هل يجوز شرعًا فتح القبر بعد الدفن لتحويل المتوفى الذي تم دفنه إلى غير جهة القبلة إلى ناحية القبلة؟
يجوز شرعًا فتح القبر لتوجيه الميت للقبلة إذا كان وقت الدفن قريبًا، ولم يحصل للميت تغيُّرٌ، وبشرط التصريح بذلك من الجهات المختصة. فإنْ طال الوقت؛ فالمختار عدم جواز فتح القبر؛ صيانةً لحرمة الميت وحفظًا لكرامته.
المحتويات
النَبْشُ في اللغة: هو استخراج الشيء واسْتثَارته ليستخرج ما فيه، ومنه نبشت الأرض نبشًا؛ أي: كشفْتُها، ومنه نبش القبر، ونبش البئر.
ونبش القبر: هو استخراج المدفون؛ قال العلامة الـمُطَرِّزِىّ في "الـمُغْرِب في ترتيب الـمُعْرِب" (ص: 453، ط. دار الكتاب العربي): [النبش: استخراج الشيء المدفون من باب طلب، ومنه النَّبَّاشُ الذي يَنْبُشُ القبور] اهـ.
وجاء في "المصباح المنير" (2/ 590، ط. المكتبة العلمية): [نبشته نبشًا من باب قتل استخرجته من الأرض، ونبشت الأرض نبشًا كشفتها، ومنه نبش الرجل القبر، والفاعل نباش للمبالغة، ونبشت السر أفشيته] اهـ.
قد اتفق الفقهاء على عدم جواز نبش القبر إلا لعذر أو ضرورة أو استدراك واجب؛ وذلك كاسترداد كفن مغصوب أو مال مغصوب وغيرها من الأمور التي تتعلق بالحقوق.
واختلفوا في جواز نبش القبر لتوجيه الميت للقبلة على قولين:
فذهب الحنفية إلى عدم جواز نبش القبر إذا أُهيل على الميت التراب، وتم الخروج من القبر؛ وذلك لأن توجيه الميت للقبلة سنة عندهم، والنبش حرام، أما إن كان قد وُضع الطوب اللبن عليه، ولم يُهَلْ عليه التراب، فقد أجازوا فتح القبر وتوجيه الميت إلى القبلة لإدراك السنة؛ قال العلامة السمرقندي الحنفي في "تحفة الفقهاء" (1/ 256-257، ط. دار الكتب العلمية): [ولو وضعوا في اللحد ميتًا على غير القبلة أو على يساره، ثم تذكروا فإن أبا حنيفة قال: إن كان بعد تشريج اللَّبِنَ قبل أن يُهيلوا التراب عليه أزالوا ذلك، ويوجه إلى القبلة على يمينه، وإن أهالوا التراب لم يُنْبَش القبر؛ لأن التوجيه إلى القبلة سنة والنبش حرام] اهـ.
وقال الإمام الكاساني الحنفي في "البدائع" (1/ 319، ط. دار الكتب العلمية): [ولو وُضع لغير القبلة، فإن كان قبل إهالة التراب عليه وقد سَرَّحُوا اللَّبِنَ أزالوا ذلك؛ لأنه ليس بنبش، وإن أُهِيلَ عليه التراب تُرك ذلك؛ لأن النبش حرام] اهـ.
وقال الإمام الزيلعي الحنفي في "تبيين الحقائق" (1/ 246، ط. المكتبة الأميرية الكبرى): [ولو وُضع الميت فيه لغير القبلة، أو على شِقِّهِ الأيسر، أو جعل رأسه في موضع رجليه، وأُهِيلَ عليه التراب لم ينبش، ولو سُوِّيَ عليه اللَّبِنُ ولم يُهل عليه التراب نُزِعَ اللَّبِنُ وَرُوعِيَ السنة] اهـ.
وذهب جمهور الفقهاء من المالكية، والشافعية، والحنابلة إلى جواز نبش القبر لتوجيه الميت للقبلة إن كانوا لم يفرغوا من تمام دفنه، وكذلك إذا أمنوا تغير الميت وأمنوا عليه عدم التفسخ.
قال الإمام ابن أبي زيد القيرواني المالكي في "النوادر والزيادات" (1/ 630، ط. دار الغرب الإسلامي): [قال علي عن مالك في مسلمٍ مات ليس معه إلا نصارى، فقبروه بغير غسل وجعلوا وجهه إلى غير القبلة: فإنه يُنْبَش ما لم يتغير، فيغسَّل، ويكفَّن، ويحنّط، ويصلى عليه، ويُقْبَرُ إلى القبلة، قال ابن القاسم: وكذلك إن نسوا أو جهلوا فقبروه بغير صلاة] اهـ.
وقال الإمام القرافي المالكي في "الذخيرة" (2/ 479، ط. دار الغرب الإسلامي): [قال ابن حبيب: ولو وُضع على شقه الأيسر أو أُلْحِدَ إلى غير القبلة، أو رجلاه موضع رأسه: أصلح إن أمن التغير] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "شرح المهذب" (5/ 303، ط. دار الفكر): [يجوز نبش الميت إذا دفن لغير القبلة] اهـ.
وقال العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي في "تحفة المحتاج" (3/ 204، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [أو دُفِنَ لغير القبلة وإن كان رجلاه إليها على الأوجه خلافًا للمتولي كما مرّ فيجب؛ ليُوجَّه إليها ما لم يتغير استدراكًا للواجب] اهـ.
وقال العلامة الخطيب الشافعي في "مغني المحتاج" (2/ 59، ط. دار الكتب العلمية): [أو دُفن لغير القبلة فيجب نبشُهُ ما لم يتغير، ويوجه للقبلة استدراكًا للواجب، فإن تغيَّر لم ينبش] اهـ.
وجاء في "حاشيتي العلامة القليوبي وعميرة على شرح الجلال المحلي" (1/ 413، ط. دار الفكر): [أو دفن لغير القبلة فيجب نبشُهُ ما لم يتغير وتوجيهه للقبلة] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 412، ط. مكتبة القاهرة): [وإن دفن من غير غسل أو إلى غير القبلة نُبِشَ، وغسّل، ووُجِّه، إلا أن يُخاف عليه أن يتفسخ، فيترك، وهذا قول مالك والشافعي وأبي ثور، وقال أبو حنيفة: لا يُنْبِشُ؛ لأن النبش مُثْلَةٌ، وقد نُهِيَ عنها، ولنا: أن الصلاة تجب ولا تسقط بذلك؛ كإخراج ما له قيمة، وقولهم: إن النبش مُثْلَةٌ، قلنا: إنما هو مُثْلَةٌ في حق من يُقْبَرُ ولا يُنْبَش] اهـ.
وقال العلامة الرحيباني الحنبلي في "مطالب أولى النهى" (1/ 916، ط. المكتب الإسلامي): [أو دفن لغير القبلة، فينبش ويوجه للقبلة مع أمن تفسخه أو أمن تغيّر] اهـ.
واستدلوا على جواز نبش القبر لحاجة أو لضرورة بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنه دفن أباه مع رجل آخر في قبر، قال: "ثم لم تَطِبْ نفسي أن أتركه مع آخر، فَاسْتَخْرَجْتُهُ بعد ستة أشهر فإذا هو كهيئته يوم وضعته! وجعلته في قبر على حدة" رواه البخاري؛ قال العلامة ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (3/ 336، ط. مكتبة الرشد): [قال المهلب: في هذا الحديث جواز إخراج الميت بعد ما يدفن إذا كان لذلك معنى، مثل أن ينسى غسله أو ما أشبه ذلك] اهـ.
بناء على ذلك: فالأصل وجوب توجيه الميت في قبره للقبلة على قول الجمهور، فإذا دُفِن لغير القبلة وأراد وَلِيُّهُ فتحَ قبره لتوجيهه للقبلة فلا مانع إذا كان العهدُ به قريبًا وأمن تغيَّرَهُ وأُمِنَت الفتنة، بشرط التصريح بذلك من الجهات المختصة، فإنْ بَعُدَ العهدُ بذلك فالمختار عدم النبش؛ صيانةً لحرمة المتوفى وحفظًا لكرامته.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
عندنا مقبرة امتلأت بالموتى الذين صاروا عظامًا، وليس عندنا مكان آخر للدفن، فكيف نصنع بالموتى الجُدُد؟
ما هي الكيفية الشرعية لتكفين الميت؟
ما حكم إلقاء موعظة على القبر بعد دفن الميت؟ حيث تُوفّي قريب من أقاربي، وشيَّعنا جنازته إلى أن وصلنا للقبور ودفنَّا الميت، فقام الشيخ بإلقاء موعظة بعد الدفن، فاختلف أحد المشيعين ورفع صوته، وقال: هذه بدعة. فما حكم الخطبة والموعظة على المقابر بعد الدفن وقبل الدعاء للميت؟
ما حكم الدعاء جهرًا عند الدفن، بأن يدعو الإمام ويؤمن الناس خلفه؟
استفتاء عن حكم الشرع في طريقة الدفن المقدمة من إحدى الشركات المتخصصة بمدينة سيدني باستراليا، ونص استفتاء الشركة جاء كالتالي: حفاظًا وصونًا لكرامة موتى المسلمين بعد دفنهم في استراليا بخاصة وفي جُلِّ بلاد العالم بصفة عامة، حيث تُغْمَرُ وتمتلئ المقابر بالمياه الجوفية والأمطار مما يجعل الميت مغمورًا في بركة من المياه، وهي مشكلة يترتب عليها ما يلي:
- الضرر والأذى الذي يحل بالموتى، فهل للميت حرمة كحرمته حيًّا؟
- هذه الحالة تحول دون تحلُّل الجثة وفنائها مع تراب الأرض بطريقة طبيعية.
- حالة التعفن والتحلُّل داخل المياه يترتب عليها مخاطر بيئية وصحية بيولوجية.
- استنفاد المساحة المخصصة لدفن موتى المسلمين مما يضطرهم إلى البحث عن أماكن نائية خارج المدن فضلًا عن ارتفاع تكلفة الدفن في استراليا والبلاد الغربية.
ملحوظة: طبيعة الأرض في استراليا صلصالية صوانية غير مسامية وتحتفظ بالماء زمنًا طويلًا.
لهذه الأسباب وغيرها.. وفَّق الله تعالى شركتنا لاختراع وابتكار واستحداث طريقة علمية عملية لحماية موتى المسلمين وغيرهم من هذه الأضرار، كما تمنح الجاليات الإسلامية فرصة أكبر من الاستفادة من مساحة الأرض.
وتسمح للعائلات المسلمة من دفن موتاهم في مقبرة واحدة حسب تعاليم الشريعة الإسلامية.
وهذا الإنجاز والابتكار يتمثل في وحدة دفن مستطيلة على حجم الجثمان من مادة خاصة واقية من تسرب أية نسبة من الماء تمامًا بالتجربة والمعاينة، وقد أطلق عليها مصطلح (OBS) بينما سيكون جسد الميت متصلًا بالأرض الطبيعية مباشرة.
ونفس الطريقة يتم دفن ميت آخر بوضع فاصل ترابي بين الوحدتين مع تغطية القبر بالتراب كاملًا بعد الدفن بطريقة مُعتادة. كما هو موضَّح في نص الفتوى التفصيلية.
فما هو حكم الشريعة الإسلامية فيما طرحناه؟ لنتمكن من تطبيقه وتعميمه واستخدامه بين المسلمين. وجزاكم الله خيرًا. مع فائق الاحترام.
ما حكم كتابة اسم المتوفى وطلب الدعاء له على حجر من الرخام على القبر؟ حيث يريد السائل أن يقيم حَجَرًا من الرخام على مقبرة أسرته؛ حتى تكون معروفة، وأن يكتب على الحجر ما يفيد طلب الدعاء لحصول انتفاع المتوفين بما يتم إهداؤه من ثواب مَا قُرِئ من القرآن لأرواحهم والدعاء لهم. فما حكم ذلك شرعًا؟