حكم زكاة الفطر لمن عليه دين

تاريخ الفتوى: 20 مايو 2024 م
رقم الفتوى: 8391
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: الزكاة
حكم زكاة الفطر لمن عليه دين

هل الدَّيْن يمنع وجوب زكاة الفِطْر؟

زكاةَ الفطرِ واجبةٌ على الصغير والكبير والذكر والأنثى، ولا يمنع الدَّيْنُ من وجوبِها على المكلف ما دام أنَّه يمتلك ما يزيد عن قُوتِه وقُوتِ عياله ممن تجب عليه نفقتهم يومَ العيد وليلتَه.

المحتويات

 

بيان المقصود بزكاة الفطر والحكمة من مشروعيتها

زكاة الفطر: هي مقدار مُتَقَوَّم من المال يَجِبُ على المسلم بشروط مخصوصة؛ صغيرًا كان أو كبيرًا، ذكرًا أو أنثى، وقد قدَّرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بصاع من تمر أو شعير أو قُوتِ البلد على كُلِّ نَفْسٍ من المسلمين، ومقدار الصاع: 2.040 كجم على مذهب الجمهور؛ فقد جاء في حديث عبد الله بن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ المُسْلِمِينَ» متفقٌ عليه. وفي رواية أخرى: «عَلَى الْعَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» أخرجه البخاري. وقد نقل الإجماعَ على وجوبها غيرُ واحد من الأئمة؛ كالإمام ابن المُنذِر في "الإشراف" (3/ 61، ط. مكتبة مكة)، والإمام ابن قُدَامة في "المغني" (3/ 79، ط. مكتبة القاهرة)، والحافظ وليُّ الدين أبو زُرْعَة العراقي في "طرح التثريب" (4/ 46، ط. المطبعة المصرية القديمة).

والحكمة من مشروعيتها: التزكية للصائم، والطُّهْرة له، وجبر نقصان ثواب الصيام، والرفق بالفقراء، وإغناؤهم عن السؤال في يوم العيد، وجبر خواطرهم، وإدخال السرور عليهم، في يوم يُسَرُّ فيه المسلمون؛ كما في حديث عبد الله بن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ» أخرجه أبو داود وابن ماجه والبيهقي في "السنن"، والحاكم في "المستدرك" وصححه.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في زكاة الفطر: «أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ» رواه الدَّارَقُطْنِي في "السنن"، وفي رواية: «أَغْنُوهُمْ عَنِ الطَّوَافِ فِي هَذَا الْيَوْمِ» رواه ابن وهب في "جامعه"، وابن زَنْجَوَيْه في "الأموال"، والبَيْهَقي في "السنن الكبرى".

حكم زكاة الفطر لمن عليه دين

من شرائط وجوب زكاة الفطر: الغِنَى واليَسار، وضابطه أن يملك ما يزيد على قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته، من غير اشتراطٍ للنِّصَاب كما ذهب إلى ذلك جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة. يُنظر: "الإقناع" للعلامة ابن القَطَّان (1/ 219، ط. الفاروق الحديثة)، و"المجموع" للإمام النووي (6/ 113، ط. دار الفكر)، و"المغني" للإمام ابن قُدَامة (3/ 94).

أما الحنفية: فيشترطون أن يكون مالكًا للنِّصَاب الذي تجب فيه الزكاة من أي مالٍ كان، سواء كان النِّصَاب ناميًا أو غير نامٍ، ولم يشترطوا بقاء النِّصَاب حولًا كاملًا؛ فمن كان عنده هذا القدر فاضلًا عن حوائجه الأصلية وحوائج من تلزمه نفقته من مأكل وملبس ومسكن ونحوها، وجبت عليه زكاة الفطر، وإلا فلا تجب عليه.

قال العلامة الشُّرُنْبُلَالِي الحنفي في "مراقي الفلاح" (ص: 273، ط. المكتبة العصرية): [تجب على حرٍّ، مسلمٍ، مكلفٍ، مالكٍ لنِصَاب أو قيمته وإن لم يَحُل عليه الحول عند طلوع فجر يوم الفطر، ولم يكن للتجارة، فارغ عن الدَّيْن وحاجته الأصلية وحوائج عياله] اهـ.

هذا إذا لم يكن عليه دَيْن، فإن كان عليه دَيْن وهو محل السؤال، فقد اختلف الفقهاء في وجوبها عليه حينئذ، فذهب الحنفية إلى أن الدَّيْن لا يمنع وجوبها إذا لم يكن له مُطالِب من جهة العباد؛ كدَيْنِ النذر والكفارات حال كون المكلف بها مالكًا النِّصَاب، فإن كان له مُطالِب من جهة العباد، سواء كان لله كالزكاة، أو للعباد كالقرض وثمن المبيع وضمان المتلفات وغيرها فإنه يمنع وجوبها إذا كان مستغرقًا للنِّصَاب أو كان ما زاد عن قدر الدَّيْن لا يبلغ نِصَابًا وإن لم يستغرقه بأن كان معه نِصَاب زائد عن قدر الدَّيْن فلا يمنع وجوبها.

قال الإمام أكمل الدين البَابَرْتِي في "العناية شرح الهداية" (2/ 160، ط. دار الفكر): [(ومَن كان عليه دَيْن يُحيط بماله) وله مُطالِبٌ من جهة العباد سواء كان لله كالزكاة أو للعباد كالقرض، وثمن المبيع، وضمان المتلفات، وأرش الجراحة، ومهر المرأة، سواء كان من النقود أو من غيرها، وسواء كان حالًّا أو مؤجَّلًا (فلا زكاة عليه).

وقال الشافعي: تجب لتحقق السبب وهو ملكُ نِصَابٍ تامٍّ) فإن المديون مالك لماله لأن دَيْن الحر الصحيح يجب في ذمته، ولا تعلُّق له بماله، ولهذا يملك التصرف فيه كيف شاء (ولنا أنه مشغول بحاجته الأصلية) أي مُعَدٌّ لما يدفع الهلاك حقيقةً أو تقديرًا لأن صاحبه يحتاج إليه لأجل قضاء الدَّيْن دفعًا للحبس والملازمة عن نفسه، وكل ما هو كذلك اعتُبر معدومًا كالماء المستحق بالعطش لنفسه أو دابته] اهـ.

وذهب المالكية إلى أن الدَّيْن لا يمنع وجوب الزكاة، بل إنه إذا كان مستغرِقًا لِقُوتِه وقُوتِ عياله؛ فإنه يجب عليه أن يقترض لأداء زكاة الفطر إذا كان يرجو وفاء هذا القرض؛ لأنه قادر حكمًا، وإن كان لا يرجو الوفاء لا تجب عليه، فعُلِم أنه لا تسقط زكاة الفطر عندهم بالدَّيْن؛ لأنه إذا وجب أن يقترض لأدائها، فالدَّيْن السابق عليها أولى ألَّا يُسقِطها عنه.

قال الإمام الخَرَشِي المالكي في "شرح مختصر خليل" (2/ 228، ط. دار الفكر): [ويُؤخذ مِمَّا هنا عدمُ سُقُوطِها بالدَّيْن؛ لأنَّا إذا كنا نتسلف لها فلا يكون الدَّيْن السابق عليها مُسقطًا لها من باب الأولى وهو المذهب] اهـ.

وقال الشيخ الدردير المالكي في "الشرح الكبير" مع "حاشية الدسوقي" (1/ 505، ط. دار الفكر): [(وإن) قدر عليه (بتَسَلُّفٍ) يرجو القدرة على وفائه، وقيل: لا يجب التَّسَلُّف، وأُخذ منه عدم سقوطها بالدَّيْن؛ لأنه إذا وجب تَسَلُّفُها فالدَّيْن السابق عليها أَوْلَى ألا يُسقطها، وهو المذهب فليُتأمل] اهـ.

وذهب الشافعية في أظهر الأقوال: إلى أن الدَّيْنَ مطلقًا لا يمنع من وجوب الزكاة، قال الإمام الرملي الشافعي في "نهاية المحتاج" (3/ 132، ط. دار الفكر) عند الكلام على شروط الزكاة: [(ولا يمنع الدَّيْنُ وُجُوبَهَا) حَالًّا كان أو مُؤَجَّلًا، من جنس المال أم لا، لله تعالى -كزكاة، وكفارة، ونذر- أو لغيره، وإن استغرق دَيْنه النِّصَابَ (في أظهر الأقوال) لإطلاق الأدلة، ولأن ماله لا يتعين صَرْفُهُ إلى الدَّيْنِ، والثاني: يمنع كما يمنع وجوب الحج، (والثالث: يمنع في المال الباطن وهو النقد)  أي: الذهب والفضة وإن لم يكن مَضْرُوبًا وَالرِّكَازِ (وَالْعَرْضِ) وزكاة الْفِطْرِ] اهـ.

وقال في مسألة زكاة الفطر (3/ 115): [وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا فَاضِلَةً عن دَيْنِهِ ولو لآدمي كما رَجَّحَهُ في "الشرح الصغير"، وقال في "الأنوار": إنه القياس، واقتضاه كلام الشافعي والأصحاب، لأن الدَّيْنَ لا يمنع الزكاة] اهـ.

وأما الحنابلة: فإنهم فرَّقوا بين الدَّيْن المؤجل والمعجَّل، فالمؤجل لا يمنع وجوب زكاة الفطر عندهم، بخلاف المعجَّل؛ قال العلَّامة البُهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (2/ 290، ط. دار الكتب العلمية): [(وَلَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ وُجُوبَ الْفِطْرَةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُطَالَبًا بِهِ) لِتَأَكُّدِهَا، بِدَلِيلِ وُجُوبِهَا عَلَى الْفَقِيرِ] اهـ.

وقال الإمام ابن قُدامة في "المغني" (3/ 100، ط. مكتبة القاهرة): [وَمَنْ كان في يده ما يخرجه عن صدقة الْفِطْرِ، وعليه دَيْنٌ مثله لزمه أن يُخرج، إلا أن يكون مُطالَبًا بِالدَّيْنِ؛ فعليه قضاء الدَّيْنِ ولا زكاة عليه] اهـ.

 المختار للفتوى في هذه المسألة

المختار للفتوى أن الدَّيْن لا يمنع وجوب زكاة الفطر، ما دام المكلف بها يمتلك فائضًا عن حاجته وحاجة من تلزمه نفقته يوم العيد وليلته؛ لما فيها من التزكية للصائم، والطُّهْرة له، وجبر نقصان ثواب الصيام، والرفق بالفقراء، وإغنائهم عن السؤال في مناسبة العيد، وجبر خواطرهم، وإدخال السرور عليهم، في يوم يُسَرُّ فيه المسلمون، وهذا هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي السؤال: فإن زكاةَ الفطرِ واجبةٌ على الصغير والكبير والذكر والأنثى، ولا يمنع الدَّيْنُ من وجوبِها على المكلف ما دام أنَّه يمتلك ما يزيد عن قُوتِه وقُوتِ عياله ممن تجب عليه نفقتهم يومَ العيد وليلتَه.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم الشرع في دفع الزكاة لبناء المدارس والمعاهد التي تختص بالتعليم الديني؟


هل تستحق الزكاة على الذمم الدائنة؟ حيث إن شخصًا يمتلك عقارًا مؤجرًا، والمستأجر لا يدفع منذ ما يقارب الثلاث سنوات، والمستأجر مقر بالمبلغ، وسيسدد حسب توفر السيولة لديه، فما الحكم في ذلك؟


قال السائل: أستقطع جزءًا كبيرًا من مرتبي لشراء أساور وسلاسل ذهبية لبناتي لأبيعها بعد ذلك للمعاونة في تجهيزهن عند الزواج، فهل تجب فيها زكاة؟


ما نصاب زكاة المال بالعملة المصرية؟


نظرًا لأن فقراء المدن أحسن حالًا من فقراء الأرياف، وخاصة هؤلاء الذين تربطنا بهم صلة القربى، فهل يجوز نقل زكاة المال من بلدة إلى أخرى؛ أي من الإسكندرية مثلًا إلى تلك القرية التي يقطنها هؤلاء الفقراء؟


رجل حَقَّ عليه زكاة المال، ويقيم بالقاهرة، وهو من دمياط، وأهله وأقاربه وأخواته بدمياط فقراء، وله بنت أخت فقيرة جدًّا وبنتها تتزوج.
1- فهل تُعطَى بنت الأخت من زكاة المال لزواج ابنتها؟
2- وهل يجوز نقل زكاة المال من البلد محل الإقامة إلى البلد التي يسكن فيها أخواتي وأهلي، وأن أصل رحمي وأصرف عليهم من زكاة المال؟
3- وهل يصح إعطاء أخواتي الفقيرات وأقاربي زكاة المال والإنفاق عليهم في متطلبات الحياة من مأكل ومشرب وملبس وزواج إلى مصاريف العلاج؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 14 سبتمبر 2025 م
الفجر
5 :11
الشروق
6 :39
الظهر
12 : 50
العصر
4:21
المغرب
7 : 2
العشاء
8 :20