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز؟ حيث توجد دعوى تقول: إن كثيرًا من أهل العلم سكتوا عن إنكار ما فعله سيدنا عمر بن العزيز بالمسجد النبوي من زخرفته وكتابة الآيات القرآنية عليه مخافة الفتنة.
سائل يقول: هل تعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتوقيره والتأدب مع حضرته أثناء زيارته بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى يكون كما في حياته لا ينقص منه شيء؟
تواجه الإنسان في هذه الحياة بعض الصعوبات والمشكلات؛ فكيف يكون التوجيه الشرعي في ذلك؟
يقول السائل: نرجو منكم توضيحًا ونصيحة شرعية لمن يقوم بإطالة الجلوس عند زيارته غيره بما يؤدي إلى الحرج والأذى بأصحاب البيت؟
هل يجوز تعليم الأطفال في المدارس أناشيد بمصاحبة بعض الآلات الموسيقية، ومنها تحديدًا: آلات الإيقاع كالطبلة والدف والمثلثات والكاستينات وجلاجل وشخاليل؟
ما حكم عادة الجلوس للسلام على الكبير؛ فقد اعتادَ الناس في بلادنا عادات وتقاليد ورثوها أبًا عن جدٍّ؛ يحاولون بها إظهار التعظيم من الصغير للكبير، ومن الطالب لأستاذه، ومن الزوجة لزوجها، وتتجسَّد هذه العادة في صورة أنه إذا أراد الصغير السلامَ على الكبير فإنه يجلس أمامه أولًا كهيئة الجلوس بين السجدتين، جاثيًا على ركبتيه، ثم يَمُدُّ يدَه ليُسلِّمَ على من يقف أمامه؛ بحيث يكون أحدهما جالسًا جاثيًا على ركبتيه وهو المُسَلِّمُ، والآخر واقفًا مستقيمًا أمامه وهو المُسَلَّمُ عليه.
فهل هذا العملُ مخالف لتعاليم وآداب الشريعة الإسلامية؟ وهل هذا الجُثوُّ على الركب يُعدُّ من فعل الأعاجم الذين يُعظمُ بعضهم بعضًا، والذي نهى عنه رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم؟ أفيدونا أفادكم الله.