خطورة إهانة المصحف في بلاد الغرب وكيفية تعامل المسلم مع ذلك

تاريخ الفتوى: 24 يناير 2023 م
رقم الفتوى: 7437
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: مستجدات ونوازل
خطورة إهانة المصحف في بلاد الغرب وكيفية تعامل المسلم مع ذلك

أنا مسلم مقيم في بلد غربي، رأيت شخصًا -غير مسلم- قام بتمزيق المصحف أمامي فغضبت جدًّا، وقمت بالرد عليه، وكدت أضربه وأمزِّق كتابه الذي يعتقد فيه، فهل هذا صحيحٌ شرعًا؟

المسلمون مجمعون على وجوب احترام المصحف وصيانته وتعظيمه، وتحريم تعريضه للامتهان، وتعريض المصحف للامتهان وتمزيقه جريمة دينية وأخلاقية وعرفية، وتندرج في العُرف الدولي الآن تحت ما يسمَّى بجرائم الكراهية التي تُشكل تحريضًا على العداوة والعنف، وعلى السائل وغيره أنْ يسلك الطرق القانونية لإدانة هذا العمل، وألَّا يقابل هذا الفعل بالعنف والسباب والشتم، أو تمزيق كتاب غير المسلمين الذي يؤمنون به أو يعظمونه؛ فكلُّ كتاب يشتمل على ما يؤمن به إنسان يكون تعظيمه وتحريم امتهانه واجبًا لهذا المعنى، إضافة إلى ما تشتمل عليه الكتب من أسماء الله تعالى وأسماء أنبيائه وكتبه الأخرى غالبًا؛ وناهيك عمَّا في طريقة الرد المذكورة في السؤال إلى هذا الرد من إساءة إلى غير المعتدي ممَّن يؤمن بهذا الكتاب ولم يشترك في الإساءة للمصحف بغير تمييز ولا إنصاف، وهذا له من المآل السيئ على صورة الدين ما لا يعلم مداه إلا الله تعالى.

المحتويات

 

مفهوم المصحف

المُصْحَفُ والمِصْحَفُ: الجامع للصحف المكتوبة بين الدَّفَّتَيْن، والكسر والفتح فيه لغة، قال أبو عبيد: تميم تكسرها وقيس تضمها، ولم يذكر من يفتحها ولا أنها تفتح إنما ذلك عن اللحياني عن الكسائي، قال الأزهري: وإنَّما سُمِّيَ المصحف مصحفًا؛ لأنَّه أصحف، أي جعل جامعًا للصحف المكتوبة بين الدَّفَّتَيْن. ينظر: "لسان العرب" للعلامة ابن منظور (9/ 186، ط. دار صادر).
والمصحف اصطلاحًا: اسمٌ للمكتوب فيه كلام الله تعالى بين الدَّفَّتَيْن، ويصدق المصحف على ما كان حاويًا للقرآن كله، أو كان مما يُسمَّى مصحفًا عرفًا، ولو قليلًا؛ كحزب. ينظر: "حاشية قليوبي على شرح المحلي للمنهاج" للإمام شهاب الدين القليوبي (1/ 39، ط. دار الفكر).

وجوب احترام المصحف وتعظيمه

المسلمون مجمعون على وجوب احترام المصحف وصيانته وتعظيمه، وتحريم تعريضه للامتهان، وأنَّ تعريض المصحف للامتهان مع العلم والعمد والاختيار ربما يخرج فاعله من دائرة الإسلام؛ قال الإمام النووي في "التبيان في آداب حملة القرآن" (ص: 190، ط. دار ابن حزم): [أجمع المسلمون على وجوب صيانة المصحف واحترامه] اهـ.
ولا شك أنَّ صيانة المصحف وتعظيمه واتخاذ كافة الوسائل الناجعة -الفعّالة- لذلك من تعظيم شعائر الله تعالى سواء بين المسلمين بعضهم مع بعض أو في تعظيم شأنه وصورته لدى كل إنسان ولو لم يكن مسلمًا، قال عزَّ وجلَّ: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32].
قال الإمام الألوسي في "روح المعاني" (9/ 141، ط. دار الكتب العلمية): [حُرُماتِ اللَّه جمع حرمة وهو ما يحترم شرعًا] اهـ.

الرد على تمزيق المصحف في بلاد الغرب

عند النظر في الفعل المسؤول عنه فإنَّه يعتبر دالًّا على ما يسمَّى بالكراهية التي لا تقابل بالكراهية المضادة؛ فالإسلام دينٌ دعا إلى المحبة ونبذ الكراهية وممارساتها بين البشرية جمعاء، والأصل في العلاقة بين المسلمين وغيرهم السلم والأمان والتعارف والتعاون، لا الكراهية والعنف.
فإن بادر غير المسلم بإبداء الكراهية والبغضاء: قطع المسلم أسباب الكراهية والتشاحن والبغضاء، ولم يجبه بما فيه سب أو شتم أو تحقير لمعتقده؛ امتثالًا لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: 108].
قال الإمام الرازي في "مفاتيح الغيب" (13/ 109، ط. دار إحياء التراث العربي): [اعلم أنَّ هذا الكلام أيضًا متعلِّق بقولهم للرسول عليه السلام: إنَّما جمعت هذا القرآن من مدارسة الناس ومذاكرتهم، فإنَّه لا يبعد أنَّ بعض المسلمين إذا سمعوا ذلك الكلام من الكفار غضبوا وشتموا آلهتهم على سبيل المعارضة، فنهى الله تعالى عن هذا العمل؛ لأنك متى شتمت آلهتهم غضبوا فربما ذكروا الله تعالى بما لا ينبغي من القول، فلأجل الاحتراز عن هذا المحذور وجب الاحتراز عن ذلك المقال، وبالجملة، فهو تنبيه على أنَّ خصمك إذا شافهك بجهل وسفاهة لم يجز لك أن تقدم على مشافهته بما يجري مجرى كلامه فإنَّ ذلك يوجب فتح باب المشاتمة والسفاهة وذلك لا يليق بالعقلاء] اهـ.
ورغم أن غَضَب المسلم -متى تم النَّيْل من دينه ومعتقده ومقدساته- أمرٌ مشروع؛ لكونه يعبر عن تدينه وانتمائه؛ إلا أنه لا بد أن يكون السلوك المعبر عن هذا الغضب مقيدًا بحدود الأُطُر الشرعية والقانونية المرعية في كل عصر بما يكون مآله بيانًا حضاريَّا لصورة دينه ومعتقده، وبالالتزام بما اصطلح عليه الإنسان واعتمدته المؤسسات التي تتبنى نبذ الكراهية والعنصرية.
ولا يجوز شرعًا مقابلة هذا الفعل بتمزيق كتابه الذي يؤمن به أيًّا كان هذا الكتاب؛ فكلُّ كتاب يشتمل على ما يؤمن به إنسان يكون تعظيمه وتحريم امتهانه واجبًا لهذا المعنى، إضافة إلى ما تشتمل عليه الكتب من أسماء الله تعالى وأسماء أنبيائه وكتبه الأخرى غالبًا؛ وناهيك عمَّا في طريقة الرد المذكورة في السؤال إلى هذا الرد من إساءة إلى غير المعتدي ممَّن يؤمن بهذا الكتاب ولم يشترك في الإساءة للمصحف بغير تمييز ولا إنصاف، وهذا له من المآل السيئ على صورة الدين ما لا يعلم مداه إلا الله تعالى.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ هذا العمل -تمزيق المصحف الشريف- يندرج في العرف الدولي الآن تحت ما يسمَّى بجرائم الكراهية، التي أضحى تجريمها ومنعها عرفًا دوليًّا متفقا عليه، فقد جاء في المادة (20) فقرة (2) من "العهد الدولي لحقوق الإنسان": [تحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية: تشكل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف] اهـ.
ولمَّا كان اتفاق العقلاء على أنَّ هذا الفعل جريمة، وأنَّ مقتضى التعايش السلمي هو الرد على ذلك بسلوك الطرق السلمية من غير عنف كان من الواجب أن يسلك المسلمون في ردهم السبل القانونية والدولية المترجمة عن حفاظهم على التعايش السلمي الوطني والعالمي.
والتعايش السلمي ونبذ العنف والكراهية أحد القيم التي أكدتها الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، وانطلقت منها "وثيقة التسامح الفقهي والإفتائي"؛ حيث جاء فيها: [التعايش السلمي: وتستدعي هذه القيمة التعامل مع الاختلاف والخلاف المذهبي وإدارته وأخلاقياته، والسعي للرقي الإنساني، والدعوة للاعتداد بالمواثيق والمعاهدات الدولية المتفق عليها، ونبذ الكراهية، واستثمار الفقه والإفتاء لمواجهة التطرف ودعم الاستقرار، وحسن الظن بعلماء الشريعة] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنَّ امتهان المصحف الشريف وتمزيقه جريمة دينية وأخلاقية وعرفية، وعلى السائل وغيره أنْ يسلك الطرق القانونية لإدانة هذا العمل، وألَّا يقابل هذا الفعل بالعنف والسباب والشتم، أو تمزيق كتاب غير المسلمين الذي يؤمنون به أو يعظمونه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم إنكار عدوى كورونا؟ حيث يستنكر البعض الخوف والتحذير من عدوى كورونا، مستدلين بأن المرض من الله وحده وأنه لا عدوى في الإسلام، فكيف نرد على ذلك؟


ما حكم الإقامة في بلاد غير المسلمين؟ فلي شقيقة تعيش في أمريكا مع زوجها، وعندهم خمسة من الأولاد كلهم مسلمون ومحافظون على الدين الإسلامي ويعظمون أركانه، ويعيشون عيشة هادئة في مجتمع يتبادلون فيه مع من يتعاملون معهم من مجاملات وتهاني، إلى غير ذلك. فهل يعتبرون كفارًا لأنهم يعيشون في مجتمع غير إسلامي، رغم إيضاحنا لفضيلتكم أنهم على الدين الإسلامي، ويؤدون ما يفرضه عليهم الدين من الشهادتين وأداء الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان والتعامل الحسن بما يرضي الله ورسوله، مع العلم أنَّه لا يوجد من يؤثر على دينهم أو يمسُّ أو يقترب من جوهر عقيدتهم أو يحول بينهم وبين القيام بتكاليف الدين الإسلامي؟


ما حكم إلقاء الكمامة الطبية في غير الأماكن المخصصة لها؟ حيث يعمد كثير من الناس في هذه الأوقات خلال استعمالهم الكمامات الطبية لحمايتهم من انتشار "فيروس كورونا المستجد" إلى إلقاء الكمامة بعد استعمالها في الشوارع العامة في غير الأماكن المُخَصَّصة لها مما يزيد من مخاطر انتشار الفيروس، فما حكم إلقاء الكمامة بعد استعمالها في الشوارع العامة؟


ما حكم نشر الأشخاص تفاصيل حياتهم الخاصة على مواقع التواصل؟ فقد انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي ظاهرة "اليوتيوبرز" الذين يقومون بنشر مقاطع فيديو مُصوَّرة عن تفاصيل حياتهم الشخصية لهم ولأسرهم. فما حكم ذلك؟


ما حكم ممارسة لعبة تحكي سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام؟ حيث إنَّ هناك من يقول إن طريقة ممارسة هذه اللعبة تشبه القمار.


ما حكم ألعاب الفيديو العنيف للأطفال؛ حيث تشغل قضية تنشئة الطفل المصري جانبًا كبيرًا من اهتمام الدولة على اعتبار أنَّ الطفل المصري هو رجل المستقبل، ونتيجة لازدياد العنف والعدوان بين الأطفال؛ نتيجةً للمؤثرات الخارجية، وما يجري حول الطفل من التعرض لثقافات خارجية تؤثر عليه وتضره ضررًا بالغًا، وألعاب الفيديو المنتشرة حاليًّا بشكل يثير القلق؛ لما تجلبه من عدوان وصراع وتضييع للوقت والمجهود والمال ولهوٍ عن ذكر الله، علاوة على الألفاظ البذيئة والشتائم ولعب القمار على هذه الألعاب العنيفة الخارجة عن ثقافتنا الإسلامية والتي تدعو للفساد والشجار، وبالتالي لا بد من حماية الطفل المصري من هذا الإسفاف الخطير، وأن يكون هناك اهتمام أكبر بكتاتيب تحفيظ القرآن الكريم للأطفال. ويطلب السائل فتوى شرعية تبين حكم هذه الألعاب العنيفة التي لا تمت لثقافتنا العربية بأي صلة.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 31 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :18
الشروق
6 :51
الظهر
11 : 58
العصر
2:47
المغرب
5 : 5
العشاء
6 :28