الإثنين 03 نوفمبر 2025م – 12 جُمادى الأولى 1447 هـ

حكم الانتقال في كفارة اليمين من الإطعام عند العجز إلى الصيام

تاريخ الفتوى: 02 أكتوبر 2025 م
رقم الفتوى: 8786
من فتاوى: فضيلة أ. د/ نظير محمد عياد - مفتي الجمهورية
التصنيف: النذور
حكم الانتقال في كفارة اليمين من الإطعام عند العجز إلى الصيام

سائل يقول: لزمتني كفارة يمين، وشرعت في الإطعام ولم أتمكَّن من إتمام إطعام العشرة مساكين، فهل يجوز لي الانتقال إلى الصيام، أم يجب عليَّ الانتظار حتى يتيسر حالي وأكمل الإطعام؟

إذا حنث الحالف في يمينه وجب عليه أداء الكفارة، وهو مخيَّر فيها بين إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فإن عجز عن ذلك كله كان عليه صيام ثلاثة أيام، فإذا قام بأيٍّ منها اعتُبرت ذمته بريئة، وإن لم يفعل، بقيت ذمته مشغولة ويُسأل عنها، وإذا بدأ بالإطعام ثمَّ عجز عن إتمامه، فإنَّه يجوز له الانتقال إلى صيام ثلاثة أيام، ولا يلزمه انتظار تحسُّن حاله أو حصول يساره؛ إذ المعتبر في الكفارات هو وقت الأداء.

المحتويات

 

التخيير في كفارة اليمين

الأيمان من العقود المؤكَّدة التي يجب صونها والوفاء بها؛ لقوله تعالى: ﴿وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾ [المائدة: 89]، والبِرُّ بها من تمام التقوى وصدق العبودية، غير أنَّه إذا كان في لزوم اليمين تفويت لمصلحة أرجح أو ارتكاب لمعصية شُرع الحنث والتكفير؛ لما ثبت عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» أخرجه الإمام مسلم.

ومن المقرَّر شرعًا أنّ اليمين المنعقدة إذا حنث صاحبها وجبت فيها الكفارة، وهي المنصوص عليها في قوله تعالى: ﴿فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ﴾ [المائدة: 89].

والحنث في اليمين هو: مخالفة الحانث لما حَلَف عليه، سواء كان ذلك بالفعل أو بالترك، كما في "شرح مختصر خليل" للعلامة الخرشي (3/ 71، ط. دار الفكر).

فإذا خالف الحالف ما التزمه في يمينه عامدًا، فقد أجمع الفقهاء على أنَّه يحنث وتلزمه الكفارة، وهو مخيَّر فيها بين: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو عتق رقبة، فيجزئه الإتيان بأيٍّ منها إذا كان قادرًا ومتمكِّنًا، كما اتفقوا على أنَّه لا يجوز له العدول إلى الصيام إلَّا عند عجزه عن جميع هذه الخصال، فإذا انتقل حينئذٍ يصوم ثلاثة أيَّام، ويجزئه ذلك من غير انتظار إلى تحوُّل حاله أو حصول يساره.

قال الإمام ابن المنذر في "الإشراف" (7/ 128-139، ط. مكتبة مكة الثقافية): [أجمع أهل العلم على أنَّ الحانث في يمينه بالخيار: إن شاء أطعم، وإن شاء كسا، وإن شاء أعتق، أيّ ذلك فعل يجزئه...، وأجمع أهل العلم على أنَّ الحالف الواجد للإطعام، أو الكسوة أو الرقبة: لا يجزئه الصوم إذا حنث في يمينه] اهـ.

وقال الإمام ابن حزم في "مراتب الإجماع" (160، ط. دار الكتب العلمية): [واتفقوا أنَّ من عجز عن رقبةٍ وكسوةٍ وإطعامٍ من حرٍّ أو عبدٍ ذكر أو أنثى في حين حنثه فكفر حينئذٍ ولم يؤخر إلى تبدل حاله فصام ثلاثة أيام يجوز صيامها متتابعات أجزأه] اهـ.

حكم التلفيق في كفارة اليمين بالتبعيض

كفارة اليمين لا تصح بالتبعيض، فلا يُجزئ أن يصوم المكلف بعض الأيام ثم يُطعم بعض المساكين، أو يبتدئ المكلف بالإطعام ثم يتحول إلى الصيام، بل إذا عجز المكلف عن الإطعام وجب عليه استئناف صيام ثلاثة أيام كاملة، وما وقع من إطعام ناقص فإنَّه يُعد صدقة يثاب عليها، ولا يسقط به شيء من الكفارة.

قال الإمام محمد بن الحسن الشيباني الحنفي في "الأصل -المعروف بالمبسوط-" (2/ 216-297، ط. دار ابن حزم) في باب الطعام والصيام في كفارة اليمين: [ولو أنَّ رجلًا أطعم خمسة مساكين في كفارة يمينه ثم احتاج كان عليه أن يستقبل الصيام ولا يجزي ذلك الطعام عنه...، ولو أنَّ رجلًا صام يومين ثمَّ أفطر وأطعم ثلاثة مساكين أو بدأ بالطعام ثم الصيام- لم يجزه ذلك، وكان عليه أن يستقبل الصوم إن كان لا يجد ما يطعم] اهـ.

وقال الشيخ الدردير المالكي في "الشرح الكبير -مع حاشية الدسوقي-" (2/ 133، ط.  دار الفكر): [(ولا تجزئ) الكفارة حال كونها (ملفقة) من نوعين فأكثر، كإطعام مع كسوة] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "روضة الطالبين" (8/ 310، ط. المكتب الإسلامي): [لا يجوز تبعيض كفارة، بأن يعتق نصف رقبة، ويصوم شهرًا، أو يصوم شهرًا، ويطعم ثلاثين] اهـ.

وقال الإمام البُهُوتي الحنبلي في "شرح منتهى الإرادات" (3/ 448، ط. عالم الكتب) عند كلامه عن كفارة اليمين: [(لا) يجزئ تكميل (الطعام) أو كسوة (بصوم)؛ لأنَّه لم يصم ثلاثة أيام ولم يكس أو يطعم عشرة مساكين (كبقية الكفارات)، فلا يجزئ فيها تكميل عتق بصوم أو إطعام، ولا تكميل صوم بإطعام] اهـ.

اختلاف الفقهاء في الوقت المعتبر في الكفارات

تختلف الكفارة بحسب حال الحانث في اليمين من اليسر والإعسار، فإذا حنث وهو موسرٌ، فهو مخيرٌ بين: الإطعام والكسوة؛ لأنَّ حكم العتق زال بزوال محلِّه وهو الرق، ولا يوجَب الصوم إلَّا عند العجز. وإذا حنث وهو معسِر، وجب عليه الصوم؛ لأنَّه عجز عن الإطعام والكسوة. أمَّا إذا طرأ عليه الإعسار بعد كونه موسرًا ولم يكفّر (وهو محل السؤال) فاختلف الفقهاء حينئذ، بناء على اختلافهم في الوقت المعتبر في الكفارات أهو وقت الأداء أم وقت الوجوب؟

فذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية في أظهر الأقوال إلى أنَّ المعتبر في الكفارة هو وقت الأداء، وَعَلَّلوا ذلك بأنَّ جانب العبادة هو الغالب فيها، والاعتبار في العبادات إنَّما يكون بحال المكلَّف عند الامتثال، قياسًا على الصلاة: فمن فاتته وهو عاجز عن القيام ثم قضاها قادرًا صلّاها قائمًا، ومن فاتته وهو قادر ثم قضاها عاجزًا صلّاها قاعدًا، فدل ذلك على أنَّ المدار على حال الأداء دون حال الوجوب، وعلى هذا فمَن كان موسرًا ثم أعسر قبل التكفير، تعيَّن في حقه الصوم.

قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (5/ 97-98، ط. دار الكتب العلمية) عند كلامه عن كفارة اليمين: [اختلف في أنَّ المعتبر هو القدرة والعجز وقت الوجوب أم وقت الأداء، قال: أصحابنا رحمهم الله: وقت الأداء... حتى لو كان موسرًا وقت الوجوب ثم أعسر جاز له الصوم عندنا] اهـ.

وقال القاضي عبد الوهاب المالكي في "عيون المسائل" (ص: 364، ط. دار ابن حزم): [الاعتبار في الكفارة وقت الأداء، مثل أن يحلف وهو معسر، فحنث وهو موسر أو بالعكس، وبه قال أبو حنيفة] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "روضة الطالبين" (8/ 298): [هل الاعتبار في اليسار والإعسار بوقت الأداء، أم بوقت الوجوب، أم بأغلظ الحالين؟ فيه أقوال: أظهرها: الأول، أي: وقت الأداء] اهـ.

وذهب الشافعية في قول، والحنابلة في أظهر الروايتين إلى أنَّ المعتبر في الكفارة هو وقت الوجوب لا وقت الأداء، فإذا حنث وهو موسرٌ ولم يكفر حتى صار معسِرًا، وجب عليه التكفير بالإطعام أو الكسوة دون الصيام، وتظل الكفارة باقية في ذمته حتى يوسر فيكفِّر، ويستحب له تعجيل التكفير بالصوم خوفًا من فواتها، أي: خشية ضياع حق الكفارة أو تعذُّر أدائها إذا تأخر عن ذلك.

قال الإمام الماوردي الشافعي في "الحاوي الكبير" (15/ 315، ط. دار الكتب العلمية): [هل يعتبر بالكفارة حال الوجوب أو يعتبر بها حال الأداء؟... أحدها: أنَّ المعتبر بها حال الوجوب وهو المنصوص عليه في هذا الموضع من كتاب الأيمان، فإذا حنث وهو موسرٌ فلم يكفر بالمال حتى أعسر ففرضه التكفير بالمال دون الصيام وتكون الكفارة باقية في ذمته حتى يوسر فيكفر، ويستحب له أن يعجل بالتكفير بالصيام استظهارًا حذرًا من فوات التكفير] اهـ.

وقال الإمام  شمس الدين الزركشي الحنبلي في "شرحه على مختصر الخرقي" (7/ 146، ط. دار العبيكان) في الصيام في كفارة اليمين: [وقد اختلف عن إمامنا رحمه الله في هذه المسألة -أي: الاعتبار في الكفارات-، (فعنه) كما هو ظاهر كلام الخرقي الاعتبار بحال الوجوب، وهذا اختيار القاضي في تعليقه، والشريف وأبي الخطاب في خلافيهما، وابن شهاب وأبي الحسين، والشيرازي، وابن عقيل وغيرهم؛ لأنَّه حين الاستقرار في الذمة، لأنَّه لو فعل ما وجب عليه إذ ذاك لأجزأه بلا ريب، ولأنَّ الكفارة وجبت على وجه الطهرة، فاعتبرت بحال الوجوب كالحد] اهـ.

وذهب الشافعية في قولٍ ثالث مُخَّرج، والحنابلة في رواية أخرى إلى أنَّ المعتبر بالكفارة أغلظ الأمرين من وقت الوجوب ووقت الأداء؛ لأنَّها تكفير عن ذنب، فكانت بالتغليظ أخص، ولأنَّها حق ثابت في الذمة متى وجد المال، فأشبهت الحج إذ لا يجب إلا مع تحقق اليسار.

قال الإمام البغوي الشافعي في "التهذيب" (6/ 182، ط. دار الكتب العلمية): [فصل: الاعتبار فيما يجب أن يكفر به بحالة الوجوب، أم بحالة الأداء فيه ثلاثة أقوال: ...، القول الثالث: يعتبر فيه أغلظ الأحوال من حين الوجوب إلى حين الأداء؛ لأنَّه حق يجب في الذمة، لوجود المال، فيعتبر فيه أغلظ الأحوال كالحج] اهـ.

وقال الإمام شمس الدين الزركشي الحنبلي في "شرحه على مختصر الخرقي" (7/ 146) في الصيام في كفارة اليمين: [وقد اختلف عن إمامنا رحمه الله في هذه المسألة -أي: الاعتبار في الكفارات-، (وعنه): الاعتبار بأغلظ الأحوال، اختارها القاضي في روايتيه، وحكاها الشريف وأبو الخطاب عن الخرقي...، وجه هذا القول بأنَّه حق يجب في الذمة بوجود مال، فاعتبر بأغلظ الحالين كالحج] اهـ.

المختار للفتوى في الوقت المعتبر في الكفارات

المختار للفتوى أنَّ المعتبر في الكفارات هو حال المكلف من عسر أو يسار وقت الأداء دون حاله وقت الوجوب؛ لأنَّ التكليف يتعلق بزمن الامتثال، إذ هو الوقت الذي تتوجه فيه المطالبة بالفعل، والتكليف باعتبار حالٍ ماضٍ قد تغيَّر يوقع في العسر والحرج، بخلاف اعتبار الحال الحاضر فإنَّه أيسر في التقدير وأقرب إلى مقصود الشرع من رفع المشقة ودفع الحرج، وعليه: فمن حنث وهو موسرٌ ثم طرأ عليه الإعسار ولم يكفر جاز له أن يكفر بالصيام؛ لأنَّه عجز عن المبدل وهو الإطعام أو الكسوة فيجوز له العدول إلى البدل وهو الصيام.

الخلاصة

بناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: فإذا حنث الحالف في يمينه وجب عليه أداء الكفارة، وهو مخيَّر فيها بين إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فإن عجز عن ذلك كله كان عليه صيام ثلاثة أيام، فإذا قام بأيٍّ منها اعتُبرت ذمته بريئة، وإن لم يفعل، بقيت ذمته مشغولة ويُسأل عنها، وإذا بدأ بالإطعام ثمَّ عجز عن إتمامه، فإنَّه يجوز له الانتقال إلى صيام ثلاثة أيام، ولا يلزمه انتظار تحسُّن حاله أو حصول يساره؛ إذ المعتبر في الكفارات هو وقت الأداء.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

هل مجرد العزم على الفطر دون تناول طعام أو شراب يفسد الصوم؟ فقد نويتُ صوم واجب عليَّ، وبعد أن شرعتُ فيه تذكَّرت بعض الأعمال الشاقة التي ينبغي عليَّ القيام بها، فعزمتُ على الفِطْر، لكن لم أتناول الطعام أو الشراب، ثم رَجعتُ عن هذا العَزْم وأكملتُ الصوم، فهل يصح صومي في هذه الحالة أو لا؟


هل تجب على اليمين الغموس كفارة؟ فأنا حلفت بالله وأنا كاذب؛ لكي أرفع الحرج عن نفسي في موقفٍ ما؛ إذ لو علمه أبي لغضب مني. والآن أنا تبت من هذا الذنب، فهل يجب عليَّ كفارة يمين؟


سائل طلب بيان الرأي الشرعي فيما يأتي:
أولًا: متى تجب زكاة الفطر على الصائم؟ ومتى تسقط عنه؟
ثانيًا: هل يجوز للفقير الاتفاق مع فقير آخر لتبادل إخراج زكاة الفطر بينهما؟
ثالثًا: هل يجوز صرف زكاة الفطر لدور الأيتام وإنشاء مستشفيات العلاج المجانية؟


ما حكم الاجتماع في ليالي رمضان للاستماع لقراءة القرآن من القراء الذين يحسنون أداءه، وإنشاد المدائح والقصائد الدينية؟ حيث اعتدنا في قريتنا أن نجتمع بعد صلاة التراويح للاستماع لقارئ يقرأ القرآن الكريم، وأحيانًا يتبعه شيء من المديح النبوي وإنشاد القصائد الدينية، ويصحب ذلك تقديم بعض المأكولات والحلويات والمشروبات، وأحيانًا تقديم وجبة السحور؛ فرحًا بالشهر الكريم من ناحية، وفرحًا لتجمع الأهل والأحباب والجيران كبارًا وأطفالا أغنياء وفقراء من ناحية أخرى، ونسمي ذلك "سهرات رمضان"، فهل هذا يعد من إحياء ليالي رمضان؟ وهل نثاب عليه؟ وهل هو موافق أو مخالف للسنة النبوية؟


ما حكم تعويد الصبي الصغير على الطاعة وحمله عليها؟



مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 03 نوفمبر 2025 م
الفجر
4 :42
الشروق
6 :10
الظهر
11 : 38
العصر
2:44
المغرب
5 : 6
العشاء
6 :25