يقول السائل: أعطى أخ لأخيه مبلغًا من المال وعند سداد الدين تعسر الأخ وأرد العفو عنه رغبة في ثواب ذلك؛ ويسأل عن فضل العفو والتجاوز عن المعسر.
مطالبة الإنسان بحقِّه في الشرع الشريف أمر مباح وليس بواجب، ما دام أن ذلك الحق المطلوب هو حقه وحده، لا يتعداه لغيره؛ فالأصل أنه يباح للإنسان أن يطالب بحقوقه، فإن أراد العفو عنها والمسامحة فيها لتعسر المدين أو حاجته أو لرغبة فيما وراء العفو من الثواب والأجر؛ فإن ذلك من محاسن الأخلاق التي ندب الشرع إليها وحثَّ عليها؛ لما فيه من التآلف بين القلوب وتوطيد العلاقات الإنسانية بين الإنسان وأخيه.
وقد تكاثرت الأدلة التي تحث على ذلك من القرآن الكريم والسنة المطهرة:
يقول الله تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 280]، وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: 134].
قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (3/ 374، دار عالم الكتب): [﴿وَأَن تَصَدَّقُوا﴾.. ندب الله تعالى بهذه الألفاظ إلى الصدقة على المعسر، وجعل ذلك خيرًا من إنظاره] اهـ.
وقال أيضًا (4/ 207): [العفو عن الناس أجلُّ ضُرُوب فعل الخير؛ حيث يجوز للإنسان أن يعفو وحيث يتجه حقه] اهـ.
وقال الإمام أبو محمد مكي بن أبي طالب في "الهداية إلى بلوغ النهاية" (10/ 6320، ط. جامعة الشارقة): [ومعنى: ﴿فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾ [الزمر: 18]، أي: يتبعون ما أمر الله به الأنبياء من طاعته؛ فيعملون به؛ أي: يستمعون العفو عن الظالم والعقوبة، فيتبعون العفو ويتركون العقوبة وإن كانت لهم.
وإنما نزل ذلك فيما وقع في القرآن في الإباحة فيفعلون الأفضل مما أبيح لهم؛ فيختارون العفو على القصاص والصبر على الانتقام اقتداء بقوله تعالى: ﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور﴾ [الشورى: 43]] اهـ.
وعلى هذا تواردت عبارات الفقهاء:
قال العلامة ابن رشد الجد في "المقدمات الممهدات" (3/ 425، ط. دار الغرب الإسلامي): [فأما في الدنيا: فالعفو والصفح عن الظالم أولى من الانتصار منه بأخذ الحقِّ منه في بدنه أو ماله؛ لقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [الشورى: 40]، وقوله: ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: 134]، وقوله: ﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ [الشورى: 43]، ولا يعارض هذا قوله عزَّ وجلَّ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ﴾ [الشورى: 39]؛ لأن المدحة في ذلك وإن كانت متوجهة بهذه الآية لمن انتصر ممن بغي عليه بالحق الواجب ولم يتعد في انتصاره وكان مثابًا على ذلك لما فيه من الردع والزجر: فهو في العفو والصفح أعظم ثوابًا بدليل قوله بعد ذلك: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾] اهـ.
وقال الإمام القرافي في "الفروق" (4/ 293، ط. عالم الكتب): [الأحسن للمظلوم الصبر والعفو عن الظالم لقوله تعالى: ﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ أي: من معزومها ومطلوبها عند الله تعالى.
فإن زاد في الإحسان على ذلك بأن دعا له بالإصلاح والخروج عن الظلم؛ فقد أحسن إلى نفسه بمثوبة العفو وتحصيل مكارم الأخلاق، وإلى الجاني بالتسبب إلى إصلاح صفاته، وإلى الناس كافة بالتسبب إلى كفايتهم شره] اهـ.
بل إنَّ المسامحة هنا وهي من المندوبات تفضل الواجب في هذه المسألة؛ وهو الإنظار إلى ميسرة لاستيفاء هذه الحقوق.
قال الإمام ابن نجيم في "الأشباه والنظائر" (ص: 131-132، ط. دار الكتب العلمية): [الفرض أفضل من النفل إلا في مسائل:
الأولى: إبراء المعسر مندوب، أفضل من إنظاره الواجب.
الثانية: الابتداء بالسلام سُنَّة، أفضل من رده الواجب.
الثالثة: الوضوء قبل الوقت مندوب، أفضل من الوضوء بعد الوقت وهو الفرض] اهـ.
وممَّا يدل على استحسان العفو عن الحقوق من السنة المطهرة: ما أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه" من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنَّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآلهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ».
وما أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه؛ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «ثَلاَثٌ وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنْ كُنْتُ لَحَالِفًا عَلَيْهِنَّ: لاَ يَنْقُصُ مَالٌ مِنْ صَدَقَةٍ فَتَصَدَّقُوا، وَلاَ يَعْفُو عَبْدٌ عَنْ مَظْلِمَةٍ يَبْتَغِى بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا عِزًّا، وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِى هَاشِمٍ: إِلاَّ زَادَهُ اللَّهُ بِهَا عِزًّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلاَ يَفْتَحُ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلاَّ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ».
قال الإمام الباجي في "المنتقى شرح الموطأ" (7/ 324، ط. مطبعة السعادة): [وقوله «وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ» يريد بالتجاوز عنه بمعونة الله عزَّ وجلَّ مما له قصاص وانتصار «إِلَّا عِزًّا» يريد رفعة في قلوب الناس وقوة على الانتصار] اهـ.
وقال القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (8/ 59، ط. دار الوفاء): [وقوله: «مَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا»: فيه -أيضًا وجهان: أحدهما: ظاهره: أن مَن عرف بالصفح والعفو ساد وعظم في القلوب وزاد عِزَّه، الثاني: أن يكون أجره على ذلك في الآخرة وعزته هناك] اهـ. ومما سبق يُعلَم الجواب عما جاء بالسؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم القمار في الإسلام؟ وهل ورد في الشرع نصوص تبيح الرهان؛ كالرهان على سباق الخيل مثلًا؟
ماذا ورد في السنة النبوية الشريفة من الحث على العمل والكسب الحلال والتحذير من سؤال الناس؟
سائل يقول: ورد في كتب الحديث أنّ النبي صلّى الله عليهِ وآله وسلّم ذم الجدل ولكن أخبرني البعض أن الجدل ليس كله مذمومًا بل منه ما هو محمودٌ. فنرجو منكم بيان ذلك.
ما حكم كفالة بنت ورعايتها والوصية لها ببعض المال؟ فهناك زوجة موسرة وسَّع الله تعالى عليها، وترغب في تبني بنت لتقوم بخدمتها؛ حيث إنها لم تنجب، وهي مستعدة لتربية هذه البنت، وتعليمها، والإنفاق عليها بكل ما يلزمها، وتريد أن تخصها بكتابة شيء لها من مالها بعد وفاتها؛ فما الحكم الشرعي في ذلك؟
ما حكم نشر ومشاركة البلوجر للمقاطع غير الأخلاقية؟ فقد انتشر مؤخَّرًا بعض الأشخاص يُطْلَق عليهم "بلوجر"، ويقومون بنشر مقاطع فيديو على منصَّات التواصل الاجتماعي تحتوي على ألفاظٍ وحركات خادشة للحياء، بهدف زيادة عدد ونسبة المشاهدات وتحقيق أرباح مالية، فأرجو بيان موقف الشرع الشريف مِن هذه الأفعال التي يقومون بها؟