ما حكم تعاطي المخدرات والاتجار فيها والربح منها؟ فقد جاء من مكتب المخابرات العامة للمواد المخدرة ما يأتي: أتشرف بأن أرسل لفضيلتكم نسخة باللغة العربية من التقرير السنوي لمكتب المخدرات لسنة 1939م، وإني أنتهز هذه الفرصة فأعرب لفضيلتكم أن الحكومة المصرية قد وجهت عنايتها الكلية إلى محاربة المواد المخدرة كالكوكايين والهيروين والحشيش والأفيون؛ لما لمسته من ضررها البليغ بالأمة أفرادًا وجماعات ماديًّا وصحيًّا وأدبيًّا، وسلكت إلى ذلك مختلف الطرق الممكنة فسنت القوانين الرادعة لمنع زراعتها أو إحرازها أو تعاطيها أو الاتجار بها. وقد تصادف أثناء مكافحة هذه الزراعات والمواد بعض الجهلة من مروجيها يزعمون أن الدين لم يحرمها، وأنه لم يرد فيه نص يفيد ذلك، كما رئي أن بعض تجارها يباشرون بعض القربات من أرباحهم منها؛ كالحج والصدقات، زاعمين أن ذلك يقربهم إلى الله سبحانه وتعالى، ولما كنتم فضيلتكم المرجع في مثل هذه الشئون فإنا نتقدم إلى فضيلتكم راجين التفضل بالإجابة تفصيلًا عن الآتي:
أولًا: ما حكم تعاطي هذه المواد وبيانه؟
ثانيًا: ما حكم الاتجار فيها واتخاذها حرفة تدرّ الربح؟
ثالثًا: ما حكم زراعتها؟ أي: زراعة الأفيون والحشيش لاستخلاص المادة المخدرة منها لتعاطيها أو الاتجار بها.
رابعًا: ما حكم الربح الناتج من الاتجار في هذه المواد؟ وهل يعتبر حرامًا أو حلالًا؟ وإذا كان من قسم المحرّم فما هو الحكم في إنفاقه في القربات؟
حكم تعاطي المخدرات والاتجار فيها والربح منها
خلاصة الجواب عما ورد:
أولًا: يحرم تعاطي الحشيش والأفيون والكوكايين ونحوها من المخدرات.
ثانيًا: يحرم الاتجار فيها واتخاذها حرفة تدر الربح.
ثالثًا: يحرم زراعة الأفيون والحشيش لاستخلاص المادة المخدرة لتعاطيها أو الاتجار فيها.
رابعًا: الربح الناتج من الاتجار في هذه المواد حرام خبيث، وإنفاقه في القربات غير مقبول، بل حرام.
المحتويات
- حكم تعاطي المواد المخدرة والأدلة على ذلك
- حكم الاتجار في المواد المخدرة والأدلة على ذلك
- حكم زراعة المواد المخدرة والأدلة على ذلك
- حكم الربح الناتج من الاتجار في المواد المخدرة والأدلة على ذلك
- الخلاصة
حكم تعاطي المواد المخدرة والأدلة على ذلك
لا يشكّ شاك ولا يرتاب مرتاب في أن تعاطي هذه المواد حرامٌ؛ لأنها تؤدي إلى مضار جسيمة ومفاسد كثيرة، فهي تفسد العقل، وتفتك بالبدن، إلى غير ذلك من المضارّ والمفاسد؛ فلا يمكن أن تأذن الشريعة بتعاطيها مع تحريمها لما هو أقل منها مفسدة وأخف ضررًا، ولذلك قال بعض علماء الحنفية: إن من قال بحل الحشيش زنديق مبتدع، وهذا منه دلالة على ظهور حرمتها ووضوحها؛ ولأنه لما كان الكثير من هذه المواد يخامر العقل ويغطيه ويحدث من الطرب واللذة عند متناوليها مما يدعوهم إلى تعاطيها والمداومة عليها كانت داخلة فيما حرمه الله تعالى في كتابه العزيز وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من الخمر والمسكر.
قال الشيخ ابن تيمية في كتابه "السياسة الشرعية" (ص: 87-89، ط. وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) ما خلاصته: إن الحشيشة حرام يحد متناولها كما يحد شارب الخمر، وهي أخبث من الخمر؛ من جهة أنها تفسد العقل والمزاج حتى يصير في الرجل تخنث ودياثة وغير ذلك من الفساد، وأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة.. وهي داخلة فيما حرمه الله ورسوله من الخمر والمسكر لفظا أو معنى. قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يا رسول الله، أفتنا في شرابين لنا نصنعهما باليمن: البتع وهو العسل ينبذ حتى يشتد، والمزر وهو من الذرة والشعير ينبذ حتى يشتد، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أعطي جوامع الكلم بخواتمه فقال: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» رواه البخاري ومسلم. وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّ مِنْ الْحِنْطَةِ خَمْرًا، وَمِنْ الشَّعِيرِ خَمْرًا، وَمِنْ الزَّبِيبِ خَمْرًا، وَمِنْ التَّمْرِ خَمْرًا، وَمِنْ الْعَسَلِ خَمْرًا؛ وَأَنَا أَنْهَى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ» رواه أبو داود وغيره. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مسكر حَرَامٌ» وَفِي رِوَايَةٍ: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ» رواهما مسلم. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَا أَسْكَرَ الْفَرَقُ مِنْهُ، فَمِلْءُ الْكَفِّ منه حرام» قال الترمذي حديث حسن. والفرق مكيال يسع ستة عشر رطلًا، والمعنى: ما أسكر كثيره فقليله حرام. وروى أهل السنن عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من وجوه أنه قال: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُه؛ فَقَلِيلُه حَرَام» وصححه الحفاظ. وعن جابر رضي الله عنها أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة، يقال له: المزر. قال: «أَمُسْكِرٌ هُوَ؟» قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إنَّ عَلَى اللهِ عَهْدًا لِمَنْ شَرِبَ الْمُسْكِرَ، أن يسقيه مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: «عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ، أو عصارة أَهْلِ النَّارِ» رواه مسلم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «كل مخمر خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» رواه أبو داود. والمخمر ما يغطي العقل. والأحاديث في هذا الباب كثيرة مستفيضة جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما أوتيه من جوامع الكلم كل ما غطى العقل وأسكر، ولم يفرق بين نوع ونوع، ولا تأثير لكونه مأكولًا أو مشروبًا، على أن الخمر قد يصطبغ بها أي يجعل إِدامًا، وهذه الحشيشة قد تذاب بالماء وتشرب، فالخمر يشرب ويؤكل والحشيشة تؤكل وتشرب، وكل ذلك حرام وحدوثها بعد عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة لا يمنع من دخولها في عموم كلام رسول الله عن المسكر؛ فقد حدثت أشربة مسكرة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكلها داخلة في الكلم الجوامع من الكتاب والسنة. انتهى خلاصة كلام ابن تيمية.
وقد تكلم رحمه الله عنها أيضًا غير مرة في "فتاواه" (3/ 430، ط. دار الكتب العلمية) فقال ما خلاصته: هذه الحشيشة الملعونة هي وآكلوها ومستحلوها الموجبة لسخط الله تعالى وسخط رسوله وسخط عباده المؤمنين المعرض صاحبها لعقوبة الله تشتمل على ضرر في دين المرء وعقله وخلقه وطبعه وتفسد الأمزجة حتى جعلت خَلْقًا كثيرا مجانين، وتورث من مهانة آكلها ودناءة نفسه وغير ذلك ما لا تورث الخمر، ففيها من المفاسد ما ليس في الخمر فهي بالتحريم أولى. وقد أجمع المسلمون على أن السكر منها حرام، ومن استحل ذلك وزعم أنه حلال فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل مرتدًا لا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، وأن القليل منها حرام أيضًا بالنصوص الدالة على تحريم الخمر وتحريم كل مسكر. انتهى.
وقد بين تلميذه الشيخ ابن القيم رحمه الله تعالى في "زاد المعاد" ما خلاصته: أن الخمر يدخل فيها كل مسكر مائعًا كان أو جامدًا عصيرًا أو مطبوخًا، فيدخل فيها لقمة الفسق والفجور -ويعني بها الحشيشة-؛ لأن هذا كله خمر بنص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصحيح الصريح الذي لا مطعن في سنده ولا إجمال في متنه؛ إذ صح عنه قوله: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ»، وصح عن أصحابه رضي الله عنهم الذين هم أعلم الأمة بخطابه ومراده بأن الخمر ما خامر العقل، على أنه لو لم يتناول لفظه صلى الله عليه وآله وسلم كل مسكر لكان القياس الصحيح الصريح الذي استوى فيه الأصل والفرع من كل وجه حاكمًا بالتسوية بين أنواع المسكر، فالتفريق بين نوع ونوع تفريق بين المتماثلين من جميع الوجوه. انتهى.
وقال صاحب "سبل السلام" شرح بلوغ المرام: إنه يحرم ما أسكر من أي شيء وإن لم يكن مشروبًا كالحشيشة، ونقل عن الحافظ ابن حجر: أن من قال إن الحشيشة لا تسكر وإنما هي مخدر مكابر فإنها تحدث ما تحدثه الخمر من الطرب والنشوة، ونقل عن ابن البيطار عن الأطباء: أن الحشيشة التي توجد في مصر مسكرة جدًا إذا تناول الإنسان منها مقدار درهم أو درهمين وقبائح خصالها كثيرة، وعد منها بعض العلماء مائة وعشرين مضرة دينية ودنيوية، وقبائح خصالها موجودة في الأفيون، وفيه زيادة مضار. انتهى.
وما قاله الشيخ ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما من العلماء هو الحق الذي يسوق إليه الدليل وتطمئن به النفس. وإذ قد تبين أن النصوص من الكتاب والسنة تتناول الحشيش فهي تتناول أيضًا الأفيون الذي بيَّن العلماء أنه أكثر ضررًا ويترتب عليه من المفاسد ما يزيد على مفاسد الحشيش كما سبق عن ابن البيطار، وتتناول أيضًا سائر المخدرات التي حدثت ولم تكن معروفة من قبل؛ إذ هي كالخمر من العنب مثلًا في أنها تخامر العقل وتغطيه وفيها ما في هذه الخمر من مفاسد ومضار، وتزيد عليها بمفاسد أخرى كما في الحشيش، بل أفظع وأعظم كما هو مشاهد ومعلوم ضرره، ولا يمكن أن تبيح الشريعة الإسلامية شيئًا من هذه المخدرات، ومن قال بحل شيءٍ منها فهو من الذين يفترون على الله الكذب أو يقولون على الله ما لا يعلمون.
وقد سبق أن قلنا إن بعض علماء الحنفية قال: إن من قال بحل الحشيشة زنديق مبتدع، وإذ كان من يقول بحل الحشيشة زنديقًا مبتدعًا فالقائل بحل شيء من هذه المخدرات الحادثة التي هي أكثر ضررًا وأكبر فسادًا زنديق مبتدع أيضًا، بل أولى بأن يكون كذلك، وكيف تبيح الشريعة الإسلامية شيئًا من هذه المخدرات التي يلمس ضررها البليغ بالأمة أفرادًا وجماعات ماديًّا وصحيًّا وأدبيًّا لما جاء في السؤال، مع أن مبنى الشريعة الإسلامية على جلب المصالح الخالصة أو الراجحة وعلى درء المفاسد والمضار كذلك؟! وكيف يحرم الله سبحانه وتعالى العليم الحكيم الخمر من العنب مثلًا كثيرها وقليلها لما فيها من المفسدة؛ ولأن قليلها داع إلى كثيرها وذريعة إليه، ويبيح من المخدرات ما فيه هذه المفسدة ويزيد عليها بما هو أعظم منها وأكثر ضررًا بالبدن والعقل والدين والخلق والمزاج؟! هذا لا يقوله إلا رجل جاهل بالدين الإسلامي أو زنديق مبتدع كما سبق القول، فمتعاطي هذه المخدرات على أي وجه من وجوه التعاطي من أكل أو شرب أو شم أو احتقان حرام والأمر في ذلك ظاهر جلي.
حكم الاتجار في المواد المخدرة والأدلة على ذلك
ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحاديث كثيرة في تحريم بيع الخمر، منها ما روى البخاري ومسلم عن جابر رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ الله حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ»، وورد عنه أيضًا أحاديث كثيرة مؤداها أن ما حرم الله الانتفاع به يحرم بيعه وأكل ثمنه، وقد علم من الجواب عن السؤال الأول أن اسم الخمر يتناول هذه المخدرات شرعًا؛ فيكون النهي عن بيع الخمر متناولًا لتحريم بيع هذه المخدرات، كما أن ما ورد من تحريم بيع كل ما حرم الله يدل أيضًا على تحريم بيع هذه المخدرات، وحينئذ يتبين جليًا حرمة الاتجار في هذه المخدرات واتخاذها حرفةً تدر الربح، فضلًا عما في ذلك من الإعانة على المعصية التي لا شبهة في حرمتها لدلالة القرآن على تحريمها بقوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2]، ولأجل ذلك كان الحق ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من تحريم بيع عصير العنب لمن يتخذه خمرًا وبطلان هذا البيع؛ لأنه إعانة على المعصية.
حكم زراعة المواد المخدرة والأدلة على ذلك
زراعة الحشيش والأفيون لاستخراج المادة المخدرة منهما لتعاطيها أو الاتجار فيها حرام بلا شك لوجوه:
أولًا: ما ورد في الحديث الذي رواه الطبراني عن ابن عباس رضى الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ حَبَسَ الْعِنَبَ أَيَّامَ الْقِطَافِ حَتَّى يَبِيعَهُ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا فَقَدْ تَقَحَّمَ النَّارَ»، فإن هذا يدل على حرمة زراعة الحشيش والأفيون للغرض المذكور بطريق دلالة النص.
ثانيًا: أن ذلك إعانة على المعصية وهي تعاطي هذه المخدرات أو الاتجار فيها وقد بينا فيما سبق أن الإعانة على المعصية معصية.
ثالثًا: أن زرعها لهذا الغرض رضا من الزارع بتعاطي الناس لها واتجارهم فيها، والرضا بالمعصية معصية؛ وذلك لأن إنكار المنكر بالقلب الذي هو عبارة عن كراهة القلب وبغضه للمنكر فرض على كل مسلم في كل حال، بل ورد في "صحيح مسلم" عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن من لم ينكر المنكر بقلبه -بالمعنى الذي أسلفناه- ليس عنده من الإيمان حبة خردل. على أن زراعة الحشيش والأفيون معصية من جهة أخرى بعد نهي ولي الأمر عنها بالقوانين التي وضعت لذلك؛ لوجوب طاعة ولي الأمر فيما ليس بمعصية لله ولرسوله بإجماع المسلمين كما ذكر ذلك الإمام النووي في شرح مسلم في باب طاعة الأمراء، وكذا يقال هذا الوجه الأخير في حرمة تعاطي المخدرات والاتجار فيها.
حكم الربح الناتج من الاتجار في المواد المخدرة والأدلة على ذلك
علم مما سبق أن بيع هذه المخدرات حرام فيكون الثمن حرامًا.
أولًا: لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ [البقرة: 188]، أي: لا يأخذ ولا يتناول بعضكم مال بعض بالباطل، وأخذ المال بالباطل على وجهين:
الأول: أخذه على وجه الظلم والسرقة والخيانة والغصب، وما جرى مجرى ذلك.
الثاني: أخذه من جهة محظورة كأخذه بالقمار أو بطريق العقود المحرمة كما في الربا وبيع ما حرم الله الانتفاع به كالخمر المتناولة للمخدرات المذكورة كما بينا آنفًا، فإن هذا كله حرام وإن كان بطيب نفس من مالكه.
وثانيًا: للأحاديث الواردة في تحريم ثمن ما حرم الله الانتفاع به كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ إِذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ» رواه ابن حبان عن ابن عباس.
وقد جاء في "زاد المعاد" ما نصه: [قال جمهور الفقهاء إنه إذا بيع العنب لمن يعصره خمرا حرم أكل ثمنه بخلاف ما إذا بيع لمن يأكله، وكذلك السلاح إذا بيع لمن يقاتل به مسلما حرم أكل ثمنه، وإذا بيع لمن يغزو به في سبيل الله فثمنه من الطيبات، وكذلك ثياب الحرير إذا بيعت لمن يلبسها ممن يحرم عليه لبسها حرم أكل ثمنها بخلاف بيعها لمن يحل له لبسها] اهـ بتصرف.
وإذا كانت الأعيان التي يحل الانتفاع بها إذا بيعت لمن يستعملها في معصية الله على رأي جمهور الفقهاء وهو الحق يحرم ثمنها لدلالة ما ذكرنا من الأدلة وغيرها عليه كان ثمن العين التي لا يحل الانتفاع بها كالمخدرات حرامًا من باب أولى، وإذا كان ثمن هذه المخدرات حرامًا كان خبيثًا، وكان إنفاقه في القربات كالصدقات والحج غير مقبول، أي لا يثاب المنفق عليه؛ فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [المؤمنون: 51]، وَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ [البقرة: 57]، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، ثُمَّ يَمُدُّ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ» وقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في "المسند" عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «وَالَّذِي نَفْسِى بِيَدِهِ، لَا يُسْلِمُ عَبْدٌ حَتَّى يُسْلِمَ قَلْبُهُ وَلِسَانُهُ، وَلَا يُؤْمِنُ حَتَّى يَأْمَنَ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» قَالُوا: وَمَا بَوَائِقُهُ يَا نَبِيَّ اللهِ؟ قَالَ: «غَشْمُهُ وَظُلْمُهُ؛ وَلَا يَكْسِبُ عَبْدٌ مَالًا مِنْ حَرَامٍ فَيُنْفِقَ مِنْهُ فَيُبَارَكَ لَهُ فِيهِ، وَلَا يَتَصَدَّقَ بِهِ فَيُقْبَلَ مِنْهُ، وَلَا يَتْرُكَ خَلْفَ ظَهْرِهِ إِلَّا كَانَ زَادَهُ إِلَى النَّارِ، إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ لَا يَمْحُو السَّيِّئَ بِالسَّيِّئِ؛ وَلَكِنْ يَمْحُو السَّيِّئَ بِالْحَسَنِ، إِنَّ الْخَبِيثَ لَا يَمْحُو الْخَبِيثَ».
وجاء في كتاب "جامع العلوم والحكم" لابن رجب أحاديث كثيرة وآثار عن الصحابة رضي الله عنهم في هذا الموضوع، منها ما روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ كَسَبَ مَالًا حَرَامًا، فَتَصَدَّقَ بِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ أَجْرٌ، وَكَانَ إِصْرُهُ عَلَيْهِ». ومنها ما في مراسيل الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أَصَابَ مَالًا مِنْ مَأْثَمٍ، فَوَصَلَ بِهِ رَحِمَهُ، أو تَصَدَّقَ بِهِ، أَوْ أَنْفَقَهُ فِي سَبِيلِ الله، جُمِعَ ذَلِكَ جَمِيعًا، ثُمَّ قُذِفَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ». وجاء فيه أيضًا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ بِالنَّفَقَةِ الْخَبِيثَةِ، فَوَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ -بمعنى الرِّكَاب-، فَنَادَى لَبَّيْكَ اللهمَّ لَبَّيْكَ، نَادَاهُ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: لَا لَبَّيْكَ وَلَا سَعْدَيْكَ، زَادُكَ حَرَامٌ، وَنَفَقَتُكَ حَرَامٌ، وَحَجُّكَ غَيْرُ مَبْرُورٍ».
فهذه الأحاديث التي يشد بعضها بعضًا تدل على أنه لا يقبل الله صدقة ولا حجًا ولا قربة أخرى من القرب من مال خبيث حرام، ومن أجل ذلك نص علماء الحنفية على أن الإنفاق على الحج من المال الحرام حرام.
الخلاصة
خلاصة ما قلناه:
أولًا: تحريم تعاطي الحشيش والأفيون والكوكايين ونحوها من المخدرات.
ثانيًا: تحريم الاتجار فيها واتخاذها حرفة تدر الربح.
ثالثًا: حرمة زراعة الأفيون والحشيش لاستخلاص المادة المخدرة لتعاطيها أو الاتجار فيها.
رابعًا: أن الربح الناتج من الاتجار في هذه المواد حرام خبيث، وأن إنفاقه في القربات غير مقبول، بل حرام.
قد أطلت القول إطالة قد تؤدي إلى شيء من الملل، ولكني آثرتها تبيانًا للحق وكشفًا للصواب ليزول ما قد عرض من شبهة عند الجاهلين، وليعلم أن القول بحل هذه المخدرات من أباطيل المبطلين وأضاليل الضالين المضلين، وقد اعتمدت فيما قلت أو اخترت على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى أقوال الفقهاء التي تتفق مع أصول الشريعة الغراء ومبادئها القويمة.
والحمد لله رب العالمين، وهو الهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى وآله وصحبه أجمعين.
والله سبحانه وتعالى أعلم.