ما حكم صيام من أصابها ورم في الرحم فهي تنزف طيلة شهر رمضان؟ فقد أصاب امرأة ورمٌ في الرحم فهي تنزف طيلة أيام الشهر، فكيف تصوم في رمضان؟
المرأة التي تنزف طوال الشهر يُرجَع في أمرها إلى الطبيب المتخصص، فإن أخبر أن الدم النازل منها دم حيض، فإن كانت لها عادة معروفة دون الأيام العشرة التي هي أكثر الحيض فتُرَدُّ إلى عادتها، ويكون حيضها قدر ما اعتادته، فإن كانت عادتها أربعة أيام مثلًا من أول كل شهر فتكون حائضًا هذه الأيام الأربعة، وما زاد فهو استحاضة، وإن لم تكن لها عادة معروفة، فَتُردُّ إلى أكثر الحيض وهو عشرة أيام، فتكون حيضتها: عشرة أيام، وما زاد عليها فهو استحاضة، وتغتسل بعد مرور الأيام العشرة، وحيثما كانت حائضًا تركت ما تتركه الحائض من صلاة وصيام وغيرها، مع وجوب قضاء صوم ما تفطره في رمضان، وإن أخبر الطبيب أن الدم النازل بسبب علة مرضيَّة ولا علاقة له بالحيض فحينئذ لا تعتبر المرأة حائضًا، وهي في حكم الطاهر فتصلي وتصوم وتؤدي سائر العبادات.
المحتويات
الدماء التي تعتري النساء خروجًا من أرحامهن على أحوال، فمنها: ما يخرج على سبيل الصحة والاعتياد، وهو ما يُسمَّى بالحيض، ومنها: ما لا يكون على سبيل الصحة بل العلة والمرض، وهو ما يُسَمَّى بدم الاستحاضة، ومنها: ما يخرج بعد خلو الرحم مِن الحمل، وهو دم النفاس.
من المقرر شرعًا أنه يحرم على النساء في حالة الحيض والنفاس جملة من الأمور كالصلاة -ولا يجب عليهنَّ أنْ يقضين ما فاتهنَّ بسبب ذلك- ومسِّ المصحف وحملِه، والطوافِ، واللبثِ في المسجد، والجماعِ، والصومِ -ويجب قضاؤه بخلاف الصلاة- والمرورِ مِن المسجد إلا إذا أُمِنَ التلويث، كما قال الإمام أبو شجاع الشافعي في "الغاية والتقريب" (ص: 7، ط. عالم الكتب).
بخلاف الاستحاضة التي يحكم بطهارة صاحبتها وصحة العبادة منها ما لم تتلبس بناقض، فلا تُسقطُ الصلاةَ ولا تَمنعُ صحتها، رخصةً للضرورة، ولا تمنع الجماع، ولا تُحرِّم الصومَ فرضًا أو نفلًا، ولا قراءة القرآن، ولا مس المصحف، ولا دخول المسجد أو الطواف إذا أمنت التلويث.
المقرر في مذهب السادة الحنفية بشأن مدة الحيض، وهو المختار للفتوى: أنَّ أقلَّ مدة الحيض: ثلاثة أيام بلياليهن، وأكثره: عشرة أيام بلياليها، وما نقص عن أقله فهو: استحاضة، وهذا هو المروي عن عدد من الصحابة الكرام، منهم: واثلة بن الأسقع، وأبو أمامة، وأنس بن مالك رضي الله عنهم.
فعن أبي أُمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَقَلُّ مَا يَكُونُ مِنَ الْحَيْضِ لِلْجَارِيَةِ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ: ثَلَاثٌ، وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ مِنَ الْمَحِيضِ: عَشَرَةُ أَيَّامٍ، فَإِذَا رَأَتِ الدَّمَ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ: فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ، تَقْضِي مَا زَادَ عَلَى أَيَّامِ أَقْرَائِهَا» أخرجه الدارقطني في "السنن".
قال الإمام علاء الدين الحصكفي الحنفي في "الدر المختار" (1/ 283-285، ط. دار الفكر، ومعه "حاشية ابن عابدين"): [و(أقله: ثلاثة بلياليها) الثلاث، فالإضافة لبيان العدد المقدر بالساعات الفلكية لا للاختصاص، فلا يلزم كونها ليالي تلك الأيام، وكذا قوله: (وأكثره: عشرة) بعشر ليال، كذا رواه الدارقطني وغيره (والناقص) عن أقله... (والزائد) على أكثره أو أكثر النفاس أو على العادة وجاوز أكثرهما... (استحاضة)] اهـ.
وقال العلَّامة ابن عابدين مُحَشِّيًا عليه: [(قوله: والزائد على أكثره) أي: في حق المبتدأة، أما المعتادة فما زاد على عادتها ويجاوز العشرة في الحيض، والأربعين في النفاس: يكون استحاضة، كما أشار إليه بقوله: (أو على العادة... إلخ). أما إذا لم يتجاوز الأكثر فيهما، فهو انتقال للعادة فيهما، فيكون حيضًا ونفاسًا] اهـ.
ومقتضى ذلك أن ما زاد على أكثره وهو: عشرة أيام، فإن كان للمرأة عادة معروفة دون العشرة: رُدَّت إلى أيام عادتها، فيكون حيضها أيام عادتها، وما زاد عليها إلى ما فوق العشرة: فهو استحاضة، وإن لم تكن لها عادة: رُدَّت إلى أكثر الحيض وهو الأيام العشرة، فتكون حيضتها قدر الأيام العشرة، وما زاد عليها فهو: استحاضة.
فعن عُبَيْد بْن عازبٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ» أخرجه الإمام أحمد في "المسند"، وأبو داود والترمذي وابن ماجه في "السنن". فأفاد أنَّ على المرأة ترك الصلاة فيما اعتادت من أيام حيضها، وما زاد عليها فهو استحاضة، وهذا ما جاءت به الآثار عن بعض فقهاء الصحابة رضي الله عنهم.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في المستحاضة: "تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ، ثُمَّ تَحْتَشِي وَتَسْتَثْفِرُ، ثُمَّ تُصَلِّي". فَقَالَ الرَّجُلُ: وَإِنْ كَانَتْ تَسِيلُ؟ قَالَ: "وَإِنْ كَانَتْ تَسِيلُ مِثْلَ هَذَا الْمَثْعَبِ" أخرجه الدارمي في "السنن". والاستثفار: أن تتخذ المرأة ما يقيها أذى الدم النازل عليها، والمَثْعَبُ: الموضع الذي يَنْثَعِبُ منه الماء، أي يجري.
والمقرر أن مرد الأمر في هذه الصورة باعتبار وجود العلة فيها إلى الطبيب المتخصص، فإذا أخبر أن الدم النازل سببه الورم لا العادة المعروفة لدى النساء فهو دم مرض وعلة والمسمَّى فقهًا بالاستحاضة، وتأخذ المرأة في هذه الحالة أحكامها، فيحكم بطهارتها ما لم تتلبس بناقض آخر، بخلاف ما لو أخبر أنه من العادة وظهرت علاماته المعروفة من غير تسبب الورم، فهو دم صحة واعتياد والمسمَّى فقهًا بالحيض، وتأخذ المرأة في هذه الحالة أحكامه المعروفة المذكورة آنفًا.
بناء على ذلك: فإن المرأة التي تنزف طوال الشهر يرجع في أمرها إلى الطبيب المتخصص، فإن أخبر أن الدم النازل منها دم حيض، فإن كانت لها عادة معروفة دون الأيام العشرة التي هي أكثر الحيض فتُرَدُّ إلى عادتها، ويكون حيضها قدر ما اعتادته، فإن كانت عادتها أربعة أيام مثلًا من أول كل شهر فتكون حائضًا هذه الأيام الأربعة، وما زاد فهو استحاضة، وإن لم تكن لها عادة معروفة، فَتُردُّ إلى أكثر الحيض وهو عشرة أيام، فتكون حيضتها: عشرة أيام، وما زاد عليها فهو استحاضة، وتغتسل بعد مرور الأيام العشرة، وحيثما كانت حائضًا تركت ما تتركه الحائض من صلاة وصيام وغيرها، مع وجوب قضاء صوم ما تفطره في رمضان، وإن أخبر الطبيب أن الدم النازل بسبب علة مرضيَّة ولا علاقة له بالحيض فحينئذ لا تعتبر المرأة حائضًا، وهي في حكم الطاهر فتصلي وتصوم وتؤدي سائر العبادات.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
سائل يقول: انتشر في الآونة الأخيرة خاصة على صفحات التواصل نشر وصفات طبية من غير أهل الطب المتخصصين؛ فما حكم ذلك شرعًا؟
كيف يتطهَّر المريضُ الذي يركّب قسطرةَ البول، وما حكم صلاته؟
ما حكم سفر البنت مع خال أبيها باعتباره محرمًا؟ فالسائل تقدم بطلب عمرة لابنته، على أن يكون المَحْرَم لها خال والدها الشقيق. فهل يكون محرَمًا لها؟
ما حكم حج الحامل و المرضِع؟ فهناك امرأتان: إحداهما حاملٌ، والأخرى مُرضِع، وتسألان: هل يجوز لهما أداء فريضة الحج؟
كيف تتعبد الحائض والنفساء إلى الله تعالى ليلة القدر؟ وهل يعتبر قيامًا لهذه الليلة المباركة؟
شخص أقام مدة عشر سنين لم يصم فيها رمضان؛ لأنه كان يعتقد أنه لا يستطيع الصوم، وأن الصوم يضر بصحته، ولم ينوِ صومًا في يوم من أيام رمضان في العشر سنين، ولا في ليلة من لياليه، وقد أوصى قبل وفاته بأن يعمل إسقاط بدلًا عما فاته من الصوم في المدة المذكورة من ماله الذي يموت عنه، وقد مات وترك ترِكة يسع ثلثها تنفيذ وصيته مهما بلغت قيمة هذا الإسقاط، وبما أن الوصي يرغب في تنفيذ هذه الوصية ويريد أن يعلم مقدار ما يخرجه عن كل يوم بدلًا عن صومه مقدرًا ذلك بالمكاييل المصرية أو القيمة، وهل تبرأ ذمة المتوفى من الصوم أو لا؟ فنرجو من فضيلتكم الجواب عن ذلك.