كيف يتصرف الخيَّاط في الملابس التي يقوم بتفصيلها ويتأخر أصحابها في تسلمها عن موعدها المحدد؟ فهناك رجلٌ يعمل خياطًا، ويقوم الزبائن بإحضار أقمشةٍ إليه لتفصيلها وملابس لإصلاحها، ويواجه مشكلة أحيانًا؛ حيث يترك بعضُهم تلك الملابس مدةً طويلةً، قد تبلغُ السنةَ وأكثر، مما يُسبب له حرجًا وضيقًا في محلِ العمل، فما التصرف الشرعي المطلوبُ في مثل هذه الحالة؟
لا يحق للخياط التصرف في الملابس التي عنده وتأخر أصحابها عن استلامها، بل يجب عليه المحافظة عليها، حتى يؤدِّيَها لصاحبها عِند طلبِها، فإن تأخَّر صاحبُ هذه الملابس في أخذها عن المُتَعارف عليه، ولم يُوجد اتفاقٌ بينه وبين الخيَّاطِ على موعد آخر، وطالت المدة فإن استطاع الوصُول إليه بالتحرِّي؛ كأن يسأل عن محِلِّ سكنه أو صديقِهِ: فيجوز له أن يوصِّلَها له في مكانه، والوجه في جوازِ توصيل الملابس لصاحبها في مكانِهِ مردُّه إلى الحفاظ عليها من الضياع والتلف بعد تأخُّره في تسلمها؛ لقوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: 16].
فإن عَجَزَ السَّائلُ عن الوصُولِ إلى صاحبِ الملابس: فعليه أن يقوم بتسليمها إلى أقرب مكتب للمفقودات والأمانات وما يُشبِهُه من إدارات تابعةٍ للجهاتِ العامَّة المُختصَّة كأقسام الشرطة؛ وذلك رفعًا للضَّرر الذي يلْحَقُ الخيَّاط وأمثاله؛ من جرَّاء بقاء ممتلكاتِ الغير في ضمانِهم، والانشغال بها، وترقُّب حضُورِهم لأخذها؛ والشَّرع قد جاء برفْعِ الضَّرر؛ فقد روى الإمام مالك في "الموطأ" أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا ضَرَرَ ولَا ضِرَار».
المحتويات
مِن المقرَّر حرمة تناوُل مال الغير بأنواع المكاسب غير المُباحة شرعًا؛ لقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾، [النساء: 29]، أي: بما لم تُبِحْه الشريعة من نحو السرقة والخيانة والغصب والقمار وعقود الربا، كما تأوَّل الإمام الزمخشري في "تفسيره" (1/ 502، ط. دار الكتاب العربي).
وقد اتفق الفقهاء على أنَّ الأجير الخاصّ -وهو من يعمل عند مُستأجرٍ واحد مدةً معلومة، كالخادم والعامل- لا يضمن ما هلك عنده ممَّا استؤجر عليه إن كان بغير تَفريطٍ منه ولا جناية.
واختلفوا في تضمين الأجير المشترك -وهو من يعمل لغير واحد، كالخيَّاط والصبَّاغ وأصحاب الِحرف- من غير تعدٍّ منهم أو تقصير إذا ادَّعُوا هلاك المصنوعات المدفوعة إليهم، فقال الإمام أبو حنيفة: لا ضمان عليهم، وقال الإمامان مالك وأحمد والصَّاحبان من الحنفية: يضمنون، وللإمام الشافعي في هذه المسألة ثلاثةُ أقوال.
ودليلُ من أسقط الضمانَ عنهم أنه شبه الصُّناع بالمُودَع عنده، والشريك، والوكيل. أمَّا من رأى تضمينَهم فعُمدته النظرُ إلى المصلحة وسدِّ الذريعة. يُنظر: "بداية المجتهد" للعلامة ابن رُشد (4/ 16-17، ط. دار الحديث)، و"شرح مختصر الطحاوي" للعلامة الجَصَّاص (3/ 397، ط. دار البشائر الإسلامية).
وقد تواردت نصوص الفقهاء على ذلك.
قال الإمام ابنُ نجيم المصرِي الحنفي في "البحر الرائق" (8/ 31، ط. دار الكتاب الإسلامي) في خصوص الأجير المُشترك: [قال -رحمه الله- (والمَتَاعُ في يدِهِ غيرُ مضْمونٍ بالهلاكِ) يعني: لا يضمن ما ذكر سواء هلك بسبب يمكن الاحتراز عنه كالسرقة، أو بما لا يمكن كالحريق الغالب والغارة المُكابِرة، وهذا عند الإمام، وقالا لا يضمن إذا هلك بما يمكن التحرز عنه؛ لأن عليًّا وعمر ضَمَّناه] اهـ.
وقال الشيخ أبو الحسن علي المالكي في "كفاية الطالب الرباني" (2/ 199، ط. دار الفكر): [(والصُّناع) الذين نصبوا أنفسهم للصنعة التي معاشهم منها كالخَيَّاطين (ضامِنُون لما غابُوا عليه) أي: ضامنون قيمته يوم القبض، ولا أجرة لهم فيما عملوه في بيوتهم أو حوانيتهم (عمِلُوه بأجر أو بغَيْر أجر)، وبهذا قضى الخلفاء الأربعة ولم يُنكِر عليهم أحد فكان ذلك إجماعًا؛ ولأن ذلك من المصلحة العامة؛ لأنهم لو لم يضمنوا ويصدقوا فيما يدعون من التلف لسارعوا إلى أخذ أموال الناس واجترأوا على أكلها] اهـ.
وقال الإمام الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (3/ 477، ط. دار الكتب العلمية) مُبينًا أقوال الإمام الشافعي في المسألة: [(وكذا إنْ انفَرَد) باليد، سواء المشترك والمنفرد، فإن انتفى ما ذُكر في القسم قبله لا يضمن (في أظْهَرِ الأقوالِ) والثاني: يضمن كالمُستامِ؛ لأنه أخذه لمنفعة نفسه... (والثالث: يضمن) الأجير (المُشترك)، وفسر المشترك بقوله: (وهو من الْتَزَم عملًا في ذمتِهِ) كعادة القصَّارين والخياطين] اهـ.
وقال العلامة البُهُوتي الحنبلي في "شرح منتهى الإرادات" (2/ 271، ط. عالم الكتب): [(ويَضْمَنُ) الأجير (المُشترك) وهو من قُدِّر نفعه بالعمل، سواء تعرض فيه للمدة، ككحال يكحله شهرًا كل يوم كذا كذا مرة، أو لا كخياطة ثوب. وتقدم وجه تسميته بذلك (ما تَلف بفعلِهِ) أي: المشترك (من تخْريق) قصار الثوب بدقه أو مده أو عصره أو بسطه] اهـ.
الذي نختاره للفتوى من مذاهب الفقهاء: ما ذهب إليه الإمام مالك ومن وافقه من الفقهاء من تضمين الأجير المشترك والصُنَّاع فرَّطوا أو لم يُفرِّطوا؛ مراعاةً للمصلحة لما في عدم تضمينهم من خوف تضييع أموال الناس وتشجيعهم على الإهمال.
وعليه: فإنَّ يد الخيَّاطِ على قِطَع الملابسِ التي يَخِيطُها ويُصْلِحُها للناسِ يَدُ ضمان، فيكون ضامِنًا لما يتلف في يده أو ما يَضَعُونَهُ عنده بطبيعة الحال خلال مدة محدَّدة مِن الزمن حسبَ المُتَّفَقِ عليه، أو ما جرى عليه العرف السَّائِد عمَلِيًّا بين أصحاب المهْنةِ؛ لأنَّ المعرُوف عُرْفًا كالمشرُوطِ شرطًا.
فإنْ زادت المُدَّة عن ذلك صارت الملابس عنده من قبيل الوديعة، التي تُوضعُ عند غير المالك ليَحْفَظَها له، وعرَّفها البعض بأنها تسليطُ الغيْرِ على حفْظِ ماله صريحًا كان ذلك أو دلالة؛ كما جاء في متن "كنز الدقائق" للإمام النَّسَفِي، وشرحه "البحر الرائق" للإمام ابن نُجَيْم المصْرِي (7/ 273).
والمقرَّر شرعًا هو وجوبُ المُحافظةِ على الودائع والأماناتِ وأدائها لأصحابِها بلا نقْصان أو تعدٍّ؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النساء: 58]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أدِّ الأمانةَ إلى من ائتمَنَك، ولا تخُن مَن خانك» رواهُ أبو داود في "سننه".
والأصلُ في الشَّريعة الغَرَّاءِ هو بقاءُ الأملاكِ على ملْكِ أربابها، وتحريمُها على غيرهِم؛ لما جاء عن أبي بكرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حجَّة الوداع: «إنَّ دماءَكُم وأموالكُم وأعْراضَكُم عليكم حرامٌ، كحُرمةِ يومكم هذا، في شَهْرِكُم هذا، في بلَدِكُم هذا، فليُبَلِّغ الشاهدُ الغائِبَ» متفق عليه.
على ذلك: فإنه يجب على السَّائل المحافظة على الملابس التي عنده، حتى يؤدِّيَها لصاحبها عِند طلبِها، فإن تأخَّر صاحبُ هذه الملابس في أخذها عن المُتَعارف عليه، ولم يُوجد اتفاقٌ بينه وبين الخيَّاطِ على موعد آخر، وطالت المدة فإن استطاع الوصُول إليه بالتحرِّي؛ كأن يسأل عن محِلِّ سكنه أو صديقِهِ: فيجوز له أن يوصِّلَها له في مكانه، والوجه في جوازِ توصيل الملابس لصاحبها في مكانِهِ مردُّه إلى الحفاظ عليها من الضياع والتلف بعد تأخُّره في تسلمها؛ لقوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: 16].
فإن عَجَزَ السَّائلُ عن الوصُولِ إلى صاحبِ الملابس: فعليه أن يقوم بتسليمها إلى أقرب مكتب للمفقودات والأمانات وما يُشبِهُه من إدارات تابعةٍ للجهاتِ العامَّة المُختصَّة كأقسام الشرطة؛ وذلك رفعًا للضَّرر الذي يلْحَقُ الخيَّاط وأمثاله؛ من جرَّاء بقاء ممتلكاتِ الغير في ضمانِهم، والانشغال بها، وترقُّب حضُورِهم لأخذها؛ والشَّرع قد جاء برفْعِ الضَّرر؛ فقد روى الإمام مالك في "الموطأ" أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا ضَرَرَ ولَا ضِرَار».
والله سبحانه وتعالى أعلم.
سائل يقول: أعمل في مجال شراء الفواكه، وأقوم بعمل عقد لشراء محصول الموز، وذلك وفق إحدى الصيغتين الآتيتين: الصيغة الأولى: يتفق فيها الطرفان البائع والمشتري على بيع محصول الموز عندما يحين وقت نضجه وحصاده بعد فترة زمنية لا تقل عن أربعة شهور بالشروط الآتية المتفق عليها: يدفع المشتري حين توقيع العقد مبلغًا قدره 30000 جنيهًا لكلِّ فدان كتأمين.
يحق للمشتري دون غيره الاستحواذ على المحصول وشراؤه، والذي يتصف بالسلامة والخلو من العيوب المتعارف عليها؛ مثل: الطفرات أو المتأثرة بالصقيع أو الجراد وما شابه.
يمنح المشتري خصم قدره: جنيه واحد عن كل كيلو من الثمار عند حصاده وبعد وزنه وذلك من سعر الموز المتداول والمتعارف عليه يوم تقطيع السبايط.
تراضى الطرفان عن هذه الشروط وعلى المخالف شرط جزائي قدره 50000 جنيهًا.
وهذه الصيغة من العقود هي الشائعة والمتداولة حاليًّا بين تجار الموز.
الصيغة الثانية: يتفق فيها الطرفان (أ) البائع والطرف (ب) المشتري على بيع محصول الموز من الطرف (أ) إلى الطرف (ب) والذي يبدأ حصاده بعد مرور أربع شهور، وذلك على الشروط الواردة والمتفق عليها، وهي:
يدفع المشتري (ب) للبائع (أ) مبلغًا قدره 30000 جنيهًا عن كلِّ فدان موز؛ بصيغة مقدم مالي، وتأمين نقدي لغرض الشراء.
يلتزم المشتري (ب) بعدة مهام هي: تقطيع وجمع سبايط الموز وتحمل مصاريف ذلك، وحمل سبايط الموز من الأرض للسيارة وتحمل مصاريف ذلك. وتولي مهمة تسويق وبيع المحصول لنفسه أو للغير. ويحق للبائع (أ) مشاركة المشتري (ب) في مهمة تسويق المحصول وبيعه وتحديد سعر البيع وصفة المشتري؛ لغرض تحقيق أحسن الأسعار، وجودة الأداء والتنفيذ. ويحق للمشتري (ب) ما هو قدره 1 جنيه عن كل كيلو موز يتم وزنه بعد حصاده لجميع المحصول، وذلك مقابل ما تم من عون ومهام من الطرف المشتري للطرف البائع. وعلى المخالف لأي من شروط العقد شرط جزائي قدره 50000 جنيهًا.
فما حكم هذا العقد؟ وهل يوجد هناك فرق مؤثر في الحكم بين الصيغتين؟
ما حكم سداد الورثة دينًا ادّعاه رجلٌ على الميت؟ فأخو صديقي متوفًّى، وادَّعى رجلٌ من غير بينة أنَّ له دينًا عليه.
هل رعاية أهالي الجنود لها أصل في الشريعة الإسلامية؟ وما ثواب ذلك الأمر؟
سائل يسأل عمَّا يأتي: تُوفّي تاجر عن ورثة، وأوصى قبل وفاته رجلًا بقضاء ديونه وتنفيذ وصاياه، فهل للوصي قضاء الديون الثابتة على المتوفى وتنفيذ وصاياه دون إذن من الورثة؛ اعتمادًا على وصية المتوفى ودفاتره، أو لا بُدّ من إثبات ذلك لدى القضاء؟
ما حكم ترك العامل مكان عمله أثناء مواعيد العمل الرسمية والذهاب إلى صلاة التراويح، وهل يجوز مجازاة العامل أم لا؟ وهل تعتبر فترة صلاة التراويح من مواعيد العمل الرسمية؛ حيث إننا نادٍ ولدينا فترة مسائية للعمل تمتد حتى الساعة الثانية عشرة منتصف الليل؟
ما حكم بيع السمك في المزارع والأحواض؟ فقد ذهبت إلى إحدى المزارع السمكية فوجدتهم يضعون الأسماك في أحواض زجاجية فنحدد ما نريده ويتفقون معنا على السعر أولًا، ثم يخرجون لنا ما اخترناه، فهل هذا يدخل فيما ورد النهي عنه في الشريعة الإسلامية من بيع السمك في الماء؟