ما حكم استخراج منظمات القلب التي سبق تركيبها في وقت سابق على وفاة المريض وما يزال في عمرها الافتراضي عدة سنوات؟
الحكم الشرعي في استخراج جهاز تنظيم ضربات القلب من جسد الإنسان بعد موته يتوقف على مدى تحقق الضرورة التي تقتضي ترجيح مصلحة الحي على الميت في هذه الحالة، لما تقرر أنَّ حقَّ الحي مُقدَّمٌ على حقِّ الميت إذا تعارضَا ولم يمكن الجمع بينهما، رعايةً لرفع أعظم الضررين بارتكاب أخفهما.
مع مراعاة الضوابط الشرعية والمعايير الطبية والقوانين واللوائح المنظمة لمثل هذا الإجراء، والتي منها:
أولًا: تحقق الوفاة بحيث تكون روح صاحب الجهاز قد فارقت جسده مفارقةً تامةً تستحيل بعدها عودته للحياة.
ثانيًا: اتخاذ كافة الإجراءات والضوابط التي تُبْعِدُ هذه العمليةَ عن نِطَاقِ التَّلَاعُبِ بالإنسان.
المحتويات
مِن المقاصد الكلية التي اعتنى بها الشرع الشريف: حفظُ النفس وصَوْنُها عن كلِّ ما يؤذيها ويضرُّها عاجلًا أو آجلًا، فأمَرَ لأجل ذلك باتخاذ كافة الوسائل التي تحقق ذلك المقصد، والتي منها الوقاية مِن الأمراض قبل حصولها، والمسارعة إلى العلاج والتداوي منها إذا ما أصيب الإنسان بها، فهو مـأمورٌ باتخـاذ الوسائل المتاحة التي تحافظ على نفسه وحياته وصحته وتمنع عنه الأذى والضرر، لعموم حديث أسامةَ بنِ شَرِيكٍ رضي الله عنه أنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه كأنما على رؤوسهم الطيرُ، فسَلَّمتُ ثم قعدتُ، فجاء الأعرابُ من هاهنا وهاهنا، فقالوا: يا رسول الله، أنتداوى؟ فقال: «تَداوَوا؛ فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لم يَضَع داءً إلَّا وَضَعَ له دَواءً غيرَ داءٍ واحِدٍ: الهَرَمُ»، والهَرَمُ: "الكِبَر" أخرجه الترمذي وأبو داود في "السنن".
في تقرير أهمية العلاج وأنَّه مما يحتاج إليه المكلف كاحتياجه للشرع في جلب المصالح ودرء المفاسد، قال الإمام عزُّ الدين ابن عبد السلام في "قواعد الأحكام" (1/ 6، ط. دار الكتب العلمية): [إن الطبَّ كالشرع وُضِع لجلب مصالح السلامة والعافية، ولدرء مفاسد المعاطب والأسقام، ولدرء ما أمكن درؤه من ذلك، ولجلب ما أمكن جلبه من ذلك] اهـ.
والعلاج إذا كان مأذونًا فيه ابتداءً كانت وسائله وما يتوقف عليه مأذونًا فيها أيضًا؛ لأن القاعدة أن الإذن في الشيء إذنٌ في مُكَمِّلات مقصوده، كما في "إحكام الإحكام" لابن دقيق العيد (2/ 288، ط. مطبعة السُّنَّة المحمدية).
ومِـن هـذه الوسائل استخدام جهازٍ منظِّمٍ لعمل القلب، وهو كما أفاد أهل الاختصاص من الأطباء: جهاز صغير الحجم يُزرع في منطقة الكتف للمريض عن طريق عملية جراحية، وذلك بإحداث شَقٍّ صغير يدخل من خلاله ويثبت به، ثُمَّ تُوَصل الأسلاك بحجرات قلبه عبر الأوردة التي تسمح بذلك، ويتكون ذلك الجهاز من جزأين:
الجزء الأول: مولد النبضات -البطارية-، وهو صندوق معدني صغير يتحكم في معدل الإشارات المرسلة إلى القلب.
والجزء الثاني: أسلاك التوصيل، وهي ثلاثة أسلاك أو أقل -تبعًا لنوع البطارية المستخدمة وحاجة المريض-، توضع في حجرات القلب بحيث تنقل إليها الإشارات الكهربائية الصادرة من مولد النبضات المتصل بها.
ومقتضى ذلك أن هذا الجهاز بعد تركيبه لدى المريض يكون في حُكْم الجزء من الجسد، حيث تتوقف حيوية قلب هذا المريض وانتظام نبضاته على بقائه صالحًا للعمل وفق المعايير الطبية المقررة.
ومسألة استخراج ذلك الجهاز من جسد الإنسان بعد وفاته من أجل الانتفاع به لمريضٍ آخر، أو لما يمثله من قيمةٍ ماليةٍ، تتخرج على ما قد بحثه الفقهاء في أحكام مسألة شقِّ بطن الميت لإخراج ما قد ابتلعه من مال نفسه، وقد اختلفوا في ذلك على قولين:
فذهب المالكية، والشافعية في وجهٍ (صححه الجرجاني والعبدري)، والحنابلة في وجهٍ إلى أنه إن ابتلع الإنسان مالًا له ثم مات، فإنه يُشق بدنه ويُخْرَجُ ما قد ابتلعه؛ صيانةً للمال وحفظًا له من الضياع، إضافة إلى أنه متى عُلِم بقاؤه وعدم استهلاكه تعلق حقُّ الورثة به فصار كمالِ الأجنبي، واشترط المالكية لاستخراجه أن يكون مالًا كثيرًا قد بلغ نصاب الزكاة.
قال العلامة الزرقاني المالكي في "شرحه على مختصر خليل" (2/ 201، ط. دار الكتب العلمية): [(وبقر) أي: شق بطن الميت المبتلع بحياته مالًا (عن مال) له أو لغيره (كثُر) بأن كان نصابًا] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "روضة الطالبين" (2/ 141، ط. المكتب الإسلامي): [ولو ابتلع مال نفسه ومات، فهل يخرج؟ وجهان. قال الجرجاني: الأصح يخرج قلت: وصححه أيضًا العبدري] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "الكافي" (1/ 373، ط. دار الكتب العلمية) في حكم مَن ابتلع مالًا ومات: [إن كانت الجوهرة له ففيه وجهان: أحدهما: يُشق بطنه؛ لأنها للوارث فهي كجوهرة الأجنبي] اهـ.
وذهب الحنفية إلى أنَّ مَن ابتلع مالًا دون تَعدٍّ ثُمَّ مات لا يُشق بدنه لإخراجه اتفاقًا، ووافقهم ابن حبيب من المالكية والشافعية في وجهٍ -وهو الأصح- بأنه لا يخرج؛ لأنَّه لما ابتلعه في حياته صار في حكم المال المستهلك، فلم يتعلق به حق للورثة.
قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (2/ 238، ط. دار الفكر): [(قوله: ولو بلع مال غيره) أي: ولا مال له كما في "الفتح" و"شرح المنية"، ومفهومه أنه: لو ترك مالًا يضمن ما بلعه لا يشق اتفاقًا (قوله: والأولى نعم)؛ لأنه وإن كان حرمة الآدمي أعلى من صيانة المال لكنه أزال احترامه بتعديه كما في "الفتح"، ومفاده أنه: لو سَقَطَ في جوفه بلا تَعدٍّ لا يشقُّ اتفاقًا] اهـ.
وقال العلامة خليل المالكي في "التوضيح" (2/ 124، ط. مركز نجيبويه): [قال ابن القاسم، وأصبغ، وسحنون: يبقر إذا كان فيه دنانير. قال ابن القاسم: وكذلك إذ ابتلع جوهرة نفيسة أو وديعة. وقال ابن حبيب: لا يبقر. ولو كانت جوهرة تساوي ألف دينار] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "روضة الطالبين" (2/ 141): [ولو ابتلع مال نفسه ومات، فهل يخرج؟ وجهان... وصحح الشيخ أبو حامد، والقاضي أبو الطيب في كتابه "المجرد": عدم الإخراج، وقطع به المحاملي في "المقنع"، وهو مفهوم كلام صاحب "التنبيه"، وهو الأصح] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "الكافي" (1/ 373، ط. دار الكتب العلمية): [وإن بَلَع الميت جوهرة لغيره شق بطنه. وأخذت؛ لأنَّ فيه تخليصًا له من مأثمها.. فإن كانت الجوهرة له ففيه وجهان... والثاني: لا يشق؛ لأنه استهلكها في حياته فلم يتعلق بها حقُّ الوارث] اهـ.
بتنزيل هذه المعاني التي قررها الفقهاء سابقًا على مسألتنا يظهر أنَّ الحكم الشرعي في استخراج جهاز تنظيم ضربات القلب من جسد الإنسان بعد موته يتوقف على مدى تحقق الضرورة التي تقتضي ترجيح مصلحة الحي على الميت في هذه الحالة، لما تقرر أنَّ حقَّ الحي مُقدَّمٌ على حقِّ الميت إذا تعارضَا ولم يمكن الجمع بينهما، رعايةً لرفع أعظم الضررين بارتكاب أخفهما، كما في "تكملة البحر الرائق" للعلامة الطوري الحنفي (8/ 233، ط. دار الكتاب الإسلامي)، و"الأشباه والنظائر" للإمام السيوطي الشافعي (ص: 87، ط. دار الكتب العلمية).
وهذا كله مشروطٌ برعاية الضوابط الشرعية والمعايير الطبية والقوانين واللوائح المنظمة لمثل هذا الإجراء، والتي منها:
أولًا: تحقق الوفاة بحيث تكون روح صاحب الجهاز قد فارقت جسده مفارقةً تامةً تستحيل بعدها عودته للحياة.
ثانيًا: اتخاذ كافة الإجراءات والضوابط التي تُبْعِدُ هذه العمليةَ عن نِطَاقِ التَّلَاعُبِ بالإنسان.
ومما سبق يُعْلَم الجواب عمَّا جاء بالسؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
سائل يقول: يلجأ بعض الناس إلى تركيب "الفينير" للأسنان أو ما يعرف بـ"القشور الخزفية للأسنان" أو "عدسات الأسنان" من أجل التداوي؛ حيث يحتاج لتركيبها إخفاءً لبعض العيوب الخِلْقِية، أو معالجةً لبعض مشاكل الأسنان؛ كتآكل طبقة المينا، أو حدوث كَسْرٍ أو تَصَدُّعٍ في الأسنان، ونحو ذلك؟ وهل يُعدُّ ذلك من تغيير خلق الله؟ وما حكم الطهارة مع وجوده في كل هذه الحالات؟
ما حكم إقامة العزاء وإحضار القراء لقراءة القرآن جهرًا؟ وهل إقامته لها مدة معينة؟
ما حكم الإقدام على عملية جراحية قد تفضي إلى الموت؟ فرئيس القسم الجنائي بنيابة السيدة زينب قال: لي ولد أصيب في عامه الرابع من عمره بمرض الصَّرع، عرضته على كثير من الأطباء المختصين في الأعصاب، وكانوا يعالجونه بشتى طرق العلاج من أدوية وحقن مخدرة إلى غير ذلك، إلا أن حالته كانت تزداد سوءًا يومًا بعد يوم وعامًا بعد عام، حتى أصبح الآن فاقد النطق والإحساس والحركة، فلا يستطيع المشي ولا الكلام ولا الفهم، فهو عبارة عن جثة أو كتلة يدب فيها الروح، ويبلغ من العمر الآن ثماني سنوات، ونعاني في تمريضه صنوف العذاب فيحتاج لمن يطعمه ويحمله ويعتني بنظافته كأنه طفل في عامه الأول.
لم أشأ أن ألجأ للشعوذة لعلمي ويقيني أنها خرافات لا فائدة منها، وأخيرًا أشار عليّ بعض الأطباء بإجراء جراحة له في المخ وأفهموني أنها خطيرة لا يرجى منها إلا بنسبة واحد إلى عشرة آلاف، أعني أنه سينتهي أمره بعد العملية، وعللوا نظريتهم بأنه:
أولًا: ربما تنجح العملية، ويستفيد منها.
ثانيًا: إذا قدر له الموت وهو محتمل فسيستريح هو كما سنستريح نحن من هذا الشقاء، ولما كنت أخشى إن أقدمت على إجراء هذه العملية أن يكون فيها ما يغضب الله؛ لأنني أعتقد بأنني أسعى إلى قتله بهذه العملية، فقد رأيت أن ألجأ إلى فضيلتكم لتفتوني إن كان في إجراء العملية في هذه الحالة محرم وأتحمل وزرًا أم لا.
يقول السائل: عندما نقوم بزيارة بعض أحبابنا من المرضى نقوم بالدعاء لهم في حالة مرضهم؛ فهل ورد في الشرع ما يفيد الدعاء للمريض عند زيارته؟
سائلة تقول: لم أذهب إلى مقبرة والدي سوى مرات قليلة، وظروفي لا تسمح لي أن أذهب دائمًا؛ فهل يجب علي أن أذهب باستمرار؟ وهل صحيح أنَّ الميت يفرح بزيارة أهله له؟
سائل يسأل عن الشروط الواجبة لصحة صلاة الجنازة؟ وما كيفية أدائها؟