هل يُجزئ في كفارة اليمين إخراجُ القيمة نقدًا بدلًا عن الإطعام أو الكسوة المنصوص عليهما، أو يلزم التزامُ ظاهر النص دون عدولٍ عنه إلى غيره؟
يجوز لمن حنث في يمينه أن يُكفِّر عنها بدفع القيمة نقدًا للفقراء بدلًا عن الإطعام أو الكسوة، وهو الأقرب إلى تحقيق مقصود الشارع من إيجاب الإطعام والكسوة في الكفارة.
المحتويات
شرع الله تعالى كفارة اليمين حفظًا لحرمة الأيمان أن تُبتذل، وزجرًا للنفوس أن تتساهل في إطلاقها، وجبرًا لما فات من الوفاء بعد الحِنث، فجعلها سبيلًا إلى التَّخلُّص من موجب اليمين على وجهٍ مشروع، كما قال سبحانه: ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾ [التحريم: 2].
قال الإمام البَغَوِي في "معالم التنزيل" (5/ 117، ط. دار إحياء التراث العربي): [أي: بيَّن وأوجب أن تُكفِّروها إذا حنثتم، وهي ما ذكر في سورة المائدة] اهـ.
كفارة اليمين ثلاثُ خصالٍ على سبيل التخيير: إطعامُ عشرةِ مساكين ممَّا يطعم الإنسانُ أهلَه، أو كسوتُهم بما يُعَدّ كسوةً مجزئة في العُرف، أو عِتقُ رقبةٍ مؤمنة، فإن عجز المُكفِّرُ عن جميع ذلك، صام ثلاثة أيام، على سبيل الترتيب لا التخيير، كما قال تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾ [المائدة: 89].
قال الإمام أبو بكر بن المنذر في "الإشراف على مذاهب العلماء" (7/ 128، ط. مكتبة مكة الثقافية): [أجمع أهل العلم على أنَّ الحانث في يمينه بالخيار: إن شاء أَطعَم، وإن شاء كَسَا، وإن شاء أَعتَق، أيَّ ذلك فَعَل يجزئه] اهـ.
تمسَّك جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة بظاهر النص الوارد في خصال الكفارة، فمنعوا إخراجها بالقيمة؛ لأن الكفارة عبادةٌ ماليةٌ محددة، وردت على وجهٍ مخصوص، وبيَّن الشرع مقاديرها وأعيانها، فلا يُعدل عنها إلى غيرها بالرأي والاجتهاد.
قال الإمام أبو عمر بن عبد البَرِّ المالـكي في "الكافي" (1/ 453، ط. مكتبة الرياض): [مَن حلف بالله عَزَّ وَجَلَّ على شيءٍ وحنث في يمينه فعليه الكفارة.. ولا تجوز في ذلك القيمة] اهـ.
وقال الإمام أبو الحسن المَاوَردِي الشافعي في "الحاوي الكبير" (15/ 301، ط. دار الكتب العلمية): [لا يجوز أن يخرج في الكفارة قيمة الطعام] اهـ.
وقال الإمام أبو السعادات البُهُوتِي الحنبلي في "كشاف القناع" (5/ 388، ط. عالم الكتب) في سياق حديثه عن كفارة اليمين: [(ولا يجزئ إخراج القيمة) لأن الواجب هو الإطعام، وإعطاء القيمة ليس بإطعام] اهـ.
بينما أجاز الحنفية والإمامُ الأوزاعي إخراج القيمة في كفارة اليمين، وعدُّوه مجزئًا متى بلغت ما يُعادل الإطعام أو الكسوة؛ إذ العبرة عندهم بتحقيق المعنى لا التقيُّد بالمبنى، وبوصول النفع إلى الفقراء لا بالتزام صورة الأداء.
قال شمس الأئمة السَّرَخسِي في "المبسوط" (2/ 156، ط. دار المعرفة): [إنَّ أداء القيمة مكان المنصوص عليه في الزكاة والصدقات والعشور والكفَّارات جائزٌ عندنا] اهـ.
وقال الإمام ابن قُدَامة في "المغني" (9/ 542، ط. مكتبة القاهرة): [لا يجزئ في الكفارة إخراج قيمة الطعام، ولا الكسوة.. وأجازه الأوزاعي، وأصحاب الرأي؛ لأن المقصود دفع حاجة المسكين، وهو يحصل بالقيمة] اهـ.
ما ذهب إليه الحنفية ووافقهم عليه الإمام الأوزاعي هو الأَولى بالترجيح عندنا، ونراه الأقرب إلى تحقيق مقصود الشارع من إيجاب الإطعام والكسوة في الكفارة، وذلك من وجهين:
الأول: أنَّ المقصود من الكفارة إغناء الفقير وسدُّ حاجته، وذلك يحصل بالقيمة كما يحصل بالطعام أو الكسوة، بل قد يكون دفع القيمة في كثيرٍ من الأحوال أبلغ في تحقيق الكفاية، وأسرع في سد الخَلَّة، وأوفق بمصلحة الفقير مستحق كفارة اليمين، كما في "المبسوط" لشمس الأئمة السَّرَخسِي (2/ 157).
الثاني: أنه لا يمنع من جهة اللغة ولا العرف إطلاقُ اسم الإطعام والكسوة على من دفع إلى الفقير دراهم يشتري بها ما يأكله أو يلبسه، فيُقال فيه: قد أطعمه وكساه، وإذا كان هذا الإطلاق سائغًا عرفًا، اندرج تحت عموم اللفظ القرآني، وانتظم في دلالته، ولم يخرج عنه.
ثم إنَّ الفقير لو مُلِّك الطعام فلم يأكله، بل باعه، أجزأ ذلك اتفاقًا، وكذلك لو أُعطي كسوةً فلم يلبسها وباعها لم يمنع من الإجزاء، مع أنَّ صورة الإطعام أو الكسوة لم تتحقق على ظاهرها، فدلَّ ذلك على أن المقصود ليس حصول المطعوم أو الملبوس في ذاته، وإنما المقصود إيصال قدرٍ معيَّن من المال إلى يد الفقير، كما في "أحكام القرآن" للإمام أبي بكر الجصَّاص (2/ 575، ط. دار الكتب العلمية).
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فيجوز لمن حنث في يمينه أن يُكفِّر عنها بدفع القيمة نقدًا للفقراء بدلًا عن الإطعام أو الكسوة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
سائل يقول: شخص حلف بالله على شيء يظنه كما حلف، فبان هذا الأمر بخلاف ما قسم. فهل تجب عليه كفارة اليمين؟
ما حكم الحلف بالمصحف وكفارته عند الحنث فيه؟ حيث حدث نزاعٌ بيني وبين زوجتي، وقمت بالحلف بالله وعلى المصحف أن أتزوج غيرها، ولكن اصطلحنا، ولم أتزوج؛ فما حكم هذا اليمين؟ وماذا يجب عليّ أن أفعله تكفيرًا عن يميني؟
سائل يقول: حلفتُ يمينًا على ألَّا أفعل شيئًا معيَّنًا، لكنِّي نسيت وفعلته؛ فما الحكم؟ وهل تلزمني الكفارة؟
سائل يقول: شخص كثير الحلف بالله تبارك وتعالى في كل صغيرة وكبيرة، وأصبح هذا الأمر عادة على لسانه. فكيف يكون التوجيه الشرعي فيما يفعله هذا الشخص؟
هل يُجزئ في كفارة اليمين إخراجُ القيمة نقدًا بدلًا عن الإطعام أو الكسوة المنصوص عليهما، أو يلزم التزامُ ظاهر النص دون عدولٍ عنه إلى غيره؟
ما حكم الحلف على المصحف بترك شيء وكفارة فعل ذلك؟ حيث يفيد السائل: أنه حلف يمينًا على المصحف بعدم دخول منزل جاره الذي هو صهرُه مدى الحياة، ويريد أن يدخل بيتهم؛ فما حكم هذا اليمين وكفارته إذا دخل منزل صهره؟