حكم الصلاة على الجنازة وهي محمولة في السيارة وكيفية إتمام الصلاة للمتأخر

حكم الصلاة على الجنازة وهي محمولة في السيارة وكيفية إتمام الصلاة للمتأخر

ما حكم الصلاة على الجنازة وهي محمولة في السيارة؟ فأنا تأخرت عن بداية صلاة الجنازة مع الإمام، فجئت وقد كبَّر الإمام تكبيرتين فدخلت معهم في الصلاة وهو في التكبيرة الثالثة، وكانت الجنازة موضوعة أمام الإمام في سيارة نقل الموتى؛ نظرًا للزحام الشديد والتدافع، وبعد أن سلَّم الإمام تحركت السيارة فأكملت ما بقي لي من التكبيرات.

فما حكم الصلاة على الجنازة وهي محمولة في السيارة؟ وكيف أتصرف إذا سبقني الإمام بتكبيرتين؟ وما حكم تحرك سيارة نقل الموتى قبل إتمام صلاتي عليها؟ وهل ما فعلتُه صحيح؟

الصلاة على الجنازة وهي محمولة على سيارة نقل الموتى صحيحة ولا حرج فيها؛ بناءً على ما ذهب إليه فقهاء المالكية والشافعية، وهو موافقٌ لمذهب الحنفية والحنابلة عند وجود العذر، وهو هنا الخوف على الجنازة من الزحام والتدافع، وإذا تأخر حضور المأموم عن صلاة الجنازة فسبقه الإمام ببعض التكبيرات: كبَّر المأموم، وصلَّى مع الإمام ما أدركه ثم يقضي ما فاته بعد سلام الإمام، أو يدخل الصلاة على أنها التكبيرة الأولى ثم يكمل صلاته بعد سلام الإمام، ولا يضر في ذلك تحركُ الجنازةِ قبل قضاء التكبيرات؛ لما فيه من سهولة التطبيق على من سُبِق بتكبيرة فأكثر، ورفعًا للحرج والمشقة، وتحصيلًا لمصلحة إقامة صلاة الجنازة؛ لنفع المصلِّي والمصلَّى عليه.

التفاصيل ....

المحتويات

 

فضل صلاة الجنازة

حثَّ الشرعُ الشريفُ على صلاة الجنازة، ورتَّب عليها الأجر والثواب، وجعلها من حقوق الموتى على الأحياء؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ شَهِدَ الجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّيَ، فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَ حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ»، قِيلَ: وَمَا القِيرَاطَانِ؟ قَالَ: «مِثْلُ الجَبَلَيْنِ العَظِيمَيْنِ» متفقٌ عليه.

كما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «خَمْسٌ مِنْ حَقِّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ: رَدُّ التَّحِيَّةِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَشُهُودُ الْجِنَازَةِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ إِذَا حَمِدَ اللهَ» أخرجه الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي وأبو يعلى في "مسانيدهم"، والإمام ابن ماجه في "سننه".

حكم صلاة الجنازة

أجمع العلماء على أن صلاة الجنازة من الفروض الكفائية التي إذا قام بها البعض سقط الإثم عن الباقين، وإذا لم يقم بها أحد: أثِمَ الجميع.

قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (1/ 311، ط. دار الكتب العلمية): [الإجماع منعقد على فرضيتها أيضًا، إلا أنها فرض كفاية؛ إذا قام به البعض يسقط عن الباقين؛ لأن ما هو الفرض وهو قضاء حق الميت: يحصل بالبعض، ولا يمكن إيجابها على كل واحدٍ من آحاد الناس؛ فصار بمنزلة الجهاد، لكن لا يسع الاجتماع على تركها] اهـ.

وقال القاضي عياض المالكي في "إكمال المُعلم" (7/ 46، ط. دار الوفاء): [لا خلاف أن القيام بذلك على الجملة: فرض، لكنه في الجنازة: على الكفاية، حتى إذا لم يكن بالحضرة عدة كثيرة إلا مَن يقوم: تعيَّن عليهم] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (5/ 212، ط. دار الفكر): [نقلوا الإجماع على وجوب الصلاة على الميت] اهـ.

شروط صحة صلاة الجنازة

يشترط لصحة صلاة الجنازة ما يشترط لصحة الصلوات المفروضة؛ من الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر، وطهارة البدن والثوب والمكان من النجاسات، وستر العورة، واستقبال القبلة، والقيام للقادر عليه، ونحو ذلك.

ومن جملة هذه الشروط: وضع الجنازة أمام المصلين أثناء الصلاة عليها.

قال الإمام شمس الدين السرخسي الحنفي في "المبسوط" (2/ 65، ط. دار المعرفة): [الشرط: أن تكون الجنائز أمام الإمام] اهـ.

وقال الإمام ابن عبد البر المالكي في "الاستذكار" (3/ 52، ط. دار الكتب العلمية): [أجمعوا أنه لا يُصلّى عليها إلا إلى القبلة] اهـ.

وقال العلامة شطا الدمياطي الشافعي في "إعانة الطالبين" (2/ 149، ط. دار الفكر): [وشرط عدم تقدم المصلي على الميت؛ اتباعًا لما جرى عليه الأولون؛ ولأن الميت كالإمام، وهذا هو المذهب] اهـ.

وقال العلامة ابن مفلح الحنبلي في "الفروع" (3/ 340، ط. مؤسسة الرسالة): [يشترط لها كمكتوبة، (و)قال صاحب "الخلاصة" و"التلخيص" وجماعة: وحضور الميت بين يديه.. لأنها كإمام] اهـ.

حكم الصلاة على الجنازة وهي محمولة في السيارة

غير أنهم اختلفوا في صحة صلاة الجنازة إذا وضعت أثناء الصلاة عليها على دابة أو حملت على أعناق الرجال، أو نحو ذلك؛ كالسيارة.

فذهب فقهاء الحنفية والحنابلة إلى عدم صحتها، إلا إذا كان ذلك لعذر؛ كأن يكون المصلي مسبوقًا ببعض التكبيرات فرفعت الجنازة قبل أن ينتهي من صلاته، أو كانت الصلاة حال المطر الشديد الذي يتعذَّر معه وضعها على الأرض، ويلحق بذلك وقت انتشار الأوبئة والأمراض المعدية إذا تعذَّر معه عدم إمكان وضعها على الأرض.

قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (2/ 209، ط. دار الفكر): [(فلا تصح.. على نحو دابة) أي: كمحمول على أيدي الناس، فلا تجوز في المختار إلَّا من عذر] اهـ.

وقال العلامة الطحطاوي الحنفي في "حاشيته على مراقي الفلاح" (ص: 583، ط. دار الكتب العلمية): [قوله: "إلا من عذر"؛ كأن كان بالأرض وَحْلٌ لا يتأتى وضع الميت عليها] اهـ.

وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (2/ 117، ط. دار الكتب العلمية): [(فلا تصح) الصلاة (على جنازة محمولة) على الأعناق أو على دابة، أو أيدي الرجال؛ (لأنها) أي: الجنازة (كإمام)] اهـ.

وتوجيه ذلك: أنَّ الميت بمنزلة الإمام للمصلين؛ ومن شروط صحة الجماعة وربط صلاة المأموم بصلاة الإمام: اتحاد مكانهما؛ بأن يستقرا على الأرض أو على وسيلة واحدة؛ كسفينة أو قطار أو سيارة أو غيرها من الوسائل؛ فإذا اختلف المكان فلا يصحّ الاقتداء؛ كأن يقتدي واقفٌ على الأرض براكبٍ وسيلة من الوسائل، أو العكس، أو راكبٌ وسيلة براكبٍ وسيلة أخرى؛ ولما كان الميت بمنزلة الإمام وهو محمول على السيارة، والمصلُّون عليه بمنزلة المأمومين وهم واقفون على الأرض؛ فقد اختلف مكانهما.

قال العلامة ابن عابدين في "رد المحتار" (1/ 550): [شروط الاقتداء.. نية المؤتم) أي: الاقتداء بالإمام.. واتحاد مكانهما)، فلو اقتدى راجل براكب أو بالعكس، أو راكب براكب دابة أخرى: لم يصح؛ لاختلاف المكان؛ فلو كانا على دابة واحدة: صحَّ؛ لاتحاده] اهـ.

بينما ذهب فقهاء المالكية والشافعية إلى صحة الصلاة على الجنازة وهي محمولة على دابة أو على أعناق الرجال، ولم يشترطوا وضعها على الأرض، أو أن يتحد المكان؛ بل توسَّع الشافعية في ذلك؛ فأجازوا الصلاة عليها أثناء التحرك بها ما دامت في اتجاه القبلة، ولم يوجد حائل بينها وبين المصلين، ولم تبعد عن المصلين بأكثر من ثلاثمائة ذراع. وهو ما يساوي بالأطوال الحالية: مائة وخمسة وثمانين مترًا ونصف المتر (185.5مترًا) تقريبًا. ينظر: "المكاييل والموازين الشرعية" للأستاذ الدكتور/ علي جمعة (ص: 53، ط. دار الرسالة).

قال العلامة عليش المالكي في "منح الجليل" (1/ 484، ط. دار الفكر): [(وركنها) أي: صلاة الجنازة (النية)؛ بأن ينوي الصلاة من بين يديه، ولا يلزم استحضار فرضيتها، ولا كونه ذكرًا مثلًا، ولا وضعها عن الأعناق] اهـ.

وقال العلامة الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (2/ 26، ط. دار الكتب العلمية): [ولو أحرم على جنازة يمشي بها وصلى عليها وبينه وبينها ثلاثمائة ذراع فأقل، وهو محاذ لها؛ كالمأموم مع الإمام: جاز، وإن بَعُدتْ بعد ذلك] اهـ.

وقال العلامة البجيرمي الشافعي في "تحفة الحبيب" (2/ 294، ط. دار الفكر): [إذا أحرم على جنازة وهي سائرة، صحت بشروط ثلاثة؛ أن تكون سائرة إلى جهة القبلة حالة التحرم، وألَّا يبعد عنها بأكثر من ثلثمائة ذراع إلى تمام الصلاة، وألَّا يكون هناك حائل حالة التحرم، ولا تشترط المحاذاة على المعتمد، أما إذا أحرم عليها وهي قارة ثم رفعت، فلا يشترط شيء من ذلك] اهـ.

المختار للفتوى في حكم الصلاة على الجنازة وهي محمولة في السيارة

القول بصحة صلاة الجنازة مطلقًا؛ سواء وضعت الجنازة على الأرض؛ حيث أمكن ذلك، أو حملت على سيارة كما في الحالة المسؤول عنها هو المختار للفتوى؛ دفعًا للمشقَّة ورفعًا للحرج؛ لما تقرر في قواعد الفقه الكبرى أنَّ "المشقة تجلب التيسير"؛ كما في "الأشباه والنظائر" للإمام السيوطي (ص: 76، ط. دار الكتب العلمية).

ذلك أن أمرَ الصلاة على الجنازة مبنيٌّ على التخفيف؛ مراعاة لمصلحة الميت بأن يُخشى عليه من تغيُّرٍ أو انتهاكٍ أو نحو ذلك.

قال الإمام الرافعي في "العزيز شرح الوجيز" (2/ 439، ط. دار الكتب العلمية): [مبنى هذه الصلاة على التَّخفيف؛ خوفًا من التَّغيرات التي عساها تحدث في الميت] اهـ.

وصلاة الجنازة وإن كانت تجوز فرادى بلا خلاف، إلَّا أن السُّنَّةَ فيها أن تصلى جماعة؛ للأحاديث المشهورة في الصحيح في ذلك، مع إجماع المسلمين، وكلما كثر الجمع كان أفضل؛ كما أفاده الإمام النووي في "المجموع" (5/ 215).

آراء الفقهاء في حكم من فاته بعض التكبيرات في صلاة الجنازة

إذا تأخر حضور المأموم عن صلاة الجنازة فسبقه الإمام ببعض التكبيرات: كبَّر المأموم، وصلَّى مع الإمام ما أدركه، ثم أتى بما فاته من تكبيرات بعد سلام الإمام، وذلك على تفصيل بين الفقهاء في هل ينتظر المأموم المسبوق حتى يكبِّر الإمام التكبيرة التالية ويكبِّر معه، أو يدخل معه ولا ينتظره؟ وهل يبني على ما فاته من التكبيرات، أو يستأنف؟

فذهب الإمام أبو حنيفة ومحمد بن الحسن والمالكية إلى أنه ينتظر حتى يكبِّر الإمام التكبيرة التالية ويكبِّر معه، خلافًا لما ذهب إليه القاضي أبو يوسف من الحنفية والشافعية والحنابلة القائلين بدخول المسبوق مع الإمام حيث أدركه من غير انتظار للتكبيرة التالية.

كما يرى جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة: أن ما يأتي به المأموم بعد سلام الإمام هو قضاء ما فاته؛ فإن أدرك مع الإمام التكبيرة الثالثة والرابعة فقد فاتته التكبيرة الأولى والثانية؛ فبعد سلام الإمام يأتي بتكبيرتين؛ سواء رفعت الجنازة فورًا أو بقيتْ، مع اشتراطهم الانتهاءَ من القضاء قبل رفع الجنازة عن الأرض؛ فإن خاف رفعها والى بين التكبيرات دون قراءةٍ أو ذِكرٍ.

جاء في "الفتاوى الهندية" (1/ 164-165، ط. دار الفكر): [إذا جاء رجلٌ وقد كبَّر الإمام التكبيرة الأولى ولم يكن حاضرًا انتظره حتى يكبِّر الثانية ويكبِّر معه، فإذا فرغ الإمام كبَّر المسبوق التكبيرة التي فاتته قبل أن ترفع الجنازة، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى، وكذا إن جاء وقد كبَّر الإمام تكبيرتين أو ثلاثًا، كذا في "السراج الوهاج"] اهـ.

وقال العلامة الحصكفي في "الدر المختار" (ص: 120، ط. دار الكتب): [(والمسبوق) ببعض التكبيرات لا يكبِّر في الحال، بل (ينتظر) تكبير (الإمام ليكبر معه) للافتتاح؛ لما مرَّ أن كل تكبيرة كركعة، والمسبوق لا يبدأ بما فاته، قال أبو يوسف: يكبِّر حين يحضر (كما لا ينتظر الحاضر) في (حال التحريمة)؛ بل يكبر اتفاقًا للتحريمة، لأنه كالمدرك، ثم يكبران ما فاتهما بعد الفراغ نسقًا (بلا دعاء إن خشيا رفع الميت على الأعناق)] اهـ.

وقال العلامة السغناقي في "النهاية في شرح الهداية" (4/ 140، ط. جامعة أم القرى): [وقال أبو يوسف: يكبّر حين يحضر، وتفسير المسألة على قوله: فإنّه لما جاء وقد كبّر الإمام تكبيرة الافتتاح كبّر هذا الرجل حين حضر تكبيرة الافتتاح، فإذا كبّر الإمام الثانية تابعه فيها، ولم يصر مسبوقًا بشيء، وعندهما لا يُكبّر تكبيرة الافتتاح حين حضر، ولكن ينتظر حتّى يكبّر الإمام الثانية فيكبّر معه التكبيرة الثانية، ويكون هذا التكبير تكبيرة الافتتاح في حق هذا الرجل، فيصير مسبوقًا بتكبيرة يأتي بها بعدما يسلم الإمام. وجه قول أبي يوسف قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «اتبعْ إمَامَك فِي أيّ حَالٍ أَدرَكْتَه»، وقاس هذا بسائر الصلوات، فإن المسبوق يكبّر للافتتاح فيها حين ينتهي إلى الإمام فهذا مثله] اهـ.

وقال القاضي عبد الوهاب المالكي في "المعونة" (ص: 355، ط. المكتبة التجارية): [ومَن فاته بعض التكبير: قضى ما فاته، ودعا بين التكبيرات، إن لم يخف رفع الجنازة قبل فراغه، وإن خاف أن ترفع عن سرعة قضاه قضاء نسقًا؛ لأنه إذا خاف ذلك لم يمكنه أن يدعو؛ لأنه إن تشاغل بالدعاء حصل منه أن يكون مصليًا عليها بعد رفعها، وذلك غير جائز، وإذا أَمِن ذلك دعا بين التكبيرات؛ كما كان لو أدركها من أولها لزوال الضرورة] اهـ. ومعنى نَسَقًا؛ أي: يَعطِفُ ويَستأنِفُ التكبيرَ بعضَه على بعضٍ.

وقال العلَّامة الخرشي المالكي في "شرح مختصر خليل" (2/ 119، ط. دار الفكر): [(ص): ودعا إن تُركَت وإلَّا والى. (ش): يعني أن المسبوق إذا سلَّم الإمام فإنه يدعو بين تكبيرات قضائه إن تركت الجنازة، ويخفف في الدعاء إلا أن يُؤَخَّر رفعها فيتمهل في دعائه] اهـ.

وقال العلامة الرحيباني في "مطالب أولي النهى" (1/ 888-889، ط. المكتب الإسلامي): [(ويقضي مسبوق ندبًا) إذا سلم إمامه (ما فاته على صفته).. فيتابع إمامه فيما أدركه فيه، ثم إذا سلَّم إمامه كبَّر، وقرأ الفاتحة؛ لأن ما أدرك آخر صلاته، وما يقضيه أولها.. (فإن خشي) المسبوق (رفعها)، أي: الجنازة (تابع)، أي: والى بين (التكبير) من غير قراءة وصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا دعاء، (رفعت) الجنازة (أو لا)، قدمه في "الفروع" وحكاه نصًّا. (وإن سلَّم) مسبوقٌ عقب إمامه (ولم يقض) ما فاته؛ (صحّت) صلاته.. (ولا توضع) الجنازة بعد أن صُلِّي عليها (لصلاة أحد بعد رفعها) عن الأرض؛ تحقيقًا للمبادرة إلى مواراة الميت] اهـ.

وقال الإمام الشوكاني في "السيل الجرَّار" (ص: 215، ط. دار ابن حزم): [واللاحق ينتظر تكبير الإمام ثم يُكبِّر ويُتمُّ ما فاته بعد التسليم قبل الرفع] اهـ.

وذهب الشافعية إلى أنَّ ما يدركه المأمومُ مع الإمامِ هو أوَّلُ صلاته؛ فإن كان الإمام في التكبيرة الثانية؛ فهي الأولى للمأموم، فيقرأ فيها فاتحة الكتاب، وإن كان الإمام في التكبيرة الثالثة، فهي الثانية في حقِّ المأموم، فيصلي فيها على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهكذا بحيث يسير في صلاته وترتيبها على نظم الصلاة لو كان منفردًا، ويأتي بالأذكار في مواضعها، وسواء بقيت الجنازة أو رفعتْ.

قال شمس الدين الرملي في "نهاية المحتاج" (2/ 481، ط. دار الفكر): [(ويكبِّر المسبوق، ويقرأ الفاتحة، وإن كان الإمام في) تكبيرة (غيرها)؛ كالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو الدعاء؛ لأن ما أدركه أول صلاته، فيراعى ترتيبها] اهـ.

وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "فتح الوهاب" (1/ 112، ط. دار الفكر): [ويسنّ ألَّا ترفع الجنازة حتى يتم المسبوق، ولا يضرُّ رفعها قبل إتمامه] اهـ.

الخلاصة

بناء على ذلك: فالصلاة على الجنازة وهي محمولة على سيارة نقل الموتى صحيحة ولا حرج فيها؛ بناءً على ما ذهب إليه فقهاء المالكية والشافعية، وهو موافقٌ لمذهب الحنفية والحنابلة عند وجود العذر، وهو هنا الخوف على الجنازة من الزحام والتدافع.

وفي واقعة السؤال: فإذا أدركتَ الإمام وهو في التكبيرة الثالثة؛ فلكَ أن تُتابعَ الإمام على ما أدركتَهُ من تكبيرات؛ فتكبِّر الثالثة على أنها ثالثة في حقِّكَ، والرابعة على أنها رابعة أيضًا في حقك، ثم تقضي التكبيرتين المسبوقتين؛ فتقرأ بالفاتحة في الأولى، ونصف التشهد الأخير في الثانية؛ كما هو مذهب الجمهور، ولكَ أن تكبِّرَ مع الإمام على أنها الأولى في حقِّكَ، ومن ثَمَّ تكون التكبيرة الرابعة له هي الثانية في حقِّكَ، ثم بعد سلامه تؤدي التكبيرتين المسبوقتين على أنهما الثالثة والرابعة؛ كما هو مذهب الشافعية، ولا يضر في ذلك تحركُ الجنازةِ قبل قضاء التكبيرات، أخذًا بمذهب الشافعية؛ لما فيه من سهولة التطبيق على من سُبِق بتكبيرة فأكثر، ورفعًا للحرج والمشقة، وتحصيلًا لمصلحة إقامة صلاة الجنازة؛ لنفع المصلِّي والمصلَّى عليه.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا