سائل يقول: كنت أقوم بتحضير وصفة طبية لي، وكانت هذه الوصفة عبارة عن أعشاب، وقمت بعد ذلك بوضع ماء في الإناء دون غسله، وأردت استخدام هذا الماء في الوضوء فوجدت به رائحة الأعشاب؛ فهل الوضوء بهذا الماء صحيح شرعا؟
حكم الوضوء من الماء المتغير بشيءٍ طاهر
الوضوء شرط صحة لكثيرٍ من العبادات؛ كالصلاة بجميع أنواعها -فرضًا أو سنةً أو نفلًا- وسجود التلاوة، والطواف بالبيت الحرام، ومسِّ المصحف ونحوه؛ ينظر: "الشرح الكبير للشيخ الدردير بحاشية الدسوقي" (1/ 125، ط. دار الفكر)، وشرط استحباب لكثير من العبادات والعادات؛ كذكر الله تعالى، وعند النوم، ونحوه.
ومن المقرر شرعًا أنَّ الوضوء والطهارة لا يكونان إلَّا بالماء المطلق؛ وهو الباقي على أصْلِ خلقته؛ والماء المطلق طاهرٌ في نفسه مُطهِّرٌ لغيره، وهو الذي يطلق عليه اسم الماء بلا قيد أو إضافة؛ مثل مياه البحار والأنهار والأمطار ونحوها؛ قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان: 48]، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في البحر: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» رواه أصحاب السنن الأربعة، والحاكم في "المستدرك"، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ الْمَاءَ طَاهِرٌ إِلَّا أَنْ تُغَيَّرَ رِيحُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ بِنَجَاسَةٍ تَحْدُثُ فِيهَا» رواه البيهقي في "السنن الكبرى".
وحَدُّ الماء الكثير عند جمهور الفقهاء: هو مقدار قلتين من قلال هجر فأكثر، و"قلال": جمع قلة وهي الجرة الضخمة، و"هجر": بلدة كانت تصنع بها القلال؛ قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (7/ 213،228، ط. دار المعرفة): [قوله: (قلال)؛ قال الخطابي: القلال بالكسر جمع قلة بالضم هي الجرار.. قوله: (هجر) أن المراد بها: قرية كانت قرب المدينة، كان يصنع بها القلال. وزعم آخرون بأن المراد بها: هجر التي بالبحرين؛ كأن القلال كانت تعمل بها وتجلب إلى المدينة، وعملت بالمدينة على مثالها. وأفاد ياقوت: أن هجر أيضا بلد باليمن] اهـ.
ومقدار القلتين من قِلَال هَجَر: 270 لترًا تقريبًا. وبالمساحة في مكان مربع: ذراع وربع طولًا وعرضًا وعمقًا بالذراع المتوسط. ينظر: "الفقه الإسلامي وأدلته" للدكتور وهبة الزحيلي (1/ 273، ط. دار الفكر).
أما عن الوضوء من الماء المتغير بشيء طاهر فقد ذهب الحنفية والحنابلة في رواية إلى أن المخالط الطاهر لا يفقد الماء صفة الإطلاق، واشترط الحنفية ألا يكون التغيير عن طبخ ونحوه؛ لأنه يخرج عن اسم الماء، واحتجوا بما أخرجه النسائي والبيهقي عن أم هانئ رضي الله عنها: "أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اغْتَسَلَ هُوَ وَمَيْمُونَةُ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ فِي قَصْعَةٍ فِيهَا أَثَرُ الْعَجِينِ". فلو كان يمنع التطهير لما اغتسل به النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
قال العلامة ابن نجيم في "البحر الرائق" (1/ 71، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(قوله: وإن غير طاهر أحد أوصافه)؛ أي: يجوز الوضوء بالماء ولو خالطه شيء طاهرٌ فغير أحد أوصافه التي هي الطعم واللون والريح، وهذا عندنا] اهـ. وممَّا سبق يُعلَم الجواب عما جاء بالسؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.