حكم صيد الأسماك بالصعق الكهربائي

حكم صيد الأسماك بالصعق الكهربائي

ما حكم صيد الأسماك بالكهرباء؟

عملية صيد الأسماك والأحياء المائية بطريقة الصعق الكهربائي حرام شرعًا، سواء أكان التيار المستخدم قويًّا أم ضعيفًا؛ لِمَا فيها من إيلام الأحياء المائية وتعذيبها، وهذا يتنافى مع مقصود الشريعة الإسلامية في إحسان عملية تذكية الحيوان؛ حيث قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» رواه الإمام مسلم، وقال له رجل: يا رسولَ اللهِ، إنِّي لأَذبَحُ الشَّاةَ وأنا أَرحَمُها، فقال له صلى الله عليه وآله وسلم: «والشَّاةُ إن رَحِمتَها رَحِمَكَ اللهُ» رواه أحمد وصححه الحاكم.
هذا، بالإضافة إلى ما لهذه الطريقة من أضرار كثيرة وآثار سيئة على الثروة السمكية والبيئة المائية في الحاضر والمستقبل؛ من تأثيرها على مخزون الأسماك وتناسلها، وقتل ما لا منفعة في قتله معها، وإحداث الاختلال في التوازن البيئي بالإفناء الجماعي للحيوانات المائية، بما يتنافى مع مقاصد الإسلام في الحفاظ على البيئة، بالإضافة أيضًا إلى المخاطر المحتملة على البشر الموجودين في نطاق عملية الصيد.

التفاصيل ....

المحتويات

 

حكم صيده السمك وأكله

الصيد هو الوسيلة الأساسية التي يتم بها الحصول على الأسماك، والأصل في صيد الأسماك هو الحِلُّ؛ لقوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ﴾ [المائدة: 96]، والأصل في السمك الحلُّ؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم سُئِلَ عَنِ الْبَحْرِ، قَالَ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، وَالْحَلَالُ مَيْتَتُهُ» رواه الإمام مالك في "الموطأ"، والإمامان الشافعي وأحمد في "المسند"، وعبد الرزَّاق وابن أبى شيبة في "المصنف"، وأصحاب "السنن الأربعة"، وابن خزيمة وابن حبان والحاكم في "صحاحهم"، وصححه الإمام البخاري.

حكم صيد الأسماك بالصعق الكهربائي

لصيد الأسماك أنواع وطرق؛ منها ما هو مشروع، ومنها غير المشروع، والواجب أن يكون بطريقة يُقِرُّها الشرع؛ فإن حلَّ السمك لا يبرر الحصول عليه بوسيلة غير مشروعة؛ لأنه لا يجوز التوصل إلى الحلال بالحرام، ولا أن يتوصل إلى نعم الله تعالى بمعاصيه.
وقد نهى الله تعالى الإنسان أن يجعل التمتع برزقه سبيلًا إلى الإفساد في أرضه؛ فقال سبحانه: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [البقرة: 60].
ونص الفقهاء على أن الغاية لا تبرر الوسيلة؛ فإذا كانت الغاية مشروعة فلا بد أن تكون الوسيلة إليها مشروعة أيضًا؛ فالمقاصد المشروعة لا تسوغ الوسائل الممنوعة.
ومن طرق صيد الأسماك التي ظهرت في هذه الآونة: الصيد بالصعق الكهربائي؛ ويتم فيه توصيل سلكين كهربائيين بالماء لصنع دائرة كهربائية كاملة، ويتم استخدام التيار الناتج عنها في صعق الكائنات البحرية التي تدخل في حيز التيار الكهربائي؛ من الأسماك الكبيرة والصغيرة، والعوالق البحرية، ومضاداتِ المناعة التي تتغذَّى عليها الأسماك، وبيض الأسماك، والكائنات الدقيقة، والنباتات المائية.
وهذا التيار المستخدَم قد يكون مباشرًا، فتكون قوته عاليةً جدًّا، ويؤدي حينئذٍ إلى القتل التام لكل الكائنات المائية، وأحيانًا يكون منخفضًا فلا يؤدي إلى الموت، بل يؤدي إلى إحداث خللٍ أو شللٍ في الخلايا العصبية للأسماك وتخديرٍ لأعصابها لفترة معينة، فيفقدها القدرة على السباحة ويعوقها عن الهرب، مما ييسر عملية الصيد فيتمكن الصيادون من أخذها بسهولة، وهي طريقة تشتمل على مخاطر كثيرة، وتؤثر تأثيرًا سلبيًّا على البيئة المائية.
وهذه الطريقة في صيد الأسماك فيها من المضار الكثيرة والآثار السيئة على الثروة السمكية والبيئة المائية في الحاضر والمستقبل ما يستوجب القول بتحريمها؛ فقد نهى الإسلام عن إيقاع الضرر بالنفس والإضرار بالغير، وذلك في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» أخرجه الإمام مالك والشافعي وأحمد، من حديث عمرو بن يحيى المازني عن أبيه مرسلًا، وأخرجه ابن ماجه في "السنن" والحاكم في "المستدرك" وصححه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
قال الإمام ابن عبد البر في "الاستذكار" (7/ 191، ط. دار الكتب العلمية): [وهو لفظ عام متصرف في أكثر أمور الدنيا] اهـ.

المضار التي تنتج عن طريقة صيد السمك بالكهرباء

من هذه المضار التي تنتج عن طريقة صيد السمك بالكهرباء:
أولًا: أن في هذه الطريقة إيلامًا زائدًا وتعذيبًا للأسماك؛ فإن في الصعق الكهربائي تأثيرًا شديدًا على الجهاز العصبي، وهذا يذكره المختصون من المسلمين وغيرهم في حِكَم تحريم أكل الحيوان المقتول صعقًا، كما أن الصعق ليس من الطرق المعهودة في تذكية الحيوان في الجملة، والأصل الشرعي في الحيوان تحريم قتله إلَّا لغرض صحيح، بشرط أن يكون ذلك بوسيلة تتفق مع مقاصد الشرع التي اختارت من طرق إزهاق الروح أسرعَها إماتةً وأقلَّها إيلامًا وأبعدَها عن التعذيب، وجعلتها سبيل تذكيته للانتفاع به، وإذا كان هذا مقصودًا شرعيًّا فيما لا يحل إلا بالذبح فأَوْلى أن يكون مقصودًا فيما يحل دون ذبح؛ لأن ألم الذبح ضرورة لا بديل عنها للانتفاع بالمذبوح، أما غير المذبوح كالأسماك وغيرها فلا ضرورة لإيلامه؛ لإمكان الانتفاع به دون إيلام، وهذا غير متوفر في القتل بالصعق الكهربائي؛ فإنه شديد الألم والتعذيب لتسلطه على الجهاز العصبي للكائن الحي مباشرة، وهو من جنس طرق القتل التي حرَّمها الشرع؛ كالتحريق، والخنق، والتقطيع، والتردية من شاهق، والضرب بالخشب أو الحديد أو غير ذلك مما يؤذي عند القتل، والقتل بالحجارة، وفي معنى ذلك أيضًا قتلُها بالسم البطيء المفعول الذي يتعذَّب به الحيوان قبل موته.
وصعق الأسماك بالكهرباء يزيد على ذلك؛ حيث إنه قد لا يؤدي إلى الوفاة في الحال، فيظل ألم الصعق مصاحبًا للسمكة حتى تموت، وبذلك تذوق الألم مرتين: مرةً بصعقها بالكهرباء، ومرةً عند إخراجها من الماء.
ثم إنه إذا لم يكن الصعق الكهربائي قاتلًا للأسماك الكبيرة فإنه يؤدي غالبًا إلى قتل كثير من الأسماك الصغيرة والكائنات البحرية.
والإسلام عندما أحل للإنسان أكل الحيوان فقد حثَّه على الإحسان في طريقة قتله، وحذَّر من تعذيبه، وراعى الرفق والشفقة والرحمة في كل الوسائل المشروعة لإزهاق روحه؛ صيدًا كان ذلك، أو ذبحًا، أو نحرًا، أو عقرًا:
فعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، قَالَ: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» رواه الإمام مسلم في "صحيحه".
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ» متفق عليه.
قال القاضي عياض في شرحه "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (6/ 395، ط. دار الوفاء): [وقوله: «إِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ»: عام في كل شيء؛ من التذكية، والقصاص، وإقامة الحدود، وغيرها، من أنه لا يعذب خلق الله، وليجهز في ذلك] اهـ.
وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشدَّ الناس نهيًا عن تعذيب الحيوان وسوء معاملته؛ فنهى عن قتل الحيوان صَبرًا؛ وذلك بمنعه عن الطعام والشراب حتى يموت، بل وجعل ذلك سببًا لدخول النار؛ فعن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رضي الله عنهما أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «عُذِّبَتِ امرأةٌ في هِرَّةٍ سَجَنَتها حتى ماتَت فدَخَلَت فيها النَّارَ؛ لا هي أَطعَمَتها ولا سَقَتها إذ حَبَسَتها، ولا هي تَرَكَتها تَأكُلُ مِن خَشاشِ الأَرضِ» متفق عليه.
ونهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن قتل الحيوان حَرقًا؛ لِمَا في الحرق من الإيلام والتعذيب؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم رأى قَريةَ نَملٍ قد حُرِّقَت، فقال: «مَن حَرَّقَ هذه؟» قلنا: نحن، قال: «إنَّه لا يَنبَغِي أَن يُعَذِّبَ بالنَّارِ إلَّا رَبُّ النَّارِ» رواه أبو داود.
وقد بلغ من رحمة الشرع بالحيوان أنه نهى عن مجرد الإيلام النفسي له قبل ذبحه بإظهار آلة القتل له عند إرادة ذبحه، فكيف بما كان فيه إيلامٌ له بالصعق قبل موته!
فعن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رضي الله عنهما قال: أَمَرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم بحَدِّ الشِّفارِ وأن تُوارَى عنِ البَهائِمِ، وقال: «إذا ذَبَحَ أَحَدُكم فليُجهِز» رواه ابن ماجه.
وعنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما قال: مَرَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم على رَجُلٍ واضِعٍ رِجلَه على صَفحةِ شاةٍ وهو يَحُدُّ شَفرَتَه وهي تَلحَظُ إليه ببَصَرِها فقال: «أَفَلا قبلَ هذا! أَتُرِيدُ أَن تُمِيتَها مَوتَتَينِ! هَلَّا أَحدَدتَ شَفرَتَكَ قبلَ أَن تُضجِعَها!» رواه الطبراني وصححه الحاكم.
وعن مُعاوِيةَ بنِ قُرَّةَ عن أَبِيه رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا قال: يا رسولَ اللهِ، إنِّي لأَذبَحُ الشَّاةَ وأنا أَرحَمُها، أو قالَ: إنِّي لأَرحَمُ الشَّاةَ أَن أَذبَحَها، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «والشَّاةُ إن رَحِمتَها رَحِمَكَ اللهُ» رواه أحمد وصححه الحاكم.
ثانيًا: أن الصيد بالصعق الكهربائي يؤثر على مخزون الأسماك في المياه وتناسلها؛ حيث إنه لا يفرق بين السمك الصغير (الزريعة) الممنوع صيدُه في الحال؛ لأجل الحفاظ على مصادر الأسماك للسنوات والأجيال القادمة، وبين الأسماك الكبيرة المسموح بصيدها؛ فإن كل سمكة تكون داخل المجال الكهربائي سيتم صعقها؛ سواء كانت كبيرة أو صغيرة، بل إن السمك الصغير (الزريعة) هو أكثر أنواع السمك تأثرًا بالكهرباء حتى ولو كان التيار منخفضًا لا يؤدي إلى وفاة السمك الكبير؛ إذ إن الصغير لا يتحمَّل ما يتحمَّله الكبير، وهذا بخلاف وسائل الصيد الأخرى؛ كالشبك الذي تكون عيونه واسعة؛ بحيث لا يصطاد إلا السمك الكبير اللائق بالصيد.
ولا ريب أن الحفاظ على المخزون السمكي في المياه الطبيعية أمر مهم لاستمرار دورة حياته، واستمرار صيد الأسماك سنة بعد سنة؛ ومن أجل ذلك فقد نُظِّمَت في العالم كلِّه عمليات صيد الأحياء المائية بطريقة تحمي المخزون السمكي؛ فهناك أوقات ومواسم ومناطق يُحظَر فيها الصيد؛ إذ من المفترض أن يُترَك السمكُ أثناء فترات توالده وتكاثره حتى يستمر وجودُه حفاظًا على التوازن البيئي، وحتى تستمر عملية الصيد.
وقد راعى الشرع الشريف استمرارَ تجددِ الموارد الطبيعية فيما سخره الله للإنسان من الكائنات المنتجة المنتفع بها من حيوان أو نبات؛ فإن من حكمة الله تعالى أن جعل لكل كائن حيٍّ دورةَ نموٍّ تتناسب مع منظومة الغذاء البيئية أخذًا وإعطاءً؛ بما يحافظ على بقاء سلالته مع استمرار الانتفاع به، ويضمن حصول التوازن البيئي في الطبيعة، ومنَعَ تدخُّلَ الإنسان بما يفسد هذه المنظومة أو يحدث فيها الخلل، فمن ذلك: أنه جعل للأضحية حدًّا لا تجزئ قبله؛ مراعاةً لبقاء النسل الحيواني، وعمل على حماية الزروع والثمار بالنهي عن بيعها قبل بُدُوِّ صلاحها مخافة انقطاع نتاجها؛ فنهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الثمار حتى يبدوَ صلاحُها، وعن بيع النخل حتى يزهُوَ، وعن بيع السنبل حتى يبيَضَّ ويأمنَ العاهةَ، كما في حديث "الصحيحين" عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
ولا يخفى أن حظر الصيد في أوقات معينة أو أماكن معينة للمصلحة هو أمر مشروع؛ فإن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة، وقد أعطى الشرع للحاكم حق تقييد المباح للمصلحة؛ كما هو الحال في "الحِمَى" التي يمنع الإمام فيها العامَّةَ من الانتفاع بموضع معين للمصلحة العامة.
ومن القواعد الفقهية المقررة شرعًا أنه "يمنع الخاص من بعض منافعه إذا ترتب عليه ضرر عام"، فالمصالح الشخصية موقوفة إذا ما تعارضت مع المصالح العامة، والمصلحة العامة هنا تقتضي منع صيد الأسماك بالصعق لِمَا يترتب عليه من فقدان الأجيال القادمة التمتع بالثروة السمكية حيث يقضي الصعق الكهربائي على جيل الأسماك الصغيرة، وحيث يضر بالبيئة المائية التي تعيش فيها الأسماك، ثم إنه إذا كان تسهيل صيد السمك وتيسير الحصول عليه في نفسه حلالًا فإن الإضرار بالبيئة حرام، واجتماع الحاظر والمبيح على فعل واحد يجعله محظورًا، والقاعدة: أنه "إذا اجتمع الحلال والحرام غلِّب الحرام"، كما هو مقرر في قواعد الفقه.
كما أنه قد تقرر في قواعد الشرع أن "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، ولا يخفى أن درء مفسدة إهلاك أجيال الأسماك مقدم على مصلحة زيادة كمية الصيد وسهولة الحصول عليه.
ثالثًا: أن الصيد بالصعق الكهربائي يؤدي إلى قتل ما لا منفعة في قتله مع الأسماك المراد صيدُها؛ كالأجسام المضادة، والعوالق المائية، والكائنات الدقيقة، وغير ذلك مما لا يُقصَد بالصيد والانتفاع الآدمي؛ فإن الكهرباء التي تسري في الماء لا تفرق بين كائن وآخر، بل إن في قتل هذه الكائنات ضررًا بالغًا على البيئة البحرية؛ وذلك لأنها تشكل مصدر الغذاء الأساسي للأسماك والكائنات البحرية؛ لِمَا فيها من المحتوى الفسفوري الغني.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن قتل الحيوانات مِن غير مبرر أو منفعة معتبرة شرعًا، فكيف بما كان في قتله مضرة!
فعن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو رضي الله عنهما أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ما مِن إنسـانٍ قَتَلَ عُصفُورًا فما فَوقَها بغيرِ حَقِّها إلا سَأَلَه اللهُ عَزَّ وجَلَّ عنها»، قِيلَ: يا رسولَ اللهِ، وما حَقُّها؟ قال: «يَذبَحُها فيَأكُلُها، ولا يَقطَعُ رَأسَها ويَرمِي بِها» رواه الإمام أحمد والنسائي وصححه الحاكم.
وعن الشَّرِيد بنِ سُوَيدٍ رضي الله عنه قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ: «مَن قَتَلَ عُصفُورًا عَبَثًا عَجَّ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ يَومَ القِيامةِ يَقُولُ: يا رَبِّ إنَّ فُلانًا قَتَلَنِي عَبَثًا ولَم يَقتُلنِي لمَنفَعةٍ» رواه الإمام أحمد والنسائي وصححه ابن حبان.
ونهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن اتخاذ ذوات الرُّوح غرَضًا؛ فعن ابنِ عمرَ رضي الله عنهما أنه مَرَّ بفِتيانٍ مِن قُرَيشٍ قد نَصَبُوا طَيرًا وهم يَرمُونَه وقد جَعَلُوا لصاحِبِ الطَّيرِ كُلَّ خاطِئةٍ مِن نَبلِهم، فلَمَّا رأَوُا ابنَ عمرَ رضي الله عنهما تَفَرَّقُوا، فقالَ ابنُ عمرَ رضي الله عنهما: "مَن فَعَلَ هذا؟! لَعَنَ اللهُ مَن فَعَلَ هذا؛ إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم لَعَنَ مَنِ اتَّخَذَ شَيئًا فيه الرُّوحُ غَرَضًا" رواه مسلم.
كما نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن قَطْع الشَّجر من غير حاجة؛ فعن عبد الله بن حبشي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً صَوَّبَ اللهُ رَأْسَهُ فِي النَّارِ» رواه الإمام أبو داود في "سننه"، والنسائي في "السنن الكبرى"، والطبراني في "المعجم الأوسط"، والبيهقي في "السنن".
رابعًا: أن السماح بمثل هذه الطريقة في الصيد سبيل أكيد إلى حصول الاختلال البيئي؛ فإن الصعق الكهربائي قد يتسبب في الإفناء الجماعي للحيوانات المائية، ومحو مظاهر الحياة البحرية، وقد راعى الإسلام مسألة بقاء الوجود الحيواني في الطبيعة، ونهى عن التصرفات التي قد تؤدي إلى إحداث الاختلال في التوازن البيئي، والتناسل الحيواني، وأمرنا بالحفاظ على البيئة بكل أشكالها ورعايتها وحمايتها؛ قال تعالى: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود: 61].
والحفاظ على البيئة يشمل ما على وجه الأرض من جماد ونبات وحيوان وكائنات دقيقة كما نَبَّه إلى ذلك القرآن الكريم؛ فقال تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ [الأنعام: 38].
وقد نعى القرآن الكريم على من يسعى في الأرض بالإفساد، وجعل من صور ذلك إهلاكَ الحرث والنسل؛ فقال سبحانه: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ [البقرة: 205].
وحذَّر النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم من إفناء السلالات الحيوانية في الطبيعة، وهذا من مظاهر إعمار الكون، وحرص الإسلام على بقاء التوازن البيئي بعدم انقراض أنواع الحيوان المختلفة:
فأخرج الإمام أحمد في "مسنده"، وأصحاب "السنن الأربعة"، وابن حبان في "صحيحه" من حديث عبد الله بن مغفَّل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَوْلَا أَنَّ الْكِلَابَ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ لَأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا، فَاقْتُلُوا مِنْهَا الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ»، قال الترمذي: حسن صحيح، ورواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" بلفظ: «لَوْلَا أَنَّ الْكِلَابَ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ أَكْرَهُ أَنْ أُفْنِيَهَا لَأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا» وبنحو لفظه رواه الروياني في "مسنده".
وأخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"، وابن حبان في "الصحيح"، والبيهقي في "السنن الكبرى" واللفظ له، -وأصله في "مسند أحمد" و"صحيح مسلم" مختصرًا- من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَوْلَا أَنَّ الْكِلَابَ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ أَكْرَهُ أَنْ أُفْنِيَهَا لَأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا».
وأخرج الضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة" عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَوْلا أَنَّ الْكِلابَ أُمَّةٌ مِنَ الأُمَمِ لأَمَرْتُ بِقَتْلِ كُلِّ أَسْوَدَ بَهِيمٍ».
قال الإمام أبو سليمان الخطابي في "معالم السنن" (4/ 289، ط. المطبعة العلمية): [معناه: أنه صلى الله عليه وآله وسلم كَرِهَ إفناءَ أمةٍ مِن الأمم، وإعدامَ جيلٍ مِن الخلق حتى يأتي عليه كلِّه فلا يبقى منه باقية؛ لأنه ما مِن خلقٍ لله تعالى إلا وفيه نوعٌ مِن الحكمة وضربٌ مِن المصلحة] اهـ.
خامسًا: أن هذا النوع من الصيد يؤذي الصيادين أنفسهم ويعرض حياتهم وحياة غيرهم ممن يكونون في تلك الأماكن لخطر الموت بالكهرباء.

موقف القانون من ذلك

ضرر هذه الطريقة من الصيد معلوم عند كل العقلاء؛ ولذلك نصَّت قوانين الدول على حظرها وتجريمها، ومنها القانون المصري؛ فقد نُصَّ في القانون الخاص بصيد الأسماء والأحياء المائية رقم (124) لسنة 1983م في مادته (13) على أنه: [لا يجوز الصيد بالمواد الضارة، أو السامة، أو المخدِّرة، أو المميتة للأحياء المائية، أو المفرقعات، كما لا يجوز الصيد بالحواجز، أو الحوض، أو اللبش، أو الزلاليق، أو أي نوع من السدود والتحاويط، كما لا يجوز حيازة أو استعمال آلات رفع المياه داخل البحيرات أو على شواطئها إلا بتصريح من الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية، وتسري أحكام هذه المادة على الصيد في المياه التي تغطي الأراضي المملوكة للأفراد، وتتصل بالمياه المصرية] اهـ.
كما صدر قرارٌ من السلطات التنفيذية بمحافظة الدقهلية –والتي تقع فيها بحيرة المنزلة- برقم (24) لسنة 2016م نُصَّ فيه على ما يأتي: [يُحظَر صيد الأسماك ببحيرة المنزلة (بنطاق محافظة الدقهلية) بالأدوات والآلات والشباك الممنوع الصيد بها، أو المرخص بها، أو بالمواد السامة أو الضارة أو المميتة للأحياء المائية، أو المفرقعات، أو بالصعق بالكهرباء. يحظر صيد الزريعة من بحيرة المنزلة، وتضبط جميع السيارات المحملة بالزريعة غير المعلومة المصدر، وتسلم الزريعة لمنطقة الثروة السمكية بالمنزلة] اهـ.

الخلاصة

بناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن عملية صيد الأسماك والأحياء المائية بطريقة الصعق الكهربائي حرام ولا تجوز شرعًا؛ لِمَا فيها من إيلام الأحياء المائية وتعذيبها، وهذا يتنافى مع مقصود الشريعة الإسلامية في إحسان عملية القِتل؛ ولذلك اختارت من طرق التذكية أسرعَها إماتةً وأقلَّها إيلامًا وأبعدَها عن التعذيب فيما يُذبَح من الحيوان، فلأن يعتبر ذلك فيما لا يُذبَح من باب أَوْلَى، ولِمَا لهذه الطريقة من الأضرار الكثيرة والآثار السيئة على الثروة السمكية والبيئة المائية في الحاضر والمستقبل؛ من تأثيرها على مخزون الأسماك وتناسلها، ومن قتل ما لا منفعة في قتله معها، ومن إحداث الاختلال في التوازن البيئي بالإفناء الجماعي لهذه الحيوانات المائية، بما يتنافى مع مقاصد الإسلام في الحفاظ على البيئة، وفي تقديم درء المفاسد على جلب المصالح وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، هذا بالإضافة إلى المخاطر المحتملة على البشر الموجودين في نطاق عملية الصيد.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا