ما حكم الحلق وقص الأظافر والجماع للمتمتع بين العمرة والحج؟ فهناك رجلٌ أحرَم بالحج متمتعًا، ثم أدَّى العُمرةَ وتَحَلَّلَ منها، فهل يجوز له الأخذُ مِن شَعره وأظفاره، وكذا معاشرةُ زوجته إلى أنْ يُحرِم بالحج؟
حكم الحلق وقص الأظافر والجماع للمتمتع بين العمرة والحج
لا مانع شرعًا مِن أَخْذِ الحاجِّ المتمتِّع بالعُمرة إلى الحج مِن شَعره وأظفاره، وكذا معاشرته لزوجته، وذلك مِن بَعْد تَحَلُّلِهِ مِن العُمرة إلى أنْ يُحرِم بالحج، ولا حرج عليه في ذلك؛ فإنَّ هذا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عُمرة القضاء، وكذا صحابتُه الكرامُ في تمتعهم.
التفاصيل ....المحتويات
- حكم الحلق وقص الأظافر والجماع للمتمتع بين العمرة والحج
- نصوص فقهاء المذاهب الفقهية في هذه المسألة
- الخلاصة
حكم الحلق وقص الأظافر والجماع للمتمتع بين العمرة والحج
الحج والعُمرة شعيرتان مِن شعائر الإسلام؛ قال الله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: 196]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةُ» متفق عليه.
ومِن المقرر شرعًا أنَّ حجَّ التَّمَتُّعِ: هو أنْ يُحرم الحاج بالعمرة في أشهر الحج مِن ميقات بلده أو غيره، وَيَفْرُغَ منها، ثم يُنْشِئَ حجًّا مِن عامِهِ دون أنْ يرجع إلى الميقات للإحرام بالحج؛ كما في "تبيين الحقائق" لفخر الدين الزَّيْلَعِي الحنفي (2/ 45، ط. الأميرية)، و"الفواكه الدواني" لشهاب الدين النَّفَرَاوِي المالكي (1/ 371، ط. دار الفكر)، و"مغني المحتاج" للعلامة الخطيب الشِّرْبِينِي الشافعي (2/ 287، ط. دار الكتب العلمية)، و"المغني" للإمام ابن قُدَامة الحنبلي (3/ 122، ط. دار إحياء التراث العربي).
وسُمِّيَ بـ"التمتع"؛ لِتَمَتُّعِ صاحبه بإحلالِ محظورات الإحرام لَهُ في فترةِ ما بين تَحَلُّلِهِ مِن العُمرة وإحرامه بالحج، ومن ثَمَّ فيجوز له التَّطَيُّب، ولُبس المَخيط، وجماع الزوجة، والأخذ مِن شَعره وأظافره، وغير ذلك مما كان مُحَرَّمًا عليه عند إحرامه؛ قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: 196]، أي: "إذا حلَّ من عمرته انتفع باستِباحةِ ما كان مُحرَّمًا عليه إلى أن يُحرِم مِن الحج"؛ كما قال الإمام الزَّمَخْشَرِي في "الكشاف" (1/ 241، ط. دار الكتاب العربي).
قال الإمام فخر الدين الرَّازِي في "مفاتيح الغيب" (5/ 307، ط. دار إحياء التراث العربي): [وإنما سُمِّي متمتِّعًا؛ لأنه يكون مستمتِعًا بمحظورات الإحرام فيما بين تحلله مِن العُمرة إلى إحرامه بالحج] اهـ.
وهذا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عُمرة القضاء، وكذا صحابتُه الكرامُ في تمتعهم؛ فعن عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُتْعَةِ الحَجِّ، فَقَالَ: أَهَلَّ المُهَاجِرُونَ، وَالأَنْصَارُ، وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ، وَأَهْلَلْنَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «اجْعَلُوا إِهْلَالَكُمْ بِالْحَجِّ عُمْرَةً، إِلَّا مَنْ قَلَّدَ الهَدْيَ»، فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَأَتَيْنَا النِّسَاءَ، وَلَبِسْنَا الثِّيَابَ، وَقَالَ: «مَنْ قَلَّدَ الهَدْيَ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ»، ثُمَّ أَمَرَنَا عَشِيَّةَ التَّرْوِيَةِ أَنْ نُهِلَّ بِالحَجِّ" أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".
نصوص فقهاء المذاهب الفقهية في ذلك
هو ما نصَّ عليه فقهاء المذاهب الأربعة المتبوعة، وعليه العمل في الأمَّة سَلَفًا وخَلَفًا:
قال شمس الأئمة السَّرَخْسِي الحنفي في "المبسوط" (4/ 30، ط. دار المعرفة): [ثُم يَحلِق أو يُقَصِّر، وقد فَرغ مِن عُمرته، وحَلَّ له كلُّ شيءٍ، هكذا فَعَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم] اهـ.
وقال العلامة الشُّرُنْبُلَالِي الحنفي في "مراقي الفلاح" (ص: 280، ط. المكتبة العصرية): [ثمَّ يَحلِق رأسَه أو يُقَصِّر إذا لَم يَسُق الهدي، وحَلَّ له كلُّ شيء مِن الجِماع وغيرِه، وإنْ ساقَ الهدي لا يتحلل مِن عُمرته، فإذا جاء يومُ التروية يُحرِم بالحج] اهـ.
وقال العلامة أبو بكر الصِّقِلِّي المالكي في "الجامع لمسائل المدونة" (4/ 425، ط. دار الفكر): [قال ابن القاسم: والتمتع أنْ يُهِلَّ بعُمرة في أشهُر الحج، فإذا حَلَّ منها أقام بمكة متمتِّعًا بالنساء والثياب والطِّيب وغير ذلك مما يَجتَنِبُه المُحرِم، ثم يَحُج مِن عامِهِ، ولذلك سُمِّيَ متمتِّعًا] اهـ.
وقال شهاب الدين النَّفَرَاوِي المالكي في "الفواكه الدواني" (1/ 371): [وإنما سُمِّي المُحرِمُ بالعُمرة المُتَمِّمُ لها قَبل فِعل الحج متمتِّعًا؛ لِتَمَتُّعِهِ بكلِّ ما لا يَجوزُ للمُحرِم فِعلُهُ] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (7/ 180، ط. دار الفكر): [إذا فرغ المتمتِّع مِن أفعال العُمرة صار حَلَالًا، وحَلَّ له الطِّيب واللِّباس والنساء وكلُّ مُحرَّمات الإحرام] اهـ.
وقال العلامة الخطيب الشِّرْبِينِي الشافعي في "مغني المحتاج" (2/ 287): [وسُمِّي الآتي بذلك متمتِّعًا؛ لِتَمَتُّعِهِ بمحظورات الإحرام بين النُّسُكَين] اهـ.
وقال شرف الدين الحَجَّاوِي الحنبلي في "الإقناع" (1/ 385، ط. دار المعرفة): [فإذا فرغ مِن السعي، فإن كان متمتِّعًا بلا هدي، حَلَقَ أو قَصَّرَ مِن جميع شَعره، وقد حَلَّ ولو كان ملبِّدًا رأسَه، فيَستَبِيح جميعَ محظورات الإحرام] اهـ. وقوله: "بلا هدي" أي لَم يَسُق الهدي.
الخلاصة
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنه لا مانع شرعًا مِن أَخْذِ الحاجِّ المتمتِّع بالعُمرة إلى الحج مِن شَعره وأظفاره، وكذا معاشرته لزوجته، وذلك مِن بَعْد تَحَلُّلِهِ مِن العُمرة إلى أنْ يُحرِم بالحج، ولا حرج عليه في ذلك.
والله سبحانه وتعالى أعلم.