13 ديسمبر 2018 م

ألا لله الدين الخالص

ألا لله الدين الخالص

الإخلاص سر خاص بين العبد وربه، لا اطِّلاع لأحدٍ عليه؛ والإخلاص لله تعالى معناه: أن يجعل الإنسان عبادته خالية من أي شائبة؛ فتكون خالصة يُراد بها وجه الله تعالى وحده وابتغاء مرضاته، فإذا فعل ذلك كانت عبادته متحققة بالإخلاص، ووقعت على الوجه الذي يريده الله عز وجل؛ قال الله تعالى: ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ [الزمر: 3]، والمعنى: أن لا يقبل من الأعمال إلَّا ما كان خالصًا لوجهه الكريم، خالصًا من الشرك والرياء، وهذا كله يرجع إلى نية الإنسان؛ لذا فقد قرر القرآن الكريم هذا المعنى في غير موضع؛ فقـال الله تعالـى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البينة: 5].

وهذا أيضًا ما قرَّره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الشريف الذي افتتح به الإمام البخاري "صحيحه"؛ فعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قـال: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ».

فقد أخبر النبي صلى الله عليه آله وسلم في هذا الحديث أن الله تعالى لا يقبل العمل إلا إذا أخلص فيه العبد لله وحده، وقصد به وجهه؛ فالناس هم الفقراء إلى الله، والله هو الغني الحميد.

ويؤكد هذا المعنى أيضًا حديث قدسي؛ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ» رواه مسلم.

ويعد الإخلاص معيارًا لقبول الأعمال وردِّها؛ يقول الله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: 110].

وقد ثبت في "الصحيح" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ: جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ. ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ.

وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ، وَعَلَّمَهُ، وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ. فَقَدْ قِيلَ. ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ.

وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ. قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ. ثُمَّ أُمِرَ بِهِ، فَـسُحِبَ عَـلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ» رواه مسلم.

وفي هذا الحديث دليل واضح على أن مدار الأمر على إخلاص النية لله تعالى، والصدق في معاملة الخالق جل وعلا، وأن فعل هذه الأمور -على عظمها- لا يفيد صاحبه إن أراد من ورائها ثناء الناس، بل إن العقوبة عليها حينئذٍ تكون عقوبة مغلظة.

وكما أن الله تعالى يحب الإخلاص في العبادة بالمعنى الذي سبق، فإنه جلَّ وعلا أيضًا يحب الإخلاص في العمل، ومعناه: الإتقان، والمراقبة الذاتية من الإنسان لنفسه، حتى تقع الأعمال على وفق مراد الله تعالى الذي يتمثَّل في: عمارة الأكوان، بجانب عبادة الرحمن، وتزكية نفس الإنسان.

وبالإخلاص في العمل تكون نهضة المجتمعات، ويتحقق السلام الاجتماعي بين الأفراد، وقد أرشدنا رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام إلى ضرورة إتقان الأعمال فقال مُرَغِّبًا: «إِنّ اللهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ» رواه البيهقي.

-----

- المراجع:

- "صحيح البخاري" للإمام محمد بن إسماعيل أبي عبد الله البخاري الجعفي، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، ط. دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)، الطبعة: الأولى، 1422هـ.

- "صحيح مسلم": للإمام مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، ط. دار إحياء التراث العربي، بيروت.

- "المعجم الأوسط" للطبراني، تحقيق: طارق بن عوض الله بن محمد، عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، ط. دار الحرمين، القاهرة.

- "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" للإمام أبي زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، ط. دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية، 1392هـ.

 

 

لما خلق الله تعالى الخلق جعل لهم حدودًا ورسم لهم طريقًا مستقيمًا لا عوج فيه ولا انحدار، ولأجل أن يبلغهم شريعته ومنهاجه أرسل إليهم رسلًا ليبلِّغوهم ما أنزل إليهم، وليرشدوهم إلى طريقٍ مستقيمٍ؛ {دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [الأنعام: 161]، فكانوا هم أول من يُؤْمر، فاصطفاهم الحق سبحانه واختارهم من بني البشر ليكونوا قادةً وقدوةً حسنة لأممهم، فتجلت الدعوة الإلهية إليهم في أسمى معانيها بالدعوة إلى الاستقامة والعدل في جميع الأمور بلا إفراط ولا تفريط.


المال قوام الحياة، وأساس نهضة الأمم وتقدم الدول وبناء الحضارات؛ لذا حث الإسلام على طلبه وكسبه، لكنْ من طرقه الصحيحة وبالوسائل المشروعة، وأرشد إلى إنفاقه فيما يعود بالنفع على الإنسان والأكوان، ويكون محقِّقًا لرضا الرحمن.


لَمَّا عُرج بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء في رحلة الإسراء والمعراج رأى سيِّدَنَا إبراهيم عليه السلام مسندًا ظهره إلى البيت المعمور، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ -يعني نَفْسَهُ صلى الله عليه وآله وسلم-» رواه مسلم، إنه خليل الله الذي أسلم وجهه لله؛ فقال عنه الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ۝ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [سورة البقرة: 130-131]، فلَمَّا كان كذلك، كان اليقين والتسليم مفتاح شخصيته، فهذا أهم سمة تُميز نبي الله إبراهيم عليه السلام.


للعلم مكانة عظيمة في حياة الأمم بصفة عامة وعند الأمة المحمدية بصفة خاصة؛ فبالعلم ترتقي العقول وتتهذب النفوس وتنهض المجتمعات وتتقدم، وقد أولى الشرع الشريف العلم عناية خاصة، وحثَّ أتباعه على الجد والاجتهاد في طلبه، وبيَّن منزلة العلماء وفضلهم؛ حيث قال الله تعالى في كتابه المحكم: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: 9]، وهذا مبدأٌ قرآني، ومعناه: لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، وعدم المساواة تقتضي التفضيل: تفضيل الذين يعلمون على الذين لا يعلمون، وهذا تنبيه عظيم على فضيلة العلم وأهله.


القرآن الكريم هو كلمة الله الأخيرة إلى البشرية جمعاء، أنزله الله تعالى على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وبه انقطع وحي السماء إلى أهل الأرض؛ لذلك كان القرآن الكريم -وسيظل- كتاب هداية على مَرِّ الأزمان، يتجدد فهمه دائمًا؛ فلا تنتهي عجائبُه، ولا يَخْلَقُ على كثرة الرَّدِّ.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 01 مايو 2025 م
الفجر
4 :37
الشروق
6 :12
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 33
العشاء
8 :57