تكسب العامل بصورة شخصية من وظيفته

تاريخ الفتوى: 02 يوليو 2025 م
رقم الفتوى: 8701
من فتاوى: فضيلة أ. د/ نظير محمد عياد - مفتي الجمهورية
التصنيف: آداب وأخلاق
تكسب العامل بصورة شخصية من وظيفته

ما حكم تكسب العامل بصورة شخصية من وظيفته؟ فهناك رجل يعمل موظفًا في إحدى الجهات الخدميَّة، ويتقاضى منها راتبًا عن عمله واحتباسه لصالح تلك الجهة وقتًا ثابتًا يوميًّا، إلا أنه يتطلَّع لزيادة دخله وكسبه، ويعرض عليه بعض مَن يقدِّم لهم الخدمة أموالًا بصورة شخصية نظير أن يقدِّم لهم مزيد اهتمامٍ، أو سرعةٍ في إنجاز المهام، دونًا عن غيرهم، فهل يجوز له أخذ تلك الأموال شرعًا؟

يَحرُم على الموظف المذكور أخذ المال المعروض عليه بصورة شخصية ممن يقدم لهم الخدمات داخل إطار وظيفته، باعتباره رشوة مُحرَّمة، وعليه تحرِّي الكسب الحلال، والصبر على تحصيله.

المحتويات

 

فضل السعي في طلب الرزق

حثَّ الشرع الشريف على السعي والاكتساب، إلا أنه حدَّ ذلك بالعمل الحلال المستطاب، قال الله تعالى: ﴿فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ﴾ [الجمعة: 10].

قال الإمام أبو الليث السَّمَرقَندِي في "بحر العلوم" (3/ 363، ط. دار الكتب العلمية) في تفسير هذه الآية: [يعني: اطلبوا الرزق مِن الله تعالى بالتجارة والكسب] اهـ.

وقال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ﴾ [النساء: 29].

قال الإمام الزمخشري في "الكشاف" (1/ 502، ط. دار الكتاب العربي): [﴿بِٱلۡبَٰطِلِ﴾: بما لم تُبِحهُ الشريعة، من نحو السرقة، والخيانة، والغصب، والقمار، وعقود الربا] اهـ.

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اتَّقُوا اللهَ وَأَجمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلَا يَحمِلكُمُ استِبطَاءُ الرِّزقِ عَلَى أَن تَطلُبُوهُ بِمَعَاصِي اللهِ، فَإِنَّهُ لَا يُنَالُ مَا عِندَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ» أخرجه الأئمة: ابن أبي شيبة، والحاكم، والبَيهَقِي في "شعب الإيمان".

كما أنَّ السعي في طلب الرزق الحلال يشتمل على كدٍّ ونَصَبٍ، وهو جدير بأن يشبَّه بالجهاد، ومقارَعة الأبطال، فعن عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «طَلَبُ الحَلَالِ جِهَادٌ» أخرجه الإمامان: الشهاب القُضَاعِي في "مسنده"، وابن أبي الدنيا في "إصلاح المال".

وقال محمد بن واسعٍ لمالِك بن دينار: مَا لَكَ لَا تُقَارِعُ الأَبطَالَ؟ قال: وَمَا مُقَارَعَةُ الأَبطَالِ؟ قال: الكَسبُ مِنَ الحَلَالِ، وَالإِنفَاقُ عَلَى العِيَالِ. أخرجه الإمام البَيهَقِي في "شعب الإيمان".

العلاقة بين الموظف والجهة التي يعمل فيها

من المقرر شرعًا أن العلاقة بين الموظف والجهة التي يعمل فيها هي علاقة إجارةٍ معلومٌ فيها ما يكلف به الموظف مِن المهام والاحتباس لصالح أدائها، وما يتقاضاه على ذلك مِن أجر؛ إذ الإجارة تعرف بأنها: "عقدٌ على منفعةٍ مقصودةٍ معلومةٍ قابلة للبَذل والإباحة بعِوَضٍ مَعلوم"، كما في "مغني المحتاج" للإمام الخطيب الشِّربِينِي (3/ 438، ط. دار الكتب العلمية).

والإجارة منها ما يكون خاصًّا يُمنع فيه الأجير من الاشتغال بعملٍ آخر في أثناء الوقت المحتبس فيه لعمله -كما هي مسألتنا-، ومنها ما يكون مشتركًا لا يشترط فيه ذلك.

جاء في المادة (422) مِن "مجلة الأحكام العدلية" (ص: 81، ط. نور محمد) ما نصه: [الأجير على قسمين: القسم الأول: هو الأجير الخاص الذي استؤجر على أن يعمل للمستأجر فقط، كالخادم الموظف. القسم الثاني: هو الأجير المشترك الذي ليس بمقيد بشرط ألا يعمل لغير المستأجر، كالحمَّال، والدلَّال، والخيَّاط، والساعاتي، والصائغ] اهـ.

بيان مدى الالتزام بالقوانين واللوائح والضوابط التي تحددها جهة العمل

لمَّا كان الموظف الذي يعمل لصالح جهة معينة هو عبارة عن أجير خاص، فإنه يتحتَّم عليه الالتزام بالقوانين واللوائح والضوابط التي تحددها له تلك الجهة، تبعًا للعقد المبرم بينه وبينها -خاصة كانت أو عامة-، وما تضمنه ذلك العقد مِن شروطٍ، فلا يجوز له تبعًا لذلك أن يتكسب بأي شكلٍ أو وسيلةٍ من غير جهة عمله ما دام في وقت العمل المتعاقد عليه وموجودًا داخل المنشأة الخاصة بجهة عمله؛ إذ الشأن في العقود أنَّها حاكمة وملزمة لأصحابها متى ما صدر منهم الإيجاب والقبول عليها؛ وذلك لقوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَوۡفُواْ بِٱلۡعُقُودِۚ﴾ [المائدة: 1].

أي: "ما عقده المرء على نفسه، من بيع وشراء وإجارة.. وغير ذلك من الأمور، ما كان ذلك غير خارج عن الشريعة"، كما قال الإمام القُرطُبِي في "الجامع لأحكام القرآن" (6/ 32، ط. دار الكتب المصرية).

وعن عمرو بن عَوف المُزَنِي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «المُسلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِم، إِلا شَرطًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَو أَحَلَّ حَرَامًا» أخرجه الإمام التِّرمِذِي وقال: "حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".

أخذ الموظف أموالًا بصورة شخصية مقابل  ما يُقدمه من خدمات في جهة عمله

قيام الموظف بالعمل المنوط به بموجب العقد المبرم بينه وبين الجهة التي يعمل فيها، الذي يتقاضى عليه الأجر دون أخذ مزيد أموال عليه من العملاء والمستفيدين، هو مما يجب عليه في الشرع الشريف تبعًا للعقد، ومخالفته وأخذه للمال مِن غير وجه حقٍّ يعد أمرًا مُحرَّمًا شرعًا.

كما أنَّ أخذ الموظف للأموال من بعض الحاصلين على ما يُقدمه من خدمات في جهة عمله بصورةٍ شخصية جرَّاء عمله والقيام بمزيد اهتمام أو تخليص إجراءات لهم داخل تلك الجهة -تَعظُم حُرمته بدخوله في دائرة الرِّشوة المُحرَّمة الملعون صاحبها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَعَنَ اللهُ الرَّاشِيَ وَالمُرتَشِيَ» أخرجه الأئمة: أحمد، والتِّرمِذِي، والحاكم، وغيرهم.

قال الإمام المُنَاوِي في "التيسير بشرح الجامع الصغير" (2/ 292، ط. مكتبة الإمام الشافعي): [والرشوة المُحرمة ما يُتوصل به إلى إبطال حقٍّ أو تمشية باطل] اهـ.

وانشغال الموظف بتخليص مصلحة خاصة لبعض العملاء خارج سيرورة عمله المعتادة أو منحه اهتمامًا زائدًا عن غيره في مقابل ما يأخذه من الأموال -لا يخرج عن دائرة إبطال حقوق العملاء الآخرين بتأخيرهم، وتمشية باطلٍ بالعمل على نحوٍ يخالف سيرورة العمل الثابتة المنصوص عليها في لوائح جهة العمل.

وقد نص الفقهاء على معنى الرشوة المُحرَّمة وما تفترق به عن الهدايا المباحة من صورٍ ومعانٍ:

فقال الإمام المَاوَردِي في "الأحكام السلطانية" (ص: 198، ط. دار الحديث): [الفرق بين الرِّشوة والهدية: أن الرشوة ما أُخِذت طلبًا، والهدية ما بُذلت عفوًا] اهـ.

وقال الشيخ العارف عبد الغني النابُلسي [ت: 1143هـ] في "تحقيق القضية في الفرق بين الرشوة والهدية" (ص: 70، ط. مكتبة الزهراء): [وأما ما يتعلق بغير القضاة والحكام مِن بقية الناس: فكلُّ من أُهدِىَ إليه شيء مِن أنواع الهدايا، سواء كانت مما يؤكل أو يُلبس أو يُركب ونحو ذلك من الدراهم والأموال، وسواء كان له جاه وكلمة مقبولة عند حاكم أو قاض ونحو ذلك، أو لم يكن ذلك له، وسواء كان عالمًا أو صالحًا أو جاهلًا، أو صاحب حرفة ونحو ذلك من أنواع الناس، وسواء كان الذي أهدى له طمع في قضاء حاجة عند حاكم أو غيره، أو شفاعة في أي أمر كان من الأمور، وسواء ذكر حاجته أو لم يذكرها، فإن ذلك في جميع هذه المسائل إذا كان بينهما شرطٌ ملفوظ تكلَّم به كلٌّ منهما ورضيا به: رشوة محرمة لا يحل أخذُها] اهـ.

والأصل في الأعمال الخدميَّة أن تؤدَّى لأصحابها من غير مقابلٍ زائدٍ عما تنص عليه اللوائح الخاصة بتقديم تلك الخدمة، ما دام المسؤول عنها مُوظفًا يتقاضى راتبًا على ما يقدمه من الأعمال والخدمات، فقد عد القانون المصري أخذ الموظف المالَ بصورةٍ شخصية ممن يقدم له الخدمات العامَّة نوعًا من الرشوةِ المحرمة، وعاقب على ذلك، حيث جاء في المادة 106 مكرر من قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937، وتعديلاته، ما نصه: [كل من طلب لنفسه، أو لغيره، أو قَبِل، أو أخذ وعدًا، أو عطية لاستعمال نفوذ حقيقي أو مزعوم للحصول أو لمحاولة الحصول من أية سلطة عامة على أعمال، أو أوامر، أو أحكام، أو قرارات، أو نياشين، أو التزام، أو ترخيص، أو اتفاق توريد، أو مقاولة، أو على وظيفة، أو خدمة، أو أية مزية من أي نوع -يعد في حكم المرتشي، ويعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في المادة 104 من هذا القانون إن كان موظفًا عموميًّا] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنه يَحرُم على الموظف المذكور أخذ المال المعروض عليه بصورة شخصية ممن يقدم لهم الخدمات داخل إطار وظيفته، باعتباره رشوة مُحرَّمة، وعليه تحرِّي الكسب الحلال، والصبر على تحصيله.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم الإبلاغ عن المخالفات في جهة العمل؛ فأنا كنت أعمل في بداية حياتي بوظيفة في شركة بجانب عملي في مجال العزف والتلحين الموسيقي، ومنذ أكثر من عشرين عامًا كان مجال عملي الوحيد هو الفن بعد تفرغي له، ومنذ حوالي عشر سنوات كنت أتمنى ترك هذا المجال، وظللت أدعو الله لكي أترك هذا المجال، وأكرمني الله بأن جعل أحد رجال الأعمال سببًا في أن أعمل عنده في إحدى شركاته، مع العلم بأن خبرتي ليست قليلة في المجال الذي عملت به، وبعد اندماجي في العمل وجدت الكثير من المخالفات، وقد أشرت إليها إلى السيد مدير الإدارة والذي أعمل نائبًا له، ولكنه يهمش دوري في العمل؛ لوفاة نائب صاحب الشركة والذي كان يعمل مديرًا للشركة، ولانشغال صاحب الشركة في باقي أعماله.
أفتوني هل أخبر صاحب المال عمَّا أراه من مخالفات تضر بمصالح صاحب المال ومصالح العاملين بالشركة وحتى لو أساء الظن بي من ناحية أن يظن بي أن يكون لي مطمع معين. والله يعلم بأنني بريء من مثل هذا الظن؟


ما الآداب الإسلامية في الطرق والأماكن العامة؟ حيث يقوم بعض الناس بتصرفات غير لائقة في الأماكن العامة، لا يراعون فيها الآداب الإسلامية، ولا مشاعر الناس ولا ما تسببه بعض التصرفات من أذى لهم؛ كالبصق في الطرق والأماكن العامة، فما حكم الشرع في ذلك؟


ما حكم الرجوع في الهبة بعد سنوات من تمليك الواهب للموهوب له العين الموهوبة؟ فهناك صديقان أهدى أحدهما للآخر مبلغًا كبيرًا من المال اشترى به الآخر وحدة سكنية، ثم حدث بينهما شجارٌ كبير وخلافٌ أدَّى إلى تعكير صفو ما بينهما من مودَّة، فجاء الصديق الأول "الواهب" -بعد سنوات- من استقرار صديقه الآخر "الموهوب له" في البيت الذي اشتراه بمال الهبة والذي رتَّب حياته عليه، وطالبه بأن يخرج من البيت ويعيده إليه بدعوى أنَّه قد بَذَلَ هذا المال لرجلٍ كان يظنه محبًّا مخلصًا، وبعد الشجار ظهر له خلاف ما كان يأمله فيه، لذلك هو يعتبر نفسه أنه قد بذل هذا المال منخدعًا، ويحق له أن يسترجعه،  فهل يجوز له أن يرجع في هبته تمسُّكًا بأنَّ السادة الحنفية يجيزون الرجوع في الهبة؟ وهل نسبةُ ذلك للحنفية صحيحة أو لا؟


ظهر علينا من يدعي حل سرقة الكهرباء والغاز الطبيعي من الدولة، فهل هذا الكلام يستقيم مع أحكام الشرع الشريف؟ أرجو الإفادة وجزاكم الله خيرًا.


سائل يقول: انتشرت بين العامة والخاصة أبيات كثيرة من قصيدة "البردة" للإمام البوصيري التي مدح فيها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فما السر وراء هذا الانتشار الواسع؟


ما حكم قول: "إن في الله عزاءً من كل مصيبة" عند تعزية أهل الميت؟ فأنا كنت في عزاء وسمعت أحد المعزيين يقول لأهل الميت: "إن في الله عزاءً من كل مصيبة".


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 26 أكتوبر 2025 م
الفجر
5 :37
الشروق
7 :4
الظهر
12 : 39
العصر
3:49
المغرب
6 : 13
العشاء
7 :31