ما حكم بيع العملات الأجنبية وشرائها عبر الإنترنت؟ وهل يختلف الحكم لو كان القبض فوريًّا عمَّا لو كان بعد خمسة أيام مثلًا؟
استبدال العملات عبر الإنترنت جائز شرعًا، شريطة أن يكون عن طريق القنوات الإلكترونية المرخص بتداول العملة من خلالها، على أن يتم إيداع بدل الصَّرْف للطرفين فور الانتهاء من إتمام التعاقد على الصَّرْف، لا في وقتٍ لاحقٍ، مع ضرورة الالتزام باللوائح والنظم والقرارات المحددة لهذه التعاملات تَوخِّيًا لمصلحة الأفراد والأوطان.
المحتويات
من خصائص المعاملات المالية في الإسلام مراعاتُها لمصالح أطراف المعاملة جميعًا، بحيث لا يَلحَق ضررٌ مؤثِّرٌ بأحد الأطراف، وتلك الخصيصة طبيعة لما يُـملِيه العدل الكامل الذي رسَّخته الشريعة الإسلامية، وكل ذلك لأنَّ المعاملات مبناها على التشاحح لا المسامحة.
ومِن صور تلك المعاملات ما يُسَمَّى بعقد "الصَّرْف"، والذي تُعدُّ إحدى صوره الحديثة تلك الصورة المسؤول عنها "تبادل العملة"، حيث يتم فيها تبديل عملة بعملة أخرى.
وتصوُّر تبادل وبيع العملة إلكترونيًّا عبر الإنترنت في الأصل يحصل بإحدى طريقتين:
الأولى: أن يتفق الطرفان على تبديل عملة بعملة أخرى، على أن يحول كل طرف عملته إلكترونيًّا إلى الآخر فور الانتهاء من إتمام التعاقد على الصَّرْف.
الثانية: أن يتفقا على سعر الصَّرْف بين العملتين وَفْق ما يحدِّده البنك ممَّا يسمى "سعر الصَّرْف"، على أن يحوِّل الطرف الأول عملته حالًّا، ويحول الطرف الثاني عملته بعد عدة أيام -خمسة أيام كما في السؤال-.
وحكم الحالة الأولى والتي يحصل فيها التحويل بين الطرفين إلكترونيًّا فور الانتهاء من إتمام التعاقد على الصَّرْف- هو الجواز؛ وذلك لأنَّ القبضَ والحُلُول المشترطَيْن في الصَّرْف حاصلان ومتحقِّقان.
وإذا لم يكن القبض الحقيقي أو الحسي حاصلًا في هذه الصورة، فإنَّ ما يُعْرَف بـالقبض الحكمي أو القبض الاعتباري حاصل فيها، وهو قائم مقام القبض الحقيقي، فالقبض يدور معناه في اللغة على الأخذ، والملك، والتناول، والحَوْز، والإمساك، كما في "الصحاح" للجوهري (3/ 1100، ط. دار العلم)، و"لسان العرب" لابن منظور (7/ 213، ط. دار صادر)، ويطلق القبض استعارةً على تحصيل الشيء وإن كان بغير اليد، كقولنا: قَبَضْتُ الدار من فلان، ومنه قوله تعالى: ﴿وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [الزمر: 63]؛ كما في "التوقيف على مهمات التعريف" للعلَّامة المُناوي (ص: 267، ط. عالم الكتب).
ومعنى القبض في اصطلاح الفقهاء يدخل فيه التخلية والتخلي، وهو أن يُخلِّي البائع بين المبيع والمشتري برفع الحائل بينهما على وجهٍ يجعل المشتري يَتَمكَّن من التصرُّف فيه، فالتخلية بين المبيع والمشتري ليتصرَّف فيه تُسمى بـالقبض الحكمي، وهو قائم مقام القبض الحقيقي أو الحسي.
قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (5/ 244، ط. دار الكتب العلمية): [(وأما) تفسير التسليم والقبض، فالتسليم والقبض عندنا هو التخلية والتخلي، وهو أن يخلي البائع بين المبيع وبين المشتري برفع الحائل بينهما على وجه يتمكن المشتري من التصرف فيه، فيجعل البائع مسلمًا للمبيع والمشتري قابضًا له، وكذا تسليم الثمن من المشتري إلى البائع، وقال الشافعي رحمه الله: القبض في الدار والعقار والشجر بالتخلية] اهـ.
وقال الإمام ابن قُدَامة الحنبلي في "المغني" (4/ 85، ط. مكتبة القاهرة): [وقبضُ كلِّ شيءٍ بحسبه؛ فإن كان مكيلًا أو موزونًا، بِيع كيلًا أو وزنًا، فقبضه بكيله ووزنه، وبهذا قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: التخلية في ذلك قبضٌ.
وقد روى أبو الخطاب عن أحمد رواية أخرى: أنَّ القبض في كل شيءٍ بالتخلية مع التمييز؛ لأنه خلَّى بينه وبين المبيع من غير حائل، فكان قبضًا له؛ كالعقار] اهـ.
وتعدُّد هذه المعاني يَدُلُّ على أنَّ مفهوم القبض يتحقق بأي صورةٍ تمكَّن بها كلٌّ من طرفي المعاملة بيعًا وشراءً وصرفًا.. إلخ، من التصرُّف في بَدَلِه وتحقَّق له القدرة على الاستلام، وهذا كلُّه مردُّه إلى العرف في كل المعاملات المستحدثة أو التي أطلقها الشرع الشريف ولم يقيدها بحدود، فكل ما عدَّه الناس قبضًا في المعاملات المستحدثة فهو قبضٌ ما دام يمكِّن صاحبه من التصرف فيما قبضه.
أَمَّا الحالة الثانية والتي يتم فيها تحويل بَدَل الصَّرْف إلى الطرف الآخر بعد عدة أيام- فهي غير جائزة؛ لأنَّه لا يجوز الاتفاق على صَرْف العملات مع التسليم بعد فترة من الزَّمن؛ إذ إنَّه يشترط في استبدال العملات بغيرها الحلول والتقابض قبل التَّفرُّق.
قال العلامة علاء الدين الكاساني في "بدائع الصنائع" (5/ 215، ط. دار الكتب العلمية) عند كلامه على شروط الصَّرْف: [وأَمَّا الشرائط، فمنها: قبض البدلين قبل الافتراق] اهـ.
وقال الشيخ عليش في "منح الجليل" (4/ 492، ط. دار الفكر): [(وحَرُم في) بيع (نَقدٍ)، أي: ذهب أو فضة بنقدٍ (و) في بيع (طعامٍ) بطعامٍ (ربا) بكسر الراء مقصورًا (فضل)، أي: زيادة (و) ربا (نَسَاءٍ)] اهـ.
وقال العلامة الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (2/ 364-368، ط. دار الفكر): [(إذا بِيعَ الطعام بالطعام إن كانا)، أي: الثمن والمثمن، وفي بعض النُّسَخ إن كان (جنسًا) واحدًا كبُرٍّ وبُرٍّ (اشترط) في صحة البيع ثلاثة أمور: (الحلول) من الجانبين (والمماثلة والتقابض) لهما (قبل التفرق... أو) كانا (جنسين كحِنْطةٍ وشَعير جَاز التفاضل، واشتُرِط) أمران: (الحلول والتقابض) لهما قبل التفرق... (والنقد بالنقد) والمراد به الذهب والفضة مضروبًا كان أو غير مضروبٍ (كطعامٍ بطعامٍ) في جميع ما سبق من الأحكام، فإن بِيعَ بجنسه كذهبٍ بذهبٍ اشتُرِط المماثلة والحلول والتقابض قبل التَّفرُّق والتخاير، وإن بيع بغير جنسه كذهبٍ بفضةٍ جاز التفاضل، أو اشتُرِط الحلول والتقابض قبل التَّفرُّق أو التخاير] اهـ.
وقال العلامة البُهُوتي الحنبلي في "الروض المربع" (ص: 228، ط. دار الفكر): [(ويَحرُم ربا النسيئة) من النَّسَاء بالمد وهو التأخير (في بيع كل جنسَين اتَّفَقَا في علة ربا الفضل) وهي الكيل أو الوزن (ليس أحدهما) أي: أحد الجنسين نقدًا، فإن كان أحدهما نقدًا؛ كحديد بذهب أو فضة: جاز النَّسَاء، وإلا لَانْسَدَّ باب السلم في الموزونات غالبًا، إلا صرف فلوس نافقةٍ بنقد؛ فيشترط فيه الحلول والقبض، واختار ابنُ عقيل وغيرُه: لا، وتَبِعَهُ في "الإقناع" كالمكيلَين والموزونَين ولو مِن جنسَين؛ فإذا بِيعَ بُرٌّ بشعيرٍ أو حديدٌ بنحاسٍ: اعْتُبِرَ الحلول والتقابض قبل التفرق (وإن تفرقا قبل القبض بطل) العقد؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ؛ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ» والمراد به: القبض] اهـ.
والدليل على ذلك حديث عُبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» متفق عليه، واللفظ لمسلم.
هذا، ويُشترَط الالتزام باستبدال العملات عن طريق الجهات الـمُخوَّل لها رسميًّا بهذا الأمر؛ وذلك لضمان سلامة المعاملات المالية وحماية الاقتصاد الوطني، فهذه الجهات تخضع لرقابة البنك المركزي وتلتزم بالأنظمة التي تمنع التلاعب بأسعار الصرف أو غسل الأموال، يضاف لذلك أنَّ التعامل مع السوق الموازي في هذا السياق يعرض الأفراد لمخاطر الاحتيال ويُؤثِّر سَلْبًا على استقرار الاقتصاد؛ ولذا جَرَّمه الـمُشرِّع المصري في القانون رقم 194 لسنة 2020م؛ إذ نَصَّ في المادة (233) من باب العقوبات: [يُعاقَب بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على عشر سنوات وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تجاوز خمسة ملايين جنيه أو المبلغ المالي محل الجريمة أيهما أكبر: كل مَن تعامل في النقد الأجنبي خارج البنوك المعتمدة أو الجهات التي رُخِّص لها، أو مَارَس نشاط تحويل الأموال دون الحصول على الترخيص طبقًا لنص المادة 209 من هذا القانون] اهـ.
بناءً على ما سبق: فاستبدال العملات عبر الإنترنت جائز شرعًا، شريطة أن يكون عن طريق القنوات الإلكترونية المرخص بتداول العملة من خلالها، على أن يتم إيداع بدل الصَّرْف للطرفين فور الانتهاء من إتمام التعاقد على الصَّرْف، لا في وقتٍ لاحقٍ، مع ضرورة الالتزام باللوائح والنظم والقرارات المحددة لهذه التعاملات تَوخِّيًا لمصلحة الأفراد والأوطان.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم فوائد الأموال الـمُودَعَة في البنوك؟ حيث يدَّعي مدير البنك أنَّ هذه الأموال يضارب فيها البنك ويستثمرها.
ما حكم العمل في شركة تعطي مرتبًا شهريًّا، ثم يُكتَب في العقد مبلغًا أقل لتكون الضرائب عليه أقلّ، فهل يكون المرتب حلالًا؟ وهل يتحمل العامل معهم الإثم فيما يفعلونه؟
ما حكم البيع لشخص ماله من حرام؟ فأنا مُوَرِّد إسمنت، وهناك من التجار مَن يريد أن أورِّد له، ولكني علمت أن ماله ليس طاهرًا؛ لأنه يتعامل بالربا مع الناس، فهل يجوز لي أن أورد له؟
يحتاج أبنائي كل عام كتبًا خارجية في دراستهم، لكن سعرها يكون غير مناسبٍ لي، وفي سور الأزبيكة يُوفِّر الباعة الكتب المستعملة مِن العام الماضي بمقابلٍ ماديٍّ أقل، فهل يجوز لي شراء هذا الكتب والانتفاع بها؟
ما الحكم الشرعي في ظاهرة "المستريح"؟ حيث انتشر في الآونة الأخيرة بشكل واسع نماذج جديدة ممَّن يطلق عليهم "المستريح"، وهو لَقبٌ يطلقه الشخص على نفسه ليجذب أكبر عدد من ضحاياه، والصورة المعتادة للمستريح قيامه بجمع الأموال بحجة الاستثمار، وظهرت نماذج جديدة عن طريق شراء المواشي والحيوانات بأعلى من سعرها في السوق، غير أنَّه لا يُسلِّم للبائع كامل الثمن، وإنما يعطيه عربون، وباقي الثمن يُسدِّده في خلال ثلاثة أسابيع، ثم يبيع هذه المواشي بأقل مِن سعرها في السوق، والبعض يقوم بمثل هذه المعاملة في السيارات، أو في الفاكهة والخضروات ونحو ذلك؛ فما حكم الشرع في هذه الظاهرة؟
ما حكم الاستفادة من ضرائب الخمر والسجائر؟ فقد خصصت الحكومة التايلاندية جزءًا من الضريبة المجبية من إنتاج وتجارة الخمور والسيجارات في الدولة، قدره 2% سنويًّا، تستخدمه في تأسيس وتمويل جهاز مستقل تسميه صندوق تدعيم الصحة العامة، يقوم هذا الجهاز بمكافحة شرب الخمر والدخان في المجتمع التايلاندي، موزعًا ميزانيته المعطاة من قِبل الحكومة إلى سائر المدن والقرى في تايلند لتنفيذ المشاريع المتحدة؛ بغية تقليل ظاهرة شرب الخمر والتدخين في المجتمع، حدثت المشكلة عندما عرض الصندوق ميزانيته للمجتمع المسلم في تايلاند؛ إذ نشب الخلاف حول ما إذا كانت هذه الميزانية حلالًا أم حرامًا؛ لأنه معلوم أنها ضريبة مأخوذة من إنتاج وتجارة الخمور والسيجارات خاصة، حيث لا تضعها الحكومة في خزانتها العامة فتختلط مع الضرائب الأخرى. يرى البعض أنها حرام؛ لأنها نتاج الأعمال المحرمة شرعًا، والبعض الآخر يرى أنها حلال بحجة أن تايلاند دولة غير إسلامية، فلا يتوقع من حكومتها أن تقتصر على الوسائل الحلال في البحث عن الدخل للدولة، وأنه لو لم يقبلها المسلمون لزادت مشاكل الصحة في مجتمعهم.
فما هو الحكم الإسلامي في هذه القضية؟ نرجو من فضيلتكم إفادتنا بإطناب التوضيح المتوافر بالحجج والأدلة الشرعية.