ما حكم شراء السلع التي يعتقد المشتري أنها مسروقة؟ فقد ذهبَ رجلٌ لشراء بعض الأغراض من إحدى الأسواق الشعبية، وقد سَمِعَ من أحد الأشخاص أنَّ بعضَ السلع المعروضة في هذه الأسواق قد تكون مسروقة، فهل يجوز له الشراء من تلك السُّوق والحال هذه؟
الأصل براءة ذمة البائِع عن التهمة ما دام المبيع تحت يده وكان الظاهرُ مِلكَه له، ولا يجوز إساءة الظن به أو اتهامُه بالسرقة مِن غير بيِّنةٍ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ»، وكذلك الأصل براءة ذمة البائِع عن التهمة ما لم يَثبُت عن طريق الجهات الأمنية المعنية أن شيئًا ما بعينه مما يَعرضه أحد البائعين مسروقٌ، ومِن ثَمَّ فلا مانع شرعًا من شراء الأغراض التي يحتاج إليها الرجل المذكور من تلك السوق أو غيرها من غير إثم عليه في ذلك ولا حرج، فإن غلب على ظنه أنَّ سلعةً ما بِعَيْنِهَا مسروقةٌ أو مغصوبةٌ فلْيَترُك شراءَها ولْيجتنب موضِع الرِّيبة؛ عملًا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ».
المحتويات
حثَّنا الشرع الشريف على حُسن الظن بالآخرين وحمل أفعالهم على خير الوجوه ما وسِعنا ذلك؛ إذ الأصل أن تُحمل أفعالُ الناس على السلامة والخُلُو من الإثم والتماس العذر، ونهانا عن سوء الظن وحمل أفعال الناس على وجه التُّهمة واعتقاد القُبح، وجاءت نصوص الشرع الشريف مؤكدةً لذلك المعنى، حيث قال الله تعالى في مُحكَم التنزيل: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ [الحجرات: 12].
وجاء في السُّنَّة النبوية المطهَّرة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» متفق عليه.
والظن المذموم: عبارة عما تَركَن إليه النفسُ وتَميلُ من تُهمة تقع في القلب بلا دليل، فليس لك أن تعتقد في غيرك سُوءًا إلا إذا انكشف لك بيقينٍ لا يحتمل التأويل صِحَّةُ ما تميل إليه، فعند ذلك لا تعتقد إلا ما عَلِمتَهُ وشَاهَدتَهُ، فما لم تشاهِدْهُ ولم تَسمعْهُ ثم وقع في قلبك فإنما يلقيه إليك الشيطانُ فينبغي أن تكذِّبَهُ فإنَّهُ أفسقُ الفساق. يُنظر: "إحياء علوم الدين" لحجة الإسلام الغَزَالِي (3/ 150، ط. دار المعرفة).
ثم إن الخطأ في حُسن الظن بالغير خيرٌ من الصواب في الطعن فيه؛ إذ الخطأ في دائرة المَعْفُوِّ عنه، ولا يُنسَب لصاحبه إثم، بينما لا يخلو الظن السيئ في الآخرين من الكذب عليهم والبُهتان، أو أن يصادف محلَّه فيكون خوضًا في الأعراض، ووقوعًا فيما حذَّر الشرعُ الشريف منه، وهو إثمٌ أيضًا؛ لأنه غِيبة، فيصدُق عليه ما أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال فيمَن يذكُر غيرَه في غَيبته: «إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ»، فكان الظنُّ السيئُ بذلك محيطًا بصاحبه إثمًا على كلِّ حال، فيصدُق عليه قول الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾ [فاطر: 43].
وهذا كلُّه يتفق ومقاصد الشريعة الغراء من حفظ أعراض الناس من الخوض فيها، وكذلك حفظ أموالهم ودمائهم من الاعتداء عليها، فليس كلُّ من ادَّعَى شيئًا على غيره يُعطى له بمجرد دعواه، بل لا بدَّ له من إقامة البينة أو اليمين على المدَّعى عليه؛ لحديث عبد الله بن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» أخرجه الشيخان في "صحيحيهما".
قال الإمام النَّوَوِي في "شرحه على صحيح الإمام مسلم" (12/ 3، ط. دار إحياء التراث العربي): [وهذا الحديث قاعدة كبيرة من قواعد أحكام الشرع، ففيه أنه لا يُقبل قول الإنسان فيما يدَّعِيه بمجرد دعواه، بل يحتاج إلى بيِّنَةٍ أو تصديق المُدَّعَى عليه، فإن طلب يمين المُدَّعَى عليه فله ذلك، وقد بيَّن صلى الله عليه وسلم الحكمة في كونه لا يُعطى بمجرد دعواه؛ لأنه لو كان أُعطِيَ بمجرَّدها لادَّعَى قومٌ دماءَ قومٍ وأموالَهم واستُبِيحت] اهـ.
بناءً على ما تقرر سابقًا من وجوب حُسْنِ الظن وعدم رمي الناس بالباطل: فإنه لا يجوز شرعًا اتهامُ أحدٍ بالسرقة جُزافًا، أو لمجرد الشك بأنَّ ما تحتَ يدِهِ ليس مملوكًا له إلا ببيِّنة؛ إذ الأصل أنَّ كلَّ ما في ذمة الإنسان ويقع تحت يده هو مِلكٌ له إن ادَّعى أنَّه مِلكُهُ أو وليٌّ عليه أو وكيلٌ فيه، ما لم يدُل على خلافه دليلٌ. يُنظر: "الفروق" للإمام شهاب الدين القَرَافِي (3/ 151، ط. عالم الكتب).
فكلُّ ما وُجد من بضائع وسِلَع في يدِ الغيرِ فالأصلُ أنَّه مِلكٌ له، والمشتري ليس مُلزمًا بالبحث والتفتيش عن مِلكية ما يَعرِضُهُ البائِع ما دام حالُه مستورًا؛ لأن الشَّكَّ بأن تلك السِّلَع التي في أيدي الغير مسروقةٌ إنما هو مجرد احتمالٍ لا يقوى على دفع الأصلِ، ولا يحق لصاحب الشك الانسياقُ خلف شَكِّهِ؛ لأن الأحكام لا تُبنى على الشكوك والأوهام. يُنظر: "تبيين الحقائق" للإمام فخر الدين الزَّيْلَعِي (3/ 152، ط. المطبعة الأميرية الكبرى)، و"الذخيرة" للإمام شهاب الدين القَرَافِي (1/ 177، ط. دار الغرب الإسلامي)، و"مجموع الفتاوى" للشيخ ابن تيمية (29/ 324).
فما دام المشتري لم يتحقق من كون الشيء مسروقًا فالأصل أنَّه لا إثم عليه ولا حرج في شرائه ممَّن يبيعُه؛ لأنَّ اليد علامةٌ على المِلك، ولكي يحصل العلم والتيقُّن بكون هذا الشيء مسروقًا لا بد أن يتحقق فيه معنى السرقة بأن تَثبُت ثبوتًا يقينيًّا لا مجال فيه للشك.
فالواجب إذًا في هذا المقام هو العملُ بما استقرَّ من ظاهر الأمر من مِلك البائع للشيء الذي يبيعُه، وكذا دفعُ الشكوك والشُّبُهات بدون علم ولا تحقُّق؛ لما في ذلك من إحداثٍ للفوضى والخلل في النظام العام.
أما إذا غلب على ظن المشتري أن المبيع مسروقٌ أو مغصوبٌ لِارتِيَابِهِ في حال البائع أو أسلوبه في البيع فلْيَترُك شراءه؛ اجتنابًا لموضِع الشبهة، وبُعدًا عن مواطِن الرِّيبة؛ لقول الحسن بن علي رضي الله عنهما: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ» أخرجه الإمامان: الترمذي في "السنن"، والحاكم في "المستدرك". والمعنى: دع ما لا تَتَيقنُ إباحَتَه، وخُذ ما تَتَيقنُ إباحَتَه مما لا شَكَّ فيه ولا التِبَاس. يُنظر: "شرح صحيح الإمام البخاري" للإمام ابن بَطَّال (6/ 196، ط. مكتبة الرشد).
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فالأصل براءة ذمة البائِع عن التهمة ما دام المبيع تحت يده وكان الظاهرُ مِلكَه له، ولا يجوز إساءة الظن به أو اتهامُه بالسرقة مِن غير بيِّنةٍ، وما لم يَثبُت عن طريق الجهات الأمنية المعنية أن شيئًا ما بعينه مما يَعرضه أحد البائعين مسروقٌ، ومِن ثَمَّ فلا مانع شرعًا من شراء الأغراض التي يحتاج إليها الرجل المذكور من تلك السوق أو غيرها من غير إثم عليه في ذلك ولا حرج، فإن غلب على ظنه أنَّ سلعةً ما بِعَيْنِهَا مسروقةٌ أو مغصوبةٌ فلْيَترُك شراءَها ولْيجتنب موضِع الرِّيبة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
هل أوصى النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم بأقباط مصر؟
هل يجوز لي أن أدخل على شبكات الواي فاي (wi-fi) المتاحة في الأماكن العامة؟
ما حكم هلاك المبيع عند المشتري في فترة الخيار؟ فقد اشترى رجل جاموسة من أحد الأشخاص على فرجة بمبلغ 73 جنيهًا، ودفع من ثمنها مبلغ 60 جنيهًا وقت استلامها، وبقي من الثمن 13 جنيهًا على حساب المعاينة والفرجة، وأحضرها إلى منزله الساعة 12 ظهرًا، فلما وضع لها الأكل أكلت خفيفًا، وعند المساء وقت الحلاب عاكست، وفي منتصف الليل أراد أن يضع لها برسيمًا فوجدها ميتة، وقد طالبه البائع بباقي الثمن وهو 13 جنيهًا، وطلب السائل الإفادة عن الحكم الشرعي في هذا الموضوع.
ما حكم التجارة في منتجات تجميل الثديين التي تتم بإدخال النَّهد الصناعي داخل جوف الثدي بواسطة فتحة تحت الإبط أو فتحة في الطية الموجودة أسفل الثدي، وذلك إما لغرضٍ تجميلي تحسيني؛ على سبيل المثال: تكبير حجم الثدي أو غرض طبي ضروري؛ مثل حالات سرطان الثدي حيث تتم العملية لإعادة بناء الثدي بعد إزالته بسبب مرض السرطان؟ مع العلم بأن النسبة التقريبية للعمليات التحسينية لا تقل عن سبعين بالمائة من الحالات. وهل بيع وتسويق مثل هذه المنتجات يعدُّ مشروعًا؟
هناك منتجات أخرى تستخدم عن طريق الحقْنِ لتعديل حجم الشفتين والأنف والخدود والحواجب وإزالة التجاعيد عن باقي أجزاء الوجه بغرضٍ تجميلي، وأيضًا تستعمل في بعض حالات الحروق والعيوب الخلقية بغرض طبيٍّ. فما الحكم في المتاجرة فيها؟
ما ضابط تغيير المنكر؟ وهل يجوز القيام بذلك وإن أدَّى إلى آثارٍ سيئةٍ ومنكرٍ أشدّ؟
ما حكم عدم التزام الصيدلي بشراء الدواء من غير الشركة المنتجة له بالسعر المحدد؟ فأنا أعمل صيدليًّا، وفي بعض الأحيان يأتي إليَّ شخص ببعض الأدوية كي يبيعها لي كان قد اشتراها لعلاجه ثم فاضت عن حاجته، فإن اشتريت الدواء منه بسعره المدوَّن من قِبل الشركة للبيع للجمهور فلن أربحَ شيئًا، فهل يجوز لي أن أشتري هذا الدواء منه بسعر أقل من السعر المدوَّن حتى أحقق ربحًا؟