هناك من الناس من يعترض على قول صاحب البردة: "ومِن عُلومِكَ عِلْمَ اللوحِ والقَلَمِ" ويتهمُ قائل ذلك باتهامات بالغة، ويدَّعي أن في هذا منازعة لله تعالى في علمه. فما صحة هذا الاعتراض؟ وما الرد على ذلك؟
هذا الاعتراض ناشئ عن الجهل بالله تعالى؛ فإن علم الله تعالى أزلي أبدي، وتعالى أن يحيط به مخلوق.
والمراد من قول صاحب البردة في حق النبي صلى الله عليه وآله وسلم "ومِن عُلومِكَ عِلْمَ اللوحِ والقَلَمِ": أنَّ اللوحَ والقلمَ من بعض علومه صلى الله عليه وآله وسلم التي علمها إياه الله تعالى أو أن الله تعالى أطلعه على ما كتب القلم في اللوح المحفوظ، وعلى علوم الأولين والآخرين، وهذا مِن جاهه عند الله تبارك وتعالى.
ولو نازع منازِعٌ في ذلك وأنكر فغاية ما يرد عليه نقلُ هذه المسألة من حيز القطعية إلى الظنية، فلا يكفر المخالف فيه ولا يبدع، وليس للمنازع أن ينقل المسألة من حيز الخلاف في ثبوت هذا المعنى في الكتاب والسنة أو عدم ثبوته إلى كونه شركًا أو كفرًا أو غُلُوًّا.
المدائح النبوية سنة نبوية كريمة درج عليها المسلمون سلفًا وخلفًا، وقصيدة الإمام البوصيري رضي الله عنه المعروفة باسم "البردة" تُعَدُّ من عيون الشعر العربي، ومن أروع قصائد المدائح النبوية، ودرة ديوان شعر المديح في الإسلام الذي جادت به قرائح الشعراء على مرِّ العصور، وهذا القول جزءٌ من بيت من أبياتها وهو:
فإنَّ مِن جُودِكَ الدنيا وضَرَّتَها ... ومِن عُلومِكَ عِلْمَ اللوحِ والقَلَمِ
وقد اعتُرِضَ على هذا البيت: بأنه جَعَل اللَّوْحَ والقَلَمَ بعضَ عُلُومِه صلى الله عليه وآله وسلم، فماذا بقي لله عز وجل من العلم؟
وهذا الاعتراض ناشئ عن الجهل بالله تعالى؛ فإن علم الله تعالى أزلي أبدي، وهو صفة من صفات ذاته، لا حد له، ولا نهاية، وتعالى أن يحيط به مخلوق؛ لوحًا كان أو قَلَمًا، فمن المحال إحاطةُ المخلوق بالخالق سبحانه أو بصفة من صفاته. كما أن علمه تعالى غير متوقف على وجود اللوح أو القلم، فقد علمهما قبل أن يوجِدَهما، والذي ورد في الحديث أن الله تعالى أمر القلم أن يكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، أي: أن معلوماته مع كثرتها متناهية محصورة، فلو كانت "مِنْ" في كلام الناظم رحمه الله تعالى هنا للتبعيض وكان مرادُه أنَّ اللوحَ والقلمَ بعضُ علومه صلى الله عليه وآله وسلم التي علمها إياه الله تعالى، فليس في هذا مساواةٌ للمخلوق بالخالق أو وصفُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما يختص به الله تعالى.
ويمكن أن يستدلَّ لهذا القول بالأحاديث التي أخبر فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما هو كائن إلى يوم القيامة:
فمنها: ما رواه الإمام البخاري في "صحيحه" معلَّقًا بصيغة الجزم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "قام فينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم مقامًا، فَخَبَّرَنَا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم، وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه".
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6/ 291، ط. دار المعرفة): [ودلَّ ذلك على أنه أخبر في المجلس الواحد بجميع أحوال المخلوقات منذ ابتدئت إلى أن تفنى إلى أن تبعث؛ فشمل ذلك الإخبار عن المبدأ، والمعاش، والمعاد] اهـ.
ومنها: ما رواه الإمام البخاري في "صحيحه" عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «مَا مِنْ شَيْءٍ لَمْ أَكُنْ أُرِيتُهُ إِلاَّ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي؛ حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ».
ومنها: ما رواه الشيخان عن حذيفة رضي الله عنه قال: "لقد خطبنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطبة ما ترك فيها شيئًا إلى قيام الساعة إلا ذكره؛ علمه مَن علمه، وجهله مَن جهله".
منها ما رواه الإمام أحمد في "المسند" بسند صحيح من حديث سمرة رضي الله عنه قال: كسفت الشمس فصلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قال: «إنِّي وَالله لَقَد رَأيتُ مُنذُ قُمْتُ أُصَلِّي مَا أنتُمْ لَاقُوهُ مِن أَمْرِ دُنيَاكُمْ وآخِرتِكُم».
ومنها: حديث رؤيةِ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ربَّ العزة جل وعلا في المنام، والذي جاء فيه قولُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «فَرَأَيْتُهُ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ؛ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ أَنَامِلِهِ بَيْنَ ثَدْيَيَّ، فَتَجَلَّى لِي كُلُّ شَيْءٍ وَعَرَفْتُ» رواه الإمام أحمد في "المسند"، والترمذي في "سننه"، وابن خزيمة في "التوحيد"، والحاكم في "المستدرك"، وصححه الإمام أحمد والبخاري والترمذي وابن خزيمة والحاكم من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، ورواه الترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا بلفظ: «فَعَلِمْتُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ»، ولفظ الدارقطني في كتاب "الرؤية" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «فعلمتُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» ورواه الدارقطني في "الرؤية" أيضًا والطبراني في "الدعاء" من حديث عبد الرحمن بن عائش الحضرمي رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ: «فَعَلِمْتُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ».
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في كتابه "اختيار الأَوْلَى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى" (ص: 40، ط. مكتبة دار الأقصى): [وفيه دلالةٌ على شرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتفضيله بتعليمه ما في السماوات والأرض، وتجلي ذلك له مما تختصم فيه الملائكة في السماء وغير ذلك، كما أُري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض. وقد ورد في غير حديث مرفوعًا وموقوفًا: أنه أُعطِيَ علمَ كلِّ شيء خلا مفاتيح الغيب الخمس التي اختص الله عز وجل بعلمها] اهـ.
وفي شرح هذا البيت من البردة يقول الإمام العلامة الجلال المحلي في "شرحه على البردة" (مخطوط ق: 23، أ-ب): [ومِن علومِكَ علمَ اللوح والقلم، يُقال: إن الله تعالى أطلعه على ما كتب القلم في اللوح المحفوظ، وعلى علوم الأولين والآخرين، وهذا مِن جاهه عند الله تبارك وتعالى] اهـ.
ويقول شيخ الشافعية في زمنه العلامةُ ابن حجر الهيتمي في "العمدة في شرح البردة" (ص: 669، ط. دار الفقيه بالإمارات): [ووجه كون علم اللوح والقلم من بعض علومه صلى الله عليه وآله وسلم أن الله تعالى أطلعه ليلة الإسراء على جميع ما في اللوح المحفوظ، وزاده علومًا أُخَر؛ كالأسرار المتعلقة بذاته سبحانه وتعالى وصفاته] اهـ.
ولو نازع منازِعٌ في ذلك فغاية ما هنالك نقلُ هذه المسألة من حيز القطعية إلى الظنية، فلا يكفر المخالف فيها، وليس للمنازع أن ينقل المسألة من حيز الخلاف في ثبوت هذا المعنى في الكتاب والسنة أو عدم ثبوته إلى كونه شركًا أو كفرًا أو غُلُوًّا، على أنه يمكن أن تكون مِنْ هنا للجنس؛ أي: وعلم اللوح والقلم مِن جنس علومك، أي: أنهما علوم لَدُنِّيَّةٌ لا كسبية، ومصدرهما واحدٌ وهو الحضرة الربانية، وحينئذٍ فلا ورود للاعتراض أصلًا. ومما ذكر يُعلم الجواب عن السؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم معيشة ولد الزوج مع زوجة أبيه إذا كان يؤذيها؟ فقد توفي زوجي إلى رحمة الله، وهذا الزوج له ابن أتم تعليمه وبلغ سن الرشد، وكان والده قد أوصى بأنه عندما يتم تعليمه ينتقل لشقته حتى لا يكون مصدر خطر دائم، وكان يعيش معي في شقة الزوجية حال حياة والده، واستمر ذلك بعد وفاته إلى أن أتم تعليمه وبلغ سن الرشد، وحفاظًا مني على المودة والرحمة بالولد وبأسرة زوجي فقد عملت على خدمة هذا الولد بكل ما أستطيع، إلا أن هذا الولد فاسق بكل المعايير ويقوم بتوجيه ألفاظ نابية إليَّ، وحيائي يمنعني من ذكرها، وهي ألفاظ يندى لها الجبين لا تأتي إلا من مختل عقليًّا، علمًا بأنني أتلو كتاب الله دائمًا وأتدبر معانيه العظيمة، وحافظة جدًّا لحدود الله، وهذا الولد لا يقرأ القرآن ولا يستمع إليه، وحالته هذه كما كانت أيام حياة أبيه، وحاول الأب حال حياته بكل الأساليب التربوية أن يصلح من شأنه إلا أن الولد ظل كما هو حتى توفي والده، والآن أنا أواجَه بسوء سلوكه وعدم احترامه لي، وكان دائم الإساءة لفظًا وضربًا للشغالة وهي خرساء صماء، وخشية عليها وحتى لا تقع كارثة في بيتنا اضطررت أن أسلمها إلى أهلها، وأنا لا أرغب في العداء بحكم أنه نجل زوجي. فماذا أفعل وهو يرفض ترك شقة الزوجية -علمًا بأنها ملك لي- ومقيم معي بطريق البلطجة؟
ما حكم نَسْب الأعمال الكتابية -كالكتب والمقالات- إلى غير كاتبيها؟ وهل هذا يُعد كذبًا وغشًّا؟
ما حكم تبرع الإنسان بالدم؟ فأنا لي جارٌ مريض، ودائمًا ما أعلم أنه في حاجة إلى التبرع بالدم؛ فهل هناك مانع من ذلك شرعًا؟
نرجو منكم بيان ما ورد في الشرع الشريف من الحث على الالتزام بالعهود والمواثيق واحترامها والوفاء بها؛ سواء كان ذلك بين المسلمين بصفة خاصة أو بينهم وبين غيرهم بصفة عامة.
ما الآداب الإسلامية في الطرق والأماكن العامة؟ حيث يقوم بعض الناس بتصرفات غير لائقة في الأماكن العامة، لا يراعون فيها الآداب الإسلامية، ولا مشاعر الناس ولا ما تسببه بعض التصرفات من أذى لهم؛ كالبصق في الطرق والأماكن العامة، فما حكم الشرع في ذلك؟
ما حكم ما يقوله المصريون من كلمة: (احنا زارنا النبي) صلى الله عليه وآله وسلم للضيف عند قدومه؟ وهل هذا يجوز شرعًا؟
حيث إن بعض الناس قال لي: اتق الله في ألفاظك فهذه العبارات تخالف العقيدة، وهل تساوي زيارة أحد بزيارة النبي عليه الصلاة والسلام؟