ما كيفية أداء السنن والرواتب حال الجمع بين الصلاتين جمع تقديم بسبب المطر والوحل الشديدين؟
تشترط الموالاة عند الجمع بين الصلاتين: (الظهر والعصر)، و(المغرب والعشاء) جمع تقديم، ولا يجوز الفصل بينهما بأداء السنن الرواتب أو غيرها، ويكون أداء السنن في هذه الحالة إما بأن يبدأ بالسنة القَبْلية التي تختص بالفريضة الأولى، ثم يصلي الفرضَيْن متتابعَيْن مُرتَّبَيْن من غير فاصل بينهما، ثم يصلي السنن الباقية من بَعدِية الأولى وقَبْلية الثانية وبَعْدِيَّتها، أو أن يبدأ بصلاة الفرضَيْن مُرتَّبَيْن ثم بعدهما يصلي سُنة الأولى القَبْلية ثم بَعْدِيَّتها، ثم سُنة الثانية القَبْلية ثم بَعْدِيَّتها.
المحتويات
قامت الشريعة الإسلامية على أساس اليُسر والتخفيف ورفع العنت والمشقة عن المكلفين؛ قال الله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]، وقال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78]، وعن أبي أُمامة الباهلي رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ» أخرجه الإمام أحمد، والطَّبَراني في "المعجم الكبير".
ومن مظاهر هذا اليسر والتخفيف في الأحكام الشرعية: أنَّها رَخَّصَت -من حيث الأصل- للمسلم الجَمْعَ في الحضر بين الصلاتين بسبب المطر والْوَحْلِ الشديدين، اللَّذيْن يسبِّبَان مشقة على المكلف في الذهاب إلى المسجد والعودة منه.
قد اختلفت أنظار الفقهاء في القدر الذي يبيحه المطر والوحل الشديدان من جمع الصلوات، فذهب المالكية والحنابلة في الأصح عندهم إلى جواز جمع التقديم في الحَضَر بين العِشاءين (المغرب والعشاء) فقط، لا الظُّهْرَيْن (الظهر والعصر)، بل ذهب المالكية إلى أنَّ هذا الجمع مندوب إليه في هذه الحالة؛ قال الإمام أحمد الدردير المالكي في "الشرح الكبير" (1/ 370 -مع "حاشية الدسوقي"-، ط. دار الفكر) [(و) رُخص ندبًا لمزيد المشقة (في جمع العِشاءين فقط) جمع تقديم، لا الظُّهْرَيْن؛ لعدم المشقة فيهما غالبًا (بكل مسجد) ولو مسجد غير جمعة، خلافًا لمن خصَّه بمسجد المدينة أو به وبمسجد مكة، (لمطر) واقع أو متوقع، (أو طين مع ظلمة) للشهر، لا ظلمة غيم لا (طين) فقط على المشهور، (أو ظلمة) فقط اتفاقًا] اهـ.
وقال الإمام منصور البُهُوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (1/ 490، ط. عالم الكتب) [(ويجوز) الجمع (بين العِشاءين لا الظُّهْرين، لمطر يبل الثياب، زاد جمع: أو) يبل (النعل أو البدن، وتوجد معه مشقة)، روى البخاري بإسناده أنه صلى الله عليه وسلم: «جمع بين المغرب والعشاء في ليلة مطيرة»، وفعله أبو بكر وعمر وعثمان] اهـ.
بينما ذهب الشافعية والحنابلة في وجه اختاره الإمام الخَطَّابي وغيره إلى جواز الجمع مطلقًا بين الظُّهْرين (الظهر والعصر)، والعِشاءين (المغرب والعشاء) حال المطر الذي يشق على المسلم فيه الخروج إلى صلاة الجماعة في كلتا الصلاتين، واشترط الشافعية أن يكون الجمع في هذه الحالة جمع تقديم، خلافًا للإمام الرُّوياني.
قال الإمام النووي الشافعي في "روضة الطالبين" (1/ 399، ط. المكتب الإسلامي) [يجوز الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، بعذر المطر] اهـ.
وقال الإمام الخطيب الشربيني الشافعي في "الإقناع" (1/ 175، ط. دار الفكر): [ثم شرع في الجمع بالمطر فقال: (ويجوز للحاضر)، أي: المقيم (في المطر) ولو كان ضعيفًا، بحيث يبل الثوب ونحوه، كثلج وبَرَد ذائبين (أن يجمع) ما يجمع بالسفر ولو جمعة مع العصر، خلافًا للرُّوياني في منعه ذلك تقديمًا (في وقت الأولى منهما)] اهـ.
وقال الإمام المَرْداوي الحنبلي في "الإنصاف" (2/ 337، ط. دار إحياء التراث): [قوله: (إلا أن جمع المطر يختص العِشاءين، في أصح الوجهين)، وهما روايتان، والوجه الآخر: يجوز الجمع كالعِشاءين. اختاره القاضي، وأبو الخطاب في "الهداية"، والشيخ تقي الدين وغيرهم] اهـ.
كيفية أداء السنن الرواتب حال الجمع بين الصلاتين جمع تقديم محل خِلَافٍ بين الفقهاء، ويرجع سبب هذا الخلاف إلى: اختلافهم في حكم اشتراط الموالاة بين الصلاتين عند الجمع بينهما جمع تقديم، ويتفرع عليه اختلافهم في حكم أداء السنن الرواتب بين الصلاتين المجموعتين، والذي يعدُّ فاصلًا ينفي الموالاة عند من جعلها شرطًا في الجمع.
فذهب المالكية والشافعية في وجه حكاه أبو سعيد الإصطخري وأبو علي الثقفي والحنابلة في رواية -إلى عدم اشتراط الموالاة بين الصلاتين المجموعتين، فلا يضرُّ الفاصل بينهما ما لم يخرج وقت الأولى منهما، فيجوز أن يأتي بالرواتب بينهما، إلا أن المالكية قالوا بسُنِّيَّة الموالاة بين الصلاتين عند الجمع، وأنَّ الفصل بينهما بالكلامِ أو السُّنن والنوافل لا يبطلها؛ حيث لا وَجه للحرمة في ذلك، إلا أنه مكروهٌ عندهم.
قال الإمام خليل المالكي في "التوضيح" (2/ 45، ط. مركز نجيبويه) في بيان أحكام الجمع بين الصلاتين: [مِن سُنَّة الصلاة الثانية أن تكون مُتصلةً بالأُولى. قال مالكٌ: لا يتنفل بين المغرب والعشاء. قال المَازِرِي: وكلُّ صلاتين يجمع بينهما فحكمهما هكذا] اهـ.
وقال الإمام الدُّسُوقِي المالكي في "حاشيته على الشرح الكبير" (1/ 371، ط. دار الفكر): [قوله: (ولا تنفل بينهما) اعلم أنَّ الواقع في النفل يمنع الفصل بين الصلاتين المجموعتين بالنفل، وكذا بالكلام، وقد استظهر شيخُنا العدوي أنَّ المرادَ بالمنع الكراهةُ في الفصل بكلٍّ مِن النفل والكلام، إذ لا وجه للحرمة] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (4/ 375، ط. دار الفكر) في بيان حكم الموالاة بين الصلاتين عند جمع الصلاتين: [وفيه وجه: أنه يجوز الجمع وإن طال الفصل بينهما ما لم يخرج وقت الأولى، حكاه أصحابنا عن أبي سعيد الإصطخري، وحكاه الرافعي عنه وعن أبي علي الثقفي من أصحابنا] اهـ.
وقال الإمام مُوفَّقُ الدِّين ابن قُدَامة الحنبلي في "المغني" (2/ 206، ط. مكتبة القاهرة) عند ذكره لحكم من صلى النافلة بين الفريضتين عند الجمع: [وعنه: لا يبطل؛ لأنه تفريق يسير، أشبه ما لو توضأ] اهـ.
وذهب الشافعية في المعتمد والحنابلة في الصحيح عندهم إلى أنَّه تشترط الموالاة بين الصلاتين في جمع التقديم، حيث عَدُّوا تلك الموالاة شرطًا لصحة الجمع بين الصلاتين؛ فيجب أولًا أداء الصلاتين مرتبتين متتابعتين من غير فاصلٍ بينهما، بحيث يبطل الجمع بالفاصل الطويل، وقد قَدَّرُوه بقَدْرِ أداء ركعتين ولو كانتا بأخف ما يكون حتى ولو كان هذا الفاصل بعذر بحيث لو أتى بالسنة الراتبة بين الصلاتين بطل الجمع، لا سِيَّما وأنَّ الصلاتين عند الجمع بينهما بمثابة الصلاة الواحدة، لذا لا يصح الفصل بينهما بفاصل طويل.
قال الإمام شمس الدين الرملي الشافعي في "نهاية المحتاج" (2/ 276-277، ط. دار الفكر) عند ذكره لشروط جمع التقديم: [(و) ثالثها: (الموالاة، بأن لا يطول بينهما فصل)؛ إذ الجمع يجعلهما كصلاة واحدة، فوجب الولاء كركعات الصلاة؛ لأنها تابعة والتابع لا يفصل عن متبوعه، ولهذا تركت الرواتب بينهما... (فإن طال) الفصل بينهما (ولو بعذر)، كجنونٍ أو إغماءٍ أو سهوٍ (وجب تأخير الثانية إلى وقتها)؛ لفوات شرط الجمع، (ولا يضر فصلٌ يسير)... ومن الطويل قدر صلاة ركعتين ولو بأخف ممكن كما اقتضاه إطلاقهم] اهـ.
قال العلَّامة الشَّبْرَامَلِّسِي الشافعي في "حاشيته عليه" (2/ 276): [(قوله: ولهذا تركت -أي: الرواتب-)، أي: وجوبًا لصحة الجمع] اهـ. والمقصود ترك صلاة النافلة.
وقال الإمام علاء الدين المَرْداوي الحنبلي في "الإنصاف" (2/ 342-343): [الصحيح مِن المذهب، وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به أكثرهم: أنه تشترط الموالاة في الجمع في وقت الأُولى... فإن صلَّى السُّنَّة بينهما (بطل الجمع في إحدى الروايتين)، وهي المذهب] اهـ.
المختار للفتوى هو القول القائل باشتراط الموالاة بين الصلاتين المجموعتين جمع تقديم، خروجًا من الخلاف وأخذًا بالأحوط، إذ الخروج من الخلاف مستحب، ولأن العبادة إن صحت عند الجميع كانت أفضل مما لو صحت عند طائفة وبطلت عند أخرى، والأخذ بالاحتياط في العبادات أصل؛ كما قاله شمس الأئمة السَّرَخْسِي في "المبسوط" (1/ 246، ط. دار المعرفة).
وعليه: فكيفية أداء السنن الرواتب أو غيرها بين الصلاتين -إن أراد المصلي الجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم- أن يؤدي سُنة الظهر القَبْلية، ثم يأتي بالفرضين الظهر والعصر معًا ثم يأتي بسُنَّة الظهر البعدية أو أن يؤخر سُنة الظهر القَبْلية إلى ما بعد أداء الفرضين، ثم يصلي السُّنَّة القَبْلية ثم البعدية وسُنة العصر القَبْلية -إن أراد- بعد الفراغ من الجمع، ولو أراد أن يجمع بين المغرب والعشاء، أَخَّرَ أداء سُنتَيْهما الراتبة البعدية إلى ما بعد الانتهاء من أدائهما.
قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" (1/ 245، ط. دار الكتاب الإسلامي): [إذا جمع الظهر والعصر قدَّم سنة الظهر التي قبلها، وله تأخيرها سواء أجمَعَ تقديمًا أم تأخيرًا، وتوسيطها إن جمَعَ تأخيرًا، سواء أقدَّم الظهر أم العصر وأخَّر سنتها التي بعدها، وله توسيطها إن جمَعَ تأخيرًا وقدَّم الظهر وأخَّر عنهما سُنة العصر، وله توسيطها وتقديمها إن جمَعَ تأخيرًا، سواء أقدَّم الظهر أم العصر، وإذا جمَعَ المغرب والعشاء أخَّر سُنتَيْهما، وله توسيط سنة المغرب إن جمَعَ تأخيرًا أو قدَّم المغرب، وتوسيط سنة العشاء إن جمَعَ تأخيرًا وقدَّم العشاء، وما سوى ذلك ممنوع] اهـ.
وقال العلامة ابن حجر الهَيْتَمي الشافعي في "تحفة المحتاج" (2/ 397، ط. المكتبة التجارية الكبرى) عند ذكره لكيفية أداء الرواتب عند الجمع بين الصلاتين جمع تقديم: [وكيفية صلاتها أن يصلي سنة الظهر القَبْلية، ثم الفرضين، ثم سنة الظهر البعدية، ثم سنة العصر وكذا في جمع العِشاءين وخلاف ذلك جائز. نعم، لا يجوز تقديم راتبة الثانية قبلهما في جمع التقديم، ولا تقديم بَعدية الأولى قبلها مطلقًا] اهـ.
بِنَاءً على ما سبق: فتشترط الموالاة عند الجمع بين الصلاتين: (الظهر والعصر)، و(المغرب والعشاء) جمع تقديم، ولا يجوز الفصل بينهما بأداء السنن الرواتب أو غيرها، ويكون أداء السنن في هذه الحالة إما بأن يبدأ بالسنة القَبْلية التي تختص بالفريضة الأولى، ثم يصلي الفرضَيْن متتابعَيْن مُرتَّبَيْن من غير فاصل بينهما، ثم يصلي السنن الباقية من بَعدِية الأولى وقَبْلية الثانية وبَعْدِيَّتها، أو أن يبدأ بصلاة الفرضَيْن مُرتَّبَيْن ثم بعدهما يصلي سُنة الأولى القَبْلية ثم بَعْدِيَّتها، ثم سُنة الثانية القَبْلية ثم بَعْدِيَّتها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
يقول السائل: أحرص دائمًا على تأخير صلاة العشاء إلى منتصف الليل؛ حتى أصليها مع زوجتي في جماعة، ونصلي ما شاء الله لنا من قيام الليل، فما حكم تأخير صلاة العشاء حتى منتصف الليل؟
ما حكم إقامة صلاة العيد بملعب النادي الرياضي؟ حيث يتم إقامة صلاة العيد بملعب النادي الرياضي بالمدينه؛ ونظرًا لانشغالنا بأنشطة رياضية بالنادي حيث نقيم المسابقات الرمضانية ولأن المساجد تعاني من شدة الحر هذا العام فقد قمنا -نحن العاملين بالنادي- بتجهيز قطعة من مصلى العيد وجهزناها بالمياه والفرش والإذاعة وبدأنا نصلي فيها العشاء والتراويح فزاد الإقبال من الجيران؛ نظرًا للجو الجميل بها.
ولكن فوجئنا بأحد المشايخ يقول على المنبر: إنها بدعة، وغير جائزة، والصلاة غير مقبولة؛ أي إنه حرمها! فأصبحنا في حيرة من أمرنا. فما حكم الشرع في ذلك؟
ما حكم الترتيب بين الصلاة الحاضرة والفائتة عند اتساع الوقت لصلاتهما؟ فأنا أحيانًا تفوتني صلاة العصر بسبب عذر طارئ حتى يؤذّن لصلاة المغرب، وعند قضائها منفردًا وأنا في البيت يكون وقت المغرب متسعًا ويسمح بأداء الفريضتين؛ فهل أبدأ بصلاة العصر الفائتة، أو بصلاة المغرب الحاضرة؟
ما حكم صلاة المسلمين في الكنائس؟
يستفسر السائل عما يجب عليه إذا دخل المسجد فوجد الإمام يصلي الفرض الحاضر وعليه -السائل- فرض فائت؛ هل يصلي مع الإمام الصلاة الحاضرة أم يصلي الفرض الذي فاته؟
ما حكم صلاة التراويح في البيت بسبب الوباء؟ فإنه في ظلّ ما يمر به العالم من ظروف جراء فيروس كورونا أُغلِقَت المساجد وأُرجئت الجمع والجماعات؛ ضمن القرارات التي اتخذها المختصون تحرزًا من عدوى هذا الفيروس الوبائي، فهل تشرع صلاة التراويح في البيوت؟ وهل يأخذ المُصلي حينئذٍ أجر قيام رمضان؟