حكم وضع الطيب للمرأة إذا أرادت الإحرام

حكم وضع الطيب للمرأة إذا أرادت الإحرام

ما حكم وضع الطيب للمرأة إذا أرادت الإحرام؟ حيث تقول السائلة: نويتُ أداء العمرة، وكنت قد تعطَّرت قبل الإحرام، ثم وجدت بعد الإحرام رائحة العطر باقية، فما الحكم في ذلك؟ وهل يختلف الحكم في حق الشابَّة عن المرأة الكبيرة؟

لا حرج شرعًا على من تعطرت قبل الإحرام ثم وجدت أن رائحة العطر لا تزال باقية بعد الإحرام، وهذا لا يؤثر في إحرامها، ولا تُؤْمَر بإزالة تلك الرائحة الباقية؛ لأنه يستحب للمرأة ما يُسْتَحَبُّ للرجل عند الإحرام؛ من الغسل، والتطيُّبِ، وقد ورد أنَّ أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم كُنَّ يَفْعَلْنَ ذلك عند إحرامهنَّ، ويستوي في ذلك الشابة والكبيرة، ومَنْ قَصَدَت بذلك إقامة شعائر الدين كانت مأجورةً على قصدها.

التفاصيل ....

يُسْتَحَبُّ للمرأة ما يُسْتَحَبُّ للرجل عند الإحرام؛ من الغسل، والتطيُّبِ، ويستوي في ذلك الشابة والكبيرة؛ فروى الشيخان في "صحيحيهما" عن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: "كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم لإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ".

وقد ورد أنَّ أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم كُنَّ يَفْعَلْنَهُ عند إحرامهنَّ: فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: "كنا نَخْرُجُ مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى مكة، فنُضمِّدُ جباهنَا بالسُّكِّ المُطَيَّبِ عندَ الإحرام، فإذا عَرِقَت إحدانا سالَ على وجهها، فيراه النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم فلا ينهاها" أخرجه أحمد في "مسنده"، وأبو داود في "سننه"، وغيرهما.

قال العلامة القاري في "مرقاة المفاتيح" (5/ 1757، ط. دار الفكر): [هذا الحديث يصح الاستدلال به على جواز تطيب النساء] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة في "المغني" (3/ 303، ط. مكتبة القاهرة): [فصلٌ: ويستحب للمرأة ما يستحب للرجل؛ من الغسل عند الإحرام، والتطيب، والتنظف؛ لما ذكرنا من حديث عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: كنا نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنُضمِّدُ جباهنا بالمسك المطيب عند الإحرام، فإذا عَرِقَت إحدانا، سال على وجهها، فيراها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا ينكره علينا، والشابة والكبيرة في هذا سواء؛ فإنَّ عائشة رضي الله عنها كانت تفعله في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي شابة] اهـ.

والسُّكُّ: "طِيبٌ يُتَّخَذُ مِن مسكٍ ورامك"، والرامِك: نوعٌ من الطيب "أسودُ كالقار يُخلَط بالمسك؛ فيُجعَل سُكًّا"؛ كما قال الإمام الخليل [ت170هـ] في "العين" (5/ 272، 370، ط. دار الهلال). وهو "نوعٌ عزيز من الطيب"؛ كما قال العلامة العظيم آبادي في "عون المعبود" (11/ 147، ط. دار الكتب العلمية)، وقد ورد أن النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم كان يتطيَّب منه؛ فعن أنسِ بن مالك رضي الله عنه قال: "كانت للنبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم سُكَّةٌ يتطيَّب منها" أخرجه أبو داود في "السنن"، والترمذي في "الشمائل"، والبزار في "المسند"، والبيهقي في "الآداب"، وحسَّن إسنادَه صدرُ الدين المناوي [ت804هـ] في "كشف المناهج والتناقيح" (4/ 58، ط. الدار العربية للموسوعات)، والحافظ السيوطي في "الجامع الصغير"، وقال الحافظ ابن الملقن [ت804هـ] في "البدر المنير" (1/ 501، ط. دار الهجرة): [إسناده صحيح، ورجاله كلهم ثقات مخرَّج لهم في الصحيح] اهـ.

فالحديث "صريحٌ في جوازِ بقاءِ عين الطيب على بدنِ المحرمة، وإذا جازَ بقاء العين: فبقاء الأثر أولى"؛ كما قال الإمام ابن رسلان في "شرح سنن أبي داود" (8/ 419، ط. دار الفلاح)، ولا يضر في ذلك أن يكون طيبها كطيب الرجل؛ كما ذكرنا.

قال الإمام النووي في "المجموع" (7/ 219، ط. دار الفكر): [(أما) إذا طيب البدن فتعطر ثوبه فلا خلاف أنه ليس بحرام، وأنه لا فدية عليه، والله أعلم] اهـ.

وقال العلامة القسطلاني في "إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري" (3/ 106، ط. الأميرية) عند ترجمة تبويب البخاري (باب الطِّيبِ عِنْدَ الإِحْرَامِ): [(باب): استحباب استعمال (الطيب عند الإحرام)، في البدن والثوب، ولو للنساء] اهـ.

وقال العلامة البعلي في "كشف المخدرات" (2/ 294، ط. دار البشائر الإسلامية) في تعداد مستحبات الإحرام: [(و) سنَّ له أيضًا (تطيب في بدنٍ)، ولو امرأة؛ سواء كان مما تبقى عينُهُ؛ كالمسْكِ، أو أثرهُ؛ كالبخور وماء الورد] اهـ.

فدلَّ ذلك كله على أن "التطيّب عند الإحرام في مرتبة المندوبات، لا في مرتبة المباحات، ويشهد له الخبر، والأثر.. وبالجملة مَنْ قصد إقامة شعار الدين كان مأجورًا على قصده"؛ كما قال إمام الحرمين الجويني في "نهاية المطلب" (4/ 219، ط. دار المنهاج).

قال الإمام الشافعي في "اختلاف الحديث" (8/ 654، ط. دار المعرفة): [وبهذا كله نأخذ، فنرى جائزًا للرجل والمرأة أن يتطيبا بالغالية وغيرها مما يبقى ريحه بعد الإحرام] اهـ.

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكره أن يَرَىَ المرأةَ ليس في يدها أثرُ حناءٍ أو أثرُ خضابٍ؛ كذا قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فيما أخرجه البيهقي في "الآداب" وغيره، وهذا عامٌّ في الإحرام وغيره؛ ولذلك فإنَّ نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم كنَّ يختضبنَ بالحناء وهنَّ محرمات، وقد وردَ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال «الْحِنَّاءُ طِيبٌ» ذكره الإمام السرخسي [ت482هـ] في "المبسوط" (4/ 125، ط. دار المعرفة)، والسروجي وعزاه للنسائي؛ كما قال الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح" ثم قال (5/ 1851، ط. دار الفكر): [وأما الحناء فهو طِيبٌ عند علمائنا، ورُوي أن نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم يختضبن بالحناء وهنَّ مُحْرِمات، أي: مريدات للإحرام] اهـ.

وقال الإمام النووي في "المجموع" (7/ 219): [قال الشافعي في "الأم" و"المختصر": أحب للمرأة أن تخضب للإحرام، واتفق الأصحاب على استحباب الخضاب لها] اهـ.

وقال الشيخ ابن تيمية فيما نقله عنه برهان الدين ابن مفلح في "المبدع" (3/ 156، ط. دار الكتب العلمية): [فأما خضابها به عند الإحرام: فمستحب؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما، ولأنه من الزينة فاستحب عند الإحرام كالطيب] اهـ.

وقال العلامة المرداوي في "الإنصاف" (3/ 506، ط. دار إحياء التراث العربي): [فائدة: يستحب لها الخضاب بالحناء عند الإحرام، قاله الأصحاب] اهـ.

ولا يُستَشكَلُ على ذلك بأنَّ الأولى للمرأة أن تجتنبَه في الإحرام قياسًا على أنه يكره في حقها أن تتطيب إذا أرادت حضور الجمعة، والجواب: أن هذا القياس لا يُسلَّم؛ لوجود فارق بينهما؛ لأن زمانَ الجمعة ومكانها ضيقٌ، لا يمكن للمرأة فيه تجنُّبَ الرجالِ، بخلاف الإحرام، ولأنَّه يكره للشابة حضور الجمعة ولا يكره لها الخروج للإحرام.

قال الإمام الروياني في "بحر المذهب" (3/ 435، ط. دار الكتب العلمية): [فإن قيل: أليس قلتم إذا أرادت حضور الجمعةَ تجتنب الطيب وإن استحب للرجل؟

قلنا: إن الفرق أن الحكم هناك أضيق لأنه يكره للشابة حضور الجمعة ولا يكره لها الخروج للإحرام، ولأن هناك يضيق المكان بالازدحام، وفي الحج لا يضيق المكان ويتَّسِع الانفراد، فافترقا] اهـ.

وقال العلامة الدميري في "النجم الوهاج" (3/ 453، ط. دار المنهاج): [والفرق بين استحباب الطيب للمرأة هنا وعدم استحبابه إذا ذهبت للجمعة: أن زمان الجمعة ومكانها ضيقٌ، لا يمكن للمرأة فيه تجنُّبَ الرجالِ، بخلاف الإحرام] اهـ.

وقال الإمام برهان الدين ابن مفلح في "المبدع" (3/ 154): [وإنما كره في الجمعة خوف الفتنة؛ لقربها من الرجال، ولهذا لا يلزمها بخلاف الحج] اهـ.

وبناءً على ذلك: فيُسْتَحَبُّ للمرأة ما يُسْتَحَبُّ للرجل عند الإحرام؛ من الغسل، والتطيُّبِ، وقد ورد أنَّ أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم كُنَّ يَفْعَلْنَهُ عند إحرامهنَّ، ومَنْ قَصَدَت في ذلك إقامة شعار الدين كانت مأجورةً على قصدها، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكره أن يَرَىَ المرأةَ ليس في يدها أثرُ حناءٍ أو أثرُ خضابٍ، وكانت نساؤه صلى الله عليه وآله وسلم يختضبنَ بالحناء وهنَّ محرمات، والحناء من الطيب.

وفي واقعة السؤال: فلا حرج على المرأة شرعًا إذا تعطرت قبل الإحرام ثم وجدت أن رائحة العطر لا تزال باقية بعد الإحرام، ولا يؤثر هذا في إحرامها شيئًا، ولا تؤمر بإزالة الرائحة الباقية، ويستوي في ذلك الشابة والكبيرة.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا