الإثنين 08 ديسمبر 2025م – 17 جُمادى الآخرة 1447 هـ

حكم الوقف للبحث العلمي وإيداع أمواله في البنوك

تاريخ الفتوى: 22 يوليو 2015 م
رقم الفتوى: 3075
من فتاوى: أمانة الفتوى
التصنيف: الوقف
حكم الوقف للبحث العلمي وإيداع أمواله في البنوك

ما حكم إنشاء صندوق وقف للبحث العلمي يتم التبرع فيه ووضعه في البنك المركزي وصرف العائد منه على ما خصِّصَ له هذا الوقف؟

يجوز شرعًا إنشاء هذا الوقف والإنفاق من الصدقات الجارية والتبرعات فيه، ويجوز أيضًا إيداع أمواله في البنوك عامة أو في البنك المركزي خاصة وأخذ العائد عليه للإنفاق منه على ما خُصِّص الوقفُ له؛ فالعلم والبحث العلمي هو السبيل الصحيح لرقي الأمم واكتفاء المجتمعات وقدرتها على سد حاجاتها.

المحتويات

مكانة العلم في الشريعة الإسلامية

عظَّم الإسلام شأن العلم، ورفع قدر أهله؛ حتى كان أول أمر إلهي نزل به الوحي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الأمر بالقراءة في قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ۝ خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ۝ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ ۝ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ۝ عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: 1-5]، فجعل القراءة الأولى في الوجود، والثانية في الوحي، وكلاهما صدر عن الله، الأول من عالم الخلق، والثاني من عالم الأمر: ﴿أَلَا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ﴾ [الأعراف: 54]، وعلى هذا فلا نهاية لإدراك الكون؛ حيث إنه يمثل الحقيقة، لأنه من عند الله: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ [الذاريات: 47]، ولا نهاية لإدراك الوحي؛ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يصف القرآن الكريم: «ولَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، وَلَا يَخْلَق مِن كَثْرَةِ الرَّدِّ» رواه الترمذي والدارمي وصححه الحاكم، وأيضًا لا تعارض بينهما؛ حيث إن كلًّا من عند الله؛ قال تعالى: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 82]، وهذا التأسيس يتأكد في قوله تعالى على صفة الإطلاق: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: 9].

فضل تعلم العلوم الدنيوية النافعة

العلم في الاصطلاح القرآني والشرعي يعني إدراك الأشياء على حقائقها التي هي عليها، وهو بذلك لا يقتصر على العلوم الدينية، بل يشمل العلوم الكونية والدنيوية أيضًا؛ وعندما وصف اللهُ تعالى في كتابه العلماءَ بأنهم هم أهل خشيته مِن خَلْقِه جاء ذلك في سياق الكلام على دورة الحياة في الطبيعة، وتنوع ألوان الثمار (علم النبات)، واختلاف أشكال الجبال (علم الجيولوجيا)، ومظاهر اختلاف الكائنات الحية (التنوع البيولوجي)، وكلها من العلوم الدنيوية؛ قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ۝ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ [فاطر: 27-28]، فكل ما وصَّل إلى الله تعالى فهو علم، وكل ما أبعد عنه سبحانه فهو جهل، ولذلك قال الإمام مالك: "إن العلم ليس بكثرة الرواية، وإنما العلم نورٌ يجعله الله في القلب".
كما أن البحث العلمي في هذا العصر هو السبيل لإعداد قوى الردع التي تحافظ على السلام والأمن في الأوطان، وتمنع الطغيان والعدوان، والتي أمر الله تعالى بها في قوله سبحانه: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾ [الأنفال: 60]، فصار واجب الوقت للأمة الإسلامية في هذا العصر هو الفهم العلمي لمعطيات الحضارة، وهذا من أهم مظاهر القوة التي أمرنا الله تعالى بإعدادها.
ولا شك أن حاجة الأفراد والمجتمعات إلى العلم عظيمة؛ كما قال سيدنا علي كرم الله وجهه: "الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ تَحْرُسُهُ، وَالْعِلْم يَحْرُسُكَ، وَالْمَال تُفْنِيهِ النَّفَقَةُ، وَالْعِلْم يَزْكُو عَلَى الْإِنْفَاقِ، وَالْعِلْم حَاكِم وَالْمَال مَحْكُومٌ عَلَيْهِ"؛ فالعلم هو السبيل الصحيح لرقي الأمم واكتفاء المجتمعات وقدرتها على سد حاجاتها، والبحث العلمي هو المظهر الحقيقي لتطور العلم وتقدمه وازدهاره، وهو نقطة البداية الصحيحة للأمة الإسلامية حتى تضع قدمها مرة أخرى في خريطة العالم، وتشارك بحضارتها في بناء الحضارة الإنسانية، والسبيل إلى كل ذلك هو نهضة البحث العلمي عند المسلمين ليكون امتدادًا حقيقيًّا لعلوم المسلمين الأوائل ومظهرًا للصلة بين أصالة السلف ومعاصرة الخلف.

حكم الوقف للبحث العلمي وإيداع أمواله في البنوك على العلم

شرع الإسلام الإنفاق في سبيل الله، والعلم من سبيل الله تعالى كما سبق، فيكون الإنفاق في هذا المجال وجهًا من وجوه الإنفاق في سبيل الله تعالى، وقد ورد: «مَا تَصَدَّقَ النَّاسُ بِصَدَقَةٍ مِثْلَ عِلْمٍ يُنْشَرُ» أخرجه الطبراني وغيره من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه مرفوعًا.
والمستقر عليه الفتوى في دار الإفتاء المصرية أن إيداع الأموال في البنوك جائزٌ شرعًا، وأنه يجوز أخذ الأرباح المحددة عليها سلفًا، وهو الموافق لما قرره مجمع البحوث الإسلامية في قراره رقم 321 المنبثق عن جلسته الثانية في دورته التاسعة والثلاثين في يوم الخميس الخامس والعشرين من شهر شعبان سنة 1423هـ الموافق للحادي والثلاثين من شهر أكتوبر سنة 2002م بشأن الحكم الشرعي في المعاملات المصرفية؛ حيث قرر: [الموافقة على تحديد نسبة الربح مقدَّمًا بأغلبية الأعضاء الحاضرين] اهـ. ثم أصدر المجمع فتوى بناءً على ما قرره سابقًا؛ وذلك في القرار رقم 322 الصادر عن جلسته الثالثة في ذات الدورة، والمنعقدة في يوم الخميس الثالث والعشرين من شهر رمضان سنة 1423هـ الموافق للثامن والعشرين من شهر نوفمبر سنة 2002م بشأن تحديد نسبة الربح مقدَّمًا في معاملات البنوك، وقرر المجلس الموافقة بالإجماع على نص الفتوى التي جاء فيها: [والخلاصة أن تحديد الربح مقدمًا للذين يستثمرون أموالهم عن طريق الوكالة الاستثمارية في البنوك أو غيرها حلال، ولا شبهة في هذه المعاملة؛ فهي من قبيل المصالح المرسلة، وليست من العقائد أو العبادات التي لا يجوز التغيير أو التبديل فيها. وبناءً على ما سبق: فإن استثمار الأموال لدى البنوك التي تحدد الربح أو العائد مقدمًا حلالٌ شرعًا ولا بأس به. والله أعلم] اهـ.

والبنك المركزي شأنه شأن البنوك في جواز إيداع المال فيه وحِلِّ أخذ الأرباح منه.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن واجب الوقت للأمة الإسلامية في هذا العصر يقتضي إنشاء مثل هذا الوقف (مشروع الوقف البحثي)، ويجوز شرعًا إيداع أمواله في البنوك وأخذ العائد عليه للإنفاق منه على ما خُصِّص الوقفُ له، كما توصي دار الإفتاء المصرية بتعميم فكرة هذا الوقف وتوسيع دائرته كُلَّما كان ذلك مُمْكِنًا لِيَعُمَّ الهيئات العلمية المعنية بالدراسات البحثية على مستوى الجمهورية، ويجوز شرعًا تخصيص الأوقاف وإخراج الصدقات الجارية والتبرعات لهذا المشروع.
وما أحوج بلادنا –خاصة في هذه المرحلة- إلى مثل هذه المشاريع الوقفية التي تهدف إلى التطور والتقدم العلمي لنرتقي ببلادنا إلى مصاف الدول المتقدمة؛ فالبحث العلمي هو القلب النابض للتقدم العلمي الذي تحيا به الشعوب والدول والأمم والحضارات، وهذا كله يحتاج إلى الجهود المتكاتفة، ويحتاج إلى عزمات الرجال وهمم المصلحين، ويحتاج إلى أصحاب المواقف الفارقة التي تصنع التاريخ وتُغيِّر الأحوال.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم استغلال أرض مقبرة في تشجيرها والبناء عليها؟ حيث سئل بخطاب وزارة الداخلية بما صورته: بالاطلاع على الفتوى الواردة بخطاب فضيلتكم عن الجبانة القديمة بمدينة بورسعيد الممنوع الدفن فيها من زمن بعيد، ونقلت العظام والرفات منها إلى موضع آخر، رأينا مع احترام الفتوى المشار إليها أن نبين لفضيلتكم أنه فضلًا عن أن أرض هاته الجبانة وما يماثلها ملك للحكومة، وأن بقائها فضاءً يجعلها دائمًا عرضة لإلقاء القاذورات والأسبخة بها وأخذ الأتربة منها حتى تصبح حفرًا ترشح منها المياه وتتعفن، رغمًا عما يتخذ من الاحتياطات لمنع حصول هذا، ولا يخفى على فضيلتكم ما يترتب على ذلك من تفشي الأمراض الخبيثة المتنوعة أيضًا -الضارة- بصحة أهالي تلك البلد وما يجاورها، الأمر الذي تحتاط له الحكومة دائمًا وتسعى بكل ما لديها من الوسائل للوقاية منه. لهذا بادرنا بترقيمه بأمل إعادة التأمل؛ لعل أن يكون لهاته الأسباب الهامة قول يبيح معها استعمال أرض الجبانات سالفة الذكر لغرس الأشجار بها والبناء عليها؛ مما يمنع الضرر عن الأهالي وتتوفر به الصحة العامة. وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.


تسأل جامعة الإمام أبي الحسن الأشعري بداغستان -بعد شرح موجز لأحوال المسلمين هناك- عن حكم بناء مسجدٍ في جزءٍ من أرض حريم القرية، والذي وزعت الحكومة السابقة الكثير من أرض هذا الحريم على الناس -وقد يكونون من أهل القرية الأصليين أو ممن جاء مهاجرًا من قريةٍ أخرى لأن له وظيفةً في هذه القرية أو لغير ذلك من الأسباب- لبناء البيوت لأنفسهم، وقد بنوها وسكنوها وصارت كبلدةٍ مستقلة، مع العلم بأن الحكومة لم تكن قد خصصت للمسجد أرضًا يُقام عليها، والآن لما صار الأمر في بلادنا حكمًا ذاتيًّا لم يسمح إمام القرية لهم ببناء المسجد؛ قائلًا: إن الحريم حرام، ولا يجوز فيه حتى بناء المسجد.
والمسجد الذي بني على أرضٍ من حريم القرية؛ فهل لإمام القرية أن يقوم بوقفه لله تعالى لتصح فيه صلاة تحية المسجد والاعتكاف؟


ما حكم عمل وديعة من أموال التبرعات؟ فقد تشرفت مؤسسة خيرية لخدمة وتنمية المجتمع بإنشاء مركز نموذجي لتحفيظ القرآن الكريم بالجهود الذاتية على نفقتها الخاصة، بهدف تعليم أطفالنا تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وتحفيظهم القرآن، وتجويده، إلى جانب اللغة العربية، والعلوم، والرياضيات، واللغات وكل ذلك مجانًا، وتفتح المؤسسة باب التبرع لأهل الخير، وإيداع تبرعاتهم في حساب المؤسسة في صورة وديعة، يتم استخدام عائدها في الإنفاق على تشغيل المركز للرعاية العلمية لأكثر من (300) طفل بالطاقم الإداري والتعليمي وكل متطلبات تشغيل المركز. برجاء التكرم من فضيلتكم بإبداء رأي الدين في هذا الإجراء؟


السيد الأستاذ الدكتور وكيل أول وزارة الأوقاف، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد، فردًّا على كتاب سيادتكم المتضمن الإفادة عن رأي الشرع في مدى مشروعية البناء فوق أسطح المساجد، وهل يتفق ذلك مع حكم الدين؟ ومدى شرعية مزاولة الأنشطة المختلفة في المنشآت المُقامةِ فوق أسطح المساجد؟


الناظرُ إذا مات مجهلًا لمال الوقف. ما الحكم في ذلك؟


برجاء التكرم بإفادتنا عن البنود المختلفة الشرعية لمصارف الصدقة الجارية، حتى تقوم اللجنة بصرف الصدقة الجارية فيها طبقًا للشرع الشريف.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 08 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :6
الشروق
6 :39
الظهر
11 : 47
العصر
2:36
المغرب
4 : 55
العشاء
6 :18