حكم الاستعانة على السياقة بالمخدرات

تاريخ الفتوى: 09 أغسطس 2025 م
رقم الفتوى: 8729
من فتاوى: فضيلة أ. د/ نظير محمد عياد - مفتي الجمهورية
التصنيف: أطعمة وأشربة
حكم الاستعانة على السياقة بالمخدرات

ما حكم الاستعانة على السياقة بالمخدرات؟ فأنا أعمل سائق شاحنة (تريلا) وأشاهد بعض زملاء المهنة يتعاطون أنواعًا من المخدرات، وعند مناقشتهم وجدتهم يبررون ذلك بأنها تعينهم على القيادة وتقلل الشعور لديهم بالإرهاق نتيجة المواصلة في العمل لمدد كبيرة ولمسافات طويلة، فأرجو بيان الحكم الشرعي في ذلك.

يجب شرعًا اجتناب المخدرات سواء كان الإنسان يقود مركبة أو لا، ومَن تعاطى شيئًا منها أثناء القيادة فهو أشد إثمًا وأعظم ضررًا وأخطر جُرْمًا.

وتشدد دار الإفتاء المصرية على السائقين ألا يقود أحدهم مركبته ويُسَيِّرها عبر الطرق إلا وهو في حال إفاقةٍ ونشاطٍ وقدرةٍ ورؤيةٍ ودرايةٍ لكي يراعي قواعد المرور ومعايير الأمان والسلامة المقررة في أنظمة تسيير المركبات ويتقيد بها، ويحدد السرعة المعقولة والمسافات الآمنة بينه وبين الآخرين.

المحتويات

 

نعمة العقل وضرورة المحافظة عليه

امتن الله تعالى على الإنسان بنعمة العقل الذي به يكون الإدراك والتمييز، وعليه مدار التكليف، وشَرَع من الأحكام ما من شأنها حفظ العقل لدى كل إنسان؛ مما يحول بينه وبين أن تصيبه آفة تُعْجِزه أو تُتْلِفُه أو تجعل صاحبَه مصدرَ ضرر وأذى على المجتمع أو أن يكون أداة فساد فيه.

من أجل ذلك أوجب الشرع الشريف اجتنابَ كلِّ ما من شأنه تغييب عقل الإنسان وفقدان حسه ووعيه؛ وحرَّم ارتكاب ذلك باعتباره إلقاء بالنفس في المهالك؛ حيث قال تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195].

قال العلامة الطاهر ابن عاشور في "التحرير والتنوير" (2/ 215، ط. الدار التونسية): [ووقوع فعل: (تُلْقُوا) في سياق النهي يقتضي عموم كل إلقاء باليد للتهلكة، أي: كل تسبب في الهلاك عن عمد، فيكون منهيًّا عنه محرمًا] اهـ.

بيان المراد بالمخدرات وأثرها على الإنسان

المخدرات جمع مُخَدِّر، وهو مأخوذ من الخَدَر (بالتحريك)، ويطلق في اللغة على عدة معان كالظلمة والضعف والفتور والكسل والستر، كما في "المجموع المغيث" لأبي موسى الأصبهاني (مادة "خدر" 1/ 554، ط. دار المدني)، و"تاج العروس" للمرتضى الزبيدي (مادة "خدر" 11/ 141، ط. دار الهداية).

والمخدِّر اصطلاحًا: "مادة تُسَبِّب في الإنسان والحيوان فقدان الوعي بدرجات متفاوتةٍ" كما في "المعجم الوسيط" لمجمع اللغة العربية بالقاهرة (باب الخاء، 1/ 220، ط. دار الدعوة).

ومن الجهة القانونية فالمخدرات تشمل كلَّ مادةٍ طبيعية أو تركيبية أُدرِجَت في جداول وأحكام القانون رقم 182 لسنة 1960م وتعديلاته اللاحقة في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها، وما يُضاف إليه من مواد أولًا بأول بحسب ما يصدر من قرارات الجهة المختصة.

ولا يخفى ما للمخدرات من أثر ضارٍّ على العقل والجسد البشريين، يدل على ذلك تلك الحالة التي تغشى عقل المتعاطي وتؤثر سلبًا على تفكيره وتوازنه وتوَلِّد في أعصابه الكسل والثِّقل والفتور، مما يجعل المخدرات أيًّا كان نواعها في حُكْم المسكرات بجامع تغير العقل أو التأثير عليه من وجه، والضرر بالعقل والجسم وما تسببه من أمراض وآثار ضارة خطيرة ومتنوعة من وجه آخر.

وقد أكد صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي على أن مخدر الحشيش -على سبيل المثال- يحتوي على مادة تسبب الهلاوس والضلالات والعديد من الاضطرابات النفسية، كما يسبب تعاطي مخدر الحشيش تليف الرئة، وانخفاضا في ضغط الدم، وضمور خلايا المخ، وضعف القدرة الجنسية، وأنه -وفقا لتقرير الأمم المتحدة- فإن السائقين الذين يقودون تحت تأثير مخدر الحشيش تزداد احتمالية تسببهم في الحوادث بمقدار ثلاثة أضعاف مقارنة بغيرهم من السائقين نظرًا لتأثير الحشيش على إدراك المسافات والزمن.

بيان الأصل في حرمة تناول المخدرات

الأصل في حرمة تناول المخدرات بشتى أنواعها ما روته أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها، قالت: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلِّ مسكرٍ ومُفَترٍ» أخرجه الإمام أحمد وأبو داود، وإسناده حسن كما قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (10/ 44، ط. دار المعرفة). و"المُفَتِّر" كما قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث والأثر" (3/ 408، ط. المكتبة العلمية) في ضبطه: [الذي إذا شرب أحمى الجسد وصار فيه فتور، وهو ضعف وانكسار. يقال: أفتر الرجل فهو مفتر: إذا ضعفت جفونه وانكسر طرفه] اهـ.

وقال العلامة محمد بن علي بن حسين المكي المالكي في "تهذيب الفروق" (1/ 216، ط. عالم الكتب، مطبوع مع "الفروق" للإمام القرافي): [فسَّر غير واحد التفتيرَ باسترخاء الأطراف وتخدرها وصيرورتها إلى وهنٍ وانكسارٍ] اهـ.

والمفتر حكمه حكم المُسْكِر؛ وذلك لأن القاعدة الأصولية تُقَرِّر أنه: "إذا ورد النهي عن شيئين مقترنين ثم نصَّ على حكم النهي عن أحدهما من حرمة أو غيرها أُعطِيَ الآخرُ ذلك الحكم بدليل اقترانهما في الذكر والنهي، وفي الحديث المذكور ذكر المُفَتِّر مقرونًا بالمسكر، وتقرَّر عندنا تحريم المسكر بالكتاب والسُّنَّة والإجماع فيجب أن يُعطَى المفتر حكمه بقرينة النهي عنهما مقترنين" كما جاء في "تهذيب الفروق" للعلامة محمد بن علي بن حسين المكي المالكي (1/ 216).

كما أن المُسْكِر والمُخَدِّر يجتمعان في عِلةٍ مؤثرة وهي تغييب العقل أو التأثير عليه؛ رغم وجود عموم مطلق بينهما؛ إذ كلُّ مخدرٍ مسكر وليس كلُّ مسكرٍ مخدرا، ذلك لأن "الإسكار يُطْلَق ويُراد به مطلق تغطية العقل، وهذا إطلاق أعم، ويُطلق ويُراد به تغطية العقل مع نشأة وطرب، وهذا إطلاق أخص وهو المراد من الإسكار" كما قال شيخ الإسلام ابن حجر الهيتمي الشافعي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (4/ 230، ط. المكتبة الإسلامية).

كما أنَّ ما ورد من اختلاف بين الفقهاء في عَدِّ المخدرات من المسكرات أو من المفسدات -كما في "الفروق" للإمام القرافي (1/ 217) في الفرق الأربعين بين قاعدة المسكرات وقاعدة المرقدات وقاعدة المفسدات- كان وفق معارف هاتيك الأزمان بحسب ما ثبت لديهم من جانب الوجود والتجربة، وإنما الذي أثبته العلم في العصر الحديث أن المخدرات فيها مفاسد الخمر ومضاره، بل قد تزيد عليها؛ حيث تسبب الإدمان حيث يُعتبر مرضًا خطيرًا له بُعد بيولوجي ونفسي على الإنسان، بالإضافة إلى الأضرار الخطيرة بالمجتمع؛ مما يجعل الجزم بتحريمها قليها وكثيرها وكافة أنواعها هو الأقرب للأدلة والقواعد الشرعية، والأوفق للمقاصد الكلية المقررة حفظ العقل وحماية المجتمع وتأمينه من أي إخلال أو عبث.

تجريم القانون المصري لتعاطي المخدرات

قد جرَّم المشرع المصري تعاطي المخدرات؛ حيث نصت المادة (39- الفقرة الأولى، والثانية) من القانون رقم 182 لسنة 1960م -والمستبدلة بالمادة الأولى من القانون رقم (122) لسنة 1989م- على: [يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز ثلاثة آلاف جنيه كلُّ مَن ضُبِطَ في مكان أعد أو هُيِّئَ لتعاطي الجواهر المخدرة وذلك أثناء تعاطيها مع علمه بذلك. وتزداد العقوبة إلى مثلها إذا كان الجوهر المخدر الذي قدم هو الكوكايين أو الهيروين أو أي من المواد الواردة بالقسم الأول من الجدول رقم(1)] اهـ.

حكم الاستعانة على السياقة بالمخدرات

يظهر ممَّا سبق وجوب اجتناب المخدرات أيًّا كان نوعها، وحرمة تعاطيها بأي وسيلة كانت سواء كان الإنسان يقود مركبة أو آلة أو لا؛ بل تشتد هذه الحرمة إذا كان التعاطي للمخدر أثناء القيادة وتسيير المركبة -كما في مسألتنا-، لما يترتب عليه من خطر بالغ وضرر شديد محقق للسائق نفسه ولغيره ممن يركب معه أو مَن يُشاركونه في السير على الطريق، في الأرواح وفي الممتلكات العامة والخاصة؛ ذلك أن المركبة أيًّا كان نوعها ما هي إلا آلة في يد السائق ولا تتحرك البتة إلا بفعلٍ منه، ولا بد أن يسير وفق الأصل الفقهي الذي يقرر أن "المرور في طريق العامة مباحٌ بشرط السلامة".

قال الإمام المرغيناني الحنفي في "الهداية" (4/ 479، ط. دار إحياء التراث العربي): [الأصل أن المرور في طريق المسلمين مباحٌ مُقيدٌ بشرطِ السلامة؛ لأنه يتصرف في حقِّه من وجه وفي حقِّ غيره من وجهٍ لكونه مشتركًا بين كلِّ الناس] اهـ.

وقال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (26/ 188، ط. دار المعرفة): [وما يكون حقًّا للجماعة يُباح لكلِّ واحدٍ استيفاؤه بشرط السلامة؛ لأنَّ حقَّه في ذلك يمكنه من الاستيفاء، ودفع الضرر عن الغير واجبٌ عليه فيُقَيد بشرط السلامة؛ ليعتدل النظر من الجانبين] اهـ.

موقف القانون المصري من القيادة تحت تأثير المخدرات

قد منع قانون المرور المصري رقم 66 لسنة 1973م، والمعدل بالقانون 155 لسنة 1999م مَن قاد مركبة وهو تحت تأثير مادة مخدرة أو مُسْكِرة من السير والقيادة، ووضع له جملة من العقوبات؛ حيث نصت المادة (66) منه على: [يُحْظَر قيادة أية مركبة على مَن كان واقعًا تحت تأثير خمر أو مخدر وإلا سحبت رخصة قيادته إداريًّا لمدة تسعين يومًا، ولضباط وأمناء ومساعدي الشرطة والمرور عند الاشتباه فحص حالة قائد المركبة بالوسائل الفنية التي يحددها وزير الداخلية بالاتفاق مع وزير الصحة، أو إحالته إلى أقرب مقر شرطة أو مرور لإحالته إلى أقرب جهة طبية مختصة؛ لفحصه فإذا امتنع أو لجأ إلى الهرب سحبت رخصته إداريًّا للمدة المذكورة، وعند ارتكاب ذات الفعل خلال سنة تلغى الرخصة إداريًّا لمدة ستة أشهر في الحالتين، فإذا تكرر ذلك سحبت الرخصة نهائيًّا، ولا يجوز إعادة الترخيص قبل انقضاء سنة على الأقل من تاريخ السحب] اهـ.

كما نصت المادة (76) منه على: [مع عدم الإخلال بالتدابير المقررة في هذا القانون أو بأية عقوبة أشد في أي قانون آخر، يُعاقب كلُّ مَن قَادَ مركبةً وهو تحت تأثير مخدر أو مسكر بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على سنة وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنية ولا تزيد على ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، وتُضاعف العقوبة عند العود إلى الفعل ذاته خلال سنة من تاريخ الحكم النهائي بالإدانة] اهـ.

الرد على دعوى أن تعاطي المخدرات يعين على القيادة

ما ذُكِر في السؤال على لسان السائقين من كون تعاطي المخدرات يعينهم على القيادة ويقلل من الشعور بالإرهاق فدعوى تنطوي على الفساد والأذى، وتخفي وراءها أضرارًا ومخاطر جمة؛ بل إن ذلك محض تزيين الشيطان للمعصية والجريمة المتعدية؛ لأنه والحال هذه لا يُعَدُّ اضطرارًا يقتضي تغيير الحكم من الحرمة إلى الإباحة كأكل الميتة، فكان من قبيل إزالة ضرر متوهَّم بضرر ظاهر متحقق، وهذا غير جائز، وقد تقرر أن "الضرر يُزال"، وهي قاعدة كلية عليها مدار الإسلام وأحكامه.

إنما الواجب في مثل هذه الحالة أن يُعرض الإنسان على الطبيب المختص ليقرر له العلاج المناسب ويُقَدِّم له النصائح والتعليمات الطبية اللازمة لمعالجة العَرَض المُشْتَكَى منه، فلا كانت المخدرات للإنسان فيها شفاءٌ؛ ولأن "الله تعالى لم يجعل شفاءنا فيما حُرِّم علينا" كما قال الإمام الجصاص الحنفي في "شرح مختصر الطحاوي" (2/ 38، ط. دار البشائر الإسلامية).

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فيجب شرعًا اجتناب المخدرات سواء كان الإنسان يقود مركبة أو لا، ومَن تعاطى شيئًا منها أثناء القيادة فهو أشد إثمًا وأعظم ضررًا وأخطر جُرْمًا. وتشدد دار الإفتاء المصرية على السائقين ألا يقود أحدهم مركبته ويُسَيِّرها عبر الطرق إلا وهو في حال إفاقةٍ ونشاطٍ وقدرةٍ ورؤيةٍ ودرايةٍ لكي يراعي قواعد المرور ومعايير الأمان والسلامة المقررة في أنظمة تسيير المركبات ويتقيد بها، ويحدد السرعة المعقولة والمسافات الآمنة بينه وبين الآخرين.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

نرجو مِن فضيلتكم التكرم بإفادتنا نحن برنامج ماجستير قانون الأعمال الدولي والقانون المقارن بجامعة إنديانا- (روبرت إتش ماكيني) بمَقَرِّ كلية الحقوق جامعة القاهرة، عن فتواكم الخاصة بالاتجار بالبشر؛ وذلك بِناءً على طلب أستاذ مادة قانون الأعمال الدولي وحقوق الإنسان لطُلَّاب البرنامج وتوجيهِه لهم بالحصول على فتوى في هذا الشأن مِن دار الإفتاء. جعلكم الله ذخرًا وعونًا للإسلام والمسلمين.


سائل يقول: ورد في الشرع الشريف ما يدل على التهادي بين الناس وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقبل الهدية، ويصعبُ على البعض التفرقة بين الهدية وغيرها؛ كالهبة والرشوة. فنرجو منكم بيان مفهوم الهدية والفرق بينها وبين الهبة والرشوة؟


ما هي بدائل الشبكة التي تكون من الذهب للمقبلين على الزواج في الإسلام؟ حيث ارتفعت أسعار الذهب في الآونة الأخيرة ارتفاعًا كبيرًا، ممَّا ترتَّب عليه صعوبة تحصيل (الشبكة) من بعض الشباب المقبلين على الزواج؛ فهل لا بد أن تكون من الذهب، أو يجوز أن نضع لها بدائل، كأن تكون من الفضة مثلًا؟


ما حكم تغسيل المحارم بعضهم البعض في حال الوفاة عند عدم توفر رجل لتغسيل الرجال أو امرأة لتغسيل النساء؟


سائل يقول: نرجو منكم بيان ما ورد في نصوص الشرع من الحث على العمل والسعي في طلب الرزق.


سائل يقول: نرجو منكم بيان كيف حذر الشرع الشريف الإنسان القادر على العمل والكسب من سؤال الناس ومدى خطورة ذلك على المجتمع.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 26 أغسطس 2025 م
الفجر
4 :57
الشروق
6 :29
الظهر
12 : 57
العصر
4:32
المغرب
7 : 24
العشاء
8 :45