ما حكم إخراج المزكي زكاته على مَن ينفق عليهم؟ فقد تُوفِّي رجلٌ ولهُ أولادٌ، وليس لهم مالٌ يكفيهم، فهل يجوز لعَمِّهم أن يُخرِج زكاة ماله لأولاد أخيه الصغار؟
إن كان عم الأولاد الصغار تلزمه النفقة على أولاد أخيه الصغار لعدم وجود مَن ينفق عليهم من أب أو جد أو نحو ذلك من الأصول أو الفروع أو العصبات، أو يوجد لكن ألزمه القاضي بالنفقة؛ فلا يجوز للعمّ أن ينفق عليهم من أموال الزكاة؛ فنفعها عائدٌ إليه، فكأنَّه أخْرَجَهَا على نفسه.
وأما إن كان لا يلزمه نفقتهم فيجوز شرعًا الإنفاقُ عليهم مِن أموال الزكاة ما داموا فقراء لا يملكون نفقتهم، وللعم في ذلك أجران: أجر الزكاة، وأجر الصِّلة والمودة.
المحتويات:
حَدَّدَت الشريعةُ الإسلامية مصارفَ الزكاة في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60].
وجعلت كفايةَ الفقراء والمساكين آكد ما تصرف فيه الزكاة، ولذا عَبَّرَت الآيةُ بِاللَّامِ المفيدة لِلمِلك في الأصناف الأربعة الأُوَل -وهُم: الفقراء، والمساكين، والعاملون عليها، والمؤلفةُ قلوبهم- تأكيدًا لهذا المعنى، فيملكون بذلك ما عساه أن يُدفع إليهم ملكًا تامًّا دائمًا مستقرًّا بحيث يتصرفون فيه كيفما يشاؤون بما يحقق مصالحهم ويقضي لهم منافعهم. وجمهور الفقهاء على اشتراط هذه الملكية -على تفصيل بينهم-، حتى ينفقها المستحق في حاجته التي هو أدرى بها من غيره. ينظر: "بدائع الصنائع" للإمام الكَاسَانِي الحنفي (2/ 39، ط. دار الكتب العلمية)، و"العناية" للإمام أكْمَل الدين البَابَرْتِي الحنفي (2/ 267، ط. الحلبي)، و"شرح الإمام الخَرَشِي المالكي على مختصر الإمام خليل" (2/ 219، ط. دار الفكر)، و"مغني المحتاج" للإمام الخطيب الشِّرْبِينِي الشافعي (4/ 173، ط. دار الكتب العلمية)، و"المغني" للإمام الـمُوفَّق ابن قُدَامَة الحنبلي (2/ 500، ط. مكتبة القاهرة).
وقد خَصَّ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم الفقير بالذِّكر في حديث إرسال معاذٍ رضي الله عنه إلى اليَمَن فقال: «فَإن هم أَطاعُوا لَكَ بذلكَ فأَخبِرهم أَنَّ اللهَ قد فَرَضَ عليهم صَدَقةً تُؤخَذُ مِن أَغنِيائِهم فتُرَدُّ على فُقَرائِهم» متفقٌ عليه.
قال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (6/ 189-191، ط. دار الفكر) عند قول الشيخ أبي إسحاق الشيرازي: "الفقير هو الذي لا يجد ما يقع موقعًا من كفايته؛ فيُدفَع إليه ما تزول به حاجته": [قال أصحابنا: والمعتبر في قولنا: (يقع موقعا من كفايته): المَطعمُ، والملبس، والمسكن، وسائر ما لا بد له منه، على ما يليق بحاله، بغير إسراف ولا إقتارٍ، لنفس الشخص، ولمن هو في نفقته] اهـ.
من المقرر شرعًا أنه لا يجوز للمُزَكِّي الإنفاق من زكاة ماله على مَن تلزمه نفقته؛ وذلك لأنَّ نفعها يعود إليه فكأنَّها عادت إليه ولم يُخْرِجْها، ومن ثَمَّ فلم يَغْرَم شيئًا.
قال الإمام الكَاسَانِي الحنفي في "بدائع الصنائع" (2/ 49) عند حديثه عن شروط الزكاة: [ومنها: ألا تكون منافع الأملاك متصلة بين المؤدي وبين المؤدى إليه؛ لأن ذلك يمنع وقوع الأداء تمليكًا من الفقير من كلِّ وجه، بل يكون صرفًا إلى نفسه من وجه؛ وعلى هذا يخرج الدفع إلى الوالدين وإن علوا، والمولودين وإن سفلوا؛ لأن أحدهما ينتفع بمال الآخر، ولا يجوز أن يدفع الرجل الزكاة إلى زوجته بالإجماع] اهـ.
وقال الإمام شهاب الدِّين القَرَافِي المالكي في "الذخيرة" (3/ 141، ط. دار الغرب الإسلامي) في بيان الشروط المتعلقة بأصناف المستحقين للزكاة: [الثاني: خروجهم عن القرابة الواجبة نفقتهم، وفي "الكتاب": لا يعطيها لمَن تلزمه نفقتهم] اهـ.
وقال الإمام محيي الدين النووي الشافعي في "روضة الطالبين" (2/ 310، ط. المكتب الإسلامي): [والخلاف في مسألة القريب إذا أعطاه غير من تلزمه نفقته من سهم الفقراء أو المساكين، ويجوز أن يعطيه من غيرهما بلا خلاف، وأما المُنْفَق عليه، فلا يجوز أن يعطيه من سهم الفقراء والمساكين؛ لغناه بنفقته، ولأنَّه يدفع عن نفسه النفقة] اهـ.
وقال الإمام شمس الدِّين الزَّرْكَشِي الحنبلي في "شرحه على مختصر الخرقي" (2/ 428، ط. دار العبيكان): [لا يعطي من الصدقة المفروضة للوالدين وإن علت درجتهم وكانوا من ذوي الأرحام، كأبي أبي أمه، ولا للولد وإن سفل وكان من ذوي الأرحام، كبنت بنت بنت بنته، نص عليه أحمد والأصحاب] اهـ.
أمَّا مَن لم تلزم الـمُزَكِّي نفقته فإنه يجوز دفع الزكاة إليهم حينئذٍ، بل هم أولى من غيرهم في الإعطاء من أموال زكاته.
قال الإمام الشافعي في "الأم" (2/ 74، ط. دار الفكر): [ويعطي الرجلُ زكاة ماله ذوي رحمه إذا كانوا من أهلها، وأقربهم به أحبهم إليَّ أن يعطيه إياها إذا كان ممن لا تلزمه نفقته بكل حال، لو أنفق عليه متطوعًا أعطاه منها؛ لأنه متطوع بنفقته لا أنها لازمة له] اهـ.
وقال أيضًا في (7/ 68): [ويعطي الكفارات والزكاة كلَّ مَن لا تلزمه نفقته من قرابته، وهم من عدا الوالد والولد والزوجة؛ إذا كانوا أهل حاجة فهم أحقُّ بها من غيرهم، وإن كان ينفق عليهم متطوعًا أعطاهم] اهـ.
وقال الإمام أبو إسحاق الشِّيرَازِي في "المهذب" (1/ 317- 318، ط. دار الكتب العلمية): [وإن كان في الأصناف أقارب له لا تلزمه نفقتهم فالمستحب أن يخص الأقارب] اهـ.
وقال الإمام شمس الدِّين الزَّرْكَشِي في "شرحه على مختصر الخرقي" (2/ 429): [يجوز دفع الصدقة المفروضة إلى سائر الأقارب، ولا يخلو القريب من غير عمودي النسب: إما أن تجب نفقته على الدافع أو لا، فإن لم تجب نفقته عليه جاز الدفع إليه بلا نزاع] اهـ.
فإخراج الزكاة -على ذلك- للمستحقين من الأقارب أولى من غيرهم؛ لأنَّها صدقة وصِلة؛ كما جاء في الحديث الشريف: «الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَالصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ: صَدَقَةٌ، وَصِلَةٌ» رواه الإمام أحمد في "مسنده" والترمذي والنسائي وابن ماجه في "سننهم" من حديث سلمان بن عامر رضي الله عنه.
وضابط إعطاء الزكاة لليتيم القريب الفقير غير القادر على الكسب -على ذلك- أنَّه إن كان ممن تجب نفقته على الـمُزَكِّي فلا يجوز إخراج الزكاة له، وإن كانت نفقته لا تجب على المزكي فيجوز إخراج زكاته له.
ولما كانت الزكاة مبنية على مدى وجوب النفقة على المستحق من عدمه، وكانت النفقة مِن مسائل الأحوال الشخصية والتي يعمل فيها بأرجح الأقوال في مذهب الحنفية إذا لم يوجد نص، وذلك طبقًا للمادة الثالثة من مواد الإصدار للقانون رقم (1) لسنة 2000م، والتي نَصُّها: [تصدر الأحكام طبقًا لقوانين الأحوال الشخصية والوقف المعمول بها، ويُعمل فيما لم يرد بشأنه نص في تلك القوانين بأرجح الأقوال من مذهب الإمام أبي حنيفة] اهـ.
وكان الراجح في مذهب الحنفية أنَّ نفقة الابن الصغير واجبة على عمه إذا لم يكن له مال يكفيه ولا وارث له إلَّا عمه، كان الإنفاق عليه حينئذٍ من الزكاة غير جائز؛ لأنَّه أداء واجب عن واجب آخر وهو لا يجوز.
قال العلامة ابن مازة في "المحيط البرهاني" (3/ 584، ط. دار الكتب العلمية): [والحاصل: أنَّ هذه النفقة لا تجب إلَّا على ذي رحم محرم هو أهل للإرث سواء كان وارثًا في هذه الحالة أو لم يكن، وعند الاستواء في المحرمية وأهلية الإرث يترجَّح من كان وارثًا حقيقة في هذه الحالة، حتى إنَّه إذا كان له عمٌّ وخالٌ فالنفقة على العمِّ؛ لأنهما استويا في المحرمية، وتَرجَّح العمُّ على الخال في هذه الحالة لكونه وارثًا حقيقة، وكذلك إذا كان له عم وعمة وخالة فالنفقة على العَمِّ الموسِر لا غير] اهـ.
كما أنَّ لزوم النفقة على العَمِّ أيضًا يتأكَّد إذا حكم بها القاضي، نقل العَلَّامة ابن نُجَيْم الحنفي في "البحر الرائق" (2/ 217، ط. دار الكتاب الإسلامي) ما جاء في "الولوالجية": [رجل يعول أخته أو أخاه أو عمه فأراد أن يعطيه الزكاة فإن لم يفرض القاضي عليه النفقة جاز؛ لأن التمليك بصفة القربة يتحقق من كل وجه، وإن فرض عليه النفقة لِزَمَانَتِهِ: إن لم يحتسب من نفقتهم جاز، وإن كان يحتسب لا يجوز لأنَّ هذا أداء الواجب عن واجب آخر] اهـ.
فكأنَّ الضابط إما بوازعِ الشرع وهو تَحتُّم النفقة عليه لعدم وجود القريب الأقرب وبحيث لو ترك اليتيم يهلك، وإمَّا بوازعِ القضاء إذا حكم بها سواء وجد قريب أقرب أم لا فهي ملزمة.
بناءً عليه وفي واقعة السؤال: فإنَّ عمَّ الأولاد الصغار إن كانت تلزمه النفقة على أولاد أخيه الصغار لعدم وجود مَن ينفق عليهم من أب أو جد أو نحو ذلك من الأصول أو الفروع أو العصبات، أو يوجد لكن ألزمه القاضي بالنفقة؛ فلا يجوز الإنفاقُ عليهم من أموال الزكاة؛ فنفعها عائدٌ إليه، فكأنَّه أخْرَجَهَا على نفسه. وأما إن كان لا يلزمه نفقتهم فيجوز شرعًا الإنفاقُ عليهم مِن أموال الزكاة ما داموا فقراء لا يملكون نفقتهم، وللعم في ذلك أجران: أجر الزكاة، وأجر الصِّلة والمودة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
نرجو منكم بيان الحكم الشرعي في وقت استحقاق الزكاة؛ حيث توفي رجل يوم 9/ 4/ 2004م، وليس له أولاد، وقد ورثه أولاد شقيقاته، وتسلموا الميراث من البنوك في 10/ 4/ 2005م. ويطلب السائل بيان الحكم الشرعي في وقت استحقاق الزكاة: هل من تاريخ الوفاة، أم من تاريخ تسلم الميراث؟
ما حكم إخراج شنط رمضان من زكاة المال؟ فهناك رجلٌ يسأل في أنه قد لَاحَظَ كثيرًا مِن الناس في أحد الأعوام يُخرِجون زكاة أموالهم في "شنط رمضان"، حتى صار ذلك ظاهرةً عامةً في ذلك العامِ، فهل يجوز ذلك شرعًا؟
ما حكم الزكاة في المال المستفاد من ربح التجارة في الماشية والمشاركة فيها؟ فسائل يقول: أقوم بشراء الماشية لبعض الفلاحين، ويقوم الفلاح برعايتها وأكلها، وعند بيع الماشية أقوم بأخذ المال الذي دفعته فيها، والمكسب يتم اقتسامه بيننا؛ له الثلثين نظير الأكل والرعاية، ولي الثلث نظير المال.
1- ما هي الزكاة الواجبة في المكسب الخاص بي؟
2- ما هي الزكاة الواجبة على المال الذي أَشتَركُ به في الماشية إذا حال عليه الحول ولم أبع الماشية؟
هل يحتسب ما يدفع للأخت المحتاجة من الزكاة؛ فأنا لي أخت تجاوزت السبعين من عمرها، وهي مريضة لا تقدر على الحركة، وتقيم بمفردها بمنزل الأسرة بالقرية؛ حيث لا زوج لها ولا أبناء، ويقوم على خدمتها خادمة، وأنا أسافر إليها كل عشرين يومًا، وأدفع لها مبلغًا يفي بثمن الدواء ويضمن لها حياة كريمة، كما أدفع أجرة الخادمة التي تقوم على خدمتها، وقد يصل المبلغ الذي أدفعه على مدار العام ثلث ما أخرجه عن ذات المدة من زكاة المال، علمًا بأنه لا دخل لها، ولا يساعدها بقية إخوتي إلا بالقليل. فهل يعتبر ما أنفقه عليها من زكاة المال؟ وهل يعد ما أدفعه على الوجه السابق كثيرًا مقارنًا بالثلثين التي توجه إلى مصارف شرعية أخرى؟
ما حكم الزكاة على الذهب المشترى للزينة فسيدة متزوجة تملك ذهبًا وزنه 120 جرامًا عبارة عن شبكة قدمها لها الزوج في سبتمبر سنة 1970م، ولم يخرج عنه زكاة حتى الآن. والسؤال: هل تجب الزكاة في هذا القدر؟ وكيف يمكن حسابها عن عشر السنوات الماضية علمًا بأن الزوج لا يرى ضرورة في أداء هذه الزكاة، والزوجة تريد تنفيذ شرع الله، وفي حالة وجوب الزكاة وعدم موافقة الزوج على أدائها، فهل إذا أخرجتها الزوجة دون علم زوجها من مالها الخاص تعتبر عاصية لزوجها؟ ويقول السائل في طلبه: مع ملاحظة أنها لا تلبس هذا الذهب بل هو محفوظ في بيتها. وطلب بيان الحكم الشرعي في ذلك.
سائل يقول: أعلن مسجد عن جمع تبرعات لشراء سيارة لنقل الموتى، وتمَّ جمع مبلغ لا يكفي لشرائها، فهل نقوم بردّ المبلغ للمتبرعين، أو نضعه في مشاريع أخرى متعلقة بالمسجد؛ كحضانة ودار مناسبات مثلًا؟