07 ديسمبر 2024 م

خلال مؤتمر الفلسفة الإسلامية حاضرها ومستقبلها.. مفتي الجمهورية: نقدِّر التعاون بين "دار الإفتاء المصرية" و"الجمعية الفلسفية بمصر" في خدمة القضايا الفقهية والإسلامية والوطنية المتنوعة والمستجدة

خلال مؤتمر الفلسفة الإسلامية حاضرها ومستقبلها.. مفتي الجمهورية:  نقدِّر التعاون بين "دار الإفتاء المصرية" و"الجمعية الفلسفية بمصر" في خدمة القضايا الفقهية والإسلامية والوطنية المتنوعة والمستجدة

قال فضيلةُ الأستاذ الدكتور نظير محمد عيَّاد، مفتي جمهورية مصر العربية رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن مصطلح "الفلسفة" يُطلق ويُراد به معانٍ متعددة تتباين بحسب العصور والمدارس الفكرية والثقافات، فهو يشير أحيانًا إلى البحث عن الحقيقة والوجود والأخلاق والمعرفة، كما يركز أحيانًا أخرى على تحليل اللغة والمفاهيم والأسس الفكرية، وفي سياق الشريعة الإسلامية، يمكن أن تُفهم الفلسفة بوصفها أداةً عقلية لدراسة الحكمة الإلهية في الوجود والإنسان والتفكير في ظواهر الكون والخلق، كما تنعكس في مصادر التشريع وأصول الفقه؛ مما يجعل التفلسف منهجًا لإدراك الحقائق بعمق يربط بين العقل والوحي.
وأضاف خلال كلمة فضيلته في مؤتمر "الفلسفة الإسلامية حاضرها ومستقبلها في العالم" المنعقد في الفترة من 7 حتى 9 ديسمبر، بالتعاون بين دار الإفتاء المصرية والجمعية الفلسفية المصرية: بدءًا من موضوع المؤتمر والفكرة التي يستهدفها فإننا نقف على أمرين، الأول: تقدير وتعظيم التعاون بين "دار الإفتاء المصرية" و"الجمعية الفلسفية بمصر" في خدمة القضايا الفقهية والإسلامية والوطنية المتنوعة والمستجدة، الثاني: مناقشة دَور الفلسفة الإسلامية في نشر الوعي الثقافي الإسلامي وإظهار الفكر الوسطي، وتعزيز قِيَم التسامح والتعايش، وتأطير القضايا والمسائل الفقهية والمجتمعية في إطارات دينية إسلامية مناسبة تُسهم في تحقيق الاستقرار والتماسك الوطني والمجتمعي. 
وأوضح فضيلة المفتي أننا حين نتحدَّث عن "الفلسفة الإسلامية"، نجد أنها تتفرَّع إلى معنيين رئيسين: الأول: هو المعنى العام، الذي يشمل كل بحث عقلي نشأ في ظل الحضارة الإسلامية، كالعلوم الكلامية والتصوف وأصول الفقه، وكلها تعتمد على إعمال العقل في استنباط الأحكام وفهم النصوص وتجديد النظر في القضايا الدينية لتطويعها للزمان والمكان وعقلنة الموضوعات الإسلامية وإدراك منطقها. الثاني: المعنى الخاص، وهو ذلك البحث الفلسفي الحر الذي برز في أعمال الكندي والفارابي وابن سينا وغيرهم، حيث ركز على إدراك حقائق الأشياء بمناهج عقلية منهجية، وهنا يظهر تكامل الفلسفة الإسلامية مع الفقه والشريعة، حيث لم تكن الفلسفة مجرد تجريد نظري، بل وسيلة لفهم الحكمة الإلهية وتطبيقها في واقع الحياة، مما يجعلها علمًا يرتبط بالأخلاق والتشريع بقدر ارتباطه بالوجود والمبادئ الكونية.
وأشار فضيلته إلى أن واقع الفلسفة الإسلامية المعاصرة يعكس جدلية التفاعل بين التراث والحداثة، فمن جهة، لا يزال بعضهم يتوقع من الفلسفة الإسلامية أن تحاكي أنساقًا تقليدية، مثل فلسفة أرسطو أو أفلاطون، أو حتى الفارابي وابن رشد، دون مراعاة للتحولات الكبرى التي طرأت على الفكر البَشري في ظل الثورة العلمية الحديثة، موضحًا أن هذه التحولات لم تُلغِ الفلسفة، بل أعادت تشكيلها من جديد، حيث ظهرت بدائل وأفكار جديدة ضمن فلسفة الأخلاق والقيمة وفلسفة العلوم، وفلسفة السياسة... ومن هذا المنطلق، فإن الحكم على الفلسفة الإسلامية بأنها قاصرة لأنها لا تمتلك نسقًا تقليديًّا متكاملًا، هو حكم يُغفل طبيعةَ المتغيرات التي يشهدها العالم.
كما أشار إلى أنَّ بعضهم قد يسمِّي عصرنا أحيانًا عصر "ما بعد الفلسفة"، حيث تراجعت الأدوار التقليدية للفلسفة لصالح العلم والتكنولوجيا، كما أشار العديد من المفكرين، لكن هذا لا يعني نهاية الفلسفة الإسلامية، بل يدعوها إلى تطوير مقاربات جديدة تراعي التحديات المعاصرة والإشكاليات المستحدثة، وهو ما يعكس للجميع أهمية هذا المؤتمر الكريم وقيمة أهدافه الحضارية والدينية، مؤكدًا أن الفلسفة الإسلامية التي ازدهرت في عصورها الذهبية على أيدي علماء مثل: ابن سينا وابن رشد، شهدت فترات انحسار نتيجة ظروف تاريخية معينة، لكنها اليوم أمام فرصة جديدة للنهضة وإحياء حركة الثقافة والوعي الفلسفي الديني، وهذا يستدعي ضرورة إحياء التراث الفلسفي الإسلامي وقراءته بروح العصر وشخصيته المتجددة، مع أهمية التفاعل مع الفلسفات العالمية التي تعزز من قدرة الفلسفة الإسلامية على تقديم إسهامات حيوية في الحوار الثقافي ونشاط  فكري ديني يخدم التحادث المعاصر. 
وفي الإطار ذاته أكَّد فضيلة المفتي ضرورةَ تعزيز التفكير النقدي الذي يمثل أداة حيوية لإنقاذ الفلسفة العربية والإسلامية المعاصرة، من خلال مواجهة الهيمنة الثقافية الغربية والتأثيرات غير الواعية للإعلام الحديث، وإن التفكير النقدي يمكن الأجيال الجديدة من استلهام الأفكار العالمية دون فقدان الهوية الثقافية والوحدة الدينية، مما يعزز قدرتهم على الإبداع الفلسفي في إطار عربي وإسلامي أصيل، كما يسهم التفكير النقدي في التصدي للتضليل الإعلامي الغربي والكشف عن الأجندات الخفية، مما يخلق جيلًا واعيًا وقادرًا على تحليل القضايا الفكرية المعقدة ويعمل الفكر في كل جديد يطرأ. بالإضافة إلى ذلك، يشجع على إعادة قراءة التراث الفلسفي برؤية نقدية، تجمع بين احترام الماضي ومواكبة الحاضر، في سبيل بناء مستقبل أكثر إبداعًا للفكر الفلسفي الإسلامي.
وأردف قائلًا: ونحن نستشرف مستقبل الفلسفة الإسلامية يجب أن نأخذ بعين الاعتبار ضرورة  تجاوز المسارات التأطيرية والتنظيرية للماهية إلى مستوى الفاعلية والإسهام المباشر في حاضر الفكر البشري واستشراف مستقبله، وهذا ما يتميز به الفكر الفلسفي الإسلامي عن غيره؛ لأنه قادر على تحويل القيم الدينية إلى قيم إنسانية مشتركة فاعلة في المجتمع، ومن هنا تنشأ الحضارة وتتكون وتزدهر.
وإننا -من وجهة نظري- قد وقعنا في الخطأ مرتين؛ مرة عندما ظننا عدم قدرتنا على توليد أنساق فكرية فلسفية جديدة، ووقفنا عند ما تركه لنا التراث الفلسفي الإسلامي في جميع مجالاته ومحتوياته. والأخرى عندما وقفت دراستنا وبحوثنا الفلسفية عند مجرد المفاهيم والمضامين الفلسفية بمعزل عن واقع المجتمع ومشكلاته المتعددة؛ لذا يجب أن نضع في حسباننا ضرورة تجاوز هذه الأخطاء لننطلق نحو المستقبل الفلسفي المنشود.  
وأضاف فضيلة المفتي: من وجهة نظري لا يمكن أن تتحول الفلسفة الإسلامية إلى مؤثر في الحوار الحضاري العالمي إلا إذا تم تفعيل الجهود المبذولة نحو تجلية الجوانب والأبعاد والأنساق الإنسانية والحضارية في الشريعة الإسلامية، وهذا ما نسعى إليه في "دار الإفتاء المصرية"؛ حيث إننا نراعي في الفتاوى التي تصدر من الدار جميع الأبعاد الإنسانية والحضارية التي يجب أن تحققها الفتوى الدينية في واقع المستفتي أو المجتمع. 
ونحن نؤمن أن الفتوى في الأساس ليست إلا فكرة فلسفية واجتهادًا عقليًّا ينظر في المسألة محل الإفتاء نظرة عميقة حتى يستوعبها ويحيط بكل جوانبها وأبعادها، ثم بعد ذلك يستدعي النصوص ذات الصلة بها ليحللها، ويفكر فيها بعمق ودقة، حتى يستنبط الحكم الشرعي المناسب منها، ثم ينظر في واقع المستفتي ويطابق بينه وبين الحكم الشرعي مطابقة دقيقة، ليصوغ في نهاية الأمر هذا الحكم صياغة دينية فلسفية دقيقة ومُحكَمة يراعي فيه مقاصد الشريعة الإسلامية، ويبرز فيه الجوانب الإنسانية والحضارية، ويحقق فيه مصلحة المستفتي بما لا يتعارض والمصلحة العامة للوطن والمجتمع. 
وأوضح أنَّ الفتوى لا يمكن أن تتم إلا إذا مرت بمراحل متنوعة يتحكم فيها إعمال النظر الفلسفي والعقلي مع النص الديني والشرعي بشكل متكامل ومتناغم؛ ومن ثم يظهر اهتمامنا بضرورة تأهيل المفتين تأهيلًا فكريًّا وفلسفيًّا ومنهجيًّا دقيقًا حتى تحقق الفتوى غايتها في مراعاة الجوانب الإنسانية والحضارية والمجتمعية وتحقيق المصالح الشرعية.   
وقال: من المهم -أيضًا- الإشارة هنا إلى أن "التجديد الفقهي والإفتائي" لا يمكن له أن يتم بشكل صحيح ومناسب إلا إذا كانت الفلسفة الإسلامية إحدى أهم ركائزه وأعمدته الأصيلة، وأن أي تجديد فقهي لا يراعي المفاهيم والمضامين الفلسفية سيغرق لا محالة في براثن التكرار أو التقليد أو الجمود أو التعصب أو البعد عن الفكر المجتمعي. مؤكدًا أن كل هذا مؤداه إلى التصلب بما لا يضيف جديدًا يُذكَر في السرديات الفقهية والإفتائية؛ لأن التفكير الفلسفي الفقهي وبكل بساطة سيحقق ثلاثة أمور، الأول: أنه سيخرج المسائل الفقهية من ضيق القوالب الجامدة الصلبة إلى سعة المرونة والحركة الحضارية الواقعية والمتجددة. الثاني: أنه يؤطر للمسائل الفقهية ويؤصل لها من جميع الجوانب الشرعية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والتربوية، والنفسية، والتاريخية، والقانونية، وهذا ما يؤهله للاستدامة والصالحية لكل زمان ومكان. الثالث: قدرته على صياغة منهاج ديني وإنساني للتعايش بين الناس جميعًا؛ لأنه لا يقف عند النصوص الدينية مجردة عن الإطارات الإجرائية والواقعية لتحقيق هذا التعايش، كما أنه يمثل ضابطًا معرفيًّا وثقافيًّا إنسانيًّا لجميع الخطابات الدينية والإنسانية، بالإضافة إلى تميزه بترتيب الأولويات الدينية والإنسانية في القضايا الملحَّة ذات الصلة. 
وفي ختام كلمته أكد فضيلة المفتي على ضرورة تعزيز التداول الفلسفي داخل الفكر والدراسات الإسلامية؛ واقترح أن تحتوي الدراسات الأكاديمية والعلمية على الرؤية الفلسفية للموضوعات البحثية؛ حتى نضمن أمرين، الأول: موضوعات بحثية جديدة. الثاني: معالجات عصرية للمشكلات والظواهر المجتمعية، لافتًا النظر إلى ضرورة تعزيز التداول الفلسفي في المضامين التعليمية والبحثية لضمان نشر الوعي الفلسفي بين الدارسين والمتعلمين، حتى نصل في النهاية إلى الوعي الكامل بين أفراد المجتمع.

استقبل اللواء عاصم سعدون، نائب محافظ شمال سيناء، فضيلة الأستاذ الدكتور نظير محمد عيَّاد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، بديوان عام المحافظة؛ نائبًا عن سعادة اللواء خالد مجاور محافظ شمال سيناء، في إطار بحث عدد من الملفات المهمة والمشتركة.


أكد الدكتور إبراهيم نجم، الأمين العام لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن التراحم والتضامن الاجتماعي في الإسلام ليسا مجرد فضيلتين عابرتين، وإنما هما ركيزتان أساسيتان في المنظومة الأخلاقية والاجتماعية التي جاء بها الإسلام لبناء مجتمعات متماسكة قادرة على مواجهة تحديات العصر، مشددًا على ضرورة استدعاء هذه القيم في زمن يعاني فيه العالم من مشكلات الفقر والعنف والتفكك المجتمعي والصراعات المتعددة.


استقبلت دار الإفتاء المصرية، اليوم الاثنين، وفدًا رفيع المستوى من "مجموعة فيينا المعنية بالدين والدبلوماسية" التابعة للاتحاد الأوروبي، في إطار تعزيز التعاون المشترك في مجالات الحوار بين الأديان والثقافات ومكافحة خطاب الكراهية والتطرف، وقد كان في استقبال الوفد الدكتور علي عمر الفاروق، رئيس القطاع الشرعي بدار الإفتاء المصرية، نيابةً عن فضيلة الأستاذ الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية.


أهمية اختيار موضوع المؤتمر في ظل الطفرات المتسارعة في تقنيات الذكاء الاصطناعي، لم يعد دور المفتي مقتصرًا على الاجتهاد التقليدي، بل بات لزامًا عليه مواكبة التحولات الرقمية المعاصرة. اختيار موضوع المؤتمر جاء ليضع الفتوى في قلب العصر، ويعزز جاهزيتها للتعامل مع تحديات الواقع الجديد.


انطلاقًا من رسالتها الدينية والدعوية، وفي إطار الشراكة المستمرة بين المؤسسات الدينية المصرية، تُعلن دار الإفتاء المصرية عن انطلاق قافلة دعوية إلى محافظة شمال سيناء يومي الخميس والجمعة المقبلين، الموافق، الخامس عشر، والسادس عشر من مايو الجاري 2025 للميلاد، بالتعاون مع الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 16 يونيو 2025 م
الفجر
4 :7
الشروق
5 :53
الظهر
12 : 56
العصر
4:31
المغرب
7 : 58
العشاء
9 :32