01 يناير 2017 م

انتقال سيدنا علي بن أبي طالب للعيش في بيت النبوة

انتقال سيدنا علي بن أبي طالب للعيش في بيت النبوة

مما لا شك فيه أنَّ حدث انتقال سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى بيت النبوة من الأحداث الهامة في السيرة النبوية لما سوف يترتب عليه من نتائج في مستقبل الأيام، ومن الأخبار التي أعطتنا تفصيلا لهذا الأمر ما جاء عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ أَبِي الْحَجَّاجِ، قَالَ: كَانَ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا صَنَعَ اللَّهُ لَهُ وَأَرَادَهُ بِهِ مِنَ الْخَيْرِ أَنَّ قُرَيْشًا أَصَابَتْهُمْ أَزمةٌ شَدِيدَةٌ، وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ فِي عِيَالٍ كَثِيرٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمِّهِ الْعَبَّاسِ، وَكَانَ مِنْ أَيْسَرِ بَنِي هَاشِمٍ: «يَا أَبَا الْفَضْلِ، إِنَّ أَخَاكَ أَبَا طَالِبٍ كَثِيرُ الْعِيَالِ، وَقَدْ أَصَابَ النَّاسَ مَا تَرَى مِنْ هَذِهِ الْأَزْمَةِ، فَانْطَلقْ بِنَا إِلَيْهِ نُخَفِّفْ عَنْهُ مِنْ عِيَالِهِ؛ آخذُ مِنْ بَنِيهِ رَجُلًا، وَتَأْخُذُ أَنْتَ رَجُلًا فَنَكْفُلُهُمَا عَنْهُ» فَقَالَ الْعَبَّاسُ: نَعَمْ، فَانْطَلَقَا حَتَّى أَتَيَا أَبَا طَالِبٍ، فَقَالَا: إِنَّا نُرِيدُ أَنْ نُخَفِّفَ عَنْكَ مِنْ عِيَالِكَ حَتَّى تَنْكَشِفَ عَنِ النَّاسِ مَا هُمْ فِيهِ، فَقَالَ لَهُمَا أَبُو طَالِبٍ: إِذَا تَرَكْتُمَا لِي عَقِيلًا فَاصْنَعَا مَا شِئْتُمَا، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا فَضَمَّهُ إِلَيْهِ، وَأَخَذَ الْعَبَّاسُ جَعْفَرًا فَضَمَّهُ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ عَلِيٌّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَعَثَهُ اللَّهُ نَبِيًّا فَاتَّبَعَهُ وَصَدَّقَهُ وَأَخَذَ الْعَبَّاسُ جَعْفَرًا، وَلَمْ يَزَلْ جَعْفَرٌ مَعَ الْعَبَّاسِ حَتَّى أَسْلَمَ، وَاسْتَغْنَى عَنْهُ. "المستدرك على الصحيحين" للحاكم (3/567).

وكل المصادر السابقة مجمعة أن هذا الحدث كان قبل البعثة أو قبل الإسلام أو قبل أن يوحى إليه صلى الله عليه وسلم كما يعبر البعض، ونقل ابن أبي الحديد الخبر في "شرح النهج" عن البلاذري والأصفهاني هكذا: أن قريشًا أصابتها أزمة وقـحط، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لعميه حمزة والعبـاس: ألا نحمل ثقل أبـي طـالب في هذا المحل؟ فجاءوا إليه وسألوه أن يدفع إليهم ولده ليكفوه أمرهم، فقال: دعوا لي عـقـيلًا وخذوا من شئتم - وكان شديد الحب لعقيل - فأخذ العباس طالبًا، وأخذ حمزة جعفرًا، وأخذ محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم عليًّا رضي الله عنه، وقال لهم : «قد اخترت من اختاره اللّه لي عليكم: عـلـيًّا»، قالوا: فكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه في حجر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم منذ كان عمره ست سنين.

ونقل الخبر عن عدة منهم البلاذري والطبري والخوارزمي والواحدي والثعلبي والبستي والفسوي ومحمد بن إسحاق في مغازيه، عن مجاهد أيضًا، وفيه: وأخذ رسول اللّه عليًّا وهو ابن ست سنين، كسِنِّه يوم أخذه أَبُو طَالِبٍ؛ أي من أبيه عبد المطلب عند وفاته.

وإذا كانت المصادر مجمعة على أن عليًّا رضي الله عنه أسلم في العاشرة من عمره، وهو أول من أسلم من الصبيان؛ يكون انتقاله رضي الله عنه إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم في السادسة والثلاثين من عمره الشريف صلى الله عليه وسلم، قبل أربع سنوات من البعثة.

 

 

كانت الإنسانية الحائرة على موعد مع منقذها الذي قيضه الله تعالى لها؛ ليخرجها من التردي والانحراف الشديد الذي أصابها حتى تنعم من جديد بنور الوحي الذي تخلت عنه لسنوات فتهتدي من الضلالة وتسترد نقاء الفطرة التي دنستها الممارسات الفاسدة.


ولما نالت قريش من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، خرج إلى الطائف يلتمس النصرة من ثقيف ويرجو أن يقبلوا منه ما جاءهم به من عند الله عز وجل؛ يقول موسى بن عقبة وابن إسحاق وغيرهما: "ولما توفي أبو طالب، ونالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لم تكن تنال منه في حياته، خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الطائف وحده ماشيًا".


ورد بأسانيد مختلفة عن الإمام موسى بن عقبة، عن الإمام ابن إسحاق، وعن غيرهما، أن كفار قريش أجمعوا أمرهم على قتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكلموا في ذلك بني هاشم وبني المطلب، ولكنهم أبوا تسليمه صلى الله عليه وآله وسلم إليهم.


قضى الحبيب صلى الله عليه وسلم قرابة خمس سنوات في أجواء الصحراء المفتوحة حيث الطبيعة النقية والتنشئة الصحية، يقول الشيخ محمد الغزالي: "وتنشئة الأولاد في البادية، ليمرحوا في كنف الطبيعة، ويستمتعوا بجوِّها الطلق وشعاعها المرسل، أدنى إلى تزكية الفطرة، وإنماء الأعضاء والمشاعر، وإطلاق الأفكار والعواطف". [فقه السيرة].


لا شكَّ أنَّ العقلَ عنصرُ الأخلاق الشَّريفة، ومنه ينبعث العلم والمعرفة. ومن المعلوم لكلِّ ذِي لُبٍّ أنَّ سيدنا محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم من أعقَلِ خَلقِ اللهِ، بل أعقلهم وأكملهم على الإطلاقِ في نفس الأمر، فبحسبِ عقله صلى الله عليه وآله وسلم كانت علومُه ومعارفُه، وهو عليه الصَّلاة والسَّلام أحسنُ النَّاسِ خلقًا وعلمًا ومعرفةً وعقلًا، وذلك سجيَّةً فيه وطبعًا.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 17 يونيو 2025 م
الفجر
4 :7
الشروق
5 :53
الظهر
12 : 56
العصر
4:32
المغرب
7 : 58
العشاء
9 :32