ما حكم تناول عقار الكبتاجون؟ حيث انتشر في الآونة الأخيرة تناول بعض الفئات لعقار "الكبتاجون" (Captagon)؛ فما حكم الشرع في تناول هذا العقار وتداوله؟
حكم تناول عقار الكبتاجون
لا يجوز شرعًا تناول عقار الكبتاجون (Captagon) وتداوله إلا تحت إشراف طبي وبالتصريحات المعتمدة لدى المختصين؛ لما ثبت في ذلك من الضرر على الشخص المتعاطي، ولا يقتصر الضرر على المتعاطي أو المدمن فقط، ممَّا يجعل الحرمة لا تقف عند التعاطي، بل تتعدَّى إلى حرمة الاتجار والتهريب والتداول.
التفاصيل ....المحتويات
بيان المراد بعقار الكبتاجون
الكبتاجون (Captagon): هو أحد مشتقات مادتي الأمفيتامين (Amphetamine) والتيوفيلين (Theophylline)، وهو عبارة عن مادة كيميائية مُنشِّطة تقوم بزيادة نشاط الجهاز العصبي المركزي للإنسان، وزيادة ارتفاع ضغط الدم، وكذلك زيادة توتر العضلات والمفاصل، ويتسبب تناوله في الإدمان بنسبة كبيرة، بالإضافة إلى تسببه في بعض الأعراض الطبية الخطيرة الأخرى، والتي من أخطرها أنه يؤثِّر على أداء العقل، من خلال تنشيط المخ وزيادة نشاط الجهاز العصبي المركزي للإنسان؛ كما أفاده موقع الأدوية الأمريكي "drugs.com"، وموقع المكتبة الوطنية الأمريكية للطب (National Library of Medicine).
وهو -بهذا الوصف- يندرج مع تعريف منظمة الصحة العالمية لمصطلح المخدِّرات بأنَّه:
كل مادة خام أو مستحضرة أو مصنعة، يُؤدِّي تناولها إلى اختلال في وظائف الجهاز العصبي المركزي سواء بالتهبيط أو التنشيط أو الهلوسة.
حكم تناول عقار الكبتاجون
على هذا؛ فعقار الكبتاجون (Captagon) داخل فيما يُؤثّر تناوله على العقل البشري؛ وهو المعنى الأعم للمخدِّر؛ فالمخدِّرات -في اللغة- جمع مُخدِّر، والمخدِّر مشتق من مادة (خ د ر)، وهذه المادة تدلّ بالاشتراك على معانٍ: منها: الستر والتغطية، ومنه قيل: امرأة مخدَّرة؛ أي مستترة بخِدْرها، ومنها: الظلمة الشديدة، ومنها: الكسل والفتور والاسترخاء، ومنها: الغَيْم والمطر، ومنها: الحيرة. ينظر: "لسان العرب" (4/ 230، ط. دار صادر).
ولا يخرج تعريف المخدِّرات في الاصطلاح الفقهي عَمَّا هي عليه في اللغة؛ فعرَّفها ابن حجر الهيثمي في "الزواجر" (ص: 356، ط. دار الفكر) بأنَّها: [كل ما يتولَّد عنه: تغطية العقل وفقدان الإحساس في البدن أو فتوره] اهـ.
وقد دَلَّت الأدلة الشرعية على حرمة تناول المخدِّرات وما في معناها من كل مؤثر على العقل؛ قال تعالى: ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195].
قال العلامة الطاهر ابن عاشور في "التحرير والتنوير" (2/ 215، ط. الدار التونسية) مفسرا الآية السابقة: [ووقوع فعل: (تلقوا) في سياق النهي يقتضي عموم كل إلقاء باليد للتهلكة، أي كل تسبب في الهلاك عن عمد فيكون منهيًّا عنه محرمًا ما لم يوجد مقتضٍ لإزالة ذلك التحريم] اهـ.
ولا شكَّ أنَّ تعاطي عقار الكبتاجون (Captagon) من دون إشراف طبي فيه إلحاق الضرر بالنفس وتعريضها للهلاك والمخاطر.
وممَّا يدلُّ على عدم اقتصار النهي والتحريم على المسكرات وشمولهما للمفترات وما يؤثر على العقل: ما رواه الإمام أحمد في "مسنده" وأبو داود في "سننه" عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: "نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفْتِرٍ".
قال الإمام الخطابي في "معالم السنن" (4/ 267، ط. المطبعة العلمية بسوريا): [المفتر: كل شراب يورث الفتور والرخوة في الأعضاء والخدر في الأطراف، وهو مقدِّمة السكر، ونهي عن شربه لئلا يكون ذريعة إلى السكر] اهـ.
وعقار الكبتاجون وما يسببه من تأثيرات على العقل بالتنشيط مشارك للحشيش في الجامع الذي من أجله نص العلماء على تحريم الحشيش الذي لا يكون تأثيره على العقل بالسكر كالخمر، بل بالتنشيط كالكبتاجون؛ حتى نَقَل الإجماع على هذه الحرمة الإمام البدر العيني؛ حيث قال في "البناية" (12 /370، ط. دار الكتب العلمية): [لأنَّ الحشيش غير قتّال، لكن مخدر، ومفتر، ومكسل، وفيه أوصاف ذميمة، فكذلك وقع إجماع المتأخرين رَحِمَهُمُ اللَّهُ على تحريم أكله] اهـ.
والقواعد الشرعية تقتضي أيضًا القول بمنع تناول عقار الكبتاجون، حيث ثبت أَنَّ إدمانه فيه ضرر حسي ومعنوي، وما كان ضارًّا فهو حرام؛ لحديث: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» رواه الإمام أحمد، وابن ماجه، والحاكم وصحَّحه.
كما أنَّ تعاطيه يتعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية في محافظتها على العقل والنفس والمال وهي من الضروريات الخمس. ينظر: "الموافقات للشاطبي" (1/ 31، ط. دار ابن عفان).
ولا يستثنى من ذلك إلا الأحوال المصرح بها قانونًا لحاجة أو ضرورة علاجية، وهذا لا يكون إلا تحت إشراف طبي، وبالتصريحات الطبية المعتمدة في مثل هذه الحالات.
ويجدر التنبيه إلى أنَّ التهاون في تناول هذا العقار -من دون الضوابط المرعية السابقة- يعود بالضرر على عموم المجتمع، ولا يقتصر الضرر على المتعاطين أو المدمنين أنفسهم، ممَّا يجعل الضرر أعظم والحرمة أشد، وممَّا يجعل الحرمة لا تقف عند التعاطي ولا التناول؛ بل تتعدى إلى حرمة الاتجار والتهريب والتداول.
وهي أمور ممنوعة شرعًا ورد في شأنها الوعيد الشديد؛ حيث أخرج البزار في "مسنده" والطبراني في "الأوسط" والضياء في "المختارة" عن أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعن في الخمر عشرة: عَاصِرَهَا والمَعصُورَة لَه ومُشْتَريهَا وَبَائعَهَا والحَامِل والمَحْمُولة إِليه وَشَاربَها وسَاقِيهَا وآكِل ثَمنِهَا".
الخلاصة
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنَّ تناول عقار الكبتاجون (Captagon) وتداوله ممنوع شرعًا، إلا تحت إشراف طبي، وبالتصريحات المعتمدة لدى المختصين.
والله سبحانه وتعالى أعلم.