حكم بيع العملات عبر المنصات الإلكترونية

تاريخ الفتوى: 03 أغسطس 2025 م
رقم الفتوى: 8732
من فتاوى: فضيلة أ. د/ نظير محمد عياد - مفتي الجمهورية
التصنيف: البيع
حكم بيع العملات عبر المنصات الإلكترونية

ما حكم بيع العملات الأجنبية وشرائها عبر الإنترنت؟ وهل يختلف الحكم لو كان القبض فوريًّا عمَّا لو كان بعد خمسة أيام مثلًا؟

استبدال العملات عبر الإنترنت جائز شرعًا، شريطة أن يكون عن طريق القنوات الإلكترونية المرخص بتداول العملة من خلالها، على أن يتم إيداع بدل الصَّرْف للطرفين فور الانتهاء من إتمام التعاقد على الصَّرْف، لا في وقتٍ لاحقٍ، مع ضرورة الالتزام باللوائح والنظم والقرارات المحددة لهذه التعاملات تَوخِّيًا لمصلحة الأفراد والأوطان.

المحتويات

 

حكم بيع العملات عبر المنصات الإلكترونية

من خصائص المعاملات المالية في الإسلام مراعاتُها لمصالح أطراف المعاملة جميعًا، بحيث لا يَلحَق ضررٌ مؤثِّرٌ بأحد الأطراف، وتلك الخصيصة طبيعة لما يُـملِيه العدل الكامل الذي رسَّخته الشريعة الإسلامية، وكل ذلك لأنَّ المعاملات مبناها على التشاحح لا المسامحة.

ومِن صور تلك المعاملات ما يُسَمَّى بعقد "الصَّرْف"، والذي تُعدُّ إحدى صوره الحديثة تلك الصورة المسؤول عنها "تبادل العملة"، حيث يتم فيها تبديل عملة بعملة أخرى.

وتصوُّر تبادل وبيع العملة إلكترونيًّا عبر الإنترنت في الأصل يحصل بإحدى طريقتين:

الأولى: أن يتفق الطرفان على تبديل عملة بعملة أخرى، على أن يحول كل طرف عملته إلكترونيًّا إلى الآخر فور الانتهاء من إتمام التعاقد على الصَّرْف.

الثانية: أن يتفقا على سعر الصَّرْف بين العملتين وَفْق ما يحدِّده البنك ممَّا يسمى "سعر الصَّرْف"، على أن يحوِّل الطرف الأول عملته حالًّا، ويحول الطرف الثاني عملته بعد عدة أيام -خمسة أيام كما في السؤال-.

وحكم الحالة الأولى والتي يحصل فيها التحويل بين الطرفين إلكترونيًّا فور الانتهاء من إتمام التعاقد على الصَّرْف- هو الجواز؛ وذلك لأنَّ القبضَ والحُلُول المشترطَيْن في الصَّرْف حاصلان ومتحقِّقان.

وإذا لم يكن القبض الحقيقي أو الحسي حاصلًا في هذه الصورة، فإنَّ ما يُعْرَف بـالقبض الحكمي أو القبض الاعتباري حاصل فيها، وهو قائم مقام القبض الحقيقي، فالقبض يدور معناه في اللغة على الأخذ، والملك، والتناول، والحَوْز، والإمساك، كما في "الصحاح" للجوهري (3/ 1100، ط. دار العلم)، و"لسان العرب" لابن منظور (7/ 213، ط. دار صادر)، ويطلق القبض استعارةً على تحصيل الشيء وإن كان بغير اليد، كقولنا: قَبَضْتُ الدار من فلان، ومنه قوله تعالى: ﴿وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [الزمر: 63]؛ كما في "التوقيف على مهمات التعريف" للعلَّامة المُناوي (ص: 267، ط. عالم الكتب).

ومعنى القبض في اصطلاح الفقهاء يدخل فيه التخلية والتخلي، وهو أن يُخلِّي البائع بين المبيع والمشتري برفع الحائل بينهما على وجهٍ يجعل المشتري يَتَمكَّن من التصرُّف فيه، فالتخلية بين المبيع والمشتري ليتصرَّف فيه تُسمى بـالقبض الحكمي، وهو قائم مقام القبض الحقيقي أو الحسي.

قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (5/ 244، ط. دار الكتب العلمية): [(وأما) تفسير التسليم والقبض، فالتسليم والقبض عندنا هو التخلية والتخلي، وهو أن يخلي البائع بين المبيع وبين المشتري برفع الحائل بينهما على وجه يتمكن المشتري من التصرف فيه، فيجعل البائع مسلمًا للمبيع والمشتري قابضًا له، وكذا تسليم الثمن من المشتري إلى البائع، وقال الشافعي رحمه الله: القبض في الدار والعقار والشجر بالتخلية] اهـ.

وقال الإمام ابن قُدَامة الحنبلي في "المغني" (4/ 85، ط. مكتبة القاهرة): [وقبضُ كلِّ شيءٍ بحسبه؛ فإن كان مكيلًا أو موزونًا، بِيع كيلًا أو وزنًا، فقبضه بكيله ووزنه، وبهذا قال الشافعي.

وقال أبو حنيفة: التخلية في ذلك قبضٌ.

وقد روى أبو الخطاب عن أحمد رواية أخرى: أنَّ القبض في كل شيءٍ بالتخلية مع التمييز؛ لأنه خلَّى بينه وبين المبيع من غير حائل، فكان قبضًا له؛ كالعقار] اهـ.

وتعدُّد هذه المعاني يَدُلُّ على أنَّ مفهوم القبض يتحقق بأي صورةٍ تمكَّن بها كلٌّ من طرفي المعاملة بيعًا وشراءً وصرفًا.. إلخ، من التصرُّف في بَدَلِه وتحقَّق له القدرة على الاستلام، وهذا كلُّه مردُّه إلى العرف في كل المعاملات المستحدثة أو التي أطلقها الشرع الشريف ولم يقيدها بحدود، فكل ما عدَّه الناس قبضًا في المعاملات المستحدثة فهو قبضٌ ما دام يمكِّن صاحبه من التصرف فيما قبضه.

أَمَّا الحالة الثانية والتي يتم فيها تحويل بَدَل الصَّرْف إلى الطرف الآخر بعد عدة أيام- فهي غير جائزة؛ لأنَّه لا يجوز الاتفاق على صَرْف العملات مع التسليم بعد فترة من الزَّمن؛ إذ إنَّه يشترط في استبدال العملات بغيرها الحلول والتقابض قبل التَّفرُّق.

قال العلامة علاء الدين الكاساني في "بدائع الصنائع" (5/ 215، ط. دار الكتب العلمية) عند كلامه على شروط الصَّرْف: [وأَمَّا الشرائط، فمنها: قبض البدلين قبل الافتراق] اهـ.

وقال الشيخ عليش في "منح الجليل" (4/ 492، ط. دار الفكر): [(وحَرُم في) بيع (نَقدٍ)، أي: ذهب أو فضة بنقدٍ (و) في بيع (طعامٍ) بطعامٍ (ربا) بكسر الراء مقصورًا (فضل)، أي: زيادة (و) ربا (نَسَاءٍ)] اهـ.

وقال العلامة الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (2/ 364-368، ط. دار الفكر): [(إذا بِيعَ الطعام بالطعام إن كانا)، أي: الثمن والمثمن، وفي بعض النُّسَخ إن كان (جنسًا) واحدًا كبُرٍّ وبُرٍّ (اشترط) في صحة البيع ثلاثة أمور: (الحلول) من الجانبين (والمماثلة والتقابض) لهما (قبل التفرق... أو) كانا (جنسين كحِنْطةٍ وشَعير جَاز التفاضل، واشتُرِط) أمران: (الحلول والتقابض) لهما قبل التفرق... (والنقد بالنقد) والمراد به الذهب والفضة مضروبًا كان أو غير مضروبٍ (كطعامٍ بطعامٍ) في جميع ما سبق من الأحكام، فإن بِيعَ بجنسه كذهبٍ بذهبٍ اشتُرِط المماثلة والحلول والتقابض قبل التَّفرُّق والتخاير، وإن بيع بغير جنسه كذهبٍ بفضةٍ جاز التفاضل، أو اشتُرِط الحلول والتقابض قبل التَّفرُّق أو التخاير] اهـ.

وقال العلامة البُهُوتي الحنبلي في "الروض المربع" (ص: 228، ط. دار الفكر): [(ويَحرُم ربا النسيئة) من النَّسَاء بالمد وهو التأخير (في بيع كل جنسَين اتَّفَقَا في علة ربا الفضل) وهي الكيل أو الوزن (ليس أحدهما) أي: أحد الجنسين نقدًا، فإن كان أحدهما نقدًا؛ كحديد بذهب أو فضة: جاز النَّسَاء، وإلا لَانْسَدَّ باب السلم في الموزونات غالبًا، إلا صرف فلوس نافقةٍ بنقد؛ فيشترط فيه الحلول والقبض، واختار ابنُ عقيل وغيرُه: لا، وتَبِعَهُ في "الإقناع" كالمكيلَين والموزونَين ولو مِن جنسَين؛ فإذا بِيعَ بُرٌّ بشعيرٍ أو حديدٌ بنحاسٍ: اعْتُبِرَ الحلول والتقابض قبل التفرق (وإن تفرقا قبل القبض بطل) العقد؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ؛ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ» والمراد به: القبض] اهـ.

والدليل على ذلك حديث عُبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» متفق عليه، واللفظ لمسلم.

اشتراط الالتزام باستبدال العملات عن طريق الجهات المعنية

هذا، ويُشترَط الالتزام باستبدال العملات عن طريق الجهات الـمُخوَّل لها رسميًّا بهذا الأمر؛ وذلك لضمان سلامة المعاملات المالية وحماية الاقتصاد الوطني، فهذه الجهات تخضع لرقابة البنك المركزي وتلتزم بالأنظمة التي تمنع التلاعب بأسعار الصرف أو غسل الأموال، يضاف لذلك أنَّ التعامل مع السوق الموازي في هذا السياق يعرض الأفراد لمخاطر الاحتيال ويُؤثِّر سَلْبًا على استقرار الاقتصاد؛ ولذا جَرَّمه الـمُشرِّع المصري في القانون رقم 194 لسنة 2020م؛ إذ نَصَّ في المادة (233) من باب العقوبات: [يُعاقَب بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على عشر سنوات وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تجاوز خمسة ملايين جنيه أو المبلغ المالي محل الجريمة أيهما أكبر: كل مَن تعامل في النقد الأجنبي خارج البنوك المعتمدة أو الجهات التي رُخِّص لها، أو مَارَس نشاط تحويل الأموال دون الحصول على الترخيص طبقًا لنص المادة 209 من هذا القانون] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ما سبق: فاستبدال العملات عبر الإنترنت جائز شرعًا، شريطة أن يكون عن طريق القنوات الإلكترونية المرخص بتداول العملة من خلالها، على أن يتم إيداع بدل الصَّرْف للطرفين فور الانتهاء من إتمام التعاقد على الصَّرْف، لا في وقتٍ لاحقٍ، مع ضرورة الالتزام باللوائح والنظم والقرارات المحددة لهذه التعاملات تَوخِّيًا لمصلحة الأفراد والأوطان.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم عدم التزام الصيدلي بشراء الدواء من غير الشركة المنتجة له بالسعر المحدد؟ فأنا أعمل صيدليًّا، وفي بعض الأحيان يأتي إليَّ شخص ببعض الأدوية كي يبيعها لي كان قد اشتراها لعلاجه ثم فاضت عن حاجته، فإن اشتريت الدواء منه بسعره المدوَّن من قِبل الشركة للبيع للجمهور فلن أربحَ شيئًا، فهل يجوز لي أن أشتري هذا الدواء منه بسعر أقل من السعر المدوَّن حتى أحقق ربحًا؟


ما حكم شراء السلع وبيعها بالتقسيط؟ فأنا أعمل في مجال بيع الأجهزة الكهربائية بالتقسيط، ولكن أحيانًا يأتي إليَّ من يريد سلعة معينة بعيدة عن مجال الأجهزة؛ كمواد البناء مثلًا -من حديد وأسمنت- فأذهب وأتصل بالتجّار الذين يبيعون هذه السلع، وأعرف منهم الأسعار، ثم أتصل على من يريد الشراء وأقول له: سعر طن الحديد مثلًا 1000 جنيه؛ وذلك بالتقسيط على سنة مثلًا، هل أشتري لك ما تريد؟ فإن وافق اشتريت له السلعة وذهبت بها إلى بيته وسلمته إياها، وهي في ضماني إلى أن تصل إلى بيته، علمًا أنه حتى وإن أعرض عن الشراء بعد أن اشترينا السلعة له ووصلت إلى بيته فلا شيء عليه إطلاقًا، وإذا ما تأخر عن المدة المحددة للسداد لا آخذ منه جنيهًا واحدًا زيادةً عن المبلغ المتفق عليه، وإذا تبين في السلعة خللٌ أو عيب أو تلف قبل وصولها إليه تحملنا ذلك عن المشتري.


هل يجوز الإفطار اعتمادًا على الحساب الفلكي؟ فأنا أقيم في أحد البلاد الأوروبية، والمسلمون فيها يعتمدون في إثبات شهور السنة الهجرية على الحسابات الفلكية، وليس هناك مَن يَستطلع الهلال، فما حكم الإفطار في هذا البلد اعتمادًا على الحساب الفلكي دون التحقق مِن الرؤية البصرية للهلال؟


ما حكم هلاك المبيع عند المشتري في فترة الخيار؟ فقد اشترى رجل جاموسة من أحد الأشخاص على فرجة بمبلغ 73 جنيهًا، ودفع من ثمنها مبلغ 60 جنيهًا وقت استلامها، وبقي من الثمن 13 جنيهًا على حساب المعاينة والفرجة، وأحضرها إلى منزله الساعة 12 ظهرًا، فلما وضع لها الأكل أكلت خفيفًا، وعند المساء وقت الحلاب عاكست، وفي منتصف الليل أراد أن يضع لها برسيمًا فوجدها ميتة، وقد طالبه البائع بباقي الثمن وهو 13 جنيهًا، وطلب السائل الإفادة‏ عن الحكم الشرعي في هذا الموضوع.


ما حكم تمويل رأس المال العامل في مصنع للتشغيل وشراء الخامات؛ فإن السائل يقول: نظرًا لمجهوداتكم لإنارة الحق في المسائل التي تخص الأمة الإسلامية، وإيضاح الحلال والحرام؛ عملًا بقوله تعالى:﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنبياء: 7]؛ لذلك اطلب من سيادتكم فتوى في تعاملاتنا مع البنوك في قرض من البنك؛ لتمويل رأس المال العامل للمصنع الجديد للشركة (تمويل شراء خامات).
رأس المال العامل هو: قرض من البنك قصير الأجل، أقل من سنة، مقابلة مصاريف سنوية والشركة في احتياج لمثل هذا النوع من التمويل؛ للقيام بأول دورة تشغيلية للمصنع الجديد.


ما حكم التعامل بالدروب سيرفس؟ حيث أمتلك منصةً إلكترونيةً لبيع بعض الخدمات الرقمية (تصميمات، إعلانات، ترجمة فورية، صور، أبحاث، برمجة وتطوير.. إلخ)، وأقوم بدور الوسيط بين البائع -مقدِّم الخدمة- والمشتري -طالِب الخدمة- مقابل عمولة بنسبة 5% من قيمة الخدمة يتم اقتطاعها من البائع فقط، فما حكم الشرع في هذه المعاملة؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 07 أكتوبر 2025 م
الفجر
5 :25
الشروق
6 :52
الظهر
12 : 43
العصر
4:3
المغرب
6 : 33
العشاء
7 :50