ما الأحكام المترتبة على عودة الدم بعد انقطاع الحيض؟ فهناك امرأة اعتادت نزول الحيض خمسة أيام، ثم ينقطع عنها ثلاثة أيام، ثم يعود لمدة يومين، فقيل لها: إنَّ الحيض هو الخمسة أيام الأولى فقط، فهل ما ينزل في اليومين التاسع والعاشر يُعَدُّ حيضًا أو لا؟
الدم النازل في اليوم التاسع والعاشر بعد انقطاع ثلاثة أيام من آخر يوم من أيام عادة المرأة يُعَدُّ حيضًا ما لم يجاوز العشرة الأيام بلياليها التي هي أكثر مدة الحيض، ويحظر عليها الصلاة والصوم والوطء وغير ذلك مما يحظر على الحائض، وذلك ما لم يُخْبِرها الطبيب أنَّ عودته بسبب أمرٍ طبيٍّ آخر لا علاقة له بالحيض، فحينئذٍ يكون استحاضة، ويحل لها ما كان محظورًا عليها فترة الحيض دون حرجٍ عليها.
المحتويات
الحيض سيلانُ دمٍ مخصوصٍ مِن موضع مخصوص في وقت معلوم، وهو حدثٌ تختص به النساء، ويحرم به عليهنَّ ما يحرم بالجنابة مِن: الصلاةِ -ولا يجب عليهنَّ أنْ يقضين ما فاتهنَّ بسبب ذلك-، وقراءةِ القرآن، ومسِّ المصحف وحملِه، والطوافِ، واللبثِ في المسجد، والجماعِ، والصومِ -ويجب قضاؤه بخلاف الصلاة-، والمرورِ مِن المسجد إلا إذا أُمِنَ التلويث؛ كما في "القوانين الفقهية" للإمام ابن جُزَي (ص: 83، ط. دار ابن حزم)، و"منهاج الطالبين" للإمام محيي الدين النووي (ص: 19، ط. دار الفكر).
ليس كلُّ دمٍ يخرج مِن رحم المرأة يُسَمَّى حيضًا؛ فقد يخرج مِن رحم المرأة الدم، ولكن لا على سبيل الصحة؛ بل لاعتلالها ومرضها، وهو ما يُسَمَّى بدم الاستحاضة، وقد يخرج الدم بعد فراغ الرحم مِن الحمل، وهو دم النفاس.
والمقرر في مذهب الحنفية بشأن مدة الحيض وهو المختار للفتوى: أنَّ أقلَّ الحيض: ثلاثة أيام بلياليهن، وأكثره: عشرة أيام بلياليها، وما نقص عن أقله، أو زاد عن أكثره فهو: استحاضة، وهو المروي عن: أنس بن مالك رضي الله عنه، وهو مذهب الحسن البصري، وسفيان الثوري، وبه أخذ ابن المبارك في رواية؛ فَعَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «أَقَلُّ الْحَيْضِ: ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَأَكْثَرُهُ: عَشَرَةُ أَيَّامٍ».
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ صُدَيِّ بن عـَجْلَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «أَقَلُّ مَا يَكُونُ مِنَ الْحَيْضِ لِلْجَارِيَةِ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ: ثَلَاثٌ، وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ مِنَ الْمَحِيضِ: عَشَرَةُ أَيَّامٍ، فَإِذَا رَأَتِ الدَّمَ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ: فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ؛ تَقْضِي مَا زَادَ عَلَى أَيَّامِ أَقْرَائِهَا» أخرجهما الدَّارَقُطْنِي في "السنن".
وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: "أَدْنَى الْحَيْضِ: ثَلَاثَةٌ، وَأَقْصَاهُ: عَشَرَةٌ". قَالَ وَكِيعٌ: الْحَيْضُ ثَلَاثٌ إِلَى عَشْرٍ، فَمَا زَادَ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ. أخرجه الدَّارِمِي والدَّارَقُطْنِي في "السنن".
قال الإمام التِّرْمِذِي في "السنن" (1/ 221، ط. مطبعة الحلبي) بعد ذكر حديث المستحاضة: [واختلف أهل العلم في أقل الحيض وأكثره؛ فقال بعض أهل العلم: أقل الحيض: ثلاثة، وأكثره: عشرة، وهو قول سفيان الثوري، وأهل الكوفة، وبه يأخذ ابن المبارك، وروي عنه خلاف هذا] اهـ.
وقال الإمام البَغَوِي في "شرح السنة" (2/ 135، ط. المكتب الإسلامي) في أقل الحيض وأكثره: [وذهب جماعة إلى أنَّ أقله: ثلاثة، وأكثره: عشرة أيام؛ يروى ذلك عن أنس، وبه قال الحسن، وهو قول الثوري، وأصحاب الرأي] اهـ.
وقال الإمام فخر الدين الزَّيْلَعِي الحنفي في "تبيين الحقائق" (1/ 55، ط. المطبعة الكبرى الأميرية): [قال رحمه الله: (وأقله: ثلاثة أيام) أي: وأَقَلُّ الحيض ثلاثة أيام؛ لحديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه... ثم هو في رواية الحسن عن أبي حنيفة: ثلاثة أيام وما يتخللها مِن الليالي وهو ليلتان، وفي ظاهر الرواية: ثلاثة أيام وثلاث ليال. قال رحمه الله: (وأكثره: عشرة) لما روينا... قال رحمه الله: (وما نقص) مِن ذلك (أو زاد: استحاضة) لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه... ولأن تقدير الشرع يمنع إلحاق غيره به] اهـ.
وقال الإمام علاء الدين الحَصْكَفِي الحنفي في "الدر المختار" (ص: 43، ط. دار الكتب العلمية): [و(أقله: ثلاثة بلياليها) الثلاث، فالإضافة لبيان العدد المقدر بالساعات الفلكية لا للاختصاص، فلا يلزم كونها ليالي تلك الأيام؛ وكذا قوله: (وأكثره: عشرة) بعشر ليال؛ كذا رواه الدارقطني وغيره، (والناقص) عن أقله (والزائد) على أكثره أو أكثر النفاس أو على العادة وجاوز أكثرهما (وما تراه) صغيرة دون تسع على المعتمد، وآيسة على ظاهر المذهب (حامل) ولو قبل خروج أكثر الولد (استحاضة)] اهـ.
حاصل مذهب الحنفية أنَّه إن كان للمرأة عادة معروفة فحيضها عادتها ما لم ينقص الدم عن أقل الحيض ولم يتجاوز أكثره، فإن نزل الدم مدته المعتادة، ثم انقطع ثم عاد مَرَّة أخرى ولم يتجاوز أكثر الحيض فالعائد حيض، وغاية ما في الأمر هو انتقال للعادة، وإن زاد الدم العائد عن أكثر الحيض فتُردُّ المرأة حينئذٍ إلى أيام عادتها، فيكون حيضها ما اعتادته من أيام، وما زاد عنه فهو استحاضة.
وإن لم تكن للمرأة عادة معروفة فتردُّ إلى أكثر الحيض وهو العشرة الأيام، فتكون حيضتها قَدْر العشرة الأيام، وما زاد عليها فهو استحاضة.
قال الإمام الكمال ابن الهُمَام الحنفي في "فتح القدير" (1/ 177، ط. الحلبي): [وإن لم يتجاوز الزائد العشرة فالكل حيض بالاتفاق] اهـ.
وقال الإمام زين الدين ابن نُجَيْم في "البحر الرائق" (1/ 224، ط. دار الكتاب الإسلامي): [لو زاد على العادة ولم يزد على الأكثر فالكل حيض اتفاقًا بشرط أن يكون بعده طهر صحيح] اهـ.
وقال الإمام ابن عابدين في "رد المحتار" (1/ 285، ط. دار الفكر): [(قوله: والزائد على أكثره) أي: في حق المبتدأة، أما المعتادة فما زاد على عادتها ويجاوز العشرة في الحيض والأربعين في النفاس: يكون استحاضة؛ كما أشار إليه بقوله أو على العادة... إلخ. أما إذا لم يتجاوز الأكثر فيهما، فهو انتقال للعادة فيهما؛ فيكون حيضًا ونفاسًا] اهـ.
ويتخرج على ذلك أنه إذا اعتادت المرأة نزول الحيض خمسة أيام، ثم ينقطع عنها ثلاثة أيام، ثم يعود لمدة يومين أن الدم العائد في اليومين بعد الانقطاع حيض؛ لأنه دم عائد في مدة الحيض ولم يتجاوز أكثره.
يجدر التنبيه إلى أهمية أن تراجع المرأة الطبيب المختص لمعرفة سبب نزول الدم مرة أخرى بعد انقطاعه؛ لاحتمال عودته بسبب طبي لا علاقة له بالحيض، ومن ثم فإن أخبرها أنه عائد بسبب طبي لا علاقة له بالحيض فليس حيضًا وإلا فهو حيض.
متى اعتُبِر الدم العائد بعد الانقطاع حيضًا فإنه يترتب عليه ما يترتب على الحيض من أحكام، فلا تصلي المرأة، ولا تصوم، ولا يحل وطئها، وإن اعتُبِر استحاضة فلا تكلَّف المرأة بترك الصلوات والصيام والوطء وسائر ما يحرم بالحيض، وإن كانت المرأة قد تركت الصلاة في أيام الاستحاضة وجب عليها قضاؤها.
قال الإمام بدر الدين العَيْنِي الحنفي في "البناية" (1/ 664، ط. دار الكتب العلمية): [وأما إذا زاد على عادتها المعروفة دون العشرة، فقد اختلف فيه المشايخ: فذهب أئمة بلخ إلى أنها تؤمر بالاغتسال والصلاة؛ لأنَّ حال الزيادة مترددة بين الحيض والاستحاضة؛ لأنه إذا انقطع الدم قبل العشرة كان حيضًا، وإن جاوز العشرة كان استحاضة، فلا تترك الصلاة مع التردد. وقال مشايخ بخارى: لا تؤمر بالاغتسال والصلاة لأنَّا عرفناها حائضًا بيقين، ودليل بقاء الحيض -وهو رؤية الدم- قائم فلا تؤمر حتى يتبين أمرها، فإن جاوز العشرة أمرت بقضاء ما تركت من الصلاة بعد أيام عادتها. وفي "المجتبى": وهو الصحيح] اهـ. والمراد بـ "المجتبى" هو كتاب "المجتبى شرح مختصر القدوري" للإمام نجم الدين مختار بن محمود الزَّاهدي، المتوفى سنة 658هـ.
وقال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (2/ 542، ط. دار الفكر): [ولها -أي المستحاضة- قراءة القرآن، وإذا توضأت استباحت مسَّ المصحف وحمله، وسجود التلاوة والشكر، وعليها الصلاة والصوم وغيرهما من العبادات التي على الطاهر، ولا خلاف في شيء من هذا عندنا. قال أصحابنا: وجامعُ القول في المستحاضة أنَّه لا يثبت لها شيءٌ من أحكام الحيض بلا خلاف، ونقل ابن جرير الإجماع على أنَّها تقرأ القرآن وأنَّ عليها جميع الفرائض التي على الطاهر] اهـ.
بناءً عليه وفي واقعة السؤال: فإنَّ الدم النازل في اليوم التاسع والعاشر بعد انقطاع ثلاثة أيام من آخر يوم من أيام عادة المرأة يُعَدُّ حيضًا ما لم يجاوز العشرة الأيام بلياليها التي هي أكثر مدة الحيض، ويحظر عليها الصلاة والصوم والوطء وغير ذلك مما يحظر على الحائض، وذلك ما لم يُخْبِرها الطبيب أنَّ عودته بسبب أمرٍ طبيٍّ آخر لا علاقة له بالحيض، فحينئذٍ يكون استحاضة، ويحل لها ما كان محظورًا عليها فترة الحيض دون حرجٍ عليها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما هي الأدعية التي يستحبّ الدعاء بها بعد الانتهاء من الوضوء؟
يقول السائل: بعض الأزواج يقومون بالاعتداء بالضرب على زوجاتهم، ويدّعون أن ذلك توجيه من الشرع؛ فما ردّكم على هذه الدعوى؟
قال السائل: هل يجب على مَن يريد أن يدخل على الميت لتغسيله أن يكون متوضئًا؟ وهل يجوز أن يدخل على الميت أثناء الغُسل عدد من الناس يقفون متطوعين بجوار مَن يُغسِّل؟ وهل يجب غُسل الطفل الصغير؟
دائما ما نتعرض للنقد الشديد من الأوروبيين الذين يقتنون الكلاب؛ لأننا نخاف من نجاستها أن تصيب ثيابنا. هل هناك مذهب فقهي يقول بطهارة الكلاب يرفع عنا الحرج؟
ما حكم الغسل بعد عملية التلقيح الصناعي؟ فهناك طبيبة تسأل: أجريت اليوم عملية تلقيح صناعي لإحدى الزوجات، وفيها يتم تجهيز عينة من السائل المنوي للزوج وحقنها في رحم الزوجة، وأثناء ذلك سألتني: هل يلزمها الغُسل بعد حقن السائل المنوي كغُسل الجنابة؟
تقدم شابٌّ لخطبتي منذ حوالي عام، وبعد الخطبة بأربعة أشهر بدأت أشعر بعدم رغبة في الزواج منه، وصارحته بذلك ولكنه أصرَّ على عدم الابتعاد، ثم رددت له الذهب الذي كان قدمه كهدية لي في الخطبة، فأخذ يُفاوض ويُماطِل وأَرْجَع الذهب مرة أخرى، وبعد وقت قصير رددت الذهب مرة ثانية وأعاده بنفس الطريقة للمرة الثانية، ثم رددته له مرة ثالثة فردَّه إخوتُه للمرة الثالثة، وطلبت منه أن يأخذ ذَهَبَهُ فلم يرسل لأخذه، وظللت أطلب منه أن يأخذ ذهبه طيلة أربعة أيام، وفي اليوم الخامس وعندما رجعت من عملي وجدت باب الشقة قد كُسِر والذهب قد سُرِق! وقمت بعمل الإجراءات اللازمة ولا فائدة، ولم أحصل على الذهب حتى الآن. والوضع الآن بين اختيارين: الأول: أن أتزوجه مكرهة لأنني لا أملك قيمة الذهب والتي تُقدَّر بعشرة آلاف جنيه. الثاني: أن أعطيه ماله قيمة الذهب المسروق، والله يشهد أنني لا أملك رُبع هذا المبلغ، لا سيما وأنني أسكن في الريف وكل الناس أجمعوا على أنني مُلزَمة برد هذا المال.
كما أنني أسأل فضيلتكم: هل يجوز لأمي أن تُكرهني على الزواج من رجل لا أريد الزواج منه وأشعر تجاهه بنفور شديد؟ أرجو من فضيلتكم بيان الحكم الشرعي.