ما حكم وضع كتب العلم الشرعي وما تحتويه من آياتٍ قرآنية وأحاديثَ نبوية وأسماء معظمة على الأرض؟
حكم وضع كتب العلم الشرعي على الأرض
العلمُ ميراثُ الأنبياء، وهو محفوظٌ في سطور الكتب وعلى أوراقها؛ ولأجْل ذلك عَظَّمَ الشَّرعُ الشريفُ حرمةَ الكتب والأوراق التي تحتوي على آياتٍ قرآنية، وأحاديثَ نبوية، وأسماءٍ معظمة؛ كأسماء الله تعالى، وأسماء الأنبياء والرسل عليهم السلام، وأوجب صيانتَها واحترامَها؛ قال الإمام ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (2/ 6، ط. المكتبة الإسلامية): [فإنَّ القرآنَ وكلَّ اسمٍ معظم كاسم الله أو اسم نبي له يجبُ احترامُه، وتوقيرُه، وتعظيمُه] اهـ.
وجاء في "حاشيتي قليوبي وعميرة" (4/ 177، ط. دار الفكر): [والمراد بالمصحف ما فيه قرآن، ومثله: الحديث، وكل علم شرعي أو ما عليه اسم معظم] اهـ.
واحترامُ كتب العلم الشرعي وما تحتويه من آياتٍ قرآنية وأحاديثَ نبوية، وتوقيرُها من تعظيم شعائرِ الله سبحانه وتعالى؛ قال جل شأنه: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾ [الحـج: 30]، وقال تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحـج: 32].
وقد كره الفقهاءُ وضْعَ كُتُب العلم الشرعي على الأرض من غير حاجة، كما كرهوا مدَّ الرِّجْل إليها إلا أن تكون في مكانٍ مرتفع عن المحاذاة، وكرهوا كذلك وضْع شيء فوقها؛ حتى لو كانت كتبًا أخرى غيرها أو ملابس أو غير ذلك، فضلًا عن الجلوس عليها؛ توقيرًا لما فيها من ذِكْر الله سبحانه وتعالى، وما تحويه من علوم الشريعة؛ قال الكمال ابن الهمام الحنفي في "فتح القدير" (1/ 420، ط. دار الفكر): [يُكرَه أن يمدَّ رِجْلَيْه في النوم وغيره إلى القبلة أو المصحف أو كتب الفقه إلا أن تكون على مكان مرتفع عن المحاذاة] اهـ.
وقال الإمام البهوتي الحنبلي في "دقائق أولي النهى لشرح المنتهى" (1/ 78، ط. عالم الكتب): [(وكُرِهَ مَدُّ رِجْلٍ إليه واسْتِدْبارُه) أي: المصحف، وكذا كُتُبُ عِلمٍ فيها قرآنٌ تعظيمًا، (و) كره (تَخَطِّيه)، وكذا رمْيُه بالأرض بلا وَضْعٍ ولا حاجة تدعو إليه.. وقد رمى رجل بكتاب عند أحمد، فغضب وقال أحمد: هكذا يُفعَلُ بكلام الأبرار؟!] اهـ.
وقد يصِلُ الحكمُ إلى التحريم إذا تضمَّن الفعل -أيًّا كان- شيئًا من الاستخفاف أو الإهانة لكتب الشريعة. قال الإمام ابن مفلح في "الآداب الشرعية والمنح المرعية" (2/ 285، ط. عالم الكتب): [يحرم الاتكاء على المصحف، وعلى كتب الحديث، وما فيه شيء من القرآن اتفاقًا] اهـ.
وقال العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي في "تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي" (1/ 153، ط. المكتبة التجارية الكبرى بمصر): [وقع السؤال في الدرس عما لو جعل المصحف في خُرْجٍ أو غيره وركب عليه، هل يجوز أم لا؟ فأجبت عنه بأن الظاهر أنه إن كان على وجهٍ يُعَدُّ إزراءً به.. حَرُمَ، وإلا فلا] اهـ. ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.