حكم التدخين في نهار رمضان للصائم

حكم التدخين في نهار رمضان للصائم

هل التدخين في نهار رمضان من المفطرات؟ حيث إن أحد أصدقائي قد ابتلي بالتدخين، وقد اقترب دخول شهر رمضان الكريم، ويشق عليه الصيام بسبب امتناعه عن التدخين طوال النهار، لكنه يصوم ويمتنع عن التدخين، وقد سمع أحد الناس يقول: إن دخان السجائر لا يفطر، بخلاف دخان الشيشة فإنه يفطر، وقد سألني عن مدى صحة هذا الكلام، فنرجو من فضيلتكم التكرم بإفادتنا بالحكم الشرعي في تلك المسألة.

التدخين في نهار رمضان من المفطرات، فيحرم على الصائم أن يفسد صومه بالتدخين، سواء كان في صورة سجائر أو الشيشة أو غير ذلك، ولا عبرة بأقوال هؤلاء الذين يقولون: إن تدخين السجائر غير مفطر، فهذا ادعاء بغير دليل ومخالف لما قرره الأطباء والمتخصصون من كون تدخين السيجارة ونحوها يحتوي على مواد لها جرم تدخل في حَلْق المدخن وجوفه، فتفسد صومه.

التفاصيل ....

المحتويات

 

مدى اعتبار التدخين في نهار رمضان من المفطرات

المقرَّر شرعًا أنه يجب على المسلم أن يمتنع عن المفطرات في نهار رمضان، وهي الطعام والشراب والجماع، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183].

قال الإمام الواحدي في "الوجيز في تفسير الكتاب العزيز" (ص: 149، ط. دار القلم): [﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ يعني صيام شهر رمضان ﴿كَمَا كُتِبَ﴾ يعني: كما أُوجب ﴿علَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ أَيْ: أنتم مُتَعَبَّدون بالصِّيام كما تُعبِّد مَنْ قبلكم ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ لكي تتقوا الأكل والشُّرب والجماع في وقت وجوب الصَّوم] اهـ.

و"السيجارة: هي قدر من التبغ المفري يلف فِي ورقة رقيقَة ليدخن، كما في "المعجم الوسيط" لمعجم اللغة العربية- القاهرة (1/ 467، ط. دار الدعوة)، والتدخين بكافة أنواعه وصوره كتدخين سجائر التبغ والشيشة والسجائر الإلكترونية ونحو ذلك -يعد من الأمور التي تفسد الصيام وتفطر الصائم؛ لأن التدخين يحتوي على جرم لمواد تدخل إلى الجوف كمادة النيكوتين، والقطران، والفينول، وأول أكسيد الكربون، إضافة إلى مواد أخرى كثيرة، وهذه المواد تمر من خلال الدخان الذي يملأ جوف المدخن ورئته إلى الدم عبر الغشاء الفاصل بين الحويصلات الرئوية والشعيرات الدموية. يُنظر: "التدخين آفة العصر من الألف إلى الياء" للدكتور سمير أبو حامد (ص: 13، 17، ط. خطوات للنشر).

الأجرام التي تدخل الجوف أو الحلق ويمكن التحرز منها

قد نص جمهور الفقهاء على أن كل جرم يدخل الجوف أو الحلق مما يمكن الاحتراز منه يفسد به الصوم، قال الإمام البابرتي الحنفي في "العناية شرح الهداية" (2/ 342-243، ط. دار الفكر): [وقوله: (وإن داوى جَائِفَةً أو آمَّةً) الجائفة اسم لجراحة وصلت إلى الجوف، وَالْآمَّةُ اسم لجراحة وصلت إلى الدماغ (والذي يصل هو الرطب) وإنما قيد بالرطب في ظاهر الرواية فرقًا بين الدواء الرطب واليابس، وأكثر مشايخنا على أن العبرة بالوصول، حتى إذا علم أن الدواء اليابس وصل إلى جوفه فسد صومه] اهـ.

وقال الإمام الكاساني في "بدائع الصنائع" (2/ 106، ط. دار الكتب العلمية): [ويكره للصائم أن يذوق العسل أو السمن أو الزيت ونحو ذلك بلسانه ليعرف أنه جيد أو رديء، وإن لم يدخل حلقه ذلك، وكذا يكره للمرأة أن تذوق المرقة لتعرف طعمها؛ لأنه يخاف وصول شيء منه إلى الحلق فتفطر] اهـ.

وقال الإمام الزَّبِيدِيُّ اليمني الحنفي في "الجوهرة النيرة" (1/ 138، ط. المطبعة الخيرية): [وإن دخل حلقه غبار الطاحونة، أو غبار العدس وأشباهه، أو الدخان، أو ما سطع من غبار التراب بالريح، أو بحوافر الدواب، لم يفسد صومه؛ لأن هذا لا يمكن الاحتراز عنه] اهـ.

وقال الإمام العيني الحنفي في "البناية شرح الهداية" (4/ 65، ط. دار الكتب العلمية): [وفي "السليمانية": من تبخر بالدواء فوجد طعم الدخان في حلقه يقضي الصوم] اهـ.

وقال العلامة الشرنبلالي الحنفي في حاشيته على "درر الحكام للملا خسرو" (1/ 202، ط. دار إحياء الكتب العربية): [وفي "فتح القدير": الدخان والغبار إذا دخل الحلق لا يفسد، فإنه لا يستطاع الاحتراز عن دخولهما من الأنف إذا طبق الفم اهـ. قلت: فعلى هذا إذا أدخل الدخان حلقه فسد صومه، أيَّ دخان كان] اهـ.

وقال العلامة ابن عابدين الحنفي في "حاشيته على الدر المختار" (2/ 395، ط. دار الفكر): [(قوله: أنه لو أدخل حلقه الدخان) أي بأي صورة كان الإدخال، حتى لو تبخر ببخور وآواه إلى نفسه واشتمه ذاكرًا لصومه أفطر؛ لإمكان التحرز عنه، وهذا مما يغفل عنه كثير من الناس، ولا يتوهم أنه كشم الورد ومائه والمسك؛ لوضوح الفرق بين هواء تطيب بريح المسك وشبهه، وبين جوهر دخان وصل إلى جوفه بفعله إمداد] اهـ.

وقال الإمام القرافي المالكي في "الذخيرة" (2/ 506، ط. دار الغرب الإسلامي): [الرابع: من تبخر للدواء فوجد طعم الدخان في حلقه، يقضي الصوم] اهـ.

وقال الإمام ابن رشد الحفيد المالكي في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" (2/ 52، ط. دار الحديث): [وأجمعوا على أنه يجب على الصائم الإمساك زمان الصوم عن المطعوم والمشروب والجماع... واختلفوا من ذلك في مسائل: منها مسكوت عنها، ومنها منطوق بها. أما المسكوت عنها: إحداها: فيما يرد الجوف مما ليس بمغذ، وفيما يرد الجوف من غير منفذ الطعام والشراب مثل الحقنة، وفيما يرد باطن سائر الأعضاء ولا يرد الجوف مثل أن يرد الدماغ ولا يرد المعدة.

وسبب اختلافهم في هذه هو: قياس المغذي على غير المغذي، وذلك أن المنطوق به إنما هو المغذي. فمن رأى أن المقصود بالصوم معنى معقول لم يلحق المغذي بغير المغذي، ومن رأى أنها عبادة غير معقولة، وأن المقصود منها إنما هو الإمساك فقط عما يرد الجوف سوَّى بين المغذي وغير المغذي.

وتحصيل مذهب مالك أنه يجب الإمساك عما يصل إلى الحلق من أي المنافذ وصل، مغذيًا كان أو غير مغذ] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (3/ 121، ط. مكتبة القاهرة): [... أنه يفطر بكل ما أدخله إلى جوفه، أو مجوف في جسده كدماغه وحلقه، ونحو ذلك مما ينفذ إلى معدته، إذا وصل باختياره، وكان مما يمكن التحرز منه، سواء وصل من الفم على العادة، أو غير العادة كالوجور واللدود، أو من الأنف كالسعوط، أو ما يدخل من الأذن إلى الدماغ، أو ما يدخل من العين إلى الحلق كالكحل، أو ما يدخل إلى الجوف من الدبر بالحقنة، أو ما يصل من مداواة الجائفة إلى جوفه، أو من دواء المأمومة إلى دماغه، فهذا كله يفطره؛ لأنه واصل إلى جوفه باختياره، فأشبه الأكل] اهـ.

نصوص الفقهاء الواردة في هذه المسألة

قد نص فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية على أن جِرم دخان السجائر ونحوها مما يفسد به الصوم قطعًا، قال العلامة ابن عابدين في حاشيته "رد المحتار" (2/ 395) في باب: ما يفسد الصوم وما لا يفسده: [(قوله: أنه لو أدخل حلقه الدخان) أي بأي صورة كان الإدخال... وبه علم حكم شرب الدخان، ونظمه الشرنبلالي في "شرحه على الوهبانية" بقوله:

ويمنع من بيع الدخان وشربه ... وشاربه في الصوم لا شك يفطر

ويلزمه التكفير لو ظن نافعًا ... كذا دافعًا شهوات بطن فقرروا] اهـ.

ونصَّ عليه أيضًا (6/ 459) في كتاب: الأشربة بقوله: [وفي "شرح الوهبانية" للشرنبلالي: ويمنع من بيع الدخان، وشربه، وشاربه في الصوم لا شك يفطر] اهـ.

وقال العلامة العدوي المالكي في "حاشيته على شرح الخرشي لمختصر خليل" (2/ 250، ط. دار الفكر): [الدخان الذي يشرب مفطر إذ هو متكيف ويصل إلى الحلق، بل إلى الجوف أحيانًا ويقصد عب] اهـ.

وقال الإمام الشرواني الشافعي في "حاشيته على تحفة المحتاج" (3/ 400، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [(قوله: أي عين كانت... إلخ) ومن العين: الدخان المشهور وهو المسمى بالتتن، ومثله التنباك فيفطر به الصائم؛ لأن له أثرًا يحس كما يشاهد في باطن العود. شيخنا عبارة الكردي على بافضل، وفي "التحفة"، و"فتح الجواد": عدم ضرر الدخان، وقال سم: في شرح أبي شجاع: فيه نظر؛ لأنَّ الدخان عين اهـ، وعبارة بعض الهوامش المعتبرة: ويفطر الصائم بشرب التنباك؛ لأنه بفعل فاعل يتولد منه لا أثر، وقد صرح بذلك الشيخ علي بن الجمال المكي وغيره كالبرماوي على الغزي والشيخ العلامة عبد الله بن سعيد باقشير وغيرهم] اهـ.

الرد على من ينكر أن التدخين لا يبطل الصوم

أما بالنسبة لما يدعيه بعض الناس أن تدخين السجائر لا يفطر بخلاف الشيشة ، فهذا كلام غير صحيح، ومخالف لما نص عليه الأطباء من أن كافة أنواع التدخين كالسجائر والشيشة تصل من خلالها المواد إلى حلق وجوف الإنسان فتفسد صومه، كل ما في الأمر أن تدخين السيجارة هي الطريقة الأكثر شيوعًا وألفة بين الناس وأرخصها. يُنظر: "التدخين آفة العصر من الألف إلى الياء" (ص: 10).

وهو المفهوم مما قرره العلامة الدردير المالكي في "الشرح الكبير" (1/ 525، ط. دار الفكر) بقوله: [(و) بترك إيصال (بخور) -بفتح الباء- أي: الدخان المتصاعد من حرق نحو العود، ومثله: بخار القدر فمتى وصل للحلق أوجب القضاء، ومنه: الدخان الذي يُشْرَب أي يمص بالقصب ونحوه، فإنه يصل للحلق بل للجوف بخلاف شم رائحة البخور ونحوه من غير أن يدخل الدخان للحلق فلا يفطر] اهـ.

الخلاصة

بناء عليه: فإن التدخين في نهار رمضان من المفطرات، فيحرم على الصائم أن يفسد صومه بالتدخين، سواء كان في صورة سجائر أو الشيشة أو غير ذلك، ولا عبرة بأقوال هؤلاء الذين يقولون: إن تدخين السجائر غير مفطر، فهذا ادعاء بغير دليل ومخالف لما قرره الأطباء والمتخصصون من كون تدخين السيجارة ونحوها يحتوي على مواد لها جرم تدخل في حَلْق المدخن وجوفه، فتفسد صومه.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا