ما حكم أداء النافلة بين الصلاتين عند جمع التقديم؟ فقد سافرتُ في مهمة للعمل خارج البلاد، وقمتُ بجمع الصلاة في أيام سفري جمعَ تقديمٍ، مع المحافظة على صلاة النوافل بترتيبها مع كلِّ صلاة، فعند الجمع بين الظهر والعصر كنتُ أصلي نافلة الظهر القَبلية، ثم الظهر، ثم نافلتَه البَعدية، ثم نافلة العصر، ثم أصلي العصر، وعند جمع المغرب مع العشاء صليتُ المغرب، ثم نافلتَها، ثم نافلة العشاء القَبلية، ثم العشاءَ ونافلتَها البَعدية.
اختلف الفقهاء في اشتراط الموالاة والتتابع بين الصلاتين عند الجمع بينهما جمع تقديمٍ؛ فذهب بعض الشافعية والإمام أحمد في روايةٍ اختارها الشيخ ابن تيمية إلى أن اشتراط الموالاة بين الصلاتين حال جمع التقديم منافٍ لمقصد الرخصة مِن التيسير ورفع الحرج، ولا بأس عندهم من الفصل بين الصلاتين بفاصلٍ كصلاة النَّفل.
فما قام به السائل مِن صلاةِ النوافل بترتيبها مع كلِّ صلاةٍ عند جمع التقديم -صحيحٌ، إلا أنَّ الأَوْلَى له في مثل هذه الحالة أن يؤخِّر تلك النَّوافل إلى ما بعد الانتهاء مِن صلاة الفريضتين دون أن يفصل بينهما؛ خروجًا مِن خلاف جمهور الفقهاءِ ممن قال ببطلان الجمع في هذه الحالة أو كراهة الفصل بين الصلاتين، واحتياطًا في العبادة.
المحتويات
الإسلام دِينُ يُسرٍ ورَفْعٍ للحرج عن المكلَّفين، قال الله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185].
ومِن القواعد الخمس الكبرى التي عليها مدار الفقه الإسلامي: أنَّ "المشَقَّةَ تَجلِبُ التَّيسِير"، ومِن مظاهر ذلك التَّيسِير ما هو مقرَّرٌ عند جماهير الفقهاء مِن مشروعيَّة قَصْرِ الصلوات المكتوبة وجَمْعِها للمسافر، حيث إنَّ "السفر مَظنَّةٌ للتخفيف"؛ لِمَا يغلب فيه مِن المشقَّة، فعن عَامِرِ بن وَاثِلَةَ أبي الطُّفَيْلِ قال: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بن جبلٍ رضي الله عنه فقال: "جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ" قَالَ: فَقُلْتُ: مَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: فَقَالَ: "أَرَادَ أَلَّا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ" أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
أما صلاة النوافل حال الترخص برخصة الجمع بين الصلوات في السفر فهو مما اختلف فيه الفقهاء، وذلك على النَّحو التالي:
فذهب فقهاء المالكيَّة إلى سُنِّيَّة الموالاة والاتصال بين الصلاتين عند الجَمعِ، وأنَّ الفصل بينهما بالكلامِ أو السُّنن والنوافل لا يبطلها؛ حيث لا وَجه للحرمة في ذلك، إلا أنه مكروهٌ.
قال الإمام ضياء الدين خليل في "التوضيح" (2/ 45، ط. مركز نجيبويه) في بيان أحكام الجمع بين الصلاتين: [مِن سُنَّة الصلاة الثانية أن تكون مُتصلةً بالأُولى. قال مالكٌ: لا يتنفل بين المغرب والعشاء. قال المَازِرِي: وكلُّ صلاتين يجمع بينهما فحكمهما هكذا] اهـ.
وقال الإمام الدُّسُوقِي في "حاشيته على الشرح الكبير" (1/ 371، ط. دار الفكر): [قوله: (ولا تنفل بينهما) اعلم أنَّ الواقع في النفل يمنع الفصل بين الصلاتين المجموعتين بالنفل، وكذا بالكلام، وقد استظهر شيخُنا العدوي أنَّ المرادَ بالمنع الكراهةُ في الفصل بكلٍّ مِن النفل والكلام، إذ لا وجه للحرمة] اهـ.
وذهب فقهاءُ الشافعيَّة والحنابلةُ في الصحيح إلى اشتراط التتابع والموالاة عند جمع الصلاة تقديمًا، فإن تنفَّل المصلي بينهما بَطَل الجمع، ويجب عليه في تلك الحالةِ إعادتهما مُرتَّبَتَيْن؛ وذلك لأنَّ الصلاتين في حالة جمع التقديم عندهم تكونان كالصَّلاة الواحدة، فلا يجوز أن يفرَّق بينهما، كما لا يجوز أن يفرَّق بين الركعات في الصلاة الواحدة.
قال الإمام الشِّيرَازِي الشافعي في "المهذب" (1/ 197، ط. دار الكتب العلمية) في بيان أحكام جمع التقديم: [وإن أراد الجمعَ في وقت الأُولى لم يجزْ إلا بثلاثةِ شروطٍ: أحدها: أن ينوي الجمع.. والشرط الثاني: الترتيب.. والشرط الثالث: التتابع، وهو ألَّا يفرق بينهما، والدليل عليه أنهما كالصَّلاة الواحدة، فلا يجوز أن يفرق بينهما، كما لا يجوز أن يفرق بين الركعات في صلاةٍ واحدةٍ] اهـ.
قال الإمام النووي في "المجموع" (4/ 375، ط. دار الفكر) شارحًا: [قال أصحابنا: لو صلى بينهما ركعتين سُنَّة راتبةً بطلَ الجمع على المذهبِ وقولِ الجمهور] اهـ.
وقال الإمام علاء الدين المَرْدَاوِي الحنبلي في "الإنصاف" (2/ 342-343، ط. دار إحياء التراث العربي): [الصحيح مِن المذهب، وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به أكثرهم: أنه تشترط الموالاة في الجمع في وقت الأُولى.. واعتَبَرَ ابنُ عقيلٍ في "الفصول": الموالاة، وقال: معناها: ألَّا يفصل بينهما بصلاةٍ ولا كلامٍ؛ لئلَّا يزول معنى الاسم وهو الجمع.. قوله: (فإن صلَّى السُّنَّة بينهما) (بطل الجمع في إحدى الروايتين) وهي المذهب] اهـ.
وذهب الشافعيةُ في وجهٍ محكيٍّ عن الإمامين أبي سعيد الْإِصْطَخْرِيِّ وأبي عليٍّ الثَّقَفِيِّ، والحنابلةُ في روايةٍ عن الإمام أحمد واختارها الشيخ ابن تيمية -إلى أنه يجوز الفصل بين الصلاتين عند الجمع، ولا تشترط الموالاة بينهما ما لم يخرج وقت الأُولى منهما؛ لِمَا نصَّ عليه الإمامان الشافعي وأحمد مِن جواز جمع المضطر إذا صلى إحدى الصلاتين في بيته والأخرى في المسجد، ولأنَّ اشتراط الموالاة التي ليس لها حدٌّ في الشرع مُسقِطٌ لمقصود الرخصة الذي هو التخفيف ورفع المشقة، وعلى ذلك فيجوز التنفل بين الصلاتين، ولا يترتب على صلاة النافلة بينهما بطلانٌ للصلاة ولا إلزام بالإعادة.
قال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (4/ 375) في بيان حكم الموالاة بين الصلاتين عند جمع التقديم: [وفيه وَجْهٌ: أنَّه يجوز الجمعُ وإن طال الفصل بينهما، ما لم يخرج وقت الأُولَى، حكاهُ أصحابنا عن أبي سعيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ، وحكاه الرَّافِعِيُّ عنه وعن أبي عليٍّ الثَّقَفِيِّ مِن أصحابنا، ونص الشافعي في "الأمِّ" أنَّه لو صلى المغرب في بيته بنيَّة الجمع، ثمَّ أتى المسجد فصلَّى العشاء -جاز] اهـ.
وقال الإمام مُوفَّقُ الدِّين ابن قُدَامَة الحنبلي في "المغني" (2/ 206، ط. مكتبة القاهرة) في حكم مَن صلى النافلة بين الفريضتين عند جمع التقديم: [وعنه: لا يبطل؛ لأنَّه تفريق يسير، أشبه ما لو توضأ] اهـ.
وقال الشيخ ابن تيمية الحنبلي في "الفتاوى الكبرى" (5/ 351، ط. دار الكتب العلمية): [ولا موالاة في الجمع في وقت الأُولى، وهو مأخوذٌ مِن نص الإمام أحمد في جمع المضطر إذا صلى إحدى الصلاتين في بيته، والأخرى في المسجد، فلا بأس، ومِن نصه في رواية أبي طالب والمَرْوَزِي: للمسافر أن يصلي العشاء قبل أن يغيب الشفق، وعلله أحمد بأنه يجوز له الجمع] اهـ.
وقال في "مجموع الفتاوى" (24/ 54، ط. مجمع الملك فهد): [والصحيح أنه لا تشترط الموالاة بحال، لا في وقت الأولى ولا في وقت الثانية، فإنه ليس لذلك حد في الشرع، ولأن مراعاة ذلك يُسقط مقصود الرخصة] اهـ.
هذا، وقد نصَّ الفقهاء والأصوليون على أنَّ أفعال العوام بعد صدورها منهم محمولةٌ على ما صحَّ مِن مذاهب المُجتهدين ممن يقول بالحِلِّ أو بالصِّحَّة، فإنَّ مراد الشرع الشريف تصحيح أفعال المكلَّفين وعباداتهم مهما أمكن ذلك، فإذا صدر مِن العامِّي فعلٌ مُعيَّنٌ كَفَاهُ في الحكم بصِحَّته أن يوافِقَ أحد آراء المذاهب وأقوال المُجتهدين، وهو الذي جرت عليه الفتوى.
قال العلامة الشيخ محمد بخيت المطيعي -مفتي الديار المصرية الأسبق- في "الفتاوى" (1/ 225، ط. دار وهبة): [متى وافَقَ عَمَلُ العامِّيِّ مذهبًا مِن مذاهب المجتهدين ممن يقول بالحِلِّ أو بالطهارة كفاهُ ذلك، ولا إثم عليه اتفاقًا] اهـ.
كما أنهم قد قرَّروا أن "الْخُرُوجَ مِنَ الْخِلَافِ مُسْتَحَبٌّ"، كما في "الأشباه والنظائر" للحافظ السيوطي (ص: 136، ط. دار الكتب العلمية)، وأن العبادة إذا صَحَّت عند الجميع لكان خيرًا مِن أن تصح عند طائفةٍ وتَبطُل عند أخرى، ومثله أن صحتها عند الغالب الأعم مِن الفقهاء خيرٌ مِن صحتها عند عددٍ يسيرٍ منهم، وأنَّ "الْأَخْذَ بِالِاحْتِيَاطِ فِي الْعِبَادَاتِ أَصْلٌ"، كما في "المبسوط" لشمس الأئمة السَّرَخْسِي (1/ 246).
إن اشتراط الموالاة والتتابع بين الصلاتين عند الجمع بينهما جمع تقديمٍ هو مما اختلف فيه الفقهاء، فذهب المالكيَّة إلى أنه سُنَّة، وذهب الشافعيةُ والحنابلةُ إلى أنَّه شرطٌ لصحَّة الجمع بحيث يبطل بالفصل ولو بصلاةِ نفلٍ، وذهب بعض الشافعية والإمام أحمد في روايةٍ اختارها الشيخ ابن تيمية إلى أن اشتراط الموالاة بين الصلاتين حال جمع التقديم منافٍ لمقصد الرخصة مِن التيسير ورفع الحرج، فلا بأس عندهم إن فصل بين الصلاتين بفاصلٍ كصلاة النَّفل، كما سبق بيانه.
وفي واقعة السؤال: ما قام به السائل مِن صلاةِ النوافل بترتيبها مع كلِّ صلاةٍ عند جمع التقديم -صحيحٌ على قول مَن لم يشترط الموالاةَ عند الجمع بين الصلاتين مِن الفقهاء، إلا أنَّ الأَوْلَى له في مثل هذه الحالة أن يؤخِّر تلك النَّوافل إلى ما بعد الانتهاء مِن صلاة الفريضتين دون أن يفصل بينهما؛ خروجًا مِن خلاف جمهور الفقهاءِ ممن قال ببطلان الجمع في هذه الحالة أو كراهة الفصل بين الصلاتين، واحتياطًا في العبادة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم الجهر بالنية عند الصلاة؛ كأن يقول المصلي: أصلي صلاة الصبح فرضًا لله تعالى نويت الله أكبر؟
ما أقل ما يكفي لصحة خطبة الجمعة؟ لأنه في أحد مساجد القرى لم يجد الناس من يخطب ويصلي بهم الجمعة، فصعد المنبر شاب، فناداه البعض، بأن ينزل، وقال له: أنت حلاق وصلاتك غير صحيحة، ويسأل عن حكم ما حدث، وهل صلاة الحلاق بالناس لا تصح؟
سائل يقول: نرجو منكم بيان فضل المحافظة على أداء السنن الرواتب والحث على أدائها والترغيب فيها. وهل الإكثار منها سبب لمحبة الله عز وجل؟
ما حكم الجمع بين الصلوات للمرضع؟ فهناك أمٌّ لطفلة رضيعة، وفي كثير من الأوقات يتنجس ثوبها من بول الصغيرة بسبب الإرضاع مما يشق عليها تطهير الثياب أو تغييره عند كل صلاة وتريد أن تجمع بين الصلوات؛ رفعًا للحرج والمشقة، فما حكم الشرع في ذلك؟
ما كيفية الطهارة عند وقوع النجاسة على شيء ولم يُعرَف موضعها؟ فقد توضأتُ للصلاة، ولما فرَغتُ مِن الوضوءِ وَقَعَ عليَّ ماءٌ نجسٌ، وأصاب ثَوبِي وبَدنِي، وتَطَايرَ على المكان الذي أُرِيدُ الصلاة فيه، لكن لا أعلم موضع تلك النجاسة التي أصابتني، فما حكم الصلاة في هذه الحالة؟
هل يجوز شرعًا المسك بالمصحف أو وضعه على حامل أمامي للقراءة منه أثناء الصلاة؟ وهل للقراءة من المصحف في الصلاة فضل؟ حيث إنني ألاحظ ذلك وأفعله في رمضان عندما أصلي القيام بالمسجد؛ لختم القرآن الكريم، فما حكم الشرع في ذلك؟