هل يجوز الأكل من الهدي التطوعي غير دم التمتع والقران؟ فقد أدَّى والدي مناسك الحج، وقال له أحد أصدقائه: إنه يستحب له أن يذبح هديًا في رحلته إلى الحج، وأن يأكل منه، وبالفعل ذبحه وأكل منه، فهل ما فعله والدي صحيح؟
يجوز للحاج أن يأكل من هدي التطوع مطلقًا، سواء ذبح الهدي في الحرم أم خارج الحرم، ومن ثمَّ فما فعله والدُكَ جائز شرعًا ولا حرج عليه فيه.
المحتويات
من المقرر شرعًا أن الهدي قد شرع للتقرب إلى الله تعالى، وإظهارًا لمعنى العبودية له، ولتعظيم شعائره، وشكرًا لله تعالى على أن أنعم على الإنسان بأداء فريضة الحج، وللإحسان إلى الفقراء والمساكين؛ قال الله تعالى: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [الحج: 36].
قال العلامة الواحدي في "الوجيز" (ص: 734، ط. دار القلم): [﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ﴾ الذي يسألك ﴿وَالْمُعْتَرَّ﴾ الذي يتعرَّض لك ولا يسألك ﴿كَذَلِكَ﴾ الذي وصفنا ﴿سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ﴾ [الحج: 36] يعني: البدن ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ لكي تطيعوني] اهـ.
والهدي شرعًا لا يختلف معناه عن المعنى اللغوي، فهو: ما يهدى إلى الحرم من الإبل والبقر والغنم تقربًا إلى الله -تعالى- بشرائط. ينظر: الدر المختار" للحصكفي الحنفي (2/ 614، ط. دار الفكر).
لا خلاف بين العلماء في أن الهدي إلى البلد الحرام مستحب، ما لم يجب بسبب من الأسباب كالتمتع والقران وغيرها من موجبات الدم؛ لأن الإهداء إلى البلد الحرام من تعظيم شعائر الله، قال ابن القطان في "الإقناع في مسائل الإجماع" (1/ 288، ط. الفاروق الحديثة): [واتفقوا أن الهدي إلى مكة حسن] اهـ.
والأصل أنَّ محل الهدي: البلد الحرام -مكة المكرمة أو منى أو في أي جزء من أجزاء الحرم-، فكل فجاج مكة منحر، قال الله تعالى:﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: 33].
قال الإمام الرازي في "مفاتيح الغيب" (23/ 224، ط. إحياء التراث العربي): [محلها يعني حيث يحل نحرها، وأما البيت العتيق فالمراد به الحرم كله، ودليله قوله تعالى: ﴿فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ [التوبة: 28] أي: الحرم كله، فالمنحر على هذا القول كل مكة، ولكنها تنزهت عن الدماء إلى منى، ومنى من مكة] اهـ.
وقال رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَحَرْتُ هَاهُنَا، وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ، فَانْحَرُوا فِي رِحَالِكُمْ» أخرجه الإمام مسلم من حديث سيدنا جابر رضي الله عنه.
الحكمة من كون محل ذبح الهدي في البلد الحرام: أن الهدي جارٍ مجرى الهدية التي يبعثها العبد إلى ربه، والهدية لا تكون هدية إلا إذا بعثها المهدي إلى دار المهدى إليه، وهذا المعنى لا يتصور إلا بجعل موضع الهدي هو الحرم.
إذا ذُبِح الهدي في البلد الحرام وكان الهدي تطوعًا، فقد اتفق الفقهاء على أنه يجوز للحاج أن يأكل منه؛ لأنه في حكم الأضحية، ولا خلاف بين الفقهاء في جواز الأكل من الأضحية، واستثنى المالكية من جواز الأكل من هدي التطوع البالغ محله إذا عيَّنه للفقراء والمساكين، فلا يجوز له الأكل حينئذ.
قال العلامة ابن القطان في "الإقناع في مسائل الإجماع" (1/ 291): [ولا خلاف أن هدي التطوع إذا بلغ محله يأكل منه صاحبه إن شاء؛ لأنه في حكم الضحايا] اهـ.
وقال العلامة الدسوقي المالكي في "حاشيته على الشرح الكبير" (2/ 89، ط. دار الفكر): [(قوله: ومثل نذر المساكين المعين هدي التطوع إذا نواه للمساكين، أو سماه لهم) أي: هدي التطوع الذي جعله للمساكين بالنية أو باللفظ... وأما حرمة الأكل من هدي التطوع الذي جعله للمساكين باللفظ أو النية فهو ظاهر؛ لأنه قيده بالمساكين] اهـ.
أما إذا لم يذبح الهدي في البلد الحرام بأن ذبح خارج مكة أو خارج منى، فقد اختلف الفقهاء في حكم الأكل منه حينئذ، فذهب الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أنه لا يجوز للمُهدي الأكل منه، بل عليه أن يعطيه كلَّه للفقراء والمساكين، إلا إذا كان المهدي فقيرًا فله أن يأكل منه.
قال العلامة ابن نجيم الحنفي في "البحر الرائق" (3/ 76، ط. دار الكتاب الإسلامي): [وأفاد بقوله: (هدي التطوع) أنه بلغ الحرم، أما إذا ذبحه قبل بلوغه فليس بهدي، فلم يدخل تحت عبارته ليحتاج إلى الاستثناء، فلهذا لا يأكل منه، والفرق بينهما: أنه إذا بلغ الحرم فالقربة فيه بالإراقة، وقد حصلت والأكل بعد حصولها، وإذا لم يبلغ فهي بالتصدق والأكل ينافيه] اهـ.
وقال الشيخ أحمد الدردير المالكي في "الشرح الكبير" (2/ 90، ط. دار الفكر): [وأشار لرابع الأقسام بقوله: (وهدي تطوع) ولم يجعله للمساكين بلفظ ولا نية، ومثله النذر المعين الذي لم يجعل لهم كذلك (إن عطب قبل محله) فلا يأكل منه] اهـ.
وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (3/ 14، ط. دار الكتب العلمية): [(وإن عطب في الطريق قبل محله، أو) عطب (في الحرم هدي واجب، أو تطوع..) (لزمه نحره).. ويحرم عليه وعلى خاصة رفقته، ولو كانوا فقراء: الأكل منه) أي: من الهدي العاطب] اهـ.
وإنما منع من الأكل منه؛ لئلا يقصر في حفظ الهدي ليأكل هو ورفقته منه فتلحقه التهمة لنفسه ورفقته. ينظر: "كشاف القناع" للعلامة البهوتي الحنبلي (3/ 15)، و"حاشية الدسوقي على الشرح الكبير" لابن عرفة الدسوقي المالكي (2/ 90).
وذهب الشافعية إلى أنه يجوز للمُهدي الأكل من هدي التطوع مطلقًا سواء ذبح داخل الحرم أو خارجه.
قال الإمام النووي الشافعي في "روضة الطالبين" (3/ 190، ط. المكتب الإسلامي): [وإذا عطب الهدي في الطريق، فإن كان تطوعًا، فعل به ما شاء من بيع أو أكل وغيرهما] اهـ.
المختار للفتوى هو جواز الأكل من هدي التطوع مطلقًا سواء ذبح داخل الحرم أو خارجه؛ لعموم قوله تعالى: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [الحج: 36].
قال الإمام ابن جرير الطبري في "تفسيره" (18/ 611، ط. مؤسسة الرسالة): [كلوا من بهائم الأنعام التي ذكرتم اسم الله عليها أيها الناس هنالك. وهذا الأمر من الله جلّ ثناؤه أمر إباحة، لا أمر إيجاب] اهـ. كما أن الأمر المطلق يحمل على إطلاقه، ولا يصح تقييده إلا بدليل.
ولحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ، فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ، فَطُبِخَتْ، فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا» أخرجه الإمام مسلم.
قال العلامة الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (5/ 1776، ط. دار الفكر): [قال ابن الملك رحمه الله: يدل على جواز الأكل من هدي التطوع اهـ. والصحيح أنه مستحب] اهـ.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فيجوز للحاج أن يأكل من هدي التطوع مطلقًا، سواء ذبح الهدي في الحرم أم خارج الحرم، ومن ثمَّ فما فعله والدُكَ جائز شرعًا ولا حرج عليه فيه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
رجل سيسافر من مصر إلى المدينة المنورة مباشرة، فهل يجوز له أن يُحرِم من "أبيار علي" وهو ميقات أهل المدينة المنورة، أم يُحرِم من مصر قبل سفره؟
ما حكم لف المُحرِم الرباط الضاغط على الفخذ للحماية من التسلخات؟ فأنا أحتاج لاستعمال رباط ضاغط للفخذ؛ لحماية الفخذين من التسلخ الناتج عن المشي، فأرجو منكم بيان الحكم الشرعي في استعمال هذا الرباط أثناء الإحرام.
أيهما أفضل تكرار الحج والعمرة أم التصدق على الفقراء والمحتاجين؟ فالسائل قد بلغ من العمر خمسة وخمسين عامًا وقام بأداء فريضة الحج مرتين، ومن بعدها كل عام يقوم بأداء العمرة مع زوجته ويجد في هذه الرحلة راحة نفسية.
ويقول: إنه قام بتربية جميع أولاده وتخرجوا من جميع الكليات وينوي هذا العام أن يؤدي العمرة كسابق عهده، ولكن بمناقشة مع عالم جليل إمام وخطيب مسجد أفاده بأن أداءه لهذه العمرة ليس له أي معنى، وخير له أن يصرف تكاليفها على أناس فقراء.
وأرسل إلينا بعد أن ختم سؤاله بقوله: إنني بهذه الرحلة استعيد نشاطي من عناء العمل طول العام، حيث إنه يعمل بالتجارة فضلًا عن العبادة في الأماكن المقدسة، فما حكم الشرع؟ هل يذهب لأداء العمرة فضلًا وتطوعًا كل عام، أم ينفق تكاليفها على الفقراء؟
أعلم أن التدخين ضار بالصحة، وأعلم أيضًا أنه أشد ضررًا للأطفال، ولأني مدخن شره فإنني أضطر إلى الخروج لشرفة المنزل للتدخين حرصًا على سلامة الأبناء، وقد تضطرني ظروف مرضية إلى التدخين داخل الغرفة التي بها الأبناء الصغار. فما الحكم؟
أولًا: هل يجوز صلاة الابن عن أبيه؛ حيًّا كان الأب أو ميتًا؟
ثانيًا: هل يصح حج الابن عن أبيه إذا كان قد مات منتحرًا؟
عندما قمت بالمناسك رأيت في الطواف أن الرجال يسرعون في بعض طوافهم دون النساء؛ فعلمت أن المرأة لا تَرْمُل في الطواف؛ فما الحكمة من عدم إسراع المرأة في طوافها؟