سائل يقول: هناك مَن يطعن في صحة نسبة القول بمشروعية استقبال النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستدبار القبلة عند الدعاء أمام المقام الشريف إلى الإمام مالك؛ فما مدى صحة هذا الأمر؟ وكيف نرد على من يطعن في ذلك؟
لقد تواردت نصوص الأئمة المتبوعين سلفًا وخلفًا على مشروعية استقبال مقامه صلى الله عليه وآله وسلم عند الدعاء؛ لما في ذلك من التأدب معه حال زيارته، وشرف المكان المتوجَّه له، وإنما يشرف المكان بالمكين، ولأنه صلى الله عليه وآله وسلم وسيلتنا ووسيلة أبينا سيدنا آدم عليه السلام، كما نص على ذلك الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة رضي الله عنه.
فروى القاضي عياض في "الشفا" (2/ 41) عن ابن حميد، قال: ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكًا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فقال له مالك: "يا أمير المؤمنين! لا ترفعْ صوتَك في هذا المسجد؛ فإن الله تعالى أدب قومًا فقال: ﴿لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ الآية [الحجرات: 2]، ومدح قومًا فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ﴾ الآية [الحجرات: 3] ، وذم قومًا فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ﴾ الآية [الحجرات: 3]، وإن حرمته ميتًا كحرمته حيًّا". فاستكان لها أبو جعفر، وقال: يا أبا عبد الله! أستقبل القبلة وأدعو، أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال: "ولِمَ تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلةُ أبيك آدمَ عليه السلام إلى الله تعالى يوم القيامة! بل استقبِلْه، واستشفع به؛ فيشفعه الله، قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ الآية [النساء: 64]] اهـ.
ونص العلماء على صحة هذه الرواية عن الإمام مالك، وردوا على مَن ادَّعى ضعفَها بصحة إسنادِها، وثبوت مضمونها عن الإمام مالك من وجوه أخر:
قال الإمام التقي السبكي في "شفاء السقام" (ص: 283-284، ط. دار المعارف): [وقد ذكر القاضي عياض إسنادها، وهو إسناد جيد، أمّا القاضي عياض: فناهيك به نبلًا وجلالة وثقة وأمانة وعلمًا ومجمعًا عليه.. فانظر إلى هذه الحكاية، وثقة رواتها وموافقتها لما رواه ابن وهب عن مالك، وحسبك بابن وهب] اهـ.
وقال الإمام تقي الدين الحصني الشافعي (ت: 829هـ) في "دفع شبه من شبَّه وتمرد" (ص: 400-401، ط. دار المصطفى): [وهذه القصة معروفة مشهورة، ذكرها غير واحد من المتقدمين والمتأخرين بأسانيد جيدة، ومنهم: القاضي عياض في أشهر كتبه وهو "الشفا" المشهور بالحسن والإتقان في سائر البلدان، ومنهم: الإمام العلامة هبة الله في كتابه "توثيق عرى الإيمان"] اهـ.
وقال العلامة السمهودي (ت: 911هـ) في "وفاء الوفاء" (4/ 196، ط. دار الكتب العلمية): [وقال عياض في "الشفا" بسند جيد، عن ابن حميد، أحد الرواة عن مالك] هـ.
وقال الإمام الصالحي (ت: 942هـ) في "سبل الهدى والرشاد" (12/ 195، ط. دار الكتب العلمية): [وروى القاضي بسند جيد عن ابن حميد قال: ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكًا] اهـ.
وقال العلامة ابن حجر الهيتمي (ت: 973هـ) في "الجوهر المنظم" (ص: 98، ط. طبعة مكتبة مدبولي): [جاءت عنه بالسند الصحيح الذي لا مطعن فيه] اهـ.
وقال العلامة الخفاجي (ت: 1069هـ) في "نسيم الرياض" (3/ 398، ط. دار الكتاب العربي): [أوردها -أي: القاضي عياض- بسند صحيح، وذكر أنه تلقاها عن عدة من ثقات مشايخه] اهـ.
وقال العلامة الزرقاني (ت: 1122هـ) في "شرحه على المواهب اللدنية" (12/ 214، ط. دار الكتب العلمية): [الحكاية رواها أبو الحسن علي بن فهر في كتابه: "فضائل مالك"، ومن طريقه الحافظ أبو الفضل عياض في "الشفاء" بإسنادٍ لا بأس به، بل قيل: إنه صحيح.. وليس في رواتها كذّاب ولا وضَّاع] اهـ.
ومع صحة الرواية عن الإمام مالك وتلقي الأمة لها بالقبول، فقد جاء هذا المعنى عن الإمام مالك من طريق أجلّ أصحابه، وأن التوجه للمقام الشريف عند الدعاء هو مذهبه، ومذهب أئمة السلف.
قال الإمام السبكي في "شفاء السقام" (ص: 283): [قال مالك في رواية ابن وهب: وهو إذا سلم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودعا، يقف وجهه إلى القبر، لا إلى القبلة، ويدنو ويسلم، ويمس القبر بيده، فهذا نص عن مالك، من طريق أجلّ أصحابه، وهو: عبد الله بن وهب، أحد الأئمة الأعلام، صريح في أنه يستقبل عند الدعاء القبر، لا القبلة] اهـ.
وقال العلامة السمهودي في "وفاء الوفاء" (4/ 197): [نقل ابن المواز في "الحج" فيما جاء في الوداع، فإنه قال: قيل لمالك: فالذي يلتزم أترى له أن يتعلق بأستار الكعبة عند الوداع؟ قال: لا، ولكن يقف ويدعو، قيل له: وكذلك عند قبر النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم؟ قال: نعم] اهـ. وممَّا ذُكِر يُعلَم الجواب عن السؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
يقول السائل: نسمع عن مفهوم (الوحدة الوطنية) وأهميتها في المجتمع؛ فنرجو منكم توضيح كيف نظر الشرع إلى هذا المفهوم؟ وهل يوجد في الشرع الشريف ما يدعو إلى ذلك؟
ما حكم إذاعة صلاة التراويح من المساجد بصوت مرتفع وبسماعات خارج المسجد بأصوات مرتفعة ممَّا يُؤثّر على المرضى وكبار السن؟
نرجو منكم بيان فضل مكة على غيرها من البلدان؟ ولماذا سميت بـ "أم القرى"؟
بعض الناس يقوم بالإنكار على قول صاحب البردة:
وكيف تدعو إلى الدنيا ضَرُورَةُ مَن ... لولاه لم تُخْرَج الدنيا من العَدَم
وقد وصلت المبالغة إلى التعريض بكفر قائله ومن يُردده؛ فما البيان الشرعي في ذلك؟ وكيف نرد على هؤلاء؟
ما حكم رفع الصوت في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم دون قصد؟ فقد وقف بعضنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند الرأس الشريف يسأله أن يدعو له مشتغلًا بالصلاة والسلام عليه متوسلًا به في حق نفسه مستشفعًا به إلى ربه، وبينا هو في ورد صلاةٍ عليه جاءه بعض العسكر فأمروه بالانصراف، فأبى إذ كان موقفه متأخرًا مبعدًا عن الطريق ليس فيه من إيذاء ولا تضييق على أحد، فجذبوه بالعنف حتى كادوا أن يمزقوا ثيابه وهو يقول نحوًا من: دعني، اتركني يا هذا، أنا مشتغلٌ بالصلاة على رسول الله، أنا في حمى رسول الله، ولم يجاوز نحو هذه الألفاظ، ثم تذكر أنه قد رفع صوته ببعضها دون أن يشعر مع شدة وطأة العسكر عليه رغم حرصه على ألا يرفع صوته هناك بشيء. فهل ترونه قد حبط عمله وضاعت حجته وزيارته، أم ترانا نسمع منكم ما يبشره ويسلي الله به قلبه ويفرج كربه؟ علمًا بأنه قد رأى بعدها في المنام أنه قد أصبح الإمام الراتب لمسجد رسول الله وبعض الناس يتربصون به، علمًا بأنه قصد موقفه الأول بعد ذلك مستخفيًا في الناس متنكرًا حتى لا تراه العسكر، فرأوه فجاءوا إليه مغمومين يطلبون العفو والسماح.
ما حكم أخذ الوكيل فرق السعر من البائع لنفسه دون علم الموكل؟ فهناك رجلٌ وكَّل صديقَه في شراء سيارةٍ مِن نوعٍ معيَّن -لخبرته في هذا المجال- بمقابلٍ معلومٍ مِن المال، فذهب هذا الصَّديق (الوكيل) إلى أحد معارِض السيارات، وبعد معاينة السيارة والاتفاق على ثمنها عاد وأخبر الرجل (الموكِّل) بما اتفق عليه مع صاحب المعرض، فوافَقَ وأعطاه ثمن السيارة ليشتريها، ولَمَّا عاد الوكيلُ إلى صاحب المعرض أَلَحَّ عليه في عمل تخفيضٍ مِن ثمنها، فوافق صاحبُ المعرض وخَصَم له مبلغًا لا بأس به مِن المتَّفَق عليه مُسبَقًا، ويسأل: هل يجوز له أَخْذُ هذا المبلغ الذي تم خصمُه بعد تَعَبٍ ومجاهَدَةٍ مع صاحب المعرض دون إخبار الموكِّل بما جَرَى؟