01 يناير 2017 م

"حادث شق الصدر"

"حادث شق الصدر"

قضى الحبيب صلى الله عليه وسلم قرابة خمس سنوات في أجواء الصحراء المفتوحة حيث الطبيعة النقية والتنشئة الصحية، يقول الشيخ محمد الغزالي: "وتنشئة الأولاد في البادية، ليمرحوا في كنف الطبيعة، ويستمتعوا بجوِّها الطلق وشعاعها المرسل، أدنى إلى تزكية الفطرة، وإنماء الأعضاء والمشاعر، وإطلاق الأفكار والعواطف". [فقه السيرة].

لقد شاءت إرادة الله تعالى أن يُشق صدر رسوله صلى الله عليه وسلم مرتين؛ أولاهما وهو صغير دون الخامسة في بادية بني سعد، والثانية ليلة الإسراء والمعراج.

يدل على ذلك ما ورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل صلى الله عليه وسلم وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقةً فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لَأَمَه-أي جمعه وضم بعضه إلى بعض-ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه -يعني مرضعته-فقالوا: إن محمدًا قد قُتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون، قال أنس: وقد كنت أرى أثر المخيط في صدره". [رواه مسلم].

إن وقوع هذا الحادث كان سببًا في تعجيل مرضعته إعادته صلى الله عليه وسلم إلى أمه بمكة رغم تعلقها الشديد به بسبب بَركته إلا أن الخوف من أن يصيبه أذًى أو أن يمسه سوء حملها على ذلك.

ولا شك أن لهذا الحادث مغزًى عظيمًا؛ فقد شاءت إرادة الله تعالى أن يتهيأ قلبه صلى الله عليه وسلم منذ صغره لتحمل الأمانة بالتخلية من حظ الشيطان حتى لا يتلوث بشيء مما يقع فيه كثير من الناس في سنوات العمر الأولى من اللهو أو انحراف الفطرة، فمعلوم أنه صلى الله عليه وسلم لم يسجد لصنم قط ولم يَلْهُ كما يلهو الغلمان.

وقد ذكر الدكتور البوطي رحمه الله الحكمة من وقوع حادث شق الصدر بقوله: "يبدو أن الحكمة في ذلك إعلان أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وتهييؤه للعصمة والوحي منذ صغره بوسائل مادية ليكون ذلك أقرب إلى إيمان الناس به وتصديقهم برسالته، إنها إذن عملية تطهير معنوي، ولكنها اتخذت هذا الشكل المادي الحسي؛ ليكون فيه ذلك الإعلان الإلهي بين أسماع الناس وأبصارهم". [فقه السيرة].

 

ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى أُولِي الْعَزْمِ منَ الرُّسُل في قوله: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف: 35]، والمرادُ بِالْعَزْمِ: القُوَّةُ وَالشّدّةُ وَالحزمُ والتصميم في الدعوة إلى الله تعالى وإعلاء كلمته، وعدم التهاون في ذلك.


كان انتهاء حصار الشِّعْبِ في المحرم من السنة العاشرة للبعثة، وتُوفي أبو طالب بعد ذلك بستة أشهر أي في شهر رجب، فلم يمض على خروجه من الشِّعْبِ إلا أشهر معلومات حتى أصابه مرض الوفاة ثم توفي.


مضت الأيام وأقبل موسم الحجِّ عام 621م، وفيه وفد اثنا عشر رجلًا من أهل يثرب، فأزالت أخبارهم السَّارَّة كلَّ هموم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما لاقاهم في المكان المُتفق عليه. وحينما التقى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بوفد المدينة، حدَّثوه بأنَّ أهل بلده ينتظرونه ليلتفُّوا حوله ويعتنقوا رسالته حتى يمكنهم أن ينتصروا على اليهود ويتخلَّصُوا مما يحيط بهم من الخلاف والشِّقَاقِ.


بدأ الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم حياته العملية برعي الغنم، ثم انتقل للعمل بالتجارة، فقد ورد أنه عليه الصلاة والسلام رافق عمه أَبَا طَالِبٍ في رحلة تجارية إلى الشام وهي تلك الرحلة التي لقيهم فيها راهب نصراني اسمه (بحيرا) وسألهم عن ظهور نبي من العرب في هذا الزمن، وعندما أمعن النظر في الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم، وتكلم معه عرف أنه هو نبي آخر الزمان المنتظر، الذي بشَّر به عيسى عليه السلام؛ ولذا فقد حذَّر هذا الراهب أَبَا طَالِبٍ من اليهود، وطلب منه أن يعود به إلى مكة سريعًا وقد أخذ أبو طالب بالنصيحة.


لما أراد الله سبحانه إظهار دينه وإعزاز نبيِّه، وإنجاز وعده له خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم في موسم الحَجِّ، فعرض نفسَه على قبائل العرب؛ كما كان يصنع في كلِّ موسمٍ، فبينما هو عند العقبة ساق اللهُ نفرًا من الخزرَجِ أراد الله بهم خيرًا، فكانوا طلائع هذا النور الذي أبى اللهُ إلا أن يكون من المدينة.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 25 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :16
الشروق
6 :49
الظهر
11 : 55
العصر
2:43
المغرب
5 : 2
العشاء
6 :25