ما حكم الإسبال؟
حكم إسبال الثياب
الإسبال هو: الإرخاء، وإسبال الثوب أو الإزار: إرخاؤه، والمسبِل: الَّذِي يُطَوِّلُ ثَوْبَهُ ويُرْسِلُهُ إِلَى الأَرْضِ إِذا مَشى. والإسبال المحرم هو ما كان على جهة الخُيَلاء والتكبر، وأما ما كان خاليًا عن شيءٍ من ذلك فلا يحرم، خاصة إذا جرت به عادة الناس ولم يعد هناك ارتباطٌ أو تلازمٌ بين الخيلاء والتكبر وبين الإسبال، بخلاف ما كان يمكن أن يكون قديمًا من ارتباطٍ مَرَدُّه إلى الأعراف والعوايد.
التفاصيل ....المحتويات
مفهوم الإسبال
الإسبال هو: الإرخاء، وإسبال الثوب أو الإزار: إرخاؤه، والمسبِل: الَّذِي يُطَوِّلُ ثَوْبَهُ ويُرْسِلُهُ إِلَى الأَرْضِ إِذا مَشى. انظر: "تاج العروس" (29/ 162).
حكم إسبال الثياب للرجال
قد وردت مجموعة من الأحاديث تنهى عن الإسبال للرجل؛ منها: ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزَارِ فَفِى النَّارِ».
ولكن هذا الإطلاق مقيد بأن يكون الإسبال على جهة الخيلاء والتكبر؛ وهو المستفاد مما رواه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ؛ لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، فقال أبو بكر رضي الله عنه: إن أحد شقي ثوبي يسترخي، إلا أن أتعاهد ذلك منه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّكَ لَسْتَ تَصْنَعُ ذَلِكَ خُيَلَاءَ».
والقول بأن أحاديث النهي عن الإسبال مقيدة بالخيلاء، فإذا انتفى الخيلاء لم يكن الإسبال محرمًا، هو ما ذهب إليه جمهور العلماء من المذاهب المختلفة؛ إعمالًا للقاعدة الأصولية في حمل المطلق على المقيد؛ جمعًا بين الأدلة، دون اضطرار إلى إعمال أحدها وإلغاء الآخر؛ والإعمال أولى من الإهمال.
فجاء في "الفتاوى الهندية" من كتب الحنفية (5/ 333، ط. دار الفكر): [إسبال الرجل إزاره أسفل من الكعبين إن لم يكن للخيلاء ففيه كراهة تنزيه، كذا في الغرائب] اهـ.
وقال الإمام أبو الوليد الباجي المالكي في "المنتقى" (7/ 226، ط. دار الكتاب الإسلامي): [وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «الَّذِي يَجُرُّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ» يقتضي تعلق هذا الحكم بمن جره خيلاء، أما من جره لطول ثوب لا يجد غيره، أو عذر من الأعذار، فإنه لا يتناوله الوعيد] اهـ.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" من كتب الشافعية (1/ 278، ط. المكتبة الإسلامية): [(ويحرم) على الرجل (إطالة العذبة طولًا فاحشًا، وإنزال الثوب ونحوه عن الكعبين للخيلاء، ويكره) ذلك (لغيرها)] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (1/ 341، ط. دار إحياء التراث العربي): [ويكره إسبال القميص والإزار والسراويل؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر برفع الإزار، فإن فعل ذلك على وجه الخيلاء حَرُم] اهـ.
وهذا هو ما صرح به الشيخ ابن تيمية -الذي تنال آراؤه احترام عامة التيارات المتشددة، ويعتبرونه مرجعًا معتبرًا عندهم-؛ فقال في "شرح عمدة الفقه" (ص: 364، ط. دار العاصمة، من أول كتاب الصلاة إلى آخر باب آداب المشي إلى الصلاة): [وهذه نصوص صريحة في تحريم الإسبال على وجه المخيلة، والمطلق منها محمول على المقيد، وإنما أطلق ذلك؛ لأن الغالب أن ذلك إنما يكون مخيلة] اهـ.
وقال العلامة الشوكاني في "نيل الأوطار" (2/ 133، ط. دار الحديث): [وقد عرفت ما في حديث الباب من قوله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر رضي الله عنه: «إنَّك لَسْت مِمَّنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ خُيَلَاءَ»، وهو تصريح بأن مناط التحريم: الخيلاء، وأن الإسبال قد يكون للخيلاء، وقد يكون لغيره، فلا بد من حمل قوله: «فَإِنَّهَا الْمَخِيلَةُ» في حديث جابر بن علي أنه خرج مخرج الغالب، فيكون الوعيد المذكور في حديث الباب متوجهًا إلى من فعل ذلك اختيالًا، والقول بأن كل إسبال من المخيلة أخذًا بظاهر حديث جابر ترده الضرورة؛ فإن كل أحد يعلم أن من الناس من يسبل إزاره مع عدم خطور الخيلاء بباله، ويرده ما تقدم من قوله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر.. وبهذا يحصل الجمع بين الأحاديث وعدم إهدار قيد الخيلاء المصرح به في "الصحيحين".. وحمل المطلق على المقيد واجب] اهـ.
حكم إسبال الثياب للمرأة
أما الإسبال بالنسبة للمرأة فهو جائز؛ ويدل عليه: ما رواه الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، فقالت أم سلمة رضي الله عنها: فكيف يصنعن النساء بذيولهن؟ قال: «يُرْخِينَ شِبْرًا»، فقالت: إذًا تنكشف أقدامهن، قال: «فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ» قال الترمذي: [هذا حديث حسن صحيح] اهـ.
وقال الإمام النووي في "شرح مسلم" (14/ 62، ط. دار إحياء التراث العربي): [أجمع العلماء على جواز الإسبال للنساء، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الإذن لهن في إرخاء ذيولهن ذراعًا] اهـ.
وأما ما يحاوله بعض المتصدرين للفتوى -وليسوا من أهلها- فعله؛ بأن يعرضوا المسألة مقتصرين على القول بالتحريم مطلقًا، وكأنه هو الحق الذي لا يجوز غيره، مغفلين في ذلك قول الجمهور المبني على الدليل القوي والنظر الصحيح، مؤثمين بذلك جماهير الأمة في مشارق الأرض ومغاربها، دون أن يشيروا إلى الخلاف من قريب ولا من بعيد، فهو من قلة الفقه وضيق الأفق.
ورحم الله العلامة سفيان الثوري إذ قال: [إنما العلم عندنا الرخصة من ثقة، فأما التشديد فيحسنه كل أحد]. انظر: "جامع بيان العلم وفضله" لابن عبد البر (1/ 784، ط. دار ابن الجوزي).
الخلاصة
عليه: فإن الإسبال المحرم هو ما كان على جهة الخُيَلاء والتكبر، وأما ما كان خاليًا عن شيءٍ من ذلك فلا يحرم، خاصة إذا جرت به عادة الناس ولم يعد هناك ارتباطٌ أو تلازمٌ بين الخيلاء والتكبر وبين الإسبال، بخلاف ما كان يمكن أن يكون قديمًا من ارتباطٍ مَرَدُّه إلى الأعراف والعوايد.
والله سبحانه وتعالى أعلم.