حكم الاحتفالات بنصر أكتوبر

تاريخ الفتوى: 05 أكتوبر 2025 م
رقم الفتوى: 8763
من فتاوى: فضيلة أ. د/ نظير محمد عياد - مفتي الجمهورية
التصنيف: الاحتفالات
حكم الاحتفالات بنصر أكتوبر

ما حكم الاحتفال بذكرى نصرأكتوبر؟ فقد اعتاد الناس في بلدنا أن يحتفلوا بذكرى نصر أكتوبر المجيدة كلَّ عامٍ في يوم السَّادس مِن أكتوبر، وتكريم بعض أهالي شهداء الواجب الوطنيِّ، إلا أنَّ فئة قليلة تدَّعي أنَّ هذا الفعل يتنافى مع الشرع الشريف، فهل الاحتفال بذكرى النصر مخالف لصحيح الدِّين؟

إنَّ الاحتفال المذكور بنصر أكتوبر المجيدة يعدُّ من الأمور المشروعة المستحبَّةِ،  ففيه إحياء لذكرى يومٍ مِن أيام الله تعالى أجرى بتأييده فيها النَّصر للحق على الباطل، وأعاد لمصر وأهلها الظفر والأمان والاستقرار، وهو نوعُ إظهارٍ لشكر الله تعالى على نعمائه، وفرحٌ بفضل الله تعالى على عباده، مع ما في تلك الاحتفالات مِن عرفانٍ لحقِّ من بذلوا مهجهم في سبيل ذلك النَّصر من شهداء الوطن، ومواساةٍ لأهليهم وذويهم، ودعوةٍ جادَّة للعمل والبذل والتضحية في سبيل رفعة شأن الأوطان وتحقيق العزَّةِ والتحلي بالإقدام، وإبراز القدوات، وكل ذلك مما ندب إليه الشَّرع.

المحتويات

 

حكم الاحتفال بذكرى الانتصارات الوطنية

جعل الله في اختلاف الأيام، وكرِّ الدهور والأعوام، وما تحمله في طياتها من الأحداث والأقدار العظام، ذكرى وعظةً واعتبارًا للأنام، فأمر عباده أن يتذاكروا تلك الأيام، فقال عزَّ وجلَّ: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّه﴾ [إبراهيم: 5].

قال الإمام الطبري في "جامع البيان" (16/ 519، ط. مؤسسة الرسالة): [وقوله: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّه﴾ يقول عز وجلَّ: وعِظْهُم بما سَلَف مِن نُعمَى عليهم في الأيام التي خَلَت، فاجتُزِئ بذكر "الأيام" مِن ذكر النعم التي عناها؛ لأنها أيامٌ كانت معلومةً عندهم، أَنعَمَ الله عليهم فيها نِعَمًا جليلةً] اهـ.

وأيَّام النَّصر والظَّفر على الأعداء مِن أَولى وأظهر آيات الله تعالى التي يتجلى فيها نصر الحق والتمكين لأهله بين الخلق، مما يستدعي منهم الاهتمام والتذكرة، والشكر لله ذي الفضل والمنَّة الغامرة، سيما أنها ذكرى فضلٍ ورحمةٍ وعناية من الله جل وعلا تستوجب من أهلها معاني الفرح بفضل الله ونعمته عليهم، قال الله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58].

كما حثنا الشرع الشريف على إظهار ما للنِّعم مِن آثارٍ علينا، ومن أوَّليات إظهار أثر النعم على العبد: إظهار الفرح وبذل المِنَح؛ كما قال تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى: 11].

قال العلامة الشوكاني في "نيل الأوطار" (8/ 258، ط. دار الحديث): [إظهار النعمة من محبوبات المنعِم، ويدل على ذلك: قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾؛ فإن الأمر منه جل جلاله إذا لم يكن للوجوب كان للندب، وكلا القسمين مما يحبه الله، فمَن أنعم الله عليه بنعمة مِن نعمه الظاهرة أو الباطنة فليُبالغ في إظهارها بكل ممكِنٍ، ما لم يصحب ذلك الإظهارَ رياءٌ أو عُجبٌ] اهـ.

والمشروعية والاستحباب تتأكد بتعلُّق تلك النِّعمة بحدثٍ عامٍّ يمتدُّ فضله وأثره ليشمل سائر المجتمع، فإنه في تلك الحالة تنتفي محاذير المبالغة في إظهاره من حيث العجب أو الرياء، بل تكتنفه معاني العرفان والشكر للكريم المنان جل وعلا، سيما إذا كان يومًا وطنيًّا يحيي في النفوس معاني الإباء والمنعة على الأعداء، وبذل الغالي والنفيس في الذود عن الأديان والبلدان، وحفظ المهج، والنفوس، والأهل والعيال، ومقدرات الأوطان، كيوم انتصار جيشنا الأبيِّ المصري بعون من الله العلي وتأييد من العالم العربي كله في حرب أكتوبر المجيدة؛ فالفرح بذلك اليوم يتجاوز الفرد إلى المجتمع كله، حتى اعتُبر عيدًا قوميًّا مصريًّا يسعد فيه جميع المواطنين ويتذكرون بطولاتهم وبطولات مَن سَلَفَهم.

فإنَّ تعلق الشعوب بالأوطان أشبه ما يكون بتعلق النفوس بالأبدان، فكما أنَّ حياة الإنسان لا تستقيم من غير سلامة الجسد، فالشعوب لا تهنأ إلا بسلامة الوطن، وقد ساوى الله تعالى بين فراق الوطن وبين القتل في أنَّ كليهما مِن أقصى العقوبات التي قررها الله تعالى لأبشع الجرائم وهي الإفساد في الأرض؛ كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ [المائدة: 33]، فيلزم عن ذلك أن يكون صلاح الوطن وسلامته وانتصار أهله من أجزل النعم والعطايا من الله تعالى، ومن أعلى وأصدق حالات السعادة التي تعتري شعور الإنسان.

الأدلة على مشروعية الاحتفال بذكرى الانتصارات الوطنية

لقد تواردت النصوص الشرعية على جواز الاحتفال بنعمة النصر والنجاة كاحتفال شعب مصر العظيم بانتصارهم في حرب السادس من أكتوبر عام 1973م على ما كانوا يلاقوا مِن مهالك الاحتلال.

فمن ذلك: ما سطرته آيات القرآن الكريم على لسان نبي الله موسى مِن أمره لقومه بأن يتذكروا كيف نجاهم الله من عدوهم، وأن يقدروا تلك النعمة حق قدرها، فقال جل وعلا: ﴿وإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ [إبراهيم: 6].

فما كان منهم إلا أن داوموا على تذكر ذلك اليوم؛ حتى صاموا ذلك اليوم في كل عامٍ شكرًا لله تعالى واحتفالًا بهذا النَّصرِ وتلك النجاة، فلما علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك صام ذلك اليوم وأمر المسلمين بصومه شكرًا لله سبحانه وتعالى على نجاة سيدنا موسى عليه السلام.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ، وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَومًا؛ يَعنِي عَاشُورَاءَ، فَقَالُوا: هَذَا يَومٌ عَظِيمٌ، وَهُوَ يَومٌ نَجَّى اللهُ فِيهِ مُوسَى، وَأَغرَقَ آلَ فِرعَونَ، فَصَامَ مُوسَى شُكرًا لِلهِ، فَقَالَ: «أَنَا أَولَى بِمُوسَى مِنهُم» فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. أخرجه الإمام البخاري.

- ومنها: امتنان الله تعالى على عباده المؤمنين بالنصر وتذكيرهم بأيام حصوله، في آيات الذكر الحكيم الذي يتعبد الله بتلاوته إلى يوم القيامة؛ ليكون تذكرة دائمةً يتناقلها المسلمون سلفًا وخلفًا؛ احتفاء بأحداثها، وتمييزًا لها عن غيرها مِن الأيام؛ كانتصار يوم بدر، ويوم حنين، وصلح الحديبية، وفتح مكة؛ وغيرها.

فقال تعالى في يوم بدر: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [آل عمران: 123]، وقال تعالى في يوم حنين: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ﴾ [التوبة: 25]، وقال تعالى في ذكر صلح الحديبية: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ [الفتح: 1]، وقال تعالى في حدث فتح مكة: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾ [النصر: 1].

وقوله تعالى: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ﴾ [التوبة: 25]، و"هذه مخاطَبةٌ لجميع المؤمنين يَعُدُّ الله نعمه عليهم"، كما قال الإمام ابن عطية في "المحرر الوجيز" (3/ 19، ط. دار الكتب العلمية)، وفيه الحث على تذكر مزيد الإنعام والمنة من الله جل وعلا بالنَّصر في كافَّةِ المشاهد وأيام التمكين، وأنَّ ما ذكر مِن أيام النَّصر إنما هو غيضٌ مِن فيض، كما يفيد مشروعية التذكير بما لم يَذكره سبحانه من أيام النَّصر السابقةِ واللاحقةِ.

قال الطاهر بن عاشور في "التحرير والتنوير" (10/ 155، ط. الدار التونسية): [مَواطنُ الحرب تقتضي أيامًا تقع فيها الحرب؛ فتدل الْمَواطنُ على الأيامِ كما تدل الأيامُ على المَواطنِ] اهـ.

ومن أجْل هذه المعاني أقرَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الناس على الاحتفال بانتصاراتهم ومآثرهم، ولم ينْهَ أن يقال في بيته الشريف من الشعر ما كان يقال في انتصاراتهم من مفاخر، بل أقر أن يكون ذلك من الأعياد التي يباح لهم فيها ما يباح في الأعياد من التهنئة والترويح عن النفس والتزاور فيما بينهم.

فروى الإمامان البخاري ومسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أن أبا بكر رضي الله عنه دخل عليها، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم عندها، يومَ فطرٍ أو أضحى، وعندها قينتان تغنيان بما تقاذفت الأنصارُ يومَ بُعَاث، فقال أبو بكر رضي الله عنه: مزمار الشيطان! مرَّتين، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «دَعهُمَا يَا أَبَا بَكرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَومٍ عِيدًا، وَإِنَّ عِيدَنَا هَذَا اليَومُ». وفي لفظ في "الصحيحين": «دَعهُمَا يَا أَبَا بَكرٍ؛ فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ». وأخرجه الإمام أبو عَوَانَةَ في "مستخرجه على صحيح مسلم" بلفظ: «دَعهُمَا؛ فَإِنَّ لِكُلِّ قَومٍ عِيدًا، وَهَذَا عِيدٌ».

والشاهد من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينه عن الغناء بما كان مِن غناء يوم بعاث -وهو يومٌ انتصر فيه الأوس على الخزرج-؛ لكونه من قبيل الأيام الوطنية التي يفتخرون بها فيُحيُون ذكراها ويحتفلون بمناسبة الانتصار فيها.

الأدلة على مشروعية الاحتفال بذكرى انتصارات حرب أكتوبر

في خصوص نَصرِ حرب أكتوبر المجيدة يتجلى أقوى برهان وأنصع بيان على أنَّ الأمَّة المصرية هي أمَّة الرِّباط والحقِّ والسَّلام والأمان إلى يوم القيامة.

وأن جيشها العظيم بما يتمتع به مِن عقيدةٍ شريفة وفضائل منيفة هم الجند الذي استحق بجدارة أن ينال شرف الوصف النبوي بأنه «خَيرُ أَجنَادِ الأَرضِ»، وكانت تلك الحرب التي خاضها ببسالة وشرف الجيش والشعب يدًا بيدٍ مظهرًا ومَجْلًى لتحقيق بشارته صلى الله عليه وآله وسلم فيما جاء عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إِذَا فَتَحَ اللهُ عَلَيكُم مِصرَ، فَاتَّخِذُوا فِيهَا جُندًا كَثِيفًا؛ فَذَلِكَ الجُندُ خَيرُ أَجنَادِ الأَرضِ»، فقال أبو بكر رضي الله عنه: ولم يا رسول الله؟ قال: «لِأَنَّهُم وَأَزوَاجَهُم فِي رِبَاطٍ إِلَى يَومٍ القِيَامَةِ».

ولمَّا كان انتصارُ حربِ السادس مِن أكتوبر المجيدة واحدًا مِن أعظم الأحداث التي أثلجت صدور الشَّعب المصري، بل والوطن العربي بأسره، وملأته سرورًا وفخارًا، وكان يوم السادس من أكتوبر سنة 1973م الموافق للعاشر من رمضان سنة 1393هـ يومًا فارقًا استعاد فيه الجيش المصري الحرِّ الأبي أرضه المسلوبة، بمهارةٍ عسكريَّة نادرةٍ وجسارةٍ أذعنت لها جيوش العدو، فعاد الحقُّ لأهله، وتلقَّى المعتدي ما يستحقه من الخزي والخسران، وتلقن درسًا قاسيًا لا تمحوه ذاكرة التاريخ، وكأن ذلك اليوم ناقوس تحذيرٍ لكل مَن تُسوِّل له نفسه المساس بسيادة مصر وكرامة شعبها ولو بعد مئات السنين؛ استحقَّ هذا النصر، بما اشتمل عليه من تلك المعاني العريقة والدلالات العميقة، أن يُخلَّد في الذاكرة، وأن يُجعل يومُه عيدًا قوميًّا ووطنيًّا، تتجدد فيه البهجة ويُقام فيه الاحتفال، وتُوسَّع فيه ميادين الفرح، والافتخار، والشكر للواحد القهار.

فهو يوم نصرٍ على الظلم والطغيان، وبداية نصرٍ إذ انطلقت منه مسيرة العمل والبناء والعمران، وعامل نصرٍ؛ إذ صار جرس إنذارٍ يردع كل معتدٍ قبل أن يفكر في عدوانه، معلنًا أن هذا الشعب منصور بربه وجيشه وقيادته، فلا مفرَّ مِن الاعتراف له بالسيادة والظَّفَر.

وقد شهدت الشعوب وقادة العالم بتلك المعاني، فاتخذوا من ملحمة أكتوبر المجيدة مادةً علمية تُدرَّس في جامعات العالم وأكاديمياته العسكرية. فكيف لشعبٍ منحه الله هذا النَّصر العظيم ألا يحتفي به، ويجدد ذكراه عامًا بعد عام!

كما أنَّ في إحياء ذكرى النَّصر تربيت على أكتاف ذوي الشهداء، ومواساة لهم؛ بما يحمله إحياء تلك الذكرى المجيدة مِن معاني الثناء على شهداء الوطن، وتجديد مظاهر الشكر والعرفان لهم، وبيان عِظَم ما بذلوه في سبيل وطنهم؛ تأكيدًا لمبدأ الوفاء، وامتثالًا لما دعت إليه نصوص القرآن الكريم من تكريمهم، والإقرار بما خُصُّوا به من حياةٍ باقيةٍ بخلود أرواحهم على ما هم عليه من الشهادة، قال تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: 169].

الاحتفال بذكرى النصر من صور إكرام الشهيد

كما أنَّ الاحتفال بذكرى النَّصر متضمن لمعاني إكرام الشهداء؛ إذ إنَّ مِن إكرام الإنسان: إكرامَ أهله وذويه وأحبابه؛ اقتفاءً وامتثالًا لما عامل اللهُ به الشهداء؛ إذ لم يَقصر جزاء ما قدَّموا من عمل عليهم؛ بل جعله ساريًا إلى مَن يحبون من أهليهم بالشفاعة في سبعين منهم، فكان تكريم أهليهم في الدنيا -كما يحدث في كل احتفال- تخلقًا بأخلاق الله تعالى، وتحقيقًا لمراده سبحانه بإظهار عاجل بشرى الثواب في الدنيا؛ كما قال تعالى: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [يونس: 64].

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أرأيتَ الرجلَ يَعملُ العملَ مِن الخير، ويحمدُه الناسُ عليه؟ قال: «تِلكَ عَاجِلُ بُشرَى المُؤمِنِ» أخرجه الإمام مسلم.

قال الحافظ السيوطي في "شرحه على صحيح مسلم" (5/ 556، ط. دار ابن عفان): [أَي: هذه البُشرى المُعَجَّلةُ دليلٌ للبُشرى المؤخَّرةِ إلى الآخرة] اهـ.

الاحتفال بالنصر إبرازٌ للقدوات والنماذج الطيبة وهو مطلوب شرعًا

من المعلوم أنَّ الاحتفال بالنصر سبيل جادٌّ لإبراز القدوات، والنماذج الطيبة ممن جادوا بمهجهم في سبيل رفعة الأوطان، والذود عن ترابها، وحماية أهلها ودينها؛ ليُنهض إبرازُ تلك النماذج بالتكريم أو الاحتفاء هممَ الشباب، ويقوي عزائمهم، وينير لهم درب السعادة والفلاح باتخاذ الخير والنفع سبيلًا ومنهجًا وحياةً لهم، فضلًا عما فيه من عونٍ للأجيال الناشئة أن تعرف تاريخها، ومقدراتها، فتبذل الغالي والنفيس في السير على منوال الصعود والترقي بين الأمم، والحفاظ على هويتها وحضارتها، وثقافتها وعلومها، ومقدراتها.

وقد حثنا الشرع الشريف على النَّظر إلى القدوات، وحسن الاقتداء بهم واقتفاء أثرهم في الصالحات، فأمرنا بالاقتداء برسله والصالحين، فقال تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام: 90]. وقال عزَّ وجل: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب: 21]، وقال جل وعلا: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِر﴾ [الممتحنة: 6].

قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (7/ 35، ط. دار الكتب المصرية): [الاقتداء: طلب موافقة الغير في فعله. فقيل: المعنى اصبر كما صبروا] اهـ.

وكان من هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يظهر جوانب الاقتداء فيمن نبغ أو أجاد في مسلكٍ مِن مسالكِ الخير، فعن ابن عمر رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَرأَفُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكرٍ رَضِيَ الله عَنهُ، وَأَشَدُّهُم فِي الإِسلَامِ عُمَرُ رَضِيَ الله عَنهُ، وَأَصدَقُهُم حَيَاءً عُثمَانُ رَضِيَ الله عَنهُ، وَأَفضَلُهُم عَلِيٌّ رَضِيَ الله عَنهُ، وَأَفرَضُهُم زَيدُ بنُ ثَابِتٍ رَضِيَ الله عَنهُ، وَأَعلَمُهُم بِالحَلَالِ وَالحَرَامِ مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ رَضِيَ الله عَنهُ، وَأَقرَؤُهُم أُبَيُّ بنُ كَعبٍ رَضِيَ الله عَنهُ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيدَةَ» أخرجه الأئمة: أبو يعلى في "المسند"، والحاكم في "المستدرك"، وابن حجر العسقلاني في "المطالب العالية".

قال الأمير الصنعاني في "التنوير" (2/ 247، ط. دار السلام): [واعلم أن هؤلاء الثمانية من رؤوس الصحابة وأعيانهم وقد خص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلَّ واحد منهم بأنه رأس في خصلة من خصال الخير وخصال الكمال المذكورة مع مشاركته للباقين فيما اختصوا به] اهـ. أي ليكون منارةً للاقتداء والاقتفاء، عملًا بحديث حذيفة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اقتَدُوا بِالَّذِينَ مِن بَعدِي أَبِي بَكرٍ، وَعُمَرَ» أخرجه الأئمة: أحمد، وابن ماجه، والترمذي، والحاكم في "المستدرك" واللفظ له.

ولا غرو في أنَّ من ثمرات الاحتفال بذكرى نصر السادس من أكتوبر إبراز نماذج وطنية مشرفة لتكون منارات هداية واقتداء في ميدان العمل والكفاح الوطني.

الخلاصة

بناءً على ذلك، وفي واقعة السؤال: فإنَّ الاحتفال المذكور بنصر أكتوبر المجيدة يعدُّ من الأمور المشروعة المستحبَّةِ، وإحياءً لذكرى يومٍ مِن أيام الله تعالى أجرى بتأييده فيها النَّصر للحق على الباطل، وأعاد لمصر وأهلها الظفر والأمان والاستقرار، وهو نوعُ إظهارٍ لشكر الله تعالى على نعمائه، وفرحٌ بفضل الله تعالى على عباده، مع ما في تلك الاحتفالات مِن عرفانٍ لحقِّ من بذلوا مهجهم في سبيل ذلك النَّصر من شهداء الوطن، ومواساةٍ لأهليهم وذويهم، ودعوةٍ جادَّة للعمل والبذل والتضحية في سبيل رفعة شأن الأوطان وتحقيق العزَّةِ والتحلي بالإقدام، وإبراز القدوات، وكل ذلك مما ندب إليه الشَّرع.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما هو البلوغ الذي تجب به حقوق الله تعالى مِن صلاة وصوم شهر رمضان المبارك ونحوهما؟


اعتدت صيام يوم المولد النبوي الشريف شكرًا لله تعالى على هذه النعمة العظمى؛ فما حكم الشرع في ذلك؟


ما حكم تعويد الصبي الصغير على الطاعة وحمله عليها؟


ما حكم إنشاء دار مناسبات يقام فيها المآتم والأفراح؟


نرجو منكم بيان الأدلة على فضل ليلة النصف من شعبان.


ما حكم إعداد شنطة رمضانية لفقراء القرية من أموال زكاة المال؟ فنحن في شهر رمضان نقوم بإعداد هذه الشنط من أموال زكاة المال وتكون أقلّ من أسعار السوق بكثير فضلًا عمَّا يقوم به أصحاب هذه المحلات من تقديم تسهيل وتنزيل للأسعار. فهل يجوز ذلك؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 06 أكتوبر 2025 م
الفجر
5 :25
الشروق
6 :51
الظهر
12 : 43
العصر
4:4
المغرب
6 : 34
العشاء
7 :51