بيان فضل العفو والتجاوز عن المعسر

تاريخ الفتوى: 16 مايو 2023 م
رقم الفتوى: 7677
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: الديون
بيان فضل العفو والتجاوز عن المعسر

يقول السائل: أعطى أخ لأخيه مبلغًا من المال وعند سداد الدين تعسر الأخ وأرد العفو عنه رغبة في ثواب ذلك؛ ويسأل عن فضل العفو والتجاوز عن المعسر.

مطالبة الإنسان بحقِّه في الشرع الشريف أمر مباح وليس بواجب، ما دام أن ذلك الحق المطلوب هو حقه وحده، لا يتعداه لغيره؛ فالأصل أنه يباح للإنسان أن يطالب بحقوقه، فإن أراد العفو عنها والمسامحة فيها لتعسر المدين أو حاجته أو لرغبة فيما وراء العفو من الثواب والأجر؛ فإن ذلك من محاسن الأخلاق التي ندب الشرع إليها وحثَّ عليها؛ لما فيه من التآلف بين القلوب وتوطيد العلاقات الإنسانية بين الإنسان وأخيه.

وقد تكاثرت الأدلة التي تحث على ذلك من القرآن الكريم والسنة المطهرة:
يقول الله تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 280]، وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: 134].

قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (3/ 374، دار عالم الكتب): [﴿وَأَن تَصَدَّقُوا﴾.. ندب الله تعالى بهذه الألفاظ إلى الصدقة على المعسر، وجعل ذلك خيرًا من إنظاره] اهـ.

وقال أيضًا (4/ 207): [العفو عن الناس أجلُّ ضُرُوب فعل الخير؛ حيث يجوز للإنسان أن يعفو وحيث يتجه حقه] اهـ.

وقال الإمام أبو محمد مكي بن أبي طالب في "الهداية إلى بلوغ النهاية" (10/ 6320، ط. جامعة الشارقة): [ومعنى: ﴿فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾ [الزمر: 18]، أي: يتبعون ما أمر الله به الأنبياء من طاعته؛ فيعملون به؛ أي: يستمعون العفو عن الظالم والعقوبة، فيتبعون العفو ويتركون العقوبة وإن كانت لهم.

وإنما نزل ذلك فيما وقع في القرآن في الإباحة فيفعلون الأفضل مما أبيح لهم؛ فيختارون العفو على القصاص والصبر على الانتقام اقتداء بقوله تعالى: ﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور﴾ [الشورى: 43]] اهـ.

وعلى هذا تواردت عبارات الفقهاء:

قال العلامة ابن رشد الجد في "المقدمات الممهدات" (3/ 425، ط. دار الغرب الإسلامي): [فأما في الدنيا: فالعفو والصفح عن الظالم أولى من الانتصار منه بأخذ الحقِّ منه في بدنه أو ماله؛ لقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [الشورى: 40]، وقوله: ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: 134]، وقوله: ﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ [الشورى: 43]، ولا يعارض هذا قوله عزَّ وجلَّ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ﴾ [الشورى: 39]؛ لأن المدحة في ذلك وإن كانت متوجهة بهذه الآية لمن انتصر ممن بغي عليه بالحق الواجب ولم يتعد في انتصاره وكان مثابًا على ذلك لما فيه من الردع والزجر: فهو في العفو والصفح أعظم ثوابًا بدليل قوله بعد ذلك: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾] اهـ.

وقال الإمام القرافي في "الفروق" (4/ 293، ط. عالم الكتب): [الأحسن للمظلوم الصبر والعفو عن الظالم لقوله تعالى: ﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ أي: من معزومها ومطلوبها عند الله تعالى.

فإن زاد في الإحسان على ذلك بأن دعا له بالإصلاح والخروج عن الظلم؛ فقد أحسن إلى نفسه بمثوبة العفو وتحصيل مكارم الأخلاق، وإلى الجاني بالتسبب إلى إصلاح صفاته، وإلى الناس كافة بالتسبب إلى كفايتهم شره] اهـ.

بل إنَّ المسامحة هنا وهي من المندوبات تفضل الواجب في هذه المسألة؛ وهو الإنظار إلى ميسرة لاستيفاء هذه الحقوق.

قال الإمام ابن نجيم في "الأشباه والنظائر" (ص: 131-132، ط. دار الكتب العلمية): [الفرض أفضل من النفل إلا في مسائل:

الأولى: إبراء المعسر مندوب، أفضل من إنظاره الواجب.

الثانية: الابتداء بالسلام سُنَّة، أفضل من رده الواجب.

الثالثة: الوضوء قبل الوقت مندوب، أفضل من الوضوء بعد الوقت وهو الفرض] اهـ.

وممَّا يدل على استحسان العفو عن الحقوق من السنة المطهرة: ما أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه" من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنَّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآلهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ».

وما أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه؛ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «ثَلاَثٌ وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنْ كُنْتُ لَحَالِفًا عَلَيْهِنَّ: لاَ يَنْقُصُ مَالٌ مِنْ صَدَقَةٍ فَتَصَدَّقُوا، وَلاَ يَعْفُو عَبْدٌ عَنْ مَظْلِمَةٍ يَبْتَغِى بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا عِزًّا، وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِى هَاشِمٍ: إِلاَّ زَادَهُ اللَّهُ بِهَا عِزًّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلاَ يَفْتَحُ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلاَّ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ».

قال الإمام الباجي في "المنتقى شرح الموطأ" (7/ 324، ط. مطبعة السعادة): [وقوله «وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ» يريد بالتجاوز عنه بمعونة الله عزَّ وجلَّ مما له قصاص وانتصار «إِلَّا عِزًّا» يريد رفعة في قلوب الناس وقوة على الانتصار] اهـ.

وقال القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (8/ 59، ط. دار الوفاء): [وقوله: «مَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا»: فيه -أيضًا وجهان: أحدهما: ظاهره: أن مَن عرف بالصفح والعفو ساد وعظم في القلوب وزاد عِزَّه، الثاني: أن يكون أجره على ذلك في الآخرة وعزته هناك] اهـ. ومما سبق يُعلَم الجواب عما جاء بالسؤال.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم الإقامة في بلاد غير المسلمين للدراسة؟ حيث إنني سافرت لبلد من بلاد غير المسلمين لدراسة الهندسة فأخبرني أحد الأصدقاء: أنَّه لا يجوز لي الإقامة في تلك البلاد لمجرَّد الدراسة؛ إذ لا تجوز الإقامة ببلاد غير المسلمين؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ» رواه أبو داود، فهل تجوز إقامتي في تلك البلاد لمجرد الدراسة؟


ما حكم رفع الصوت في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم دون قصد؟ فقد وقف بعضنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند الرأس الشريف يسأله أن يدعو له مشتغلًا بالصلاة والسلام عليه متوسلًا به في حق نفسه مستشفعًا به إلى ربه، وبينا هو في ورد صلاةٍ عليه جاءه بعض العسكر فأمروه بالانصراف، فأبى إذ كان موقفه متأخرًا مبعدًا عن الطريق ليس فيه من إيذاء ولا تضييق على أحد، فجذبوه بالعنف حتى كادوا أن يمزقوا ثيابه وهو يقول نحوًا من: دعني، اتركني يا هذا، أنا مشتغلٌ بالصلاة على رسول الله، أنا في حمى رسول الله، ولم يجاوز نحو هذه الألفاظ، ثم تذكر أنه قد رفع صوته ببعضها دون أن يشعر مع شدة وطأة العسكر عليه رغم حرصه على ألا يرفع صوته هناك بشيء. فهل ترونه قد حبط عمله وضاعت حجته وزيارته، أم ترانا نسمع منكم ما يبشره ويسلي الله به قلبه ويفرج كربه؟ علمًا بأنه قد رأى بعدها في المنام أنه قد أصبح الإمام الراتب لمسجد رسول الله وبعض الناس يتربصون به، علمًا بأنه قصد موقفه الأول بعد ذلك مستخفيًا في الناس متنكرًا حتى لا تراه العسكر، فرأوه فجاءوا إليه مغمومين يطلبون العفو والسماح.


ما هو الضابط في اعتبار الثياب صالحة للإحداد وهل هي من الزينة أو لا؟ وهل تنحصر ثياب الإحداد في اللون الأسود في الثياب؟


هل لي الحق في منع شخص من أصهاري يتسبب في فتنة في بيتي ومشكلات بين أهل بيتي من دخول البيت؟


ما حكم اتباع الإنصاف لغير المسلم المتقن في عمله؟ حيث بعض الناس يرفض ذلك ويقول بأن هذا مخالف لمبدأ الولاء والبراء؛ فما مدى صحة ذلك؟


ما المقصود من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّ فِي المَالِ لَحَقًّا سِوى الزَّكَاةِ»؟ وهل هذا يعني أنَّ المال يجب فيه شيء غير الزكاة المفروضة؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 14 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :10
الشروق
6 :43
الظهر
11 : 50
العصر
2:38
المغرب
4 : 56
العشاء
6 :19