ما حكم جمع الجنازات للصلاة عليها جملة واحدة؟ حيث إنه نظرًا لتزايد عدد الوفيات في مستشفيات العزل ونحوها؛ بما قد تزيدُ في بعض الأيام عن العشرة في مكانٍ واحد، ووضع كل جنازة على حدتها وتقديمها للصلاة عليها يسبِّب الكثير من التعب والمشقَّة للقائمين على ذلك، فهل يمكن الصلاة عليها مجتمعة؟ وهل هذا هو الأفضل من الناحية الشرعية، أم الأفضل الصلاة على كل جنازة على حدتها؟ ولفضيلتكم جزيل الشكر والتقدير.
يجوز شرعًا الصلاة على الجنازات مجتمعةً دفعة واحدة باتفاق الفقهاء، بل عدَّ بعضُ العلماء ذلك هو السُّنَّةَ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويجوز إفرادُ كلِّ جنازة بالصلاة عليها على حِدَتِها، فإذا كثرت الجنازات -كما هو الحال الآن في مستشفيات العزل- فإنه يُصَلَّى عليها مجتمِعةً صلاةً واحدةً.
المحتويات
الأصل أن تُصَلَّى صلاة الجنازة على كل متوفًّى مسلم أو متوفاة، فإذا تعدَّدت الجنازات فقد اتفق العلماء على جواز إفراد كل جنازة بالصلاة عليها، كما اتفقوا أيضًا على جواز الصلاة عليها مجتمعةً صلاةً واحدةً.
قال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 419، ط. مكتبة القاهرة): [فصل: ولا خلافَ بين أهل العلم في جواز الصلاة على الجنائزِ دفعة واحدة، وإن أفرد كل جنازة بصلاة جاز] اهـ.
غير أنهم اختلفوا في الأفضل منهما: هل هو إفراد الصلاة على كل جنازة منها، أم الصلاة عليها مجتمعة؟
فذهب متأخرو الحنفية -وهو المذهب عند الشافعية خلافًا للمتولي صاحب "التتمة"- إلى أفضلية إفراد كل جنازة بالصلاة عليها؛ لِما فيه من كثرة العمل ورجاء القبول، ما لم يُخشَ على الجنازة التغيُّرُ أو الانفجارُ، فحينئذ يكون الجمع أفضل.
قال العلامة الشرنبلالي الحنفي في "نور الإيضاح" (ص: 118، ط. المكتبة المصرية): [وإذا اجتمعت الجنائز فالإفراد بالصلاة لكل منها أولى] اهـ.
وقال العلامة الحصكفي الحنفي في "الدر المختار" (1/ 120، ط. دار الكتب العلمية): [(وإذا اجتمعت الجنائز فإفراد الصلاة) على كل واحدة (أولى) من الجمع] اهـ.
قال العلامة ابن عابدين في حاشيته "رد المحتار على الدر المختار" (2/ 219، ط. دار الفكر، بيروت): [(قوله أولى من الجمع)؛ لأن الجمع مختلف فيه] اهـ.
وقال العلامة الخطيب الشافعي في "مغني المحتاج" (2/ 31-32، ط. دار الكتب العلمية): [وقوله: (وتجوز) يفهم أن الأفضل إفراد كل جنازة بصلاة، وهو كذلك؛ لأنه أكثرُ عملًا وأرجى قبولًا، وليس تأخيرًا كثيرًا، وإن قال المتولي: إن الأفضل الجمع تعجيلًا للدفن المأمور به، نعم إن خشي تغيرًا أو انفجارًا بالتأخير فالأفضل الجمع] اهـ.
بل نصَّ بعضُ أئمَّة الشافعية إلى أنه لا يُعدل إلى جمع الجنازات إلَّا إذا تعذَّر الإفراد.
قال الإمام الماوردي الشافعي في "الحاوي الكبير" (3/ 49، ط. دار الكتب العلمية): [ثم إذا اجتمعت عدَّة جنائز، فينبغي أن يخص كل جنازة بصلاة منفردة، وتقدم الصلاة على السابق، فإذا جاءوا على سواء ولم يتشاحنوا فالصلاةُ على أفضلهم نَسَبًا ودِينًا، إلا أن يخاف من غيره الفساد، فيبدأ بالصلاة عليه، فإن تشاحنوا في التقديم أُقرع بينهم، وبدأ بمن خرجت له القرعة وإن كان أنقصهم، فإن لم يتمكَّن من الصلاة عليهم منفردين جاز أن يصلي عليهم مجتمعين] اهـ.
وذهب جمهور الحنفية والمالكية إلى أن الإمام مخيَّرٌ: إن شاء أفرد كل جنازة بالصلاة، وإن شاء جمع بينها في صلاة واحدة.
قال العلامة الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (1/ 315، ط. دار الكتب العلمية): [فإذا اجتمعت الجنائز فالإمام بالخيار إن شاء صلَّى عليهم دفعةً واحدة، وإن شاء صلى على كل جنازة على حدة؛ لما رُوي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم "صلى يوم أُحد على كل عشرة من الشهداء صلاة واحدة"، ولأنَّ ما هو المقصود وهو الدعاء والشفاعة للموتى يحصلُ بصلاة واحدة، فإن أراد أن يصليَ على كل واحدة على حدة، فالأولى أن يقدم الأفضل فالأفضل، فإن لم يفعل فلا بأسَ به] اهـ.
وقال العلامة الكمال بن الهمام الحنفي في "فتح القدير" (2/ 130، ط. دار الفكر): [واعلم أن الصلاة الواحدة كما تكون على ميتٍ واحدٍ تكون على أكثر، فإذا اجتمعت الجنائز إن شاء استأنف لكل ميت صلاة، وإن شاء وضع الكل وصلَّى عليهم صلاة واحدة، وهو في كيفية وضعهم بالخيار إن شاء وضعهم بالطول سطرًا واحدًا ويقوم عند أفضلهم، وإن شاء وضعهم واحدًا وراء واحدٍ إلى جهة القبلة] اهـ.
وقال العلامة ابن شاس المالكي في "عقد الجواهر الثمينة" (1/ 191-192، ط. دار الغرب الإسلامي):
[وإذا اجتمعت الجنائز فيجوز أن تفرد كل واحدة بالصلاة، وأن يُصلَّى على جميعها صلاة واحدة، ثم يتخير إن كانوا جنسًا واحدًا بين جَعْلِهم صفًّا أفضلهم بين يديه، ويليه من الجانبين من يليه في الفضل، وبين أن يرتبهم كما يرتب مختلفي الأجناس، وهو أن يجعل أفضلهم بين يديه، ثم من يليه في الفضل يليه إلى القبلة.
وفي الأجناس يقرب الرجل من الإمام، ثم يليه الصبي، ثم العبد، ثم الخنثى، ثم المرأة، ثم الصغيرة، ثم الأمة، ويجعل أفضل الرجال مما يلي الإمام، ويقدم الخصال الدينية التي ترغب في الصلاة عليه، إن استووا قدم بالسن، فإن استووا قدم بالقرعة أو التراضي] اهـ.
بينما يرى الحنابلة في المذهب والمتولي من الشافعية أن الأفضلَ الصلاةُ على الجنائزِ مجتمعةً دفعةً واحدة؛ لأن فيه تعجيلَ الدفن، وهو مأمورٌ به شرعًا، والتخفيف على أقرباء الموتى وغيرهم، ولأن مقصود صلاة الجنازة الدعاء والاستشفاع للموتى، وهو يحصل بصلاة واحدة.
قال الإمام النووي الشافعي في "المجموع شرح المهذب" (5/ 226، ط. دار الفكر): [واتفقوا على أن الأفضل أن يفرد كل واحد بصلاة، إلَّا صاحب "التتمة" فجزم بأن الأفضل أن يصلى عليهم دفعة واحدة؛ لأن فيه تعجيلَ الدفن وهو مأمورٌ به، والمذهب الأول؛ لأنه أكثرُ عملًا وأرجى للقبول، وليس هو تأخيرًا كثيرًا] اهـ.
وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (2/ 112، ط. دار الفكر): [(وجمع الموتى في الصلاة عليهم أفضل من الصلاة عليهم منفردين) أي: على كل واحدٍ وحدَه؛ محافظةً على الإسراع والتخفيف] اهـ.
من العلماء من استدلَّ على أن السُّنة جمْعُ الجنائزِ على صلاة واحدة بصلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على شهداء أُحُد عَشرةً عَشرةً؛ كما أخرجه ابن ماجه في "السنن" عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "أُتِيَ بهم رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أُحد، فجعل يصلي على عشرة عشرة، وحمزة رضي الله عنه هو كما هو، يُرْفَعُونَ وهو كما هو موضوعٌ".
قال العلامة الشوكاني في "نيل الأوطار" (4/ 83، ط. دار الحديث): [والحديثُ يدلُّ على أن السُّنَّة إذا اجتمعت جنائزُ أن يُصلَّى عليها صلاةً واحدة] اهـ.
وعلى كلٍّ فالاختلافُ بين القولين في الأفضلية يرجعُ إلى ما يترتب على كلٍّ منهما.
أما الجمع بين الجنازات في صلاة واحدة فيترتَّب عليه الإسراعُ بالجنازة وهو مأمورٌ به، وكذلك التخفيفُ على المصلين من أصحاب الجنازات وغيرهم، وهو أيضًا يُحصِّل المقصود من الصلاة وهو الدعاء والشفاعة للموتى.
وأما الإفراد: فيترتَّب عليه تكثيرُ العمل وتضعيف الأجر، ولا يُعَدُّ تأخيرًا إلَّا في حالة الخوف عليها من التغير.
بناءً على ذلك: فيجوز الصلاة على الجنازات مجتمعةً دفعة واحدة باتفاق الفقهاء، بل عدَّ بعضُ العلماء ذلك هو السُّنَّةَ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويجوز إفرادُ كلِّ جنازة بالصلاة عليها على حِدَتِها، فإذا كثرت الجنازات -كما هو الحال الآن في مستشفيات العزل- فإنه يُصَلَّى عليها مجتمِعةً صلاةً واحدةً.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما رأي الدين في الشباب الذين يأتون ويصلون الجنازة على القبر بعد الانتهاء من عملية الدفن، وذلك بحجة أنَّ المسجدَ الذي تمت فيه صلاة الجنازة يوجد به ضريحان لبعض الصالحين، وقاموا بهدم الضريحين بحجة توسعة المسجد؟
وكذلك يحرمون قراءة القرآن على القبر أثناء الدفن، ويقفون ويتراصون ويقولون: "استغفروا لأخيكم فإنه الآن يسأل".
لذا أرجو من فضيلتكم الرد بفتوى رسمية لكي نتمكن من توزيعها، وخصوصًا نحو هدم الأضرحة، وصلاة الجنازة عند القبر، وقراءة القرآن عند القبر أثناء الانتهاء من عملية الدفن؛ لأن هذه الفئات الضالة منتشرة بقريتنا والقرى المجاورة كما تنتشر النار في الحطب.
أنا طالب مسلم أدرس الفيزياء في جامعة في أمريكا، وكنت قد سمعت من أحد الأساتذة في إحدى المحاضرات: أنه توجد عملية تسمى Time travel وتترجم إلى العربية السفر عبر الزمن وهي إلى المستقبل والماضي أو إلى المستقبل فقط، وقد أصبح ذلك ممكنًا عن طريقة نظرية Twin paradox.
وأما السفر إلى الماضي فغير ممكن حاليًا. لكن بعض العلماء يقولون إن من الممكن أن يحدث هذا في المستقبل؛ لأن الاكتشافات كانت في الأسس أحلامًا، فمن غير المستبعد حدوث هذا في المستقبل. وعندما قلت هذا لإمام أحد المساجد وجدته يعترض بشدة، بل قال: إن هذا لم يحدث ولن يحدث؛ لأنه يوجد نصوص في القرآن والسنة تنفي حدوث هذه الفكرة صراحة، وإن اعتقدت بهذه الفكرة فأنت آثم؛ لأنك تعتقد بحدوث أمر الله، وقال إنه لن يحدث، وعندما قلت له: إن بعض المشايخ قال هذا على عملية الاستنساخ قبل حدوثها، رد بأن العلماء قالوا إن من يحاول إنجاح الفكرة آثم، ولم يقولوا إن هذه الفكرة مستحيل حدوثها، بخلاف فكرتك السابقة فإنه يوجد نصوص تمنع حدوث مثل هذه الفكرة. فما القول الصحيح؟ هل يوجد نصوص تقول إن هذه الفكرة لم تحدث، أو من المكن أن تحدث لكن أصحابها آثمون أم من الممكن حدوثها؟
ما حكم القيام في صلاة الجنازة؟ وهل يصح أداؤها جلوسًا من دون عذرٍ؟
يقول السائل: يُهمل بعض الناس في اتباع جنائز الأشخاص الذين لا يعرفونهم، فنرجو من فضيلتكم كلمة في بيان كيف حثّ الإسلام على اتباع الجنائز؟
ما حكم بناء مدرسة على مقبرة قديمة لا يوجد بها عظام؛ فهناك جمعية خيرية تعتزم بناء مدرسة تعليمية في مكان هو في الأصل مقبرة لدفن الأموات هجرت منذ أكثر من مائة سنة، وليس بها آثار للعظام، فهل يجوز شرعًا بناء المدرسة في مكان المقبرة المندثرة أو لا؟
هل يجوز صلاة الغائب على من مات بسبب وباء كورونا المستجد ولم يُصَلَّ عليه؟