ما حكم النذر إذا تم بغير قبض المنذور؟ فقد توفي رجلٌ عن ثلاث بنات وله مال، فنذر لبنتٍ منهنَّ بجميع المال الذي في جهة إقامتها سواء كان له بطريق الإرث من مورثيه أو غيره أو بطريق الشراء أو غيره، وكان الناذر متَّصفًا بأكمل الصفات المعتبرة شرعًا، فهل النذر صحيحٌ ولا عبرة بكونها من جملة الورثة، أو فاسدٌ لا يعتبر لكونها من الورثة المستحقين في إرث أبيهم؟ وهذه صورة النذر: "إنه في يوم كذا بمصر، أنا مقيم بمصر أشهد على نفسي طائعًا مختارًا بأني قد نذرت لبنتي جميع ما أمتلكه بناحية كذا بحقِّ القسمة بيني وبين أخي المرحوم من ديارٍ ومالٍ ونخلٍ ونحاسٍ وفراشٍ وزبورٍ وأرضٍ ومصاغٍ، وكل ما سمي مالًا سواء كان ما أمتلكه في الجهة المذكورة كان إرثًا أو شراءً أو غير ذلك، كما نذرت لها أيضًا جميع ما جرَّه الإرث الشرعي إليَّ من ابن أخي المتوفى بهذه الناحية، وكذا جميع ما آل إليَّ من ابن أخي المذكور في الحجاز سواء كان بمكة المكرمة أو بجدة على الشيوع في جميع ذلك. وأُقرُّ بأني لم يحصل مني أدنى تصرف في الأعيان المذكورة إلى تاريخه. وذلك نذرٌ صحيحٌ شرعيٌّ قُربةً لله تعالي وابتغاءَ مرضاته، وقد صدر مني هذا وأنا بأكمل الأوصاف المعتبرة شرعًا، وقد تحرر هذا مني نذرًا بذلك بحضور شهادة الشهود الموقِّعين أدناه. والله تعالى خير الشاهدين".
حكم النذر إذا تم بغير قبض المنذور
مجرَّد هذا النذر لا يفيد المِلكَ للمنذور لها ما دامت لم تقبض المنذور في حياة الناذر وصحته، كما أنه ليس بوصية؛ لأنه غير مضافٍ إلى ما بعد الموت.
التفاصيل ....اطلعنا على هذا السؤال، ونفيد بأن مجرَّد هذا النذر لا يفيد الملكَ للمنذور لها؛ لأنه إن كان المراد من كلمة "نذر" معنى وهب أو تصدق فلا تملك البنتُ المذكورةُ ما منحه لها والدها إلا إذا قبضته في حياته وصحته لا في مرض الموت قبضًا معتبرًا؛ بأن تقبض المُتصدَّق به عليها أو الموهوب لها بعد القسمة وفرزه فيما يحتمل القسمة، أو قبضه شائعًا فيما لا يحتمل القسمة، أما إذا لم تقبضه أصلًا مطلقًا فيما يحتمل القسمة وفيما لا يحتمل أو قبضته قبضًا غير معتبر بأن قبضته وهو شائعٌ فيما يحتمل القسمة فلا مِلك لها في ذلك؛ وذلك لأن الهبة أو الصدقة لا تتم إلا إذا قبضه الموهوب له أو المتصدق عليه قبضًا معتبرًا، نعم، إذا كانت البنتُ صغيرةً يتم التصدق أو الهبة من غير احتياج إلى قبضٍ جديدٍ إذا كان المُتصدَّق به أو الموهوب شائعًا فيما لا يحتمل القسمة، وكان ذلك في يد والدها أو يد مودعه أو المستعير منه، وإلا فلا بد من قبضٍ جديد.
وإن كان المراد من "النذر" في عبارته النذر الشرعي وهو إيجاب الشخص على نفسه قربة مقصودة من جنسها واجب، كان هذا النذر أيضًا غير مفيد بمجرده لملك البنت المذكورة للمنذور، وإنما يستفاد الملك إذا تصدق فعلًا عليها به ووجد منها القبض على الوجه المذكور.
هذا، وقد جاء في "فتاوى الكازروني" ما نصه: [وسئل العلامة الشيخ عبد الرحمن بن عيسى المرشدي عن شخص أنذر على ابن ابنه ببعض عين معروفة، ثم مكث المنذر مدة وباع العين التي أنذرها كلها، والباقي الذي استبقاه عن النذر، فادَّعى الذي أنذر عليه أن له فيها حصة، وأنه شافع في الباقي، فهل تثبت له شفعة أم لا إلا حصته، أم لم يثبت له شيء حيث البائع هو الجد؟ هذه عبارة السؤال بنصها، فأجاب: إن رجع الجد في العين المذكورة قبل أن يقبضها المنذور له صح بيعه ولم يكن للمنذور فيها حق. والله أعلم] اهـ.
هذا، وليس ما صدر من المشهد المذكور بوصية لابنته؛ لعدم الإضافة إلى ما بعد الموت.
هذا ما ظهر لنا أخذًا من قواعد فقهاء الحنفية حيث كان الحال كما ذكر بالسؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.