 
                                ما حكم تأخير حج الفريضة بعد الاستطاعة لرعاية الأم المريضة؟ فهناك شخصٌ أكرَمَه اللهُ تعالى بالقدرة المالية والبدنية على أداء فريضة الحج، لكن أمه مريضة ولا يقدر على تركها، حيث يقوم على خدمتها ورعايتها، وليس لها غيره يرعاها ويقوم على شؤونها في هذا الوقت، فهل يجوز له تأخير الحج إلى العام القادم أو إلى تمام شفائها ثم يَحُجُّ؟
رعايةَ الرجل المذكور أُمَّهُ المريضةَ، وقيامَه على خدمتها والاعتناء بكافة شؤونها التي تحتاجه فيها، مع عدم وجود مَن يقوم مَقامَه في ذلك على وَجْهٍ مَرْضِيٍّ، مقدَّمٌ على أدائه فريضة الحج، ثم يبادر بالحج بعد ذلك في عامٍ قادمٍ ما دام مستطيعًا، ولا إثم عليه في ذلك ولا حرج؛ لأن تلك الرعاية هي واجبُ الوقت المتعيِّن عليه، لعدم وجود غيره لرعايتها، وتفوت الرعاية إذا ذهب إلى الحج، فكانت مِن الواجب الذي لا يتكرر، فتُقدَّم على الحج، والذهاب إلى الحج مِن الأعمال القاصرة التي يعود نفعُها على المكلَّف (الولد) دون غيره، بخلاف رعاية الأم، فإنه عملٌ مُتَعَدٍّ، فيعود نفعُه على الولد (المكلَّف) بالخير الكثير والثواب العظيم والأجر الجزيل، وعلى الأم بالرعاية وقضاء الحوائج والتطبيب وغير ذلك، ومِن القواعد المقررة في الشرع الشريف أن "المُتَعَدِّي أفضل مِن القاصر".
المحتويات
الحج ركنٌ مِن أركان الإسلام، وفرضٌ على كلِّ مكلَّفٍ مستطيعٍ في العُمر مرةً واحدةً؛ قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَحُجُّوا»، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَسَكَتَ، حَتَّى قَالَهَا ثَلاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ، لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
وقد أجمع العلماء على وجوب الحج على المستطيع مرةً واحدةً في عُمره، وهي حَجَّة الإسلام، فإن أدَّاها سَقَط عنه الفرضُ، ولا يُطالَب به مرةً أخرى؛ كما في "الإجماع" للإمام ابن المُنْذِر (ص: 51، ط. دار المسلم)، و"المغني" للإمام ابن قُدَامة (3/ 213، ط. مكتبة القاهرة).
قد اشترط أهلُ العلم مع القدرة والاستطاعة البدنية والمالية: انتفاء الموانع التي تُحيل بين المكلَّف وبين الذهاب للحج، ومِن جُملة هذه الموانع: رعايةُ الوالدين أو أحدهما، ويتأكد ذلك إذا كان مريضًا ولم يكن له مَن يرعاه أو يخدمه ويقوم على شؤونه واحتياجاته غير ولدِه المكلَّف مُريد الحج، فإذا انتَفَت الموانع تحقَّقت الاستطاعة المشروطة لوُجُوب الحج، وإلا فلا، وذلك بالإجماع.
قال الإمام المَاوَرْدِي في "الحاوي الكبير" (4/ 7، ط. دار الكتب العلمية): [أوجَب اللهُ تعالى الحجَّ بالاستطاعة، والاستطاعةُ تَنقسم اثْنَيْ عَشَر قِسْمًا: فالقسم الأول منها: أن يكون مستطيعًا ببدنه وماله، قادرًا على زادٍ وراحلة، واجدًا لنفقته ونفقة عياله في ذهابه وعوده، مع إمكان الزمان، وانقطاع الموانع، فعليه الحج إجماعًا] اهـ.
وقال العلامة ابن القَطَّان في "الإقناع" (1/ 246-247، ط. الفاروق الحديثة) في بيان مَن يجب عليه الحج ومَن لا يَجب: [واتفقوا أنَّ الحُرَّ المسلمَ العاقلَ البالغَ الصحيحَ الجسم والبدن، والبصر، والرِّجلين، الذي يَحُوزُ زادًا وراحلةً وشيئًا يخلفه لأهله مدةَ مَغِيبِه، وليس في طريقه بحرٌ ولا خوفٌ، ولم يَمنعه أبواهُ أو أحدُهما، فإنَّ الحجَّ عليه فرضٌ] اهـ.
والمقصود بمَنْع الأبوين أو أحدهما: أن يكونَ أحدُهما أو كلاهما محتاجًا إلى ولده المكلَّف مُستطيع الحج لرعايةٍ أو مزيد عنايةٍ بسبب مرضٍ أو شيخوخةٍ أو نحوهما، بحيث يقع في الحرج إذا تَرَكَهُ ولدُه لأداء فريضة الحج، ويُستأنَس لذلك بما أخرجه الإمامان: مسلم في "صحيحه"، والبيهقي في "شعب الإيمان" عن الإمام الزهري أنه قال: "وَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَكُنْ يَحُجُّ حَتَّى مَاتَتْ أُمُّهُ؛ لِصُحْبَتِهَا".
وعن أبي حازمٍ "أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ أُمُّهُ" أخرجه الإمام ابن أبي الدنيا في "مكارم الأخلاق".
قد نص فقهاء الحنفية على أنه يُكره ذهاب الولد إلى الحج إذا كان أبواهُ أو أحدُهما في احتياج إلى خدمته وكَرِهَ خروجَه، وتُحمَل الكراهة على التحريم كما قرَّره بعضُهم، ومِن ثَمَّ فيأثم إن فعل ذلك، وقيل: هي كراهة تنزيه، والكراهة في الحالَتَيْن تُفيد تقديمَ خدمة الوالدين أو أحدهما على الذهاب لأداء فريضة الحج.
قال كمال الدين ابن الهُمَام في "فتح القدير" (2/ 407، ط. دار الفكر): [يُكره الخروج إلى الحج إذا كَرِهَ أحدُ أبويه وهو محتاجٌ إلى خدمته، لا إن كان مُسْتَغْنِيًا] اهـ.
وقال سراج الدين ابن نُجَيْم في "النهر الفائق" (2/ 52، ط. دار الكتب العلمية): [ينبغي لمريد الحج أو الغزو أن يستأذن أبويه؛ لكراهة الخروج مع كراهة أحدهما وهو محتاجٌ إلى خدمته، لا إن كان مستغنيًا] اهـ.
وقال علاء الدين الحَصْكَفِي في "الدر المختار" (ص: 155، ط. دار الكتب العلمية) في بيان ما يتَّصف به الحج مِن الأحكام المتعلقة بفعل المكلَّف: [وقد يتَّصف بالحُرمة كالحج بمالٍ حرامٍ، وبالكراهة كالحج بلا إذنٍ ممن يجب استئذانُه] اهـ.
ثم قال (ص: 157) في بيان سُنَن الحج وآدابه: [ويَستأذن أبوَيه ودائنَه وكفيلَه] اهـ.
قال العلامة ابن عابدين في "رد المحتار" (2/ 471، ط. دار الفكر) مُحَشِّيًا عليه: [(قوله: ويستأذن أبويه... إلخ) أي: إذا لم يكونَا محتاجَين إليه، وإلا فيُكره، وكذا يُكره بلا إذنِ دائنِه وكفيلِه، والظاهرُ أنها تحريميةٌ؛ لإطلاقهم الكراهةَ، ويَدُلُّ عليه قولُه فيما مَرَّ في تمثيلِه للحج المكروه: "كالحج بلا إذنٍ ممن يجب استئذانُه"، فلا ينبغي عَدُّهُ ذلك مِن السُّنَنِ والآداب] اهـ.
وقال العلامة الطَّحْطَاوِي في "حاشيته على مراقي الفلاح" (ص: 726، ط. دار الكتب العلمية): [وينبغي لمريد الحج أو الغزو أن يستأذن أبويه، فإن خرج بدون إذنٍ مع الاحتياج إليه للخدمة: أَثِمَ، وقيل: يُكره] اهـ.
وهذا الاستئذان إنما يكون في حالة السعة، بحيث يحتاج الوالدان إلى ولدهما المكلَّف مع وجود غيره ممَّن يَقوم مقامه أو ينوب عنه، أما إذا تعيَّنت عليه الخدمة، وكان الاحتياجُ إليه لازمًا، ولا سبيل إلى غيره ليَقوم مقامَه، فإنه يجب عليه المُكثُ حينئذٍ؛ لأن الحج فرضُ عينٍ على المكلَّف مرةً في عُمره، وبِرَ الوالدين فرضُ عينٍ أيضًا مجمعٌ على وجوبه؛ كما في "الإقناع" للعلامة ابن القَطَّان (2/ 307)، و"جامع العلوم والحكم" للحافظ ابن رجب (2/ 820، ط. دار السلام)، وقد تقرَّر في قواعد الفقه أنه "إن اجتمع فَرْضَا عَيْنٍ، فإما أن يَكُونَا لله، أو له ولآدمي، فإن كانَا لله تعالى، قُدِّم آكَدُهما... وإن كان الحَقَّان لله تعالى ولآدمي، قُدِّم المضيَّق"؛ كما قال بدر الدين الزَّرْكَشِي في "المنثور في القواعد الفقهية" (1/ 340-343، ط. أوقاف الكويت)، فإن كان الحَقَّان مُضَيَّقَيْن، قُدِّم حقُّ الآدمي؛ لأنَّ "حقوق الله تعالى موضوعةٌ على المساهَلَة والمُسامَحَة، وحقوق العباد موضوعةٌ على الاستِقْصَاء والمُشَاحَّة"؛ كما قال الإمام المَاوَرْدِي في "الحاوي الكبير" (12/ 195).
يتأكد تقديمُ رعاية الأم المتعيِّنة على أداء فريضة الحج بالاستفادةِ مِن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَوْ أَدْرَكْتُ وَالِدَيَّ أَوْ أَحَدَهُمَا، وَأَنَا فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ، وَقَدْ قَرَأْتُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، يُنَادِينِي: يَا مُحَمَّدُ، لأَجْبُتُه: لَبَّيْكَ» رواه الأئمة: ابن البَخْتَريِّ في "أماليه"، والبيهقي في "شعب الإيمان"، والديلمي في "الفردوس"، وابن الجوزي في "البر والصلة"، مستدلين به على عِظَمِ شأن بِرِّ الوالدين ومكانته، واستَشهد به الحافظان: البيهقي في "الشعب" (10/ 284، ط. مكتبة الرشد)، والسَّخَاوِي في "المقاصد الحسنة" (ص: 551، ط. دار الكتاب العربي) على تقوية حديث: «لَوْ كَانَ جُرَيْجٌ فَقِيهًا عَالِمًا، لَعَلِمَ أَنَّ إِجَابَةَ دُعَاءِ أُمِّهِ أَوْلَى مِنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ»، وشرْطُ الحافظ البيهقي في "الشعب": أنه لا يُورِدُ فيه حديثًا مكذوبًا.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه سَمِعَ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ» أخرجه الأئمة: أبو داود والنسائي في "السنن"، والحاكم في "المستدرك" وصححه.
فيتحصَّل مِن ذلك: أنَّ رعايةَ الأم المريضة التي لا تَجد غيرَ ولدها لرعايتها مُقَدَّمةٌ على أداء فريضة الحج، باعتبار أن تلك الرعاية هي واجبُ الوقت المتعيِّن على هذا الولد؛ لعدم وجود غيره لرعايتها، وتفوت الرعاية إذا ذهب إلى الحج، فكانت مِن الواجب الذي لا يتكرر، فتُقدَّم على الحج، بخلاف الحج، فإنه إن لَم يَحُجَّ مِن عامه حَجَّ فيما يليه مِن أعوام، فكان مِن الواجب الذي قد يتكرر، فيُؤَخَّر عن رعاية الأم المتعيِّنة غير المتكررة.
وينضاف إليه: أن الذهاب إلى الحج مِن الأعمال القاصرة -كما في "المنثور في القواعد الفقهية" لبدر الدين الزَّرْكَشِي (2/ 421)- التي يعود نفعُها على المكلَّف (الولد) دون غيره، بخلاف رعاية الأم، فإنه عملٌ مُتَعَدٍّ، فيعود نفعُه على الولد (المكلَّف) بالخير الكثير والثواب العظيم والأجر الجزيل، وعلى الأم بالرعاية وقضاء الحوائج والتطبيب وغير ذلك، ومِن القواعد المقررة في الشرع الشريف أن "المُتَعَدِّي أفضل مِن القاصر"؛ كما قال الحافظ السيوطي في "الأشباه والنظائر" (ص: 144، ط. دار الكتب العلمية).
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنَّ رعايةَ الرجل المذكور أُمَّهُ المريضةَ، وقيامَه على خدمتها والاعتناء بكافة شؤونها التي تحتاجه فيها، مع عدم وجود مَن يقوم مَقامَه في ذلك على وَجْهٍ مَرْضِيٍّ، مقدَّمٌ على أدائه فريضة الحج، ثم يبادر بالحج بعد ذلك في عامٍ قادمٍ ما دام مستطيعًا، ولا إثم عليه في ذلك ولا حرج.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
هل السترَة التي يلبسها المُحرِم في حجه وعمرته والتي تكون قطعة من قماش يتم عمل كنار لها ويتم إدخال مطاط لها -أستك- في هذا الكنار وتُلبس أسفل الإزار مشروعة؟ حيث إننا نقوم بتصنيعها وتوريدها للمحلات التجارية، ورأيكم سيكون فيصلًا في الاستمرار في هذا النشاط من عدمه.
سئل بإفادة واردة من وزارة الداخلية؛ صورتها: نحيط علم فضيلتكم أنه لما قامت الحرب الأوروبية في العام الماضي صار السفر إلى الحجاز صعبًا وطريقه غير مأمون للأسباب الآتية:
أولًا: عدم توفر الأسباب لسفر البواخر المخصصة لنقل الحجاج المصريين في ذهابهم وإيابهم، ولا يبعد أن يكون ذلك سببًا في تأخيرهم بالحجاز زمنًا ليس بالقليل، وفي ذلك مخاطرة على أنفسهم وعائلاتهم.
ثانيًا: صعوبة المواصلات الخاصة بنقل المواد الغذائية للأقطار الحجازية التي انبنى عليها عدم إرسال مرتبات الغلال التي كانت ترسلها الحكومة المصرية للحجاز سنويًّا، ولا يبعد أن يكون ذلك سببًا في وجود خطر على الحُجاج أثناء وجودهم في الأراضي المقدسة.
ثالثًا: عدم تمكُّن الحكومة بسبب العسر المالي من اتخاذ التدابير اللازمة لوقاية الحجاج المصريين من الأخطار التي تهدد حياتهم سواء كان من اعتداء أعراب الحجاز عليهم، أو من تأخيرهم مدة طويلة بتلك الجهات.
رابعًا: عدم تمكن الحكومة بسبب العسر المالي أيضًا من اتخاذ الاحتياطات الصحية التي كانت تتخذها في كل سنة لوقاية القطر من الأوبئة والأمراض المعدية التي ربما تفد مع الحجاج.
لذلك قد أخذت الوزارة في ذلك الوقت رأي فضيلة المفتي السابق عما يراه موافقًا للشرع الشريف من جهة الترخيص للحجاج المصريين بالسفر إلى الحجاز، فرأى فضيلته أنه يجوز للحكومة والحالة هذه إعطاء النصائح الكافية للحجاج المصريين بتأجيل حجهم للعام المقبل مثلًا حتى تزول الأخطار ويتوفر أمن الطريق الذي لا بد منه في وجوب الحج. وحيث إن الأسباب التي انبنى عليها هذا الرأي ما زالت موجودة بل زادت خطورة بدخول تركيا في الحرب، وقد آن موسم الحج الذي فيه تصدر وزارة الداخلية منشورها السنوي الخاص بسفر الحجاج المصريين؛ لذلك رأينا لزوم الاستمداد برأي فضيلتكم فيما يوافق الشرع الشريف في هذا الشأن.
ما حكم الزواج في شوال؟ حيث قال لي بعض الناس: يُكره الزواج في شهر شوال؛ فما سبب ذلك؟ وهل هذا الكلام صحيح؟
سائل يقول: اعتدت على زيارة أقاربي وأصدقائي بصفة مستمرة، وأجاملهم في جميع المناسبات؛ فنرجو منكم بيان ثواب ذلك في الشرع؟
ما الحكم فيما لو أحرمتُ من المدينة متمتعًا، ثم جاءني المرض فخلعتُ ملابس الإحرام قبل أداء العمرة؟
هل يعد الموت يَوْمَ الْجُمُعَةِ وليلتَها من علامات حسن الخاتمة؟