حكم التبرع بالميتوكوندريا

حكم التبرع بالميتوكوندريا

ما الحكم الشرعي في الحصول على جنين باشتراك فرد ثالث مع الأبوين three-parent abay-؟ هذه العملية يكون فيها الحمض النووي (الشفرة الوراثية) من الأبوين لكن الميتوكوندريا تكون من شخص ثالث. هل هذا حلال أو حرام؟
ملاحظة المترجم: هذه العملية هي صورة من صور الحقن المجهري تتضمن الأبوين الحقيقيين للجنين وتأتي منهما الشفرة الوراثية ويتم أخذ الميتوكوندريا من شخص ثالث لتجنب ولادة الطفل بأمراض وراثية معينة مرض السكري والصمم وبعض أمراض القلب والكبد. هناك الكثير من الجدل حول هذه العملية البيولوجية ولم تقرها أي بلد سوى بريطانيا في فبراير الماضي 2015م.

الإنجاب عن طريق الإخصاب الصناعي الثلاثي باشتراك فردٍ ثالثٍ مع الأبوين من خلال الحصول على الميتوكوندريا (Mitochondria) من امرأةٍ غير الزوجة سواء بالتبرع أو الأجرة حرامٌ شرعًا؛ لما يترتب على ذلك من مفاسد خطيرةٍ؛ من نحو خلط الأنساب والتنازع بين الناس والتدخل بتغيير نظام الطبيعة البشرية وخلخلة بُنيان صفاتها الوراثية التي أقام اللهُ تعالى عليها حياةَ البشر، ومن المقرر شرعًا "أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح".

التفاصيل ....

المحتويات

 

من مقاصد الزواج حفظ النوع الإنساني عن طريق التناسل

الروح الإنسانية كريمة الجوهر، خلقها الله تعالى من عالم النور؛ إذْ وَكّل بنفخها في الجسد ملكًا؛ كما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ» رواه السبعة عدا النسائي، ولفظه لمسلم.

وقد أضاف الله تعالى الروحَ إلى نفسه في معرض الامتنان بها وتعظيم شأنها؛ فقال تعالى: ﴿ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ﴾ [السجدة: 9]، مع ما يطرأ عليها بعد اتصالها بالبدن؛ من تزكيةٍ ترقى بها في معارج الكمال، أو تفسده فتنحط بها إلى أسفل سافلين.

وبعد ارتباط الروح بالبدن يتكون منها هذا المخلوق العظيم المسمى بالإنسان، والذي جعله الله تعالى خليفةً في الأرض؛ ليعمرها ويستثمرها، ويعبرها إلى دار الكمال الحق والحياة الدائمة الأبدية.

وقد جاءت الشرائع السماوية كلها بإيجاب حفظ النفس البشرية؛ فكان حفظها أصلًا قطعيًّا، وكليةً عامةً في الدين.

ومن أهم مقاصد الشريعة الإسلامية إيجاد النسل وبقاء النوع الإنساني وحفظه، فلذلك شرع الزواج للتناسل وتحصين الزوجين من الوقوع في الحرام، وحث عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ونهى عن التبتل، وحرمت كل وسيلة تضر به؛ كالزنا وقتل النفس.

بيان أهمية علم الوراثة والأجنة وعلاقته بالطب والتداوي

كما شرع العلاج والتداوي؛ فعن أسامةَ بنِ شَرِيكٍ رضي الله عنه قال: جاء أَعرابِيٌّ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسولَ اللهِ، أَنَتَداوى؟ قال: «تَداوَوْا؛ فإنّ اللهَ لم يُنـزِل داءً إلَّا أَنزَلَ له شِفاءً؛ عَلِمَهُ مَن عَلِمَهُ، وجَهِلَهُ مَن جَهِلَهُ» رواه أحمد، فالتماس الشفاء بالتداوي مشروع، إلا إذا ترتب عليه ضرر أو خلط للأنساب، أو كان فيه اعتداء على عضو من الأعضاء، أو أي عمل يغير من حقيقته التي خلقه الله عليها.

وقد اهتم الباحثون على مَرَّ الزمان بالكشف عن وسائل شتى للتداوي من الأمراض، ومن الوسائل الطبية في عصرنا خاصة: إجراء الأبحاث الطبية على الأجنة البشرية؛ لأغراض علاجية، وهو محل تفصيل لا بُدَّ فيه من الانتباه إلى طبيعة التجربة العلمية من حيث احتمالها للمخاطر والأضرار التي قد تلحق بالجنين.

والأصل في استعمال البييضات والحيوانات المنوية في البحث العلمي الجواز ما لم يقترن به أمرٌ مُحَرَّم؛ كتلقيح البييضة بماء أجنبي، أو تخليق أجنةٍ في بيئة صناعية للاستفادة بأعضائها أو أنسجتها، أو استخدامها في تجارب الاستنساخ البشري.

وكذلك جوَّزَ العلماء التعامل المجهري مع الكروموسومات والمادة الوراثية (DNA) لنفس الغرض؛ إذ ليس في الشرع ما يمنع من ذلك على المستوى الفردي، كل هذا بشرط ألَّا يكون في التقنية المستخدمة ما يضرّ بالمولود في قابل أيامه ومستقبله، وهذا مَرَدُّه لأهل الاختصاص؛ فلا يُقبَل أن يكون الإنسان محلًّا للتجارب، ومحطًّا للتلاعب.

والأجنة وما يتصل بعلم الوراثة من أهم وأشمل العلوم البيولوجية التي كانت وما زالت محل اهتمام بحث العلماء، وقد بدأ الكشف عن أسس الوراثة عمومًا منذ نشأت الحضارات في بلاد الرافدين ووادي النيل، وتم استخدام تطبيقاتها العملية على بعض الأحياء المعروفة؛ مثل القمح والأرز وفول الصويا والقطن، واهتم البابليون بتحسين سلالات الخيل وتلقيح أشجار النخيل بواسطة علم الوراثة، واهتم الطبيب أبُقراط بن إقليدس اليوناني بعلم الوراثة، ودوّن بعض الملاحظات عن انتقال الصفات الوراثية في العائلة الواحدة؛ مثل: لون العين الأزرق، وصفة الصلع، ووضع العالم جان باتيست لامارك الفرنسي (Jean-Baptiste de Lamarck) نظرية "وراثة الصفات المكتسبة"، وكانت أول نظرية تفسر آلية التغيرات المظهرية.

تصور عملية الميتوكوندريا وحكم التبرع بها

من أهم الاكتشافات الحديثة اكتشاف كائنات مهمة لإنتاج الطاقة بالإنسان تسمى بـ"الميتوكوندريا" (Mitochondria).

والميتوكوندريا (Mitochondria): تسمى بالمتقدرات أو المصورات الحيوية أو الحُبَيبَات الخَيطِيَّة، وهي: عِضِّيَّات هُيُولِيَّة (أي سيتوبلازمية) متناهية الصغر، توجد في كل خلايا الجسم ما عدا كرات الدم الحمراء، مسئولة عن التنفس الخلوي، وهي غنية جدًا بمحتواها من الإنزيمات المؤكسدة، كما تحتوي على حمض دي إن إي (DNA).
والعضِّيَّة: هي المسؤولة عن إنتاج الطاقة في الخلية. ينظر: "موسوعة المعرفة".
وقد تم اكتشافها عام 1838م على يد العالمين الألمانيين: شوان (Schwann)، وشليدن (Schleiden)، بعد عدة دراسات مجهرية على أنواع مختلفة من الأجنة الحيوانية والنباتية، فنتج عن ذلك ظهور نظرية الخلية (Cell theory).
ثم توالت الأبحاث من الباحث ريتشارد ألتمان (Richard Altmann) حيث توصل إلى أن الميتوكوندريا كائنات أوّليّة تعيش داخل الخلايا، إلى أن اكتشف العلماء عزلها عن باقي أجزاء الخلية عام 1934م، بعد التعرف على وظيفتها التنفسية في إنتاج الطاقة. ينظر: "بحث لمحمد أبو الغيط على موقع الباحثون المصريون".
والميتوكوندريا يوجد بها عدة إنزيمات مهمة، منها إنزيم مساعد يسمى بـ(Coenzyme Q10) يُعدُّ مكمِّلًا مشهورًا، ويعمل على إنتاج الطاقة في كل خلية من الجسم، ويقوي جهاز المناعة، ويجدد نشاط الجسم وحيويته بواسطة تقوية الدورة الدموية وزيادة تزويد الأنسجة بالأوكسجين.
ونظرًا لأهمية الميتوكوندريا المطلقة وانتشارها في كل خلايا الجسم، فإن تأثرها يعكس خللًا في وظائفها يبدو سريعًا ومؤثرًا؛ إذ يتعلق الأمر بخلل في أهم مصدر للطاقة، وأمراضها تشكل خطرًا جسيمًا يحيق بالأطفال عند ولادتهم أو يبدأ في الظهور تدريجيًّا مع مضى العمر.
وحتى عام 2011م لم تنجح أي محاولة لعلاج أمراض الميتوكوندريا، سوى بعض الفيتامينات، ومضادات الأكسدة، ومركب البيروفات، ولكنها غير مجدية، خاصة مع الأمراض التى تسبب الإعاقة أو الموت.
ومن أجل علاج هذه الأمراض اهتم علماء البحث العلمي بالتفكير في حلٍّ نهائي لها، حتى ظهر على ساحة المجتمع العلمي اكتشاف تقنية (الإخصاب الصناعي الثلاثي) الذي تقدم به علماء من جامعة نيوكاسل البريطانية عام 2011م، وخرج إلى النور عام 2015م بعد أن وافقت الدولة عليه وأقره القانون البريطاني بالأغلبية، ورفضه الكثير من بلدان العالم، إلا بعض دول ليس لديها قانون يمنع من إجراء هذه التقنية على البشر؛ كالمكسيك.

وتهدف هذه التقنية إلى منع انتقال الأمراض الوراثية الخطيرة من الأم إلى الطفل، ومنع الإصابة بمشكلات القلب واضطرابات المخ والعمى وضمور العضلات وقصور وظائف الكبد، كما تساعد على الحد من انتشار أمراض الميتوكوندريا في الأسر التي تعاني منها؛ حيث يصاب بها طفل واحد من بين (6500) طفل في العالم. ينظر: "الطفرات المسبّبة لأمراض الميتوكوندريا" لإخلاص الروسان، عضو فريق الأحياء، مؤسسة فاي للعلوم، ومقال بعنوان "قضية علمية أخلاقية للمناقشة- الأب والأم وطرف ثالث" للدكتورة ليلى إبراهيم شلبي، استشاري أمراض القلب بمعهد القلب القومي.
والإخصاب الصناعي الثلاثي يعني تخصيب طفل ثلاثي الآباء؛ فهذا الطفل يحمل مادةً وراثيةً من رجلٍ هو الأب، ومن امرأتين: واحدة من الأم -الزوجة الشرعية للرجل-، والأخرى من امرأة متبرعة، وذلك في عدة خطوات:
أولًا: تؤخذ بُيَيضة من امرأة متبرعة تكون الميتوكوندريا فيها سليمة، ثم تزال النواة منها.
ثانيًا: تؤخذ بُيَيضة من الأم، وتُتزع النواة منها.
ثالثًا: توضع النواة المأخوذة من الأم في بُيَيضة المرأة المتبرعة.
رابعًا: تخصب البُيَيضة الناتجة التي تحتوي على ميتوكوندريا بمادتها الوراثية من المرأة المتبرعة السليمة من الأمراض، ونواةٍ بمادتها الوراثية من الأم، بحيوان منوي من الأب، ثم تزرع البُيَيضة المخصبة في رحم الأم.
ومن هنا يتبين أن البُيَيضة المُلَقَّحة التي توضع في رَحم الأم ليست بييضتها الكاملة، وإنما هي بييضة امرأة متبرعة استبدلت نواتها بنواة بييضة الأم، والطفل في هذه الحالة سيتضمن جينات وراثية من الأب والأم والأنثى المتبرعة.

وفي هذا الإجراء خلطٌ للأنساب؛ لأن الطفل بهذه الطريقة يكون له أُمَّان: أُمٌّ تزوجها أبوه، وأُمٌّ أخرى تبرعت بالميتوكوندريا المتمثلة في البويضة السليمة بكامل مكوناتها منزوعة النواة فقط، فيكون الطفل قد حصل على جزء من مادته الوراثية من غير والدته؛ لأن الميتوكندريا تحتوي على كمية من (DNA) الخاص بها، ويمكن لجزيئات (DNA) في الميتوكندريا إصدار تعليمات وراثية لبناء بعض الإنزيمات اللازمة دون الرجوع إلى (DNA) الموجود بالنواة، وفي هذه العملية يتم نقل جميع عضيات الخلية بجيناتها الوراثية، بخلاف الجينات الموجودة داخل نواة المشيج من أمٍّ مانحة، مما يؤثر بشكلٍ أو بآخر في الجنين؛ إما بصفاتٍ ظاهريةٍ ملحوظةٍ، أو غيرِ ذلك.

ومن المقرر شرعًا أنه لا يجوز أن تستنبت الزوجة في رحمها بويضةً من امرأةٍ أخرى؛ سواء كانت مخصبةً من زوجها أو من غيره، وسواء كانت صاحبة البويضة امرأةً أجنبيةً أو ضرةً تشترك معها في الزوج نفسه.

رأي الفقهاء المعاصرين في هذه المسألة

على هذا اتفق الفقهاء المعاصرون؛ حيث منعوا جميعًا من نقلِ أو زراعةِ أيِّ عضوٍ أو جزءٍ بشري يحمل الصفات الوراثية وشفرتها إلى متلقٍّ آخر غير صاحبه، سواء أكان بالتبرع أم بالأجرة؛ حيث أوصت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت في مؤتمرها السادس الخاص بزراعة بعض الأعضاء البشرية في ربيع الأول عام 1410هـ/ أكتوبر 1989م؛ بالآتي: [الخصية والمبيض بحكم أنهما يستمران في حمل وإفراز الشفرة الوراثية للمنقول منه حتى بعد زرعها في مُتَلَقٍّ جديد، فإن زرعها محرمٌ مطلقًا؛ نظرًا لأنه يُفضِي إلى اختلاط الأنساب، وتكون ثمرة الإنجاب غير وليدةٍ من الزوجين الشرعيَين المرتبطين بعقد الزواج] اهـ.

كما جاء في قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنعقد بجدة عام (1410هـ/ 1990م) فيما يخص زرع الغدد التناسلية: [بما أن الخصية والمبيض يستمران في حمل وإفراز الصفات الوراثية -الشفرة الوراثية- للمنقول منه حتى بعد زرعهما في مُتَلَقٍّ جديد، فإن زرعهما محرمٌ شرعًا] اهـ.
وبمثله قرر مجمع البحوث الإسلامية بجلسته رقم 8 الدورة 33 المنعقدة بتاريخ 17 من ذي الحجة 1417هـ الموافق 24 إبريل 1997م.

وترتب عدد من المفاسد الخطيرة على استخدام هذا العمليَّة في الإنجاب:

فمنها: الوقوع في الحيرة من نسبة الأمومة للطفل بين المرأتين؛ إذْ هناك طرفٌ ثالثٌ غير الأم صاحبة البييضة والزوج صاحب النطفة، ولا يمكن الجزمُ مع وجود الطرف الثالث بتحديدِ الأم الحقيقية لهذا الطفل؛ فهل الأحق به الأنثى المتبرعة صاحبة البويضة السليمة بكامل مكوناتها منزوعة النواة التي تَخَلَّقَ منها الطفل وحمل كل خصائصها الوراثية؟ أو الأحق به الأم صاحبة النواة وهي الحاضنة صاحبة الرحم الذي تم فيه نموه وتطوره وتبدله حتى صار جنينًا مكتملًا؟ وما يستتبع ذلك من اضطرابٍ في حياته، مما قد يعرضه لهزةٍ نفسيةٍ عنيفةٍ؛ إذْ إنه لن يعرف إلى من ينتمي بالضبط؟ والقاعدة الشرعية تقرر أن "درء المفاسد أَوْلَى مِن جَلْبِ المصالح".

قال العلامة علي حيدر في شرح معنى هذه القاعدة في "درر الحكام في شرح مجلة الأحكام" (1/ 41، ط. دار الجيل): [إذا أراد شخصٌ مباشرةَ عملٍ ينتج منفعةً له، ولكنه من الجهة الأخرى يستلزم ضررًا مساويًا لتلك المنفعة أو أكبر منها يلحق بالآخرين، فيجب أن يقلع عن إجراء ذلك العمل درءًا للمفسدة المقدم دفعها على جَلْبِ المنفعة؛ لأن الشرع اعتنى بالْمَنْهِيَّات أكثر من اعتنائه بالمأمور بها] اهـ.

ومنها: أنها تُوَسِّعُ نطاقَ التدخل البشري في الحمض النووي للأجنة الـ(DNA) حسب الأهواء والأمزجة؛ حيث تُتَّخَذُ خطوة نحو إنجاب ما يمكن أن نسميه "أطفال حسب الطلب"؛ يختار فيها الأبوان -مثلًا- ذكاء الطفل، ولونه، وملمس شعره، وغيرَ ذلك، مما يجعل الإنسان محلًّا للتجارب ومحطًّا للتلاعب.
ليس هذا فحسب، بل إن "الجمعية البريطانية لبيولوجيا الخلية" قد توصلت إلى أن هذه العملية فيها خلطٌ واضحٌ بين موروثاتٍ جينيةٍ من ثلاثة أشخاصٍ مختلفين سيورَّث فيما بعد لأجيال متعاقبة، الأمر الذي يُعدُّ تَدخُلًا فى الطبيعة البشرية وصفاتها.

وبذلك فإن دفع الحاجة إلى التنعم بولدٍ سليمٍ من الأمراض الوراثية الخطيرة عن طريق استخدام هذه العمليَّة المسئول عنها وإن كان مصلحةً، إلا أنَّ المفاسد المترتبة عليها أرجح منها كما سبق البيان؛ فإن هذه الطريقة في الإنجاب تؤدي إلى التنازع بين الناس، مع ما فيها من محذورِ الاختلاط في الأنساب وما يستتبعه من هدم عمود النسب، وفتحِ باب التدخل بتغيير الطبيعة البشرية وصفاتها الوراثية بصورةٍ تُنْبِئُ عن الاعتراض على الخِلْقَةِ التي فَطَرَ اللهُ الناس عليها.

قال الإمام السيوطي في "الأشباه والنظائر" (1/ 145، ط. مصطفى الباز): [إذا تعارضت مفسدتان رُوعِي أعظمُهُما ضررًا بارتكاب أخفِّهما، ونظيرها: درء المفاسد أَوْلَى مِن جَلْبِ المصالح، فإذا تعارض مفسدةٌ ومصلحةٌ؛ قُدِّمَ دَفْعُ المفسدة غالبًا] اهـ بتصرفٍ يسير.

الخلاصة

بناءً على ما سبق: فإن الإنجاب عن طريق الإخصاب الصناعي الثلاثي باشتراك فردٍ ثالثٍ مع الأبوين من خلال الحصول على الميتوكوندريا (Mitochondria) من امرأةٍ غير الزوجة سواء بالتبرع أو الأجرة حرامٌ شرعًا؛ لما يترتب على ذلك من مفاسد خطيرةٍ؛ من نحو خلط الأنساب والتنازع بين الناس والتدخل بتغيير نظام الطبيعة البشرية وخلخلة بُنيان صفاتها الوراثية التي أقام اللهُ تعالى عليها حياةَ البشر.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا