ما حكم التصرف في العربون قبل تسليم المبيع؟ فهناك رجلٌ يعمل في تجارة الأجهزة الكهربائية، واعتاد بعضُ الناس معاملتَه بدَفْع عربونٍ غير مُستَرَد عند شراء السلعةِ على ذمَّة إتمام البيع وسداد باقي الثمن، مع استلامِ مُستندٍ تِجَاريٍّ (فاتورةٍ) بذلك، فهل يجوز له التصرف فيما يقبضه منهم كعربونٍ على بعض السلع قبل إتمام البيع وتسليم تلك السِّلَع؟
العُربون المدفوع للبائع مِن قِبَل المشتري من حين إبرام عقد البيع بينهما تنتقل مِلكيته إلى البائع بمجرد استحقاقِه إياه وقبضِه من المشتري بأصل العقد المشتمل على شرط العُربون، سواءٌ أكان جزءًا مِن ثمن السلعةِ إذا تم البيع، أم مقابِلًا لعُدُول المشتري عن الشراء، ويجوز للبائِع التصرف في ذلك العُربون بكافة أنواع التصرف كسائر أملاكه.
المحتويات
جَرَت سُنَّةُ الله في الناس أن البيع والتجارةَ مِن أعظم أبواب الرِّزق والاكتساب، وهي مشروعةٌ إذا ما رُوعِيَت أركانها وشروطها الشرعيَّة، ولم تتعارض مع المقاصد المرعيَّة، قال الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 29].
و"العُرْبُون": لفظٌ معرَّبٌ، وقيل: إنَّه مشتَقٌّ مِن التعريب الذي هو البيان؛ لأنه بيانٌ للبيع، والواردُ عن العرب فيه ضَمُّ أوَّلِهِ، إلا أنَّ فَتْحَها مشهورٌ على ألسِنَة الناس، وهي لغةٌ عامِّيَّةٌ صَرَّح بعضُهم بمنعِهَا لغةً، كما في "تاج العروس" للعلامة المُرْتَضَى الزَّبِيدِي (3/ 350-351، ط. دار الهداية).
والمراد به في البيع: ما يُقدَّم دَفعُهُ مِن الأموال، على أنه إن أخذ المشتري السلعةَ احتُسِبَ مِن الثَّمَن، وإن لم يأخذها فهو للبائع، كما في "المغني" للإمام موفَّقِ الدِّين ابن قُدَامَة (4/ 175، ط. مكتبة القاهرة).
فالعُربون هو ما يكون مقترنًا بالعقد وليس متقدِّمًا عليه، أمَّا ما يدفعه أحد الناس لغيره قبل أن يتعاقدا على بيعٍ أو شراءٍ فلا يخرج عن حدود الأمانةِ المقرَّرِ صيانتُها وحِفظُها شرعًا لحقِّ صاحبها، ولا يجوز التصرف فيها حينئذٍ بحالٍ من الأحوال؛ إذ "(الأمانة) هي كلُّ حقٍّ لَزِمَكَ أَدَاؤُهُ (إلى مَن ائتمنك) عليها"، كما قال الإمام زين الدين المُنَاوِي في "التيسير بشرح الجامع الصغير" (1/ 52، ط. مكتبة الإمام الشافعي).
الغَرَض من العُربون المُضمَّن في الصورة التعاقدية -محل السؤال- إمَّا حفظُ الحقِّ لكلٍّ مِن المتعاقدَين في العُدُولِ عن العَقدِ، وذلك بأن يَدفع مَنْ يُريد العُدُول قدرَ هذا العُربون للطَّرفِ الآخر، وإمَّا تأكيد العقد والبتُّ فيه عن طريق البدء في تنفيذه بدفع العُربون، كما أفاده العلامة عبد الرزاق السَّنْهُورِي في "مصادر الحق" (ص: 93، ط. معهد الدراسات العربية العالية).
وبيع العُربون على النَّحو المذكورِ جائزٌ شرعًا على ما ذهب إليه الحنابلة في المعتمد -خلافًا للإمام أبي الخَطَّاب الكَلْوَذَانِي-، وَهوَ مِن مُفرَدَاتِ المَذهَب دونًا عن المذاهب الثلاثة الأخرى، كما في "الإنصاف" للإمام علاء الدين المَرْدَاوِي (4/ 357-358، ط. دار إحياء التراث)، وممن أجازه مِن الصحابة الكرام وأمضاه: أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وابنُه عبد الله رضي الله عنهما، وأجازه من التابعين: سعيد بن المُسَيِّب، ومحمد بن سِيرِين، ومجاهِد بن جَبْر، كما في "المصنف" للإمام ابن أبي شَيْبَة، وهو المختار للفتوى.
ودليلُه: ما ذكره الإمام البخاري في "صحيحه" معلَّقًا -ووصله الحافظ ابن حَجَرٍ العَسْقَلَانِي في "تغليق التعليق" (3/ 326، ط. المكتب الإسلامي) - قال: "وَاشْتَرَى نَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ دَارًا لِلسِّجْنِ بِمَكَّةَ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَلَى أَنَّ عُمَرَ إِنْ رَضِيَ فَالْبَيْعُ بَيْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ عُمَرُ فَلِصَفْوَانَ أَرْبَعُمِائَةِ دِينَارٍ".
فهو بيع عُربُونٍ تُوقِّفَ في إمضائه على إذنِ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بصفته الحاكم وولي الأمر، وهو ما لم يَخْفَ عن مَرأى ومَسمَعِ الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، ولم يَثبُت أنه أَنكَر عليه ذلك منهم أحدٌ.
قال الإمام موفق الدين ابن قُدَامَة في "المغني" (4/ 175): [العُربون في البيع.. قال أحمد: لا بأس به، وفَعَلَه عُمر رضي الله عنه، وعن ابن عُمر أنَّه أجازه، وقال ابن سيرين: لا بأس به، وقال سعيد بن المُسَيِّب وابن سِيرِين: لا بأس إذا كَرِهَ السلعةَ أن يرُدَّها يَرُد معها شيئًا، وقال أحمد: هذا في معناه، واختار أبو الخَطَّاب أنه لا يَصِح] اهـ.
جواز بيع العُربون بالصورة المذكورةِ هو ما أخذ به القانون المدني المصري رقم 131 لسنة 1948م، وتعديلاته الصادرة في 16 يوليو لسنة 2011م، حيث نصَّت المادة رقم 103 منه على أن: [دفع العُربون وقت إبرام العقد يفيد أن لكلٍّ مِن المتعاقدين الحق في العدول عنه، إلَّا إذا قضى الاتفاق بغير ذلك] اهـ.
عقد البيع مِن عقود المعاوضة، وهو ما "اجتمعتِ الأمة على كونه سببًا لإفادة المِلك"، كما قال حُجة الإسلام الغَزَالِي في "الوسيط" (3/ 3، ط. دار السلام)، واشتمال البيع على دفع العُربون مُؤْذِنٌ بأنه داخلٌ في مِلكِ البائع بطريق المعاوَضة السَّارية في طبيعة ذلك العقد؛ إذ "الالتزام بدفع قيمة العُربون المترتِّب في ذمَّة الطَّرف الذي عدل عن العقد ليس تعويضًا عن الضَّرَرِ الذي أصاب الطرف الآخَر مِن جرَّاء العُدول... والعُربون بدلٌ مستحقٌّ بالعقد"، كما قال العلامة عبد الرزاق السَّنْهُورِي في "مصادر الحق" (2/ 94-95).
ومِن ثَمَّ فما دام البائع قد تسلَّم المال مِن المشتري على سبيل العُربون المُضَمَّن في العقد فإنه بذلك يكون قد انتقل إلى مِلكِهِ؛ إذ استحقاق البائع للعُربون ثابتٌ بالعقد المشتَمِل على ذلك الشرط والمكتسِب صفةَ اللزوم وفقًا لِمَا تمَّ بينه وبين المشتري من تعاقُدٍ وتَرَاضٍ منهما على ذلك بإرادةٍ كاملةٍ.
والوفاء بالشروط حَتْمٌ لازمٌ؛ لقول الله تعالى في مُحْكَمِ التنزيل: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]، ولِمَا أخرجه الإمام الترمذي من حديث عمرو بن عَوْف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ.. الحديث».
كما أن بيع العربون وإن كان قريبًا مِن خيار الشرط من حيث إمكانية العدول عن الصفقة إلا أنه مختلفٌ عنه، فمَنْعُ البائع مِن التصرف في الثمن قبل لزوم العقد في حالةِ خيار الشرط عِلَّتُهُ بقاءُ شيءٍ مِن تعلُّقِ حقِّ المشتري بالثمن؛ "لِأَنَّهُ لَيْسَ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ، وَلَمْ تَنْقَطِعْ عَلَقُهُ عَنْهُ فَيَتَصَرَّف فِيهِ الْبَائِعُ"، كما قال الإمام أبو السعادات البُهُوتِي في "كشاف القناع" (3/ 241، ط. دار الكتب العلمية)، وهذه العِلَّة في التحريم غيرُ حاصلةٍ في مسألةِ العُربون؛ إذ يستحقه البائعُ بنفس العقد كما مَرَّ، وتنقطع عَلَقُه عنه بكلِّ حالٍ بمجرد التعاقد على دفع العربون وتسليمه للبائع، فلا يَستَرِدُّه إن عَدَلَ عن الشراء، على عكس خيار الشرط، وحيث انتفت عِلَّة مَنْع البائع مِن التصرُّف انتفى الحكم؛ لما هو مقرَّرٌ في الشرع الشريف أن "الحُكمَ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ وُجُودًا وَعَدَمًا"، كما قال الإمام شمس الدين الزَّرْكَشِي في "شرح مختصر الإمام الخِرَقِي" (3/ 504، ط. مكتبة العبيكان).
ولَمَّا ثبتت المِلكيَّة للبائع فمعلومٌ أن مقتضاها وفقًا للقواعد العامة في الشريعة الإسلامية هو حرية التصرف المشروع في الشيء المملوك، فمَن مَلَك شيئًا أُبِيحَ له التَّصرُّف فيه من غير شرطٍ ولا قيدٍ.
قال الإمام شهاب الدين القَرَافِي في "الفروق" (3/ 216، ط. عالم الكتب): [المِلك: إباحةٌ شرعيَّةٌ في عينٍ أو منفعةٍ تقتضي تمكُّن صاحبها مِن الانتفاع بتلك العين أو المنفعة أو أخذ العِوَض عنهما] اهـ.
وقال العلامة محمد قَدْرِي باشا في "مُرشِد الحيران" (ص: 4، ط. الأميرية): [(مادة 11) المِلك التام مِن شأنه أن يَتصرَّف به المالكُ تصرُّفًا مُطلَقًا فيما يَملِكُه عَينًا ومَنفعة واستغلالًا، فينتفع بالعين المملوكة وبِغَلَّتِها وثمارها ونِتَاجِها، ويَتصرَّف في عينها بجميع التصرفات الجائزة] اهـ. فيحقُّ للبائع التَّصرُّف في العربون من حين قبضِهِ له كسائر أملاكه.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فالعُربون المدفوع للبائع مِن قِبَل المشتري من حين إبرام عقد البيع بينهما تنتقل مِلكيته إلى البائع بمجرد استحقاقِه إياه وقبضِه من المشتري بأصل العقد المشتمل على شرط العُربون، سواءٌ أكان جزءًا مِن ثمن السلعةِ إذا تم البيع، أم مقابِلًا لعُدُول المشتري عن الشراء، ويجوز للبائِع التصرف في ذلك العُربون بكافة أنواع التصرف كسائر أملاكه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم شراء شقة بالتمويل العقاري بفائدة متناقصة؟ فقد تقدمنا لحجز شقة في مشروع الإسكان الاجتماعي في مصر، وكان النظام المتبع أن ندفع 5 آلاف جنيه جدية حجز، وبعد قيام وزارة الإسكان بفرز الأوراق والاستعلام تقوم بتحويل الأوراق لأحد البنوك التابعة للبنك المركزي في إطار مبادرة التمويل العقاري، حيث يقوم البنك بسداد قيمة الوحدة، ثم يقوم بتحصيلها من المواطن بفائدة متناقصة 7 بالمائة سنويًّا، مع منع العميل من التصرف في الشقة بالبيع أو الهبة حتى يتم الانتهاء من السداد. فما حكم ذلك شرعًا؟
ما حكم الشراء من ماكينات البيع الذاتي؟ حيث تُخصِّص بعض المتاجر ماكينات للبيع الذاتي، وهي ماكينات مشتملةٌ على بعض السلع المعروضة مثل المشروبات الغازية، والعصائر، والأغذية المغلفة، وتُبرمَج على تمييز ثمن كلِّ سلعةٍ وعرضه عند اختيار المشتري لها، وإخراج تلك السلع للمشتري في الدرجِ المُعد لذلك بمجرد دفع الثمن بالطريقة المتاحة بها، سواء بوضع المال نفسه فيها أو خصمه مِن البطاقة البنكيَّة للمشتري، فهل الشراء مِن تلك الماكينات بتلك الصورة الخالية مِن التعامل مع البائع مطلقًا جائزٌ شرعًا؟
هل يجوز للمشتري أن يطلب من الشفيع ثمنًا زائدًا عما دفعه؟ حيث باع شخص شقته لشخص آخر، وعندما علم جاره بذلك أخبره أنه كان يرغب في شرائها توسعة على أولاده، فطلب من البائع أن يستردها، فأخبر المشتري برغبة الجار في أخذ الشقة لنفسه، فرفض إلا بإعطائها له بمبلغ أكبر من المبلغ الذي اشتراها به، فهل من حقِّ الجار أن يطلب أخذ الشقة لنفسه؟ وهل يحِقُّ للمشتري أن يطلب ثمنًا زائدًا عما دفعه؟
ما الحكم الشرعي في ظاهرة "المستريح"؟ حيث انتشر في الآونة الأخيرة بشكل واسع نماذج جديدة ممَّن يطلق عليهم "المستريح"، وهو لَقبٌ يطلقه الشخص على نفسه ليجذب أكبر عدد من ضحاياه، والصورة المعتادة للمستريح قيامه بجمع الأموال بحجة الاستثمار، وظهرت نماذج جديدة عن طريق شراء المواشي والحيوانات بأعلى من سعرها في السوق، غير أنَّه لا يُسلِّم للبائع كامل الثمن، وإنما يعطيه عربون، وباقي الثمن يُسدِّده في خلال ثلاثة أسابيع، ثم يبيع هذه المواشي بأقل مِن سعرها في السوق، والبعض يقوم بمثل هذه المعاملة في السيارات، أو في الفاكهة والخضروات ونحو ذلك؛ فما حكم الشرع في هذه الظاهرة؟
ما حكم زيادة البائع على السعر الذي اشترى به على الرغم من الاتفاق على عدم الزيادة؟ فهناك رجلٌ اشترى بهيمةً مِن السُّوق، وبعد شرائها بوقت قليل وقبل أن ينفضَّ السوقُ احتاج إلى المال، فعَرَضَها للبيع، فأقبَلَ عليه شخصٌ غيرُ الذي ابتاعَها منه ليشتريها منه، واتفَقَ معه على أنه سيبيعُها له بالثمن الذي اشتراها به مِن غير زيادة عليه، وأخبره بهذا الثمن، فوافَقَ المشتري على ذلك، وأعطاه الثمن الذي أخبره به، وأخذ البهيمة، وقبل أن يَنْفَضَّ السُّوقُ عَلِمَ هذا المشتري أن الثمن الذي اشترى به البهيمةَ أكثرُ مِن الثمن الذي اشتُرِيَت به، فاستحلَفَ ذلك الرجلَ، فأقرَّ بأنه قد زاد عليه في الثمن، لكن تَمَسَّك في الوقت ذاته بأن المشتريَ قد رَضِيَ بالثمن الذي أخبره به. والسؤال: هل للمشتري المذكور بعد تمام البيع أن يَستَرِدَّ الزيادة التي زادها عليه هذا الرجلُ (البائعُ) في ثمن البهيمة المذكورة؟
ما حكم بيع الثمار قبل نضجها؟ حيث يقول السائل: في بلادنا يتعاقد الفلاح (البائع) والمشتري على القمح والشعير وأمثالهما من الحبوب قبل نضجها؛ فالبائع يأخذ المال مقدمًا، وحين تظهر الحبوب وتنضج يحصدها المشتري ويأخذها؛ فهل هذا البيع جائز؟ وهل يدخل تحت بيع السلم مِن منظور المذهب الحنفي؟