ما حكم صلاة الجمعة إذا وافقت يوم العيد؟ وهل يجوز لمن صلى العيد أن يترخص في ترك الجمعة؟ وكيف يصليها؟
إذا وافق يوم العيد يومَ الجمعة، تقام الجمعة في المساجد عملًا بالأصل، والأكمل والأجزل ثوابًا أن يصلي المكلف صلاة العيد جماعة ثم يصلي صلاة الجمعة، ما لم يكن هناك عذر يمنعه من أداء الصلاتين، ويجوز للمكلف الترخص في ترك صلاة الجمعة إذا صلى العيد في جماعة ولا حرج عليه ولا ضير، عملًا بمن أجاز ذلك من الفقهاء، ويلزمه حينئذ أن يصليها ظهرًا، وأما من لم يصل العيد في جماعة فلا تسقط عنه صلاة الجمعة بل يبقى مكلفًا بأدائها مع جماعة المصلين.
المحتويات
تفضَّل الله سبحانه وتعالى على المسلمين بصلاة الجمعة وفرضها عليهم، فلا يجوز التخلف عنها إلا لعذرٍ شرعيٍّ، كالمرض أو السفر ونحوهما، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الجمعة: 9].
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَعَلَيْهِ الْجُمُعَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِلَّا مَرِيضٌ أَوْ مُسَافِرٌ أَوِ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ مَمْلُوكٌ، فَمَنِ اسْتَغْنَى بِلَهْوٍ أَوْ تِجَارَةٍ اسْتَغْنَى اللهُ عَنْهُ، وَاللهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ» أخرجه الأئمة: البيهقي والدارقطني وابن أبي شيبة.
ولعظيم منزلتها ومكانتها في الدين الإسلامي رغَّب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المحافظة عليها وحذر من تركها، مبينًا أن من تركها ختم الله على قلبه وجعله من الغافلين، ففد أخرج الإمام مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ»، فأفاد هذا الحديث الإضافة على فرضيتها أنه يتوعد كذلك من يتعمد تركها دون عذر.
قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (6/ 153، ط. دار إحياء التراث العربي): [وقوله: «ودعهم» أي: تركهم، وفيه أن الجمعة فرض عين، ومعنى الختم: الطبع والتغطية، قالوا في قول الله تعالى: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾، أي طبع ومثله الرين، فقيل الرين اليسير من الطبع، والطبع اليسير من الأقفال، والأقفال أشدها] اهـ.
وقد نقل غير واحد من الأئمة فرضيتها على كل بالغ. ينظر: "الإجماع" لابن المنذر (ص: 40، ط. دار المسلم)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (2/ 56، ط. دار الكتب العلمية).
صلاة العيد سُنَّة مُؤَكَّدة على المختار للفتوى، كما هو مذهب المالكية، والشافعية، وقول عند الحنفية، ورواية عن الإمام أحمد
إذا وافق يوم العيد يومَ الجمعة فالكمال أن يصلي المكلف الصلاتين، فيصلي العيد في وقتها مع جماعة المصلين ثم يصلي الجمعة في وقتها، واختلف الفقهاء في جواز الاقتصار على صلاة إحداهما دون الأخرى، فجمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية، والشافعية -في حق أهل المدن والحضر، وفي وجه عندهم في حق أهل القرى والمناطق البعيدة أيضًا- على أن صلاة الجمعة تجب ولا تسقط بصلاة العيد، فلا تسقط إحداهما بالأخرى إلَّا إذا وُجد عذر شرعيٌّ كنحو مرضٍ أو سفرٍ أو غير ذلك.
قال الإمام الزيلعي الحنفي في "تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق" (1/ 224، ط. المطبعة الأميرية): [وفي "الجامع الصغير" عيدان اجتمعا في يوم واحد، فالأول: سنة، والثاني: فرض: ولا يُتْرَكُ واحد منهم] اهـ.
وقال القاضي عبد الوهاب المالكي في "المعونة على مذهب عالم المدينة" (ص: 311، ط. المكتبة التجارية): [إذا اتفق عيد وجمعة لم يسقط أحدهما الآخر، خلافًا لمن قال: إن حضور العيد يكفي عن الجمعة، لقوله تعالى: ﴿إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «الجمعة على كل مسلم»، ولأن شرائط الجمعة موجودة فلزم أداؤها، أصله إذا لم يكن يوم عيد؛ لأن صلاة العيد سُنَّة فلم تسقط فرضًا أصله الكسوف، ولأن الجمعة آكد من العيد؛ لأنها فرض، فإذا لم يسقط الأضعف كان الأضعف أولى بأن لا يسقط الأكبر] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (4/ 491، ط. دار الفكر): [قال الشافعي والأصحاب: إذا اتفق يوم جمعة يوم عيد وحضر أهل القرى الذين تلزمهم الجمعة لبلوغ نداء البلد فصلوا العيد لم تسقط الجمعة بلا خلاف عن أهل البلد، وفي أهل القرى وجهان: الصحيح المنصوص للشافعي في "الأم" والقديم أنها تسقط. (والثاني): لا تسقط] اهـ.
وذهب الإمام مالك في رواية، والشافعية في المعتمد، وهو قول عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى أن الجمعة تسقط عمَّن حضر صلاة العيد وجاء من أماكن لا تقام فيها الجُمْعة كالبوادي والنجوع البعيدة عن المدن والقرى فقط دون غيرهم، وبشرط أن تُصلَّى ظهرًا.
قال الإمام القرافي المالكي في "الذخيرة" (2/ 355، ط. دار الغرب الإسلامي): [أما الخارج عن المصر ففي "الكتاب" لا يتخلفون، وروي عنه يتخلفون؛ لإذن عثمان رضي الله عنه لأهل العوالي، ولما في انتظارهم رجوعهم من المشقة] اهـ.
وقال الإمام الشيرازي الشافعي في "المهذب" (1/ 206، ط. دار الكتب العلمية): [وإن اتفق يوم عيد ويوم جمعة فحضر أهل السواد فصلوا العيد فجاز أن ينصرفوا ويتركوا الجمعة؛ لما روي أن عثمان رضي الله عنه قال في خطبته: "أيها الناس، قد اجتمع عيدان في يومكم هذا، فمن أراد من أهل العالية أن يصلي معنا الجمعة فليصل، ومن أراد أن ينصرف فلينصرف" ولم ينكر عليه أحد؛ ولأنهم إذا قعدوا في البلد لم يتهيأوا بالعيد فإن خرجوا ثم رجعوا للجمعة كان عليهم في ذلك مشقة والجمعة تسقط بالمشقة... ومن لا جمعة عليه مخيرٌ بين الظهر والجمعة، فإن صلى الجمعة أجزأه عن الظهر؛ لأن الجمعة إنما سقطت عنه لعذرٍ] اهـ.
بينما ذهب الحنابلة إلى أن حضور الجمعة يسقط عمَّن صلَّى العيد مع الإمام، بشرط أن يصلوها ظهرًا.
قال الإمام البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (2/ 43، ط. دار الكتب العلمية): [(وإذا وقع عيد يوم جمعة فصلوا العيد والظهر جاز) ذلك (وسقطت الجمعة عمن حضر العيد) مع الإمام... وحينئذٍ: فتسقط الجمعة (إسقاط حضورٍ، لا) إسقاط (وجوب) فيكون حكمه (كمريضٍ ونحوه) ممن له عذرٌ أو شغلٌ يُبيح ترك الجمعة] اهـ.
الذي عليه المحققون من العلماء والفقهاء أنه إذا جاز ترك الجمعة لمن صلى العيد فلا يجوز ترك صلاة الظهر أيضًا، بل يجب على المكلف الإتيان بها؛ لما جاء من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن: «فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ عَزّ وَجَلّ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ» متفق عليه.
قال الإمام ابن رشد في "بداية المجتهد" (1/ 230، ط. دار الحديث): [إسقاط فرض الظهر والجمعة التي هي بدله لمكان صلاة العيد فخارج عن الأصول جدًّا] اهـ.
هذا، ولما كانت مسألة صلاة الجمعة إذا وافقت يوم عيد محلَّ خلاف بين الفقهاء كان الأمر فيها واسعًا، ولا يُعترض بمذهب على مذهب، فتقام الجمعة في المساجد، عملًا بالأصل والأحوط، ومن صلى العيد في جماعة وشقَّ عليه حضور الجمعة أو أراد الأخذ بالرخصة في تركها تقليدًا لقول مَن أسقط وجوبها بأداء صلاة العيد فله ذلك، بشرط أن يصلي الظهر عوضًا عنها من غير لوم على من حضر الجمعة أو إنكار على من أقامها في المساجد، وكذلك دون إثارةِ فتنةٍ في أمرٍ وسع الخلافُ فيه سلفنا.
بناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فإذا وافق يوم العيد يومَ الجمعة، فتقام الجمعة في المساجد عملًا بالأصل، والأكمل والأجزل ثوابًا أن يصلي المكلف صلاة العيد جماعة ثم يصلي صلاة الجمعة، ما لم يكن هناك عذر يمنعه من أداء الصلاتين، ويجوز للمكلف الترخص في ترك صلاة الجمعة إذا صلى العيد في جماعة ولا حرج عليه ولا ضير، عملًا بمن أجاز ذلك من الفقهاء، ويلزمه حينئذ أن يصليها ظهرًا، وأما من لم يصل العيد في جماعة فلا تسقط عنه صلاة الجمعة بل يبقى مكلفًا بأدائها مع جماعة المصلين.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم صلاة الجمعة بأقل من أربعين في زمن الوباء؟
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أما بعد..
فإن من نوازل العصر ومتقلبات الأحوال: جائحة كورونا التي أصابت العالم بأسره، أسأل الله تعالى السلامة منه لجميع الناس.
وهذه الأزمة تجعل المتغيرات إلى المرونة والتمسك بيسر الدين الإسلامي وملامح رحمته ومحاسن تشريعه، فيما نقوم به من الطاعات كالجمعة والجماعة والتجمع لأداء العبادات والتباعد في الصفوف، وتقليل عدد التجمع في الأماكن العامة ودور العبادات.
وقد أعلنت وزارة الصحة التابعة لسيريلانكا والجهات المختصة بمنع التجمع بأكثر من خمسة وعشرين شخصًا في الأماكن العامة ودور العبادات، وفي إطار هذه الأزمة أفتت هيئة الإفتاء التابعة لجمعية علماء سيريلانكا بإقامة الجمعة في أماكن مختلفة، وذلك بناءً على جواز تعدد الجمعة في بلدٍ واحدٍ عند الحاجة في المذهب الشافعي.
ولكن لا يزال العلماء يناقشون مسألة التجمع بأقل من أربعين رجلًا في هذه الحالة الراهنة، علمًا بأن المعتمد في المذهب الشافعي أن الجمعة لا تنعقد إلا بأربعين رجلًا فأكثر، فاختلفت آراء العلماء على اتجاهين:
الاتجاه الأول: الإنكار بإقامة الجمعة بأقل من أربعين رجلًا؛ اعتمادًا على القول الراجح المعتمد في المذهب الشافعي، وتعليلًا بأن العدد غير مكتمل.
الاتجاه الثاني: تنفيذ إقامة الجمعة بالعدد المسموح؛ تعظيمًا لشعائر الله، ومراعاة للمصلحة الدينية.
وبينما هو كذلك قد عثرتُ على مخطوطٍ لعالم جليل وعلم من كبار علماء سيريلانكا، وركن من أركان علم الفلك، ومؤسس الكلية الحسنية العربية الشيخ العلامة عبد الصمد رحمه الله، الذي كان رئيسًا لجمعية علماء سيريلانكا فترة طويلة، وله عدة مؤلفات من المطبوع والمخطوط.
وقد ألف كتابًا في عام 1912م، بخطه وسماه بـ "ضوء الشرعة بعدد الجمعة"، وقد ناقش الأدلة والآراء ورجح القول بأن الجمعة لا تنعقد إلا بأربعين رجلًا فأكثر.
وما حاصله: وإذا كان أهل البلد أقل من الأربعين، فإن كانوا (الشافعية) بأربعة فصاعدًا وأرادوا تقليد الإمام أبي حنيفة في صحة الجمعة بأربعة، فيجوز أن يصلوا الجمعة إن قلدوه تقليدًا صحيحًا؛ بأن يحافظوا كلهم على جميع الشروط المعتبرة عنده، ولكنه تُسنّ إعادتها ظهرًا خروجًا من الخلاف القوي. وإذا أرادوا أن يعملوا باختيار بعض الأئمة الشافعية في صحة الجمعة بدون أربعين وصلوا الجمعة فلا بأس بذلك، ولكن يلزمهم أن يعيدوا الظهر بعدها لوجوب العمل بالراجح، فإن لم يعيدوا الظهر جماعة أو فرادى فينكر عليهم إنكارًا شديدًا.
أطلب من سماحتكم إبداء موقف دار الإفتاء في إعادة الظهر بعد الجمعة: هل هي لازمة إذا عملوا في هذه المسألة على المرجوح في المذهب الشافعي؟ أو هل هي مسنونة إذا قلدوا في هذه المسألة مذهب الحنفية أو المالكية حفاظًا على جميع شروطهم؟ ولكم جزيل الشكر ومن الله حسن الثواب.
ما حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد الأذان مباشرة؟
ما هو الأفضل: تأخير صلاة العشاء في جماعة، أو تأديتها مع جماعة أولى بالمسجد؟
ما حكم التهنئة بقدوم الأعوام والشهور والأيام؟
يقول السائل: أجد صعوبة في إزالة الوشم القديم (التاتو الثابت). فما حكم الصلاة في وجوده؟
صبيٌّ جاوز العاشرة مِن عُمره، يُحسِن الصلاة ويرتاد المسجد، ويأتي قبل الإقامة للصلاة بوقتٍ كافٍ ليُدرِك الصف الأول ويَقِف فيه، فهل يُؤَخَّرُ هذا الصبي عن مكانه الذي سَبَقَ إليه ووَقَف فيه مِن الصَّفِّ الأول لِكي يَقِفَ غيرُه مِن الرجال مكانه؟